تداعيات حظر الاخوان في مصر

جاسم محمد

 

قضت محكمه القاهرة للامور المستعجلة في 23 سبتمبر 2013 بحظر جميع أنشطة تنظيم الاخوان المسلمين والجماعات المنبثقة عنه وجمعيته واي مؤسسة متفرعة عنه أو تابعه للجماعة أو تتلقي منها دعما ماليا، والتحفظ على ممتلكاتها والأرصدة المصرفية للأشخاص المنتمين اليها. وكانت جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست منذ 85 عاما تم حلها بحكم قضائي طعن في قانونية نشأتها في عام 1954 لكن تم تسجيلها فيما بعد كمؤسسة خيرية في مارس 2013 ردا على دعوى قضائية مرفوعة من خصوم شككوا في وضعها القانوني.

 ان الاقصاء لا يكمن في إقصاء الجماعة من العمل السياسي والديني فقط، بل يكمن أيضا في اقتلاع الجماعة بكافة أنشطتها من المجتمع المصري كلياً، حيث هناك توجهات باستبعاد كافة المنتمين الى الجماعة من ترؤس المدارس أو المستشفيات أو الجمعيات الخيرية. وللإخوان المسلمين جناح سياسي مسجل، وهو حزب الحرية والعدالة، الذي جرى تأسيسه في يونيو2011 تحت "جمعية غير دينية" أثر الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس مبارك.

في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية في مصر، واستمرار أنصار المعزول في النزول بالميادين، يُطرح التساؤل حول استمرارية تيار الإسلام السياسي في الشارع عقب 30 يونيو بالإضافة الى مستقبل التحالف بين جماعة الإخوان، وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، مع حزب الوسط، وحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية.

قال د.عمرو هاشم ربيع، الخبير السياسي بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، إن جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة والأحزاب المتحالفة معها مثل الوسط والبناء والتنمية والجماعة الإسلامية، (..) حرقت تيار الإسلام السياسي في مصر بالكامل سواء كان تيارا جهاديا أو دعوة سلفية أو جماعة إسلامية وأن إحراقها لم يقتصر على تنظيمها فقط، مطالبا بأن يتم منع تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو حتى مرجعية دينية.

مؤتمرات التنظيم الدولي

كثف التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في 26 سبتمبر 2013 أنشطته لبحث تداعيات حظر جماعة الإخوان في مصر، بتنظيم اجتماعين علني في تركيا، والثاني سري في باكستان.

وقد عقد المؤتمر العلني تحت عنوان "العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب"، ممن شاركوا فيه: محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان، ور إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، وطارق السويدي، من اليمن، ومحمد حسين، من الصومال، وعلى جويش، من السودان، ومحمد نزال، من حماس، ومحمد شققة، من سوريا، وعبدالفتاح مورو، من تونس، وغيرهم من قيادات التنظيم. بحث التنظيم تشكيل عدد من التوصيات التي تخص وضع الإخوان في مصر وكيفية تحريك المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية العالمية تجاه التجاوزات القانونية والحقوقية لفعاليات الإخوان وتشكيل لجنة إعلامية دولية لتوثيق ورصد ما يحدث من تجاوزات.

ان التطورات السريعة في مصر أثبتت هذه الأحزاب والحركات ضعفها في التعاطي مع المستجدات السياسية والمجتمعية، وتسبب في تراجع شعبيتها بل ووضعها على المحك. لم يتوقع أحد من النخب السياسية النهاية الدراماتيكية التي تعيشها الأحزاب الإسلامية اليوم، فقد وصل الوضع السياسي داخلها الى ذروة التأزم بعد موجة 30 يونيو التي أطاحت بحكم مرسى.

ان من أبرز الأسباب التي أدت الى سقوط الأحزاب الإسلامية: هو سعيها الى أسلمة الدولة وسعيها الى الانفراد بالرأي، وصعوبة استيعاب المعارضة، إذ أن ثقافة السمع والطاعة هي التي تحكم البناء الفكري والتنظيمي لهذه الأحزاب. والتناحر فيما بينها، القت الصراعات داخل الأحزاب الإسلامية ذاتها بظلال سلبية على مستقبل هذه الأحزاب، وتماسكها الداخلي. فقد شهد حزب مصر القوية موجة استقالات جماعية نهاية أغسطس 2013على خلفية تصريحات متعاطفة للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، مع جماعة الإخوان المسلمين، وهجومه بشكل مبالغ فيه على الجيش عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة.

