بورما والعنف الطائفي... مجتمعات تقتات بعضها

تقرير: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تستعر بلا هوادة في بورما اعمال العنف الطائفي منذ سنوات دون بين المسلمين والبوذيين، مع غياب اي بصيص أمل ينهي الحملات الدموية التي تشن بين الحين والآخر.

فالنظام السياسي الحاكم في تلك الدولة يقف متفرجا على المعاناة والانتهاكات التي يعانيها المسلمين بشكل مستمر، سيما انهم يعدون اقلية صغيرة ضمن اكثرية بوذية سيطر على توجهاتها ممارسة العنف الدموي كاسلوب في التعامل مع ابناء جلدتهم المسلمين.

واودت اشتباكات بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة في ميانمار بحياة 237 شخصا على الأقل وشردت اكثر من 150 الفا اخرين من المسلمين منذ يونيو حزيران 2012. ويهدد العنف بعرقلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأت بعدما حلت حكومة مدنية محل مجلس عسكري في إدارة شؤون البلاد.

وتعتبر الامم المتحدة اقلية الروهينجيا التي تضم حوالى 800 الف نسمة وتقيم في غرب بورما احدى الاقليات الاكثر تعرضا للاضطهاد في العالم. ففيما حرمهم الحكم العسكري الذي حل نفسه عام 2011 من الجنسية، يعتبرهم كثير من البورميين مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش.

وحثت المجموعة الدولية للأزمات في تقرير حكومة ميانمار على التصدي للأسباب الجذرية للتوتر وعدم الاعتماد فقط على الإجراءات الأمنية. وقال جيم ديلا جياكوما مدير برنامج آسيا في المجموعة "يتعين على الحكومة وعلى المجتمع كله عمل المزيد لمحاربة الخطاب المتطرف." "لا يمكن لميانمار في اللحظة التاريخية للإصلاح والانفتاح أن تصبح رهينة لعدم التسامح والتعصب."

وتؤكد منظمات حقوقية وانسانية على ان المسلمين في تلك الدولة يعانون تمييزا عنصريا من قبل السلطات، وغالبا ما يلام المسلين على اعمال عنف غير مسؤولين عنها، على الرغم من تعرضهم لاعمال عنف عدائية من قبل البوذيين.

ويرى مراقبون ان محاولات تحقيق الاستقرار ومساعي التهدئة التي تبذلها بعض الاطراف المعتدلة قد تنهار مع استمرار سياسة التمييز التي تتبعها السلطة، اذ فتحت الشرطة النار على مسلمي الروهينجا للمرة الثالثة في شهرين مما يجدد التوتر في منطقة عانت من العنف الديني العام الماضي.

ولا تزال القرى الواقعة خارج سيتوي عاصمة الولاية تشهد اضطرابات بعد نزاع بشأن احتجاز شخص متوف من الروهينجا سرعان ما تصاعد الى اشتباكات، الذي أمطرت فيه الشرطة حشود الروهينجا بالرصاص.

ويسلط العنف الضوء على تنامي يأس الروهينجا في مواجهة طريقة تعامل تزداد قسوة من جانب الشرطة. وقال سكان محليون ان شخصين على الأقل قتلا وأصيب أكثر من 12 شخصا.

وطفت جثة الصياد على شاطئ قرية اوهنتواجي بعد صلاة فجر الجمعة مما تسبب في اشتباكات استمرت طوال اليوم اطلقت الشرطة خلالها النار على حشود الروهينجا.

وانحى نشطاء باللائمة في الاشتباكات على الاجراءات التقييدية التي فرضت بعد العنف الذي اندلع العام الماضي في الدولة ذات الاغلبية البوذية. وتقضي سياسات تشبه سياسات الفصل العنصري بعزل البوذيين عن المسلمين الذين يتكدس كثير منهم في مخيمات بدائية للنازحين دون امل يذكر في اعادة توطينهم. وقال صحفي زار المنطقة ان الوضع لا يزال متوترا مع وصول توماس اوجيا كوينتانا مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الانسان في ميانمار الى سيتوي.

وتزيد الاشتباكات الضغط على الرئيس ثين سين في الوقت الذي يسعى فيه جاهدا لاحتواء عنف ديني في انحاء البلاد منذ توليه السلطة في مارس آذار 2011 بعد قرابة 50 عاما من الحكم العسكري المستبد.

