لماذا تُهمَل الثقافة المدرسية في العراق؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عنوان صريح ومباشر يحمله هذا المقال، وهو يحمل نبرة استفزاز قوية ومقصودة، تدعونا الى التفكير بعمق في حقيقة غياب الثقافة المدرسية عن جميع المراحل الدراسية في العراق، أما ماذا نعني بالثقافة المدرسية، فإننا نلاحظ هيمنة واضحة لاسلوب التلقين السطحي، في طرق التعليم السائدة في مراحلنا الدراسية كافة، أي ان الطالب يدخل المدرسة ويخرج منها وهو يردد المعلومة ولا يدخل في عمق المعرفة والابتكار، ولا يحصل على السبل الصحيحة التي تقوده نحو الثقافة التي تمنحه قدرة على التميّز والابداع.

الطالب كما نتفق هو الخلية المعرفية التي تزيد من المعرفة والتطور في النسيج المجتمعي، اذا تم تطويره وفقا للطرائق التعليمية الحديثة، ومن بين اهم الاسس والدعامات التي تدفع شخصية الطالب الى امام، وتجعله ذا شخصية متكاملة قادرة على الابتكار والتطوير، هي الثقافة التي تجعله متمسكا بالقيم الجيدة، ونعني بها قيم المعرفة المتنوعة.

إن واقعنا الدراسي في عموم المراحل التدريسية، يكاد يفتقر للتركيز على الجانب المعرفي الثقافي، بمعنى يدخل الطالب المدرسة ويتخرج منها، وهو يفتقر الى رؤية ابداعية تجعله فردا متميزا ومبدعا في مجال عمله، هذا يدل على اننا لا نزال نتمسك بطرق تدريس قديمة، ومناهج لم نضع عليها لمسات الحداثة المطلوبة، من هنا يبقى حال الطالب كما هو عليه، لا يتقدم خطوة الى امام، مع ان التعليم الثقافي العملي يمثل الجانب الحيوي في الحياة.

هذا يعني أن المدرسة معنية تماما بتزويد الطالب بالثقافة التي تساعده على ان يكون فاعلا حيويا، قادرا على ان يكون متميزا في عمله ومجال انتاجه، لان الثقافة المدرسية تمنح الطالب قدرة على التفكير المختلف، ومن ثم التحرك المختلف ايضا، لا أن يبقى يجتر معلوماته العادية التي اكتسبها من المدرسة بطريقة التلقين لا اكثر.

ولعلنا نلاحظ في بعض الاحيان إمكانية تبادل المراكز الوظيفية بغض النظر عن طبيعة التحصيل الدراسي للموظف، أي ربما نجد خريجا في الدراسة العلمية يعمل في حقول او اختصاصات العلوم الانسانية وبالعكس، إذ ربما يقوم خريج العلوم بتدريس مادة التاريخ وبالعكس!، هذا يدل بوضوح الى عدم الاهتمام في التخصص وعدم احترام المعارف التي اكتسبها الخريج من الجامعة او الجهة التدريسية التي منحته شهادة التخرج، لذلك يجعلنا مثل هذا الامر نشك كثيرا في ما تقدمه المدرسة او الجهة التعليمية للطالب في مجال بناء الشخصية، والتحصيل الثقافي الذي يدعم التحصيل العلمي، فربما نحصل على شخص متعلم لكنه غير مثقف!، وهذا ما يؤكد تقاعس الجهات والمؤسسات التدريسية في تعضيد الجانب الثقافي المؤازر للجانب العلمي للطالب.

ومن المتفق عليه أن عملية التدريس، لا يمكن ان تكون عملية ارتجالية او عشوائية، او مقتصرة على زج المعلومات والاحصائيات والعمليات الرياضية، من دون فتح آفاق المعرفة والابداع للطالب، لذلك يرى المعنيون في المجتمعات المتقدمة ان المؤسسة التدريسية، لا يمكن ان تكتفي بعملية نقل المعلومة الى الطالب، بل تسعى بجدية الى تطويره ثقافيا ومعرفيا، كي يكون قادرا على انتاج التفكير النوعي.

ونعني هنا بالتفكير النوعي، ما يتميز عن الافكار الاخرى، او ما تسمى بالافكار التقليدية، وهذا النوع من التفكير لا يمكن ان يتحقق ما لم تقوم المؤسسة التدريسية في جميع المراحل، بدورها التثقيفي، كي تسهم بصورة جدية في بناء الشخصية المتميزة للمتعلم، لكي يكون بمقدوره تحقيق الامتياز المطلوب في مجاليّ التفكير والانتاج معا. هكذا يكون دور المدرسة فاعلا فيما لو نجحت بمزج الثقافة مع العلم، وحرصت على أن لا تهمل الثقافة، ولا تكتفي بالتلقين كوسيلة روتينية أو تقليدية للتعليم، فالمدرسة هي الحاضنة الاولى لتطوير الانسان وبناء شخصيته الواعية المتميزة في وقت واحد.

وبعد كل ما تقدم، ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة للمعنيين على العملية التربوية والتعليمية بصورة عامة، هو (لماذا تُهمَل الثقافة المدرسية) في بلادنا؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تشرين الاول/2013 - 2/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م