فلسفة الإدراك عن كثب

تعليق بسيط على كتاب زهير الخويلدي: تشريح العقل الغربي

سلمى بالحاج مبروك

 

الفيلسوف الذي يعرف هدفه هو الطبيب الذي يشفي الجراح العميقة للوعي البشري، ويسعى بيد رصينة ورقيقة لشفائها

شيلنغ

 

لم يكن إنطلاقي من مقولة شيلنغ هذه مجرد دعابة اعتباطية أو رميا لورود هاربة من زمن لم يعد يتقن سوى رمي القنابل والرصاص... من أجل إنجاح موتنا الخاصّ ولما لا موتنا العمومي... من رحم عقل مثقل بوباء الخطيئة والإحساس العميق بالذنب ينبثق نص الفيلسوف التونسي زهير الخويلدي.. فتشريح العقل وخاصة العقل الغربي صار ضرورة بعد أن أصابته أورام صلفه.. وكبريائه وأوهام عقلانيته...

يا له من انقلاب درامتيكي أعده لنا هذا المفكر المبدع والمناور البارع بالأفكار وهو يلقي بنا في صميم رؤياه المتعقلة والمشبعة بفرونيزيس الحكماء ويدعونا عبر السفر في قرآن أفكاره أن نفكر معه وأن ندرك عن كثب آلام العقل.. إنه يعلن لنا وهو يشرّح العقل في آلامه النظرية ومساراته العملية ومخاضاته الابداعية عن مشروعه الفلسفي الذي يأتي بعد... ما بعد آلام العقل..

 إنها فلسفة الكثب تلك التي تعتمد منهج التشريح للعقل في أبعاده الثلاث النظري والعملي والأداتي.. إنه كتاب يحمل مشروع الكشف عن عقل بلغ من شيخوخة المرض ما يستدعي تدخلا تشريحيا طبيا عاجلا يستند إلى التجريب والإختبار المباشر لدور العقل ووظائفه على مر التاريخ الإنساني وبأكثر دقة العقل الغربي الذي أذهبت خمرة الحداثة وإدمان عقلانيتها المزعومة بأنوار تعقله..

ربما سيأخذكم تشريح الفيلسوف على حين غرّة ويلقي بكم في بحربيانه الفلسفي إلى القول الفصل : لقد حانت اللحظة التاريخية التي ستسمح لنا نحن البشر أن نستردّ ما ضاع منّا على مرّ تاريخنا العقلي من إنسانية لا إنسانية.. لذلك ها نحن نسخر من عبقريتك أيها العقل الجبّار وأنت تنقلب من عقل يشرّح الأوهام والمعتقدات البائسة والخرافات إلى عقل هو في أشدّ الحاجة إلى من يمارس عليه فعل التشريح فعسى أن يكون التشريح انقاذا.. عبر إجتثاث أوهام العقل وحمى جنونه ولامعقولية ممارساته نظرا ومعرفة وممارسة وتداولا وتذوقا وابداعا..

فليس بعيدا عن أمهات الأسئلة التي تقضّ مضاجع الإنسان الراهن يدور فلك تشريح العقل الغربي في أسلوب فلسفي بسيطا إلى حدّ ذروة العمق وعميقا إلى ذروة البساطة.. رهان لا يقوى عليه سوى فكر متقد بروح الإبداع يسير عكس اتجاه عقارب ساعة العقل المثخن بجراح حداثته ومابعدها... وهَمَّهُ الأصيل هو تحديد من المسؤول المباشر إذن عن كل هذه الأكوام من الميتات المتناثرة للعقل الغربي لإنحطاطاته ومآزقه...

وهل من أفق نظري وعملي وذوقي يحمل بوادر ولادة لا قسر فيها ولا أوجاع... فقط التجوال بجدية مرحة وبمرح جدي بين متون الكتاب وفلسفته الجذلى رغم أمها المثكولة في عقلها قد تمنح القارئ إمكانية لإجابة ولكنها ليس ككل الإجابات الواثقة من ذاتها بل هي تلك التي تلقي بك في دروب التفكير مع...

.....................................

تشريح العقل الغربي

مقابسات فلسفية بين النظر والعمل

المؤلف زهير الخويلدي

جانفي 2013

صادر عن دار روافد الثقافية- بيروت ودار ابن النديم للنشر - الجزائر

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/تشرين الاول/2013 - 29/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م