أطفال سوريا... صراخ يحجبه اصوات الحرب

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في اتون الحرب الدموية الدائرة في سوريا تضيع الكثير من التفاصيل الانسانية والمعاناة لشرائح ضعيفة لم تجد سوى الركون للصبر مفتاحا للخروج من باب أزمتها الذي اوصده العنف.

اذ تغيب مشاهد المعارك العسكرية والسياسية الكثير من الهموم الاجتماعية التي يعانيها اطفال سوريا، سيما بعد اشتداد وطيس الحرب التي لم تدخر اطرافها وسيلة للتنكيل بالمجتمع المدني بشكل بشع ومقزز.

اذ تؤكد التقارير والدراسات الميدانية على مواجهة شريحة الاطفال السوريين الوجه الاقبح والاكثر ايلاما في سياق العنف الدائر، مستشهدة بالعديد من الأمثلة والنماذج التي تعكس حجم الأزمة الانسانية التي يعيشها اطفال تلك الدولة.

في شوارع بيروت

في السابعة صباحا من كل يوم، يبدأ هيثم، وهو سوري في الخامسة عشرة لجأ الى لبنان هربا من العنف في بلاده، عمله الذي يقضي بتوضيب البضاعة على رفوف سوبرماركت كبير في العاصمة اللبنانية. وهيثم واحد من الاف الاطفال السوريين الذين يجدون انفسهم مضطرين للعمل في اي شيء من اجل البقاء على قيد الحياة.

وفي عدد من شوارع بيروت، يقوم صبية سوريون بمسح الاحذية مقابل مبلغ زهيد، بينما تتوسل فتيات المارة لشراء ورود منهن. ويعمل هيثم حوالى عشر ساعات في اليوم من دون راتب ثابت. ويدفع له الزبائن الذين يساعدهم في حمل اغراضهم بعض البقشيش. امام صاحب السوبرماركت، يقول انه سعيد بعمله. لكن بعيدا عنه، يشكو من سوء المعاملة. ويوضح "العمل هنا مرعب. نتعرض للاذلال والشتم كل يوم".

ويضيف معلقا على المعاملة التي يتلقاها الاطفال السوريون العاملون في المكان "المدير يضربنا، والعمال الآخرون يضربوننا، لكن ما عسانا نفعل؟ يجب ان نسكت، والا لا يمكننا البقاء في العمل". بحسب فرانس برس.

ووصل هيثم الى لبنان قبل ثلاثة اشهر، تاركا وراءه عائلة لم تعد تجد ما تقتات به في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا. وهو يعيش مع تسعة فتيان من اقاربه في غرفة واحدة تقع في مبنى يغص بعائلات اخرى قادمة من سوريا.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان اكثر من 740 الفا، بحسب آخر احصاء للمفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة، اكثر من نصفهم من الاطفال.

ويقدر ان هناك 150 الف طفل اضافي غير مسجلين، يعيشون كما اهلهم في ظروف هشة.

وتقول عبير ابي خليل من منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) لوكالة فرانس برس ان ظروفهم "تترك تاثيرا كبيرا عليهم من الناحية النفسية والاجتماعية". وتضيف "يمكن ان يترك ذلك صدمة عميقة جدا".

وتقوم اليونيسيف بالشراكة مع منظمات محلية بدراسة لتحديد عدد الاطفال اللاجئين الذين يعملون في لبنان واسباب ذلك، لتتمكن من تقديم المساعدة الملائمة لهم. وتقول ابي خليل "مهما كان السبب، اذا كان لديكم اطفال تحت سن معينة، لا يفترض ان يعملوا... البقاء في الشارع هو اسوأ اشكال عمالة الاطفال".

ويتعرض الاطفال الذين يعملون في الشارع لاسوأ انواع الاعتداءات الجسدية والجنسية، وكثيرون ممن التقت بهم وكالة فرانس برس في شوارع بيروت رفضوا التحدث الى صحافيين، وكانوا يبدون مذعورين فور التوجه اليهم بالحديث.

في برج حمود، احدى ضواحي شرق بيروت، تنظم جمعية "الحركة الاجتماعية"، احد شركاء اليونيسيف، دروسا يومية للاطفال السوريين اللاجئين، بمن فيهم اولئك الذين يعملون.

ويتم تلقين الاطفال امورا حياتية مثل الاهتمام بالنظافة الشخصية، فضلا عن مواد مدرسية، ما يتيح لهم العودة الى المدرسة عندما تسمح لهم الظروف.

على جدران المبنى الداخلية، تنتشر رسوم تجسد بعضها زهورا كتبت على اوراقها حقوق الطفل. "التعليم حق لي"، "اللعب حق لي". وفي احدى القاعات، تستدعي مدرسة اطفالا لتمرين بالانكليزية يكتبونه على اللوح الخشبي، فتكتب احدى الفتيات "آي ميس سيريا" (اشتقت الى سوريا). ويستقبل المركز اسبوعيا حوالى 600 طفل من اللاجئين.

وتروي ريم، وهي فتاة جميلة في الخامسة عشرة، انها جاءت الى لبنان من منطقة حلب في شمال سوريا، وانها عملت ثلاثة اشهر في اماكن مختلفة في بيروت في بيع الملابس.

وتقول وقد بدا عليها التاثر الواضح نتيجة التجربة التي مرت بها، "اتهمني صاحب العمل مرة انني سرقت ولم يدفع لي اجري، وحاول صاحب عمل آخر ان يقنعني بانه يريد الزواج بي، بينما كان يريد التحرش بي".

