تجربة قراءة... تجربة حياة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل ارتويت؟ انه عطش ساغب.. اربعون عاما ولازلت الهث خلف صفحات الكتب.. عطش متجدد، ليس فيه من كتاب اخير..

اذكر الكتاب الاول، او بتعبير ادق الكتب الاولى.. ومعها ايام مرضي الذي اجبرني على دخول المستشفى للعلاج..

عند خروجي من المستشفى، في رحلة نقاهة اجبارية، منعتني من العودة الى المدرسة، زارني معاون المدير مع مجموعة من الاصدقاء، درس تربوي يفتقد اليه اجيال التلاميذ والمعلمين في زماننا الحاضر..

جاءوا بايديهم المحملة بالخير. اذكر خيرهم العميم حتى اللحظة، لا يمكن نسيان تلك الاصابع الطرية وهي تقدم لي مجموعة من الكتب، هدية الاصدقاء في الصف الدراسي..

رقدت تلك الكتب على سريري، البؤساء لفيكتور هيجو شاركوني لحظات تجرع مرارة الدواء، والحرمان من بعض الاطعمة.. عرائس المروج لجبران خليل جبران كانت تاخذ بيدي الى حقول الورد والياسمين، العواصف لنفس الكاتب، كنت اسمع صرخاتها تدوي في وحدة الليل، والاجنحة المتكسرة كنت اراها واسمع حطامها المتساقط.

كنت اشعر بالمتعة وانا اقرأ اولى السطور، انها تختلف عن سطور المناهج المدرسية، فيها كثير من الخيال، كنت اطارده واحاول الامساك به، لم استطع. وكيف استطيع ذلك وانا اخذت ابني خيالات جديدة خاصة بي؟

لم اقتصر على تلك الكتب في ذلك العمر، كان والدي عند خروجي معه، ياخذني الى مكتبة في منطقتنا السكنية، كنت اختار عددا من المجلات، تعرفت على مجلتي والمزمار، واقتنيت كتاب اناشيد لسلمان العيسى، اذكر عنوانه، القطار الاخضر..

في الرابعة عشر من عمري اصبحت لدي مكتبة كبيرة، او هكذا اتصور ذلك في تلك السنوات..

تعددت عناوين تلك الكتب، ولم تعد مقتصرة على اسماء حفلة التعارف الاولى.. ومع تلك العناوين كانت المتعة والانبهار متلازمان، حتى لو كنت اقرأ صفحات لا افهمها، فهي اكبر من ادراكي في ذلك الوقت..

لم اترك كتابا يقع بين يدي الا وقرأته، احيانا اشعر بالندم على عدد من العناوين التي صرفت المال والجهد لاجلها، الا اني اتراجع عن ندمي هذا، فلولا تلك العناوين لم استطع ان اميز بين الجيد والرديء خلال استمراري في القراءة، وهي ايضا قد تكون وجهة نظر لكاتب اجهد نفسه في قولها، وعلي ان احترم وجهة نظره، سواءا عبر عنها بطريقة جيدة او رديئة.. اكتفي بتلك المقدمة، واستعير من ويكيبيديا تعريفها للقراءة.

(القراءة هي عملية معرفية تقوم على تفكيف رموز تسمى حروفا لتكوين معنى والوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك. وهي جزء من اللغة واللغة هي وسيلة للتواصل أو الفهم. والقراءة هي وسيلة استقبال معلومات الكاتب أوالمرسل للرسالة واستشعار المعنى وهي وسيلة للتثقيف).

وللقراءة عدة مباديء:

القراءة تحتاج إلى معرفة القارئ هجاء الكلمة ونطقها وربط الكلمة بمعناها.

تعتمد طريقة قراءة النص على مقدار تعقد النص ومدى فهم القارئ لموضوعه والهدف من القراءة سواء أكان الهدف تعليميا أو بهدف التسلية.

إن تعلم القراءة بحاجة ان يتعلم القارئ التحكم في قراءته حسب المادة المقروءة وقدرته على الاستيعاب.