وكانت من تداعيات ذلك هو الاستقالات، شهد حزب الحرية والعدالة، هو الآخر سلسلة من الاستقالات الغير معلنة إعلاميا، اعتراضًا على إراقة الدماء بين المسلمين مؤكدًا على أن بعضهم اعترفوا بخطئهم حين انضموا لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين.

مستقبل الأحزاب الإسلامية

تقف الأحزاب الإسلامية اليوم على مفترق طرق، خصوصا بعد أتهام السلطة الانتقالية الحالية في مصر لبعض هذه الأحزاب باللجوء للعنف، وإصرارها على حمل السلاح في وجه الدولة.

 أن العمليات المسلحة التي يتقاسمها الاخوان والجهاديين في سيناء، وأعمال العنف في القاهرة والمدن المصرية منها محاولة اغتيال وزير الداخلية ومقتل كبار الضباط في مواجهات الكرداسة قد أتت لتزيد من الضغط على التيارات الإسلامية، وكرست صورة نمطية سلبية لها داخل المجتمع المصري. أعمال العنف المباشرة للإخوان أغلقت الباب امام أي احتمالات للمصالحة السياسية. وهذا ما ولد حالة الارتباك والغموض داخل التيارات الإسلامية بشأن اتجاهات حركتهم في المستقبل.

شدّدت نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن المطلوب الآن من هذه الأحزاب ــ الاسلامية ـ هو إعادة توفيق أوضاعها وإعادة كتابة برامجها وخطابها الموجه الى الناس، وقالت الشيخ إن حظر الأحزاب الدينية لن يكون معناه أبدًا حظر وجودها في الشارع أو حلها أو إقصائها ولكن حظر استخدام الدين في برامجها لأن الدين ملك لنا جميعًا ومن غير المقبول أن تتكلم فئة واحدة به لأنها قضية في منتهى الخطورة وإذا تساهلنا فيها سيؤدي ذلك الى ظهور أحزاب مسيحية ودينية أخرى مشدّدة أن ظهور هذه الأحزاب قد زاد من حالة الاحتقان بالشارع بشكل كبير جدًا وهو احتقان مجتمعي أكثر منه احتقان سياسي من هنا فالأحزاب الدينية مطلوب منها أن تراجع برامجها وأطروحاتها حتى يمكنها العيش في مناخ جديد.

 أما الدكتور ربيع الخبير السياسي بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام أن جماعة الإخوان حرقت تيار الإسلام السياسي في مصر بالكامل سواء كان تيارًا جهاديًا أو دعوة سلفية أو جماعة إسلامية وأن إحراقها لم يقتصر على تنظيمها فقط مطالبًا بأن يتم منع تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو حتى مرجعية دينية. فإذا أرادت الاحزاب الاسلامية العمل بالسياسة وإنشاء أحزاب مدنية فعليها أن تقطع علاقتها بالجمعيات الدينية الخاصة بها. بحيث لا توجد علاقة بين الجمعية والحزب، والا تكون القيادات أعضاء في الجمعية أو مكتب الإرشاد لأن قيادات أي حزب يجب الا يكون لها علاقة تنظيمية أو مادية أو شخصية بأي جمعية دينية، لافتاً الى أن من يُخالف ذلك يصدر قانون بحله.

من المتوقع، أن تنشط الاخوان من خلال الكيانات السياسية التي تم تأسيسها في اعقاب ثورة 25 يناير منها حزب الحرية والعدالة والأحزاب المتحالفة معها مثل الوسط والبناء والتنمية والجماعة الإسلامية. وستكون الجماعة قريبة جدا من الاحزاب السلفية أيضا. بالاضافة لذلك هنالك تنظيمات ظهرت مؤخرا بحجة الانشقاق عن الاخوان أبرزها أخوان بلا عنف وتنظيمات شبابية أخرى سوف تستغلها الجماعة بعرقلة وارباك الحكومة. خصوصًا وأن الساحة السياسية المصرية شهدت بعد 25 يناير حراكًا حزبيًا كبيرًا تمخض عنه تأسيس نحو 83 حزبًا سياسيًا منها نحو "10" أحزاب إسلامية منها الحرية والعدالة والبناء والتنمية والأصالة والنهضة والنور والوطن والفضيلة وغيرها وهو ما أدى الى كثرة التساؤلات المطروحة بخصوص مستقبل هذه الأحزاب وتوجهاتها. هذه النشاطات سوف تكون أيضا متزامنة مع ظهور الجماعة وانتشارهم في مظاهرات خاصة أيام الجمعة. ومن المتوقع أن لا تتوقف الجماعة عن نشاطاتها السرية المعارضة للحكومة والقيام بحملة تصفيات واغتيالات بين فترة وأخرى بالتنسيق مع الجهاديين والسلفية في سيناء محاولة منهم للعودة الى السلطة أو للنشاط السياسي لانها لم تستوعب بعد خسارتها السلطة. أما قيادات التنظيم من الخط الاول والثاني فسوف تمارس أعمالها من الخارج، خاصة في أوربا وستعمل على رصد أداء الحكومة وتوثيق أي انتهاكات محتملة لقوات الامن وتفعيلها إعلاميا من خلال وسائل الاعلام خاصة العالمية وكذلك التواجد أمام المنابر الدولية مثل الاتحاد الاوربي في بروكسل والسفارات المصرية في الخارج.

