لاجئو سوريا... مأساة إنسانية جارفة

 

شبكة النبأ: مع استمرار الفشل الدولي بايجاد حل سياسي للنزاع السوري المتفاقم وعدم توقف طرفي النزاع في سوريا عن القتال، تزداد المعاناة الإنسانية للاجئين السوريين على نحو مضطرد خاصة في الاونة الأخيرة، بسبب تصاعد معدل تدفق اللاجئين السوريين داخل وطنهم وخارجه لدرجة قياسية في خضم مأساة إنسانية، حيث أدت أتون الحرب الملتهبة في سوريا، الى تشريد مليوني شخص لجأوا للعيش في الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق، وبينما لا تلوح في الأفق نهاية للصراع الدائر منذ أكثر من عامين تخشى هذه الدول بشكل متزايد من امتداد الصراع إلى اراضيها.

حيث يرى الكثير من الحقوقيين ان عدد اللاجئين سيزداد في بعض البلدان المجاورة ويمكن ان يصل الى نقطة اللاعودة، سيما وان مخاطر انفجار الوضع في الشرق الاوسط تزداد يوميا فاصبح تهديدا للسلام الشامل والامن، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من المنظمات الدولية الحقوقية المعنية بحقوق الانسان في تقديم العون لهم، لا تزال الأزمة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم وربما تستمر لسنوات عديدة مقبلة، والعالم يجازف بتغاضيه عن الكارثة الانسانية السورية، واذا استمر تدهور الوضع بهذه الوتيرة، يبقى مستقبل سوريا تحت مسجل الخطر حتى على المدى البعيد.

فقد افادت تقديرات للامم المتحدة نشرتها وسائل اعلام مختلفة واكدتها المنظمة الدولية لوكالة فرانس برس ان اكثر من اربعة ملايين سوري اخرين سيفرون من بلادهم في 2014، وسيصبح مليونان من اصل هذا العدد الذي هو بالتحديد 4,25 ملايين، لاجئين (مقابل عدد اجمالي متوقع في نهاية 2013 من 3,2 ملايين لاجىء منذ بداية النزاع في اذار/مارس 2011).

بينما سيفر 2,25 مليون اخرين داخل البلد (هناك حاليا 4,25 ملايين نازح داخل البلد)، بحسب وثيقة نشرتها الامم المتحدة في اطار اجتماع بين منظمات انسانية عقد في 26 ايلول/سبتمبر في عمان، وبحسب الوثيقة، فان مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الامم المتحدة اوضح في الاجتماع ان "السيناريو الاكثر ترجيحا" للعام 2014 هو "تصعيد النزاع مع اضطراب الخدمات الاساسية وتآكل اكبر لاليات المساعدة" التي ستترافق مع زيادة التهديد ضد العمال الانسانيين.

وتقدر الامم المتحدة بالتالي بان اكثر من 8,3 ملايين سوري سيحتاجون لمساعدة انسانية في 2014، اي بزيادة 37 بالمئة مقارنة مع هذه السنة، بحسب الوثيقة، ومن اصل ال8,3 ملايين شخص، سينزح 6,5 ملايين في الداخل، اي 54 بالمئة اكثر من 2013.

وقدر عدد سكان سوريا باكثر من عشرين مليون نسمة قبل بدء النزاع في هذا البلد، لكن المتحدث باسم المفوضة العليا لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة ادريان ادواردز اعلن لوكالة فرانس برس ان "الامر لا يتعلق بارقام نهائية للعام 2014 (...) لانه لا يزال هناك شهران حتى نهاية العام (2013) لكي تصدر ارقام نهائية"، وقال جنس لايركي المتحدث باسم مكتب تنسيق المساعدات الانسانية لوكالة فرانس برس ان "هذا التقدير تغير".

ومع تصميم المتحاربين على القتال حتى النهاية وفشل الجهود لجمعهم حتى الان، لا يزال المجتمع الدولي يحاول جمعهم في مؤتمر سلام لوضع حد لهذا النزاع الذي اوقع اكثر من 115 الف قتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، وتقيم الغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين حاليا في الدول المجاورة التي لا تتوقف عن مطالبة المجتمع الدولي بمساعدات اكبر لمواجهة تدفق اللاجئين.