وتوقفت ريم عن العمل، وهي تأتي يوميا الى المركز حيث يحاول المسؤولون اقناع العائلات بان اولادهم يفترض بهم الذهاب الى المدرسة لا الى العمل.

وتقول مديرة الحركة الاجتماعية فيروز سلامة "نحن نستمع الى العائلة والى حاجاتها. نريد ان نجد حلا معا". وتضيف "سالنا الاطفال عن المخاطر التي يواجهونها في الشوارع، وقد فوجئنا باجوبتهم: تقصدون المخاطر في الليل او النهار؟ انهم يعرفون جيدا ما يمكن ان يحصل في الشارع".

ويقول هيثم انه يفتقد مدرسته ويحلم بالعودة اليها. ويضيف "ليتني استطيع الذهاب الى المدرسة. لكن لكي اذهب الى المدرسة يجب ان اكون حرا، بينما انا في حاجة الى العمل لكسب المال من اجل عائلتي. علي ان انسى موضوع المدرسة حاليا".

ولا يعرف هيثم ماذا يريد ان يكون عندما يكبر، لكنه يريد بالتاكيد ان يكون رئيسا لا مرؤوسا. ويقول "احلم ان ياتي يوم يعمل اناس فيه تحت امرتي، لا ان اعمل انا لحسابهم. ويقال لي باستمرار ما علي فعله. ساكون افضل من غيري. اريد ان اكون سيد نفسي".

عمالة الأطفال

وذكر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن اللاجئين السوريين في لبنان يعتمدون بشكل متزايد على عمل الأطفال لكسب المال لأسر تكافح حاليا لتدبير احتياجاتها الأساسية.

وعلى النقيض من دول أخرى تستضيف اللاجئين السوريين لا توجد مخيمات رسمية في لبنان لتوفير شبكة أمان للاجئين الذين يعمل الكثيرون منهم لتوفير ما يحتاجونه من الطعام والماء والمأوى. والأطفال مهددون بالخروج من المدارس ودخول سوق العمل.

وقالت ماريا كاليفيس مديرة يونيسيف في الشرق الأوسط وشمال افريقيا "الأسر فقيرة ومعدمة بعد عامين ونصف من الحرب ... ولمواصلة العيش هنا فهناك نفقات كثيرة ينبغي سدادها والنتيجة هي ضرورة أن يعمل الأطفال." وأضافت "يضطر كثير من هؤلاء الأطفال للحصول على أجر لمساعدة آبائهم في توفير الغذاء لهم." وقالت كاليفيس إن من بين نحو 400 ألف طفل لاجئ مسجلين التحق الربع فقط بمدارس عامة وهو ما يترك لمنظمات الاغاثة سد الفجوة.

ويعيش كثير ممن هم في سن الدراسة في مخيمات غير رسمية دون وجود فصول دراسية دائمة. ولا يسمح لبنان لمنظمات المساعدات بإقامة مخيمات رسمية للاجئين فيما يرجع جزئيا إلى الاحجام عن جعل أزمة اللاجئين أكثر وضوحا.

واللبنانيون قلقون أيضا بسبب تجربتهم مع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي اخترقها النشطاء المسلحون خلال الحرب الأهلية اللبنانية في الفترة من 1975 حتى 1990.

وقالت كاليفيس "لا يمكننا نصب خيام دائمة. في كل ليلة نقوم بتفكيك الخيام .. ويتعين نصبها في كل صباح. تصور يحدث هذا 365 يوما في العام .. نصب الخيام وتفكيكها .. لنحو 300 ألف طالب لاجئ."

وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن زهاء 750 ألف لاجئ سوري يعيشون في لبنان وتتوقع ارتفاع العدد إلى 1.3 مليون بحلول يناير كانون الثاني و1.6 مليون أو 37 في المئة من سكان لبنان -قبل اندلاع الأزمة السورية- بنهاية العام القادم.

وتهرب كثير من الأسر السورية دون عائلها إما لمقتله أو لبقائه في بلاده. ولا توجد أمام الأسر اللاجئة خيارات كثيرة لكسب اقواتها. وقالت كاليفيس إن كثيرا من النساء والأطفال يعملون في المزارع وتعتقد يونيسيف أن أطفالا سوريين ربما يعملون أيضا في مصانع لكنها ما زالت تحقق في ذلك. واضافت ان عمل الأطفال كباعة جائلين يبيعون أغذية أو لعب أطفال أو زهورا أصبح مشهدا مألوفا في بيروت. وقالت إنهم يكسبون عادة ما بين 2.5 وخمسة دولارات في اليوم.

وقالت إن المنظمة وشركاءها يحاولون زيادة الوعي بين الأسر بشأن خطر تعرضهم للاستغلال والانتهاكات في حين تتفاوض مع أصحاب الأعمال لاعفاء الأطفال من العمل بعد الظهر لمواصلة دراساتهم.

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليوني شخص فروا من سوريا بسبب الحرب الأهلية نصفهم أطفال. ويأتي التعليم والصحة العامة على رأس أولويات يونيسيف حاليا. وجرى تدبير نصف التمويل اللازم للمشروعات في هذين القطاعين حتى الآن هذا العام وتحتاج إلى نحو 80 مليون دولار قبل نهاية 2013.

وقالت كاليفيس "عندما زرنا أماكن داخل سوريا كنا نشاهد وسط القصف آباء يمسكون بأيدي أطفالهم ويذهبون بهم إلى المدارس القريبة. هذا يبين مدى أهمية تعليم أطفالهم بالنسبة لهم. "التعليم جواز مرور إلى مستقبلهم في وقت فقدوا فيه كل شيء آخر."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الاول/2013 - 28/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م