من جهتها قالت الشرطة في ميانمار إن قوات الأمن هرعت لاحتواء العنف الدموي في ولاية راخين بعد أن أشعلت حشود النار في منازل مسلمين وتعرض قرويون بوذيون للهجوم في اضطرابات تشهدها المنطقة التي تعاني من توترات طائفية تستعصي على الحل.

وطُعنت امرأة مسلمة حتى الموت على أيدي عصابات بوذية هاجمت ثلاث قرى حول بلدة ثاندوي في اختبار لقدرة أفراد الشرطة والجنود الذين أرسلوا إلى المنطقة لتفريق الحشود التي أشعلت النار في المنازل وحاصرت مسجدا.

وقال مفتش بالشرطة تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه إن المرأة قتلت في قريتها ونقل أربعة من البوذيين في راخين إلى المستشفى بعد أن تعرضوا للهجوم على طريق ريفي.

وقال "اندلعت أعمال عنف اليوم في ثلاث قرى. ويجري إطفاء الحرائق التي لا تزال مشتعلة في إحداها."

وقال مسؤول آخر بالشرطة إن قوات الأمن نجحت في تفريق حشد يضم نحو ألف من البوذيين في وقت سابق، مضيفا أن من المحتمل أن تكون الهجمات التي جرى ترتيبها بعد ذلك من تدبير هؤلاء الناس أنفسهم. وقال مسلمون في بلدة ثاندوي إنهم مرعوبون من حدوث تصعيد.

وقال كياو زان هلا رئيس حزب كامان الاسلامي "نحن الان خائفون ونختبيء في منازلنا مثلما حدث في المرات السابقة" وأضاف ان نحو 200 شخص انضموا الى الحشد وكان البعض يرتدي أقنعة ويحمل المشاعل. وذكر أنه كان قد دخل في خلاف مع رجل بوذي أوقف دراجته النارية أمام منزله ليلة السبت ثم انتشرت شائعات بانه اهان البوذية.

فيما قال وزير خارجية ميانمار ونا ميونج لوين إن بلاده لن تسمح لمن سماهم المتلهفين لإثارة العنف الطائفي والديني باستغلال الانفتاح الحديث العهد للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا والتي تكافح على مسار تحقيق الديمقراطية.

وتجيء هذه التصريحات من جانب ميانمار - بورما سابقا - في الوقت الذي اختبأ فيه سكان مسلمون مذعورون في منازلهم في شمال غرب البلاد حيث فرقت الشرطة حشدا من البوذيين بعدما اضرموا النار في منازل وحاصروا مسجدا هناك في احدث تفجر للتوتر الطائفي.

وابلغ لوين اجتماعا سنويا للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك "هناك دائما اناس يريدون عرقلة المسيرة ..لن نسمح لأحد باستغلال الانفتاح السياسي لإثارة العنف بين الطوائف العرقية والدينية المختلفة."

وقال لوين "عملية الإصلاح في بلدنا لا تزال في مرحلة ناشئة وحساسة حيث لا مجال للخطأ." وقال إن الحكومة حققت "تقدما ملموسا في جهودها نحو تحقيق المصالحة الوطنية."

كما ندد الرئيس البورمي ثين سين بحدة بالاتهامات التي وجهت الى بلاده بممارسة "تطهير عرقي" بحق الاقلية المسلمة فيها مؤكدا انها جزء من "حملة افتراء" على حكومته.

وصرح ثين سين لقناة فرانس 24 الاخبارية في اثناء زيارة لباريس ان "عناصر غربيين يبالغون ويفبركون المعلومات. ليس من تطهير عرقي ابدا". واضاف "انها حملة افتراء على الحكومة. ما حصل في منطقة راخين ليس تطهيرا عرقيا".

وفي نيسان/ابريل اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش مسؤولين بورميين واعيانا ورهبانا بوذيين بالمسؤولية عن "حملة تطهير عرقي" ضد اقلية الروهينجيا المسلمة التي بلا وطن متحدثة عن عمليات قتل وتهجير قسري.

واضاف الرئيس البورمي في المقابلة "تمكنت الحكومة من احتواء العنف الطائفي والوضع عاد الى سابق عهده". وتابع ان "حكومتي شكلت لجنة مستقلة للتحقيق في الاسباب العميقة لاعمال العنف الطائفية هذه".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الاول/2013 - 28/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م