الكلام أيسر من الأفعال

پاتريك كلاوسون

 

في 2012، قُلت إن العقوبات على إيران يُمكن أن تُثمر عن إرجاع طهران إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى ولكنها لم تكن استراتيجية في حد ذاتها. [راجع المقالة العقوبات ما هي إلا وسيلة لتسريع الأمور]. ومع ذلك، لن تكون المحادثات العَرَضية (والتي لا تُثمر عادة عن شيء) بديلاً عن الاستقرار والتطبيع السياسي الشامل. وقد كتبتُ أن سياسة أمريكية ناجحة طويلة الأمد ينبغي أن تتوازى مع بناء بيئة أكثر ديمقراطية في إيران. وهذا يظل صحيحاً حتى يومنا هذا. ففي الوقت الذي صعَّد فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني حملة التملق في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حري بنا أن نذكر بأنه لم تسفر العقوبات وحدها عن السلوك الإيراني الجديد. كما أنها لن تكون ضمانة كافية لتعاون إيران في المستقبل.

على مدار العامين الماضيين، حققت أنظمة العقوبات التي وضعتها الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي نتائج باهرة - غالباً بفضل الدعم الدولي الواسع لها والالتزام بها. وقد وقّعت بعض الدول، مثل كندا، على قيود تجارية مُحكمَة. بينما عملت دول أخرى، مثل الهند، على تقليص مشترياتها بشكل كبير من النفط الإيراني ووضعت قيوداً على ما يُمكن أن تفعله إيران بمدفوعات النفط هذه. وعند أخذ كل شيء في الإعتبار فإن عائدات صادرات النفط الإيرانية القابلة للاستغلال قد تقلصت بحوالي الثلثين عما كان يُنتظر أن تكون هذا العام. إذ بلغ عائد النفط الإيراني القابل للاستغلال حوالي 30-35 مليار دولار، وهو عائد يماثل المستوى الذي حققته إيران قبل عقد مضى. وقد أجبر ذلك حكومة طهران على السحب من الاحتياطي وتقليص المبادرات الشعبوية، مثل المدفوعات التي يحصل عليها الإيرانيون شهرياً لتعويض بعض عمليات التخلص التدريجي من دعم الطاقة وغيرها من السلع. إن الواقع المتمثل في ظهور البلاد على استعداد للمساومة في الوقت الراهن يعزز القول الإيراني المأثور بأن الجمهورية الإسلامية لا تتنازل تحت الضغط - بل تذعن فقط للضغط الشديد.

ومع ذلك، ليست العقوبات وحدها وراء تغير السلوك الإيراني. فالأمر الآخر الذي على نفس القدر من الأهمية هو غضب الشعب الإيراني المتزايد من الوضع الاقتصادي المتدهور هناك، والذي تسببت فيه العقوبات - على الأقل بنفس القدر الذي تسببت فيه السياسات الشعبوية غير المتسقة لحكومة أحمدي نجاد. ولو كان النظام أذكى من ذلك لكان قادراً على تفادي تأجُج الغضب الإيراني بتحويله ضد الولايات المتحدة. ولكن طهران لم تكن قادرة على إقناع الشعب الإيراني بأن يوجه غضبه إلى أي شخص آخر أو جماعة أخرى باستثناء المتشددين الإيرانيين وسياساتهم الاقتصادية غير المجدية وموقفهم النووي. ويشكل إصلاح الاقتصاد أهم أولويات الإيرانيين هذه الأيام. وفي هذا الصدد، أبدى الإيرانيون رغبتهم في عدم متابعة سداد التكلفة الباهظة - التي تشمل عائدات النفط الضائعة، والتضخم، والبطالة - مقابل البرنامج النووي فقط الذي كان يُتباهَى به ذات يوم. وتأتي استعادة العلاقات مع العالم الخارجي في المقام الثاني، ويعني ذلك عكس السياسات الانعزالية التي تشمل وضع قيود على الإنترنت والإرسال التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية. وحتى المرشد الأعلى عي خامنئي - الذي يعتبر منذ فترة طويلة أحد دعاة مبدأ المقاومة لا المساومة - تحدث مؤخراً عن الحاجة إلى "ليونة بطولية".

والسبب الأخير ولكنه الأكثر أهمية وراء النهج الإيراني الجديد هو تعزيز الديمقراطية في إيران. فلم تكن الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران/يونيو بأي حال عادلة تماماً. ولكن حُسِبَت فيها الأصوات بحق، على النقيض مما كان عليه الوضع في انتخابات 2009. وأُعلِنت النتائج بعد ساعات كثيرة - وليس بعد ساعة واحدة من غلق صناديق الاقتراع. وبدلاً من تلميع فائز معين في انتخابات حزيران/يونيو - مثلما كان عليه الحال في 2009 - لم يفعل خامنئي شيئاً حيال وقف المنافسة الأخوية بين المرشحين المحافظين الثلاثة الرئيسيين. وحتى عندما طَلب من الإيرانيين المعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية أن يخرجوا ويصوتوا (بدلاً من صراخه المعتاد بأن التصويت ما هو إلا استعراض للدعم الذي يحظى به النظام)، وصلت الرسالة إلى الناس: وفي هذه المرة سوف يتعايش خامