القرضاوي والصراع من أجل الإسلام السُنِّي

ديفيد شينكر

 

في الوقت الذي يلتهم فيه الصراع السني-الشيعي العراق والبحرين وسوريا ولبنان، نجد أن الأخبار المرتبطة بالطائفية هي التي تهيمن على عناوين الأخبار الخاصة بالشرق الأوسط هذه الأيام. لكن هناك صراع آخر داخل الطائفة السنية لا يقل أهمية عن الأول وتنكشف فصوله بين مختلف الدوائر الإسلامية وتلك الأكثر ميلاً للعلمانية في جميع أنحاء المنطقة. وفي هذا الصدد، يعتبر عالم الدين المصري يوسف القرضاوي - الذي يتخذ من قطر مقراً له - رمز هذا الصراع. فعلى الرغم من أنه قدّم نفسه لسنوات كرائد تيار "الوسطية" الإسلامي المعتدل، إلا أنه أصدر في الأشهر الأخيرة فتاوى مثيرة للجدل تدعم الصراع بين السنة والشيعة في سوريا وتؤيد إعادة الرئيس الإسلامي المخلوع محمد مرسي إلى منصبه. وقد وضعت هذه الفتاوى رجل الدين البالغ من العمر سبعة وثمانين عاماً في قلب اثنين من القضايا الأكثر استقطاباً في المنطقة.

الخلفية

يعتبر القرضاوي رجل الدين السني الأكثر أهمية في الشرق الأوسط. فبالإضافة إلى رئاسته لـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، فهو أيضاً كاتب غزير الإنتاج ويلمع في برنامجه الذي يُعرض يوم الأحد من على قناة "الجزيرة" وقت ذروة المشاهدة، حيث يصل عدد متتبعيه إلى حوالي 60 مليون مشاهد. كما أنه النجم الهادي والمُنظّر الأيديولوجي لـ «الإخوان المسلمين» فضلاً عن كونه داعماً لفرع «الجماعة» الإرهابي الفلسطيني - «حماس». وفي الوقت نفسه، يعتبر مدافعاً صريحاً عن الديمقراطية والإصلاح السياسي.

إن وجهات نظر القرضاوي - حول التفجيرات الانتحارية ضد إسرائيل (التي يراها مشروعة)، وضرب الزوجة (جائزاً إذا كان "خفيفاً")، والشيعة (الذين يطلق عليهم اسم "الزنادقة ")، وغيرها من القضايا - لطالما جعلته شخصية مثيرة للجدل في واشنطن والغرب. ومع ذلك، ينظر إليه في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة على أنه معتدل نسبياً - على الأقل حتى وقت قريب، عندما أصبحت تصريحاته أكثر استفزازية ومسببة للانشقاق على نحو غير معهود. وقبل بضعة أسابيع، استقال نائبه في "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، رجل الدين الموريتاني عبد الله بن بيه، من منصبه بسبب خلافات حول مصر وسوريا كما يُزعم.

طائفي متشدد بشأن سوريا

لقد كان الهجوم بالأسلحة الكيميائية بالقرب من دمشق في 21 آب/أغسطس العامل المحفز لحصول تحول أيديولوجي في نظرة القرضاوي تجاه سوريا. وفي ذلك الحين، كان نظام الأسد قد قتل بالفعل عشرات الآلاف من السوريين بالوسائل التقليدية، وهي مجزرة أدانها القرضاوي باستمرار من منبره في قطر. حتى أنه طلب من واشنطن - أثناء خطبة ألقاها خلال صلاة الجمعة في نيسان/أبريل - أن تقوم بحماية الشعب السوري كما فعلت مع الليبيين.

ولكن من الواضح أن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية لقتل ما يقرب من 1500 شخص من المدنيين - بينهم مئات الأطفال - كان النقطة الفاصلة بالنسبة لرجل الدين. ففي أعقاب الاعتداء السوري، أصدر القرضاوي فتوى دعا فيها "كل مسلم سني كان قد تلقّى أي تدريب عسكري إلى الذهاب وقتال الشيعة والعلويين في سوريا". كما أعلن أيضاً أن العلويين - والعلوية هي فرع من الإسلام الشيعي يتم اتباعه من قبل نظام الأسد - كانوا حتى "أكفر" من اليهود.

وفي أيلول/سبتمبر، عندما بدا لفترة وجيزة أن واشنطن تعد العدة لتوجيه ضربة جوية ضد سوريا، بارك القرضاوي هذه العملية علناً. حيث قال "نحن [العرب السنة] لا نمتلك مثل هذه القوة، لذا إن عاقبهم غيرنا، فهذا أفضل من لا شيء". ومع ذلك، فخشية أن يسيء أحد كلامه ويعتبره علامة إعجاب بالولايات المتحدة، أضاف قائلاً "إن الله يهلك الظالمين بالظالمين".

لقد أشارت الدعوة إلى الجهاد في سوريا - بما في ذلك ضد «حزب الله» الشيعي اللبناني الذي كان قد دعمه القرضاوي سابقاً لعمليات "المقاومة" التي يقوم بها مستهدفاً إسرائيل - إلى احتضان غير مسبوق للطائفية. ويقيناً، فإنه من غير المرجح أن يستاء العديد من أهل السنة بحدة القرضاوي تجاه سوريا في ضوء الفظائع المتزايدة هناك. بيد أن بعض دوائره التقليدية تخالفه الرأي بوضوح في هذا الصدد؛ وأبرزها، الفرع الأردني لـ جماعة «الإخوان المسلمين» الذي لا يزال يعارض التدخل العسكري الخارجي في سوريا. وفي أواخر آب/أغسطس، أصدرت "جبهة العمل الإسلامي"، الجناح السياسي لهذه «الجماعة» ، بياناً قالت فيه أن مثل هذا التدخل لن يؤدي إلّا إلى "تحقيق مصالح الصهاينة والأمريكان".

التأييد لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر

أثبت موقف القرضاوي تجاه مصر أنه أكثر إثارة للجدل. فسابقاً عرض عليه «الإخوان» مرتين منصب "المرشد العام" (الذي رفضه)، وكان مناصراً قوياً لصعود «الجماعة» الأخير إلى السلطة ورئاسة مرسي. لذا لم يكن مفاجأة أن رد فعله على العمل العسكري في تموز/يوليو الذي أدى إلى خلع مرسي وأودى بحياة العديدين من أنصاره قد وصل إلى حد العجز عن الحركة. فبعد عدة أيام من عزل مرسي، أصدر القرضاوي فتوى قال فيها "حرام على مصر أن تفعل هذا...لا يمكن أن يحدث بعد هذا سوى غضب الله وعقابه". وأصدر فتوى أخرى يدعو فيها "المسلمين من مختلف أنحاء العالم" أن يصبحوا شهداء في مصر - وهي دعوة للجهاد أساساً. وقال القرضاوي "سوف يسألك الله في يوم الحساب إن كنت قد شاهدت هذه المجازر البشرية".

وفي 14 آب/أغسطس، ظهر القرضاوي على قناة "الجزيرة" المصرية عقب قمع الجيش لاعتصام «الإخوان» في القاهرة، تلك الأعمال التي أودت بحياة المئات من نشطاء «الجماعة». وقد كان مهتزاً بشكل لا تخطئه العين، وناشد المصريين بحماسة قائلاً "انزلوا إلى الشوارع" وواجهوا الجيش، ووصف ذلك بأنه "فرض عين على كل مسلم مصري قادر ومؤمن بأن يترك منزله".

وفي وقت لاحق من ذلك الشهر هاجم القرضاوي - من على قناة "الجزيرة" وعبر بيان "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" - مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة لإصداره فتوى تدعم الإطاحة بمرسي. وبالنسبة لجمعة، عكست مشاركة الملايين من المتظاهرين المناهضين لمرسي تفويضاً شعبياً من أجل التغيير. ومع ذلك، فبالنسبة للقرضاوي، كان جمعة بمثابة "متحدث باسم الجيش"، و "عبداً للشرطة والمسؤولين في السلطة"، ومتعهد الفتاوى "الشاذة". وفي خطوة أبعد من ذلك، وصف القرضاوي أيضاً أنصار الانقلاب من الجيش والمصريين كـ "خوارج". وحتى أنه لقب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بأنه خائن "سيعاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة". وحذر من أن هؤلاء [السيسي ورئيس الجمهورية المؤقت ووزير الداخلية] هم "قتلة سيقتلهم الله".

منتقدو القرضاوي

إن طعن القرضاوي في جمعة - الذي خدم لسنوات كمسؤول ديني معين بأجر من قبل مبارك - فتح موضوع حساس جداً. ورداً على ذلك، أعرب جمعة من على شاشة التلفزيون المصري بأن "القرضاوي رجل عجوز ويعاني من مرض فقد الذاكرة". وبالمثل، فإن بعض زملاء جمعة في جامعة "الأزهر" - المؤسسة الدينية البارزة في مصر - انتقدوا القرضاوي لزرعه الفتنة بين المسلمين، وعزوا سوء تقديره إلى "الخرف".

كما اختلف بعض الإسلاميين المصريين الآخرين مع تدخل القرضاوي في الشؤون السياسية الداخلية. على سبيل المثال، وصفه "حزب مصر" ذو الميول الإسلامية، بأنه "خائن"، وطالب بإلغاء جنسيته. وأعلن مسؤول "حركة الجهاد الإسلامي" المصرية نبيل نعيم أن فتاوى القرضاوي كانت "في خدمة أمريكا وإسرائيل".

وحتى إن نجل القرضاوي عبد الرحمن يوسف انتقد موقف والده. ففي رسالة إلى صحيفة "اليوم السابع" اليومية المصرية، كتب يقول إن مرسي عُزل من السلطة لأنه حكم بطريقة غير ديمقراطية وخالف قسمه الرئاسي. وتساءل "بأي التزام لله تطلب منا أن نتركه في السلطة"؟ وأضاف أن فتاوى القتال التي أصدرها والده قد "أحرجته" و "أحزنته".

الخاتمة

هناك بعض الشك في أن دعوة القرضاوي للجهاد في مصر قوضت شعبيته الكبيرة بين عموم الناس الذين يؤيدون الجيش بشكل ساحق. ومع ذلك، فقد تكتسب رسالته المناهضة للشيعة والمناهضة للعلويين قبولاً واسعاً خارج مصر. وفي حين يقلق بعض أهل السنة من تداعيات الطائفية المتنامية، إلا أن سوريا تُعد عاملاً محفزاً لدرجة أن تغيير في موقف القرضاوي تجاه الوصول إلى رؤية عالمية أكثر عنفاً قد يجذب أتباعاً جدداً من السنة ربما يكونوا أكثر تشدداً ورغبة في القتال.

وبالنسبة لواشنطن وجمهور القرضاوي، توضح الفتاوى الأخيرة مواقف عالم الدين الغامض - وربما مواقف رعاته القطريين أيضاً. والأهم من ذلك أن درجة انتشار موقفه المتغير تجاه النهج القتالي في المنطقة ربما تكون مؤشراً على مستقبل الإسلام السُنِّي.

* ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الاول/2013 - 16/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م