فيما يسعى الاتحاد الاوروبي لمساعدة اللاجئين السوريين وذلك من خلا استقبالهم بصورة افضل، حيث طلب البرلمان الاوروبي من دول الاتحاد الاوروبي ان تكون اقل ترددا في استقبال اللاجئين السوريين وضمان "وصولهم بانصاف الى اجراءات اللجوء"، وقال نواب لجنة الحريات المدنية في البرلمان في بيان "على الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء فيه ضمان دخول آمن للاجئين السوريين ووصول منصف لاجراءات اللجوء".

وطلبت المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة من الاتحاد الاوروبي استقبال 12 الف لاجىء ويرغب النواب الاوروبيون في ان ينظم الاتحاد الاوروبي "مؤتمرا انسانيا ليدرس بشكل ملموس متى وكيف يتعين على الدول الاعضاء التحرك اكثر لتعزيز ردود فعلها في مجال حماية السوريين"، واستمرت طلبات اللجوء التي يقدمها سوريون في الارتفاع هذه السنة لتصل الى 52037 في الاتحاد الاوروبي منذ اندلاع النزاع في سوريا في اذار/مارس 2001، وتلقت المانيا 14842 طلبا والسويد 14083 اي 59% من الطلبات، كما ذكر نواب اوروبيون استنادا الى احصاءات.

في حين شكل السوريون الهاربون من النزاع الدامي في بلادهم، لدى ابحارهم من ليبيا في ظروف تسودها الفوضى، القسم الاكبر من اللاجئين القتلى جراء غرق سفينتهم الذي اسفر عن اكثر من 30 قتيلا قرب مالطا.

والبلد الذي انطلقوا منه هو احد ابرز النقاط المشتركة مع غرق سفينة في الثالث من تشرين الاول/اكتوبر ومصرع 360 شخصا ممن كانوا على متنها قرب لامبيدوزا، كما تفيد حصيلة جديدة. وكان معظم الضحايا في هذه الحالة من الاريتريين الذين تقول الامم المتحدة ان حوالى ثلاثة الاف منهم يفرون شهريا من القمع القاسي لنظام اسمرة وعمليات التجنيد الاجبارية، وفي تصريح لوكالة فرانس برس، ودعا وزير الدفاع الايطالي ماريو مورو الاتحاد الاوروبي الى اتخاذ قرارات ملموسة خلال قمته في 24 و25 تشرين الاول/اكتوبر "لضمان الاستقرار السياسي للبلدان الافريقية والتعامل مع تدفق اللاجئين".

وقال مورو ان على اوروبا "ان تقرر مستقبلها: فهل تريد غض النظر عن تغيير تاريخي على صعيد موجات اللاجئين او التحرك من خلال تدابير جديدة قانونية وسياسية"، مشيرا الى ان ما يحصل "في سوريا سيحمل ملايين الاشخاص على الهرب خلال عقود".

وفي انتظار تحديد هويات المسؤولين عن هذه المأساة الجديدة، تواصل السلطات الايطالية والمالطية تسيير دورياتها البحرية التي انقذت 180 مهاجرا اضافيا (مصريون وصوماليون واريتريون) وصلوا صباح الاحد الى بورتو امبيدوكل في جزيرة صقلية الكبيرة، واعلن رئيس الوزراء الايطالي انريكو لينا عن "مهمة عسكرية انسانية" في البحر المتوسط حيث ستزداد ثلاثة اضعاف الوحدات البحرية التابعة لسلاح البحرية التي تجوب المنطقة، مدعومة بوسائل جوية لتدارك وقوع مآس جديدة جراء الهجرة.