تتطلب القراءة الجيدة تعلم المحافظة على الانتباه ومعرفة أن المادة المقروءة يمكن أن تكون ممتعة ومفيدة.

القراءة الجيدة تتطلب الاستمرارية والممارسة والتحسين المستمر.

في كتاب (تاريخ القراءة) للأرجنتيني (ألبرتو مانغويل) ياخذنا الكاتب في رحلة شيقة مع الكتاب والكاتب.. على اعتبار ان(التاريخ الحقيقى للقراءة هو فى الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة)، قابضا بذلك على مدخله الشخصي لذلك البهو الواسع.. ومدخلك أنت أيضا.

من تاريخه الخاص والأقدم يبدأ الكاتب الأرجنتينى «ألبرتو مانغويل» تتبعه لتاريخ القراءة انطلاقا من طفولته القرائية ودون أن يفارق، تماما، حكايته الشخصية كقارئ، يذهب مانغويل فى كتابه إلى تاريخ القراءة، أو بمعنى أدق أحد تواريخ القراءة، لأن «تاريخا واحدا من تواريخ القراءة الذى يعتمد على نيات معينة وسيرة حياة شخصية لا يمكن أن يكون إلا تاريخا من جملة تواريخ كثيرة»، وفى سرده هذا يمزج الكونى بالشخصى والعام بالخاص، مقتربا بالعلاقة بين القارئ والكتاب إلى المستوى الجسدى الموصول بالحواس «العين تجمّع الكلمات على الصفحة، والأذن ترجّع صدى الكلمات المقروءة، والأنف يشمّ رائحة الورق والصمغ والحبر والورق المقوّى أو الجلد، والأنامل تتحسس الصفحات الناعمة أو الخشنة، والتجليد الناعم أو القاسى، وحتى حاسة الذوق تشارك فى العملية عندما يرفع القارئ إلى فمه الأصبع الموجودة على الصفحة».

ويشرح الكاتب أشكال القراءة، كقراءة الظلال، وقراءة الصور، وكيف تطلق للقارئ مساحاتٍ من الحرية والتأويل، انتقالًا إلى طقوس القراءة، وما الذى يرتبط بالقراءة الوحدانية أو المنفردة، وكيف كانت القراءة الصامتة بدعة جديدة أدهشت القديس أوغسطينس فى القرن الرابع للميلاد، وهو يلاحظ القديس أمبروسيوس، أسقف مدينة ميلانو وهو يقرأ بعينيه بينما قلبه يستقبل المعانى. ويتطرق مانغويل كذلك لمكان القراءة وكيف تستهوى القراءة فى الفراش أفرادا عديدين مثل الروائية الأمريكية «إيدث وارتون» التى كانت تعد غرفة نومها المهرب الوحيد من التزامات القرن الـ 19، حيث كانت تستطيع أن تقرأ وتكتب فى فراشها بكل هدوء، ومثلها الكاتبة «آنى دلارد»، والكاتب مانغويل ذاته، الذى استغل الحديث عن القراءة الوحدانية فى الفراش لاستعراض أشكال الأسرة وغرف النوم فى القرون المختلفة، وكيفية تعليق الستائر فى الغرف وبين الطبقات. القراءة عند مانغويل ( مثل التنفس إنها وظيفة حياتية أساسية)..

مع التطور الحاصل في وسائل الاتصال، ومع سرعة جريان الزمن وانشغالات الانسان الكثيرة، التي لاتدع له مجالا اوسع لاستثماره في القراءة، ياتي كتاب (القراءة الذكية) لساجد العبدلي، بهدف تمكين القارئ أن يتعلم كيف يتحول جذرياً في كيفية قراءاته للكتب من حيث القراءة بذكاء وبسرعة وبإدراك كبير.