اقصاء الاخوان خليجيا

كشفت مصادر كويتية عزم الحكومة على إقصاء أعضاء بعينهم من جماعة الإخوان، عن مراكز ودوائر صناعة القرار، وأفادت التقارير الاعلامية، أن" السياسة الجديدة التي بدأ العمل بها وتطبيقها في عدد من المؤسسات والأجهزة الحكومية، تأتى تنفيذا لقرار خليجي تم التوصل اليه والاتفاق عليه خلال اجتماع ضم مسئولين رفيعي المستوى في دول مجلس التعاون الخليجي ". والذي يقضى بإبعاد رموز وأعضاء الجماعة عن المواقع القيادية والمناصب ذات الطابع الحيوي في المؤسسات والأجهزة الحكومية في الدول الست"، مشيرة الى أن الكويت أبدت التزامها التام بتنفيذ وأشارت الصحيفة كذلك الى التدخل السافر الذى مارسته جماعة الإخوان في شؤون عدد من دول مجلس التعاون الخليجي- لا سيما السعودية والإمارات والكويت.

أن التنظيم الدولي شهد تراجعا وضربات متعددة في أعقاب كشف دولة الامارات العربية شبكة عمل التنظيم، والذي كان يستهدف اثارة الفوضى ضمن " ثورات الربيع العربي ". التقديرات تشير الى نهاية الاخوان بعد كشف دورهم التأمري في الامارات والمنطقة وسقوطهم في مصر. ما مطلوب من الدول الخليجية ودول المنطقة ان تجد اتفاقيات فنية تتضمن مواجهة التنظيم الإخوانية والتي باتت جذوره في المنطقة تحت أغطية العدالة والعمل الخيري وحقوق الانسان والتعاون المشترك في تبادل المعلومات وتعقب المطلوبين من قياداته ومكافحة الارهاب.

اعادة رسم خارطة قيادات الجماعة

من المتوقع أن تشهد الاحزاب الاسلامية ليس في مصر بل في دول المنطقة الى تفكيكها واعادة رسم خارطة وجود قياداتها وعناصرها محاولة منها للتخلص من أزمتها السياسية والتنظيمية ومحاولة للتغلب على تقويض نشاطها. فمن المتوقع أن تشهد المرحلة حركة تنقلات وتشكيل أحزاب جديدة ومنظمات مجتمع مدني يمكن للجماعة أن تنشط من داخلها. الاحزاب السلفية التقليدية ستكون هي الاكثر احتواء الى قيادات الجماعة سياسيا بالتوازي مع دعم السلفية الجهادية من خلال القيام بعمليات إرهابية.

بعد سقوط الاخوان في مصر وانكشاف الجماعة قد يكون مقدمة لارتداد عكسي الى "الثورات العربية " في تونس وليبيا وسوريا. فلم يكن تداعي الإخوان في مصر تحولا تقليديا في صراع داخلي على السلطة بقدر ما يعتبر نقطة تحول مصيرية الى فروع التنظيم الدولي مثل حركة النهضة التونسية وحزب العدالة والتنمية في تركيا ونظيره في المغرب واليمن وسوريا والجزائر، وتراجع قوة ضغط تلك التنظيمات على مؤسسات الحكم كما يحصل في الأردن والكويت بسبب الانقسامات الداخلية. وهو ما حدث أيضا الى الاستقلال في المغرب بانسحابه من الائتلاف الحاكم بزعامة حزب العدالة والتنمية، والانتقادات الحادة الى حزب التجمع اليمني للإصلاح من قبل أحزاب اللقاء المشترك.

الجماعة تشهد انحدارا كبيرا.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/JasimMohamad.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تشرين الاول/2013 - 8/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م