في الوقت نفسه وفرارا من سفك الدماء والدمار الذي خلفته الحرب في سوريا عبرت يسرا مصطفى و15 من عائلتها الكبيرة الحدود إلى تركيا لكنهم وجدوا تكاليف المعيشة هناك مرتفعة للغاية، فجربوا حظهم مع الأردن فلم يحصلوا على تأشيرة الدخول ولم تفلح محاولاتهم أيضا لدخول لبنان، لم يدر بخلدهم أن مآلهم سيكون إلى اليمن أحد أفقر بلدان العالم والذي يمزقه تمرد متشددين اسلاميين وجماعة شيعية في الشمال وتوترات انفصالية في الجنوب.

قالت يسرا المتشحة بالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها وهي تجلس في أحد الشوارع الرئيسية في صنعاء على أمل أن تبطيء احدى السيارات وتمنحها بضعة ريالات يمنية "لا يوجد مكان نذهب اليه في الوقت الحالي، نحن نتسول في الشوارع".

يقول برونو جيدو ممثل مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في اليمن إن البلد يستضيف بالفعل 240 ألف لاجيء من الصومال واثيوبيا واريتريا والعراق، لكن نطاق الصراع الدائر في سوريا الذي دمر مسقط رأس يسرا في حلب دفع الناس "الى الفرار في كل اتجاه" على ما يبدو، ويتحمل كثير من اللاجئين ظروفا صعبة في المخيمات مع تلاشي الآمال في عودة وشيكة لبلادهم ويجاهدون لكسب قوتهم بكل وسيلة ممكنة.

لكن بالنسبة لبعض السوريين فان تكلفة المعيشة حتى في هذه المخيمات أكبر من قدرتهم. ويقدم اليمن الذي يعيش نحو نصف سكانه البالغ عددهم 25 مليونا تحت خط الفقر أو يكادون ملاذا أخيرا للاعداد المتزايدة من السوريين الفارين من أتون الحرب في بلادهم.

وذكرت يسرا أنها وأسرتها دفعوا ثمن الرحلة لليمن الذي لا يشترط حصول الأسر السورية عامة على تأشيرة دخول، لكن يبدو أن أسرتها تواجه كابوسا جديدا أينما حلت. ففي صنعاء قالت وحيدة إنها تخشى على مستقبل بناتها بسبب الحكايات المتداولة عن أن بعض السوريين يدفعهم اليأس لتزويج بناتهم بمهور أقل كثيرا مما تحصل عليه العروس اليمنية عادة.

وتقول المفوضية إن هناك نحو 900 لاجيء سوري مسجلين في اليمن وصل معظمهم العام الجاري ويستقرون في صنعاء في الأساس وبأعداد أقل في عدن كبرى مدن الجنوب، ويشير جيدو إلى احتمال وجود 1600 لاجيء غير مسجلين وفقا لتقديرات أولية جمعتها منظمة دولية غير حكومية، يعتاد اللاجئون السوريون الشرعيون أو غير الشرعيين الحياة اليومية ويبحثون عن المأوى والطعام والتعليم لأبنائهم.

ويقول اللاجيء أبو مفيد "اذا ما نزعوا الأسلحة الكيماوية وبقي رئيسا لن تحل المشكلة."

وسواء انتهى خطر استخدام الأسلحة الكيماوية أو لم ينته سيستمر الصراع ويدفع الافا آخرين مثل يسرا للجوء إلى تركيا ثم الأردن ولبنان فاليمن. وتسأل يسرا نفسها وماذا بعد اليمن؟.

من جهة أخرى قال مسؤولون إن تركيا تبني جدارا بارتفاع مترين على حدودها مع سوريا قرب منطقة يندلع فيها القتال كثيرا في محاولة لمنع النازحين من تخطي نقاط تفتيش بشكل غير مشروع ومنع التهريب، وبدأ عمال البناء الحفر لوضع الأساسات في نصيبين وهي منطقة حدودية تبعد عشرة كيلومترات فقط عن بلدة القامشلي السورية حيث كثيرا ما تنشب اشتباكات بين الاكراد ووحدات من المعارضة وقبائل عربية.

وقال مسؤول حكومي في أنقرة طلب عدم الكشف عن هويته "ليس لدينا حتى الآن مشكلات متعلقة بأمن الحدود في نصيبين لكن في هذه المنطقة من السهل جدا على الناس العبور بشكل غير مشروع. كأنه لا توجد حدود".