يطرح المؤلف أدوات مساعدة للقراءة أسماها خماسية فن القراءة هي كالتالي:

ماذا أقرأ؟

يجيب العبدلي بأنه ينبغي قراءة كل ما نحبه ونستمتع به، وقراءة كل ما هو مفيد، كما يحذر من الفخ الذي يقع فيه الكثير من القراء وهو الرغبة في قراءة الكتاب كاملاً ويستشهد العبدلي بمقولة اوسكار وايلد:«إذا وجدت أنك لا تستمتع بقراءة الكتاب نفسه مرة بعد مرة فاعلم أنه لا داعي لأن تقرأه على الإطلاق.»

لماذا أقرأ؟

يحدد العبدلي سبعة أهداف للقراءة: الرغبة في الاستمتاع والحصول على الثقافة العامة، استكشاف الصورة العامة للكتاب، المراجعة حيث يقرأ القارئ كتاباً ويعود إليه بعد فترة لتثبيت ما فيه من معرفة في الذاكرة، البحث عن المعلومات، القراءة بدافع تدقيق المكتوب ومراجعته وتصحيحه كما يفعل المصحح اللغوي، الرغبة في السيطرة واستيعاب المادة المقروءة والقدرة على تذكرها، السعي لنقد محتوى الكتاب كما يفعل الناقد.

أين أقرأ؟

يحدد العبدلي مواصفات الجلسة السليمة للقراءة: فالمقعد ينبغي ألا يكون لينا ولا صلباً، وأن تكون القدمان ملامستين للأرض وأن يكون الظهر مستقيماً، كما يجب أن يكون المكان جيد الإضاءة والتهوية وأن تكون المسافة بين العين والمادة المقروءة في حدود 50 سم.

متى أقرأ؟

أفضل وقت للقراءة هي الساعة الذهبية، وهو الوصف الذي يستعين به العبدلي من عبد الكريم بكار، وعلى القارئ البحث عن ساعته الذهبية هذه، وحين يجدها عليه أن يسارع فيحيطها بسياج من التقديس، ليمنع عنها المشاغل، ويحذر العبدلي من القراءة بعد أوقات الخمول وانحسار النشاط أو بعد تناول الوجبات الدسمة.

كيف أقرأ؟

يستشهد العبدلي بطقوس مجموعة من المفكرين في القراءة للإجابة عن هذا السؤال، فالشاعر شيللي كان يمزق أوراق كل كتاب يقرأه بعد أن يفرغ من قراءته ليصنع من الأوراق زوارق صغيرة يطلقها في مياه البحيرات والأنهار ليتفرج عليها وهي تبحر بعيداً. أما الكاتب إدوارد فيتزجيرالد فكان يمزق الكتاب الذي لا يعجبه ويلقي به في سلة المهملات أو النار ولم يكن يضع في مكتبته إلا الكتب التي أحبها، بينما العالم داروين كان يقسم الكتاب إلى نصفين ويحمل كل نصف في جيب من جيوبه، وكان الكاتب الساخر برنارد شو يقرأ الكتاب أثناء ارتداء ملابسه، يلبس القميص ثم يجلس ليقرأ قليلاً، ثم يرتدي البنطال ويعود للقراءة، ثم يلبس ربطة العنق ويعود إلى القراءة، وكان يفعل الشيء نفسه عندما يخلع ملابسه.

وعن اساليب القراءة، يتحدث المؤلف عن عدد منها: قراءة الاستطلاع، القراءة العابرة، القراءة الدراسية، القراءة السريعة. ولكل قراءة استخداماتها الخاصة. كما تضمن هذا الباب حديث عن القراءة السريعة ومبررات اللجوء لها، ومن العوامل الأساسية لزيادة سرعة القراءة التأكد من سلامة النظر. تجنب القراءة بصوت مرتفع. استخدام الدليل البصري. توسيع مجال النظر. العيش مع المؤلف وأفكاره. عدم التقيّد بسرعة معينة.

وعن انواع القرّاء يذكر المؤلف: العاجزون عن القراءة، القارئ الصدئ، قارئ الديكور، القارئ المتعالم، المولع باقتناء الكتب، القارئ الناضج، القارئ الناقد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الاول/2013 - 16/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م