ويبنى الجدار على جزء صغير من الحدود التي تمتد 900 كيلومتر لكنه يلقي الضوء على قلق تركيا المتزايد من امتداد العنف في سوريا إلى أراضيها، وأكد مسؤول محلي في نصيبين بدء أعمال البناء لكنه لم يورد أي تفاصيل عن طول الجدار. ودار نقاش حول بناء جدار مماثل على جزء آخر من الحدود يبلغ طوله نحو 2.5 كيلومتر، وتركيا التي تستضيف نحو ربع اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو مليوني لاجيء هي من أقوى منتقدي الرئيس السوري بشار الاسد ومؤيد قوي لقوات المعارضة التي تقاتله.

الى ذلك قال صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ان الأطفال اللاجئين الذين فروا من الحرب الدائرة في سوريا معرضون لأشكال من الاستغلال من بينها الزواج المبكر والعنف المنزلي وعمالة الأطفال بالرغم من الجهود المبذولة لاستمرارهم في الدراسة.

وذكر الصندوق أن أكثر من مليون طفل بعضهم بدون آباء أو أقارب من الدرجة الأولى من بين 2.1 مليون لاجيء عبروا الحدود إلى الأردن والعراق ولبنان وتركيا في الأساس منذ مارس آذار 2011، وذكر ميشيل سرفادي نائب ممثل يونيسف في الأردن أن المملكة تستضيف 540 ألف لاجيء سوري الأمر الذي يضغط على الخدمات الصحية والتعليمية وموارد المياه الشحيحة بالفعل، وأضاف أن معظم السوريين يعيشون في مجتمعات مضيفة في الشمال بينما يقيم 120 ألفا في مخيم الزعتري في الصحراء الأردنية.

وقال سرفادي في مؤتمر صحفي في جنيف "في المجتمعات المضيفة يتعرضون بشكل أكبر لعمالة الأطفال والزواج المبكر جدا وللاستغلال بصورة عامة"، وهناك نحو 200 ألف لاجيء سوري في الأردن في سن المدرسة لكن 80 ألف فقط ينتظمون في التعليم وأحيانا في فصول دراسية تعمل على فترتين. وقال سافردي إن المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما وكثير منهم تسربوا من التعليم هم الأكثر عرضة لخطر الاستغلال.

وتابع "الآلية الرئيسية التي يملكها هؤلاء الأطفال في التغلب على هذه الأمور هو الانسحاب...لاحظنا أن كثيرا من الأطفال لا يخرجون من المنزل في الواقع، "لكن المشكلة هي أن المنزل ليس دوما أكثر الأماكن آمنا، هناك مستوى مرتفع من العنف المنزلي بين المجتمعات بالتأكيد بسبب حالة الحرب وأيضا بسبب النزوح الذي طال أمده وما يولده من احساس بالاحباط، وأضاف أنه لا يوجد في الأردن ما يكفي من أماكن الايواء المناسبة للنساء المعنفات، ويدير يونيسف 80 منشأة للأطفال في الأردن ويقدم أنشطة ودعما نفسيا واجتماعيا للاجئين السوريين الصغار وبعضهم يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة.

وقال سرفادي إن ما يقدر بثلاثين ألف طفل سوري يعملون في الأردن، وأشار تقدير ليونيسيف في أبريل نيسان إلى أن 35 ألف طفل سوري يعملون في الأردن بصورة موسمية في الأساس، وأضاف "يعملون في المزرع في الأساس وفي كثير من الحالات يعملون في مهن شاقة دعونا نقول يستخدمون المبيدات الحشرية 10 ساعات يوميا"، ويعمل أطفال آخرون في مخابز أو في ورش اصلاح السيارات، كما بات الجوع المتفاقم يهدد السوريين شأنه شأن العنف في الوقت الذي تتصاعد فيه تداعيات الأزمة المستمرة منذ ثلاثين شهراً في هذا البلد العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تشرين الاول/2013 - 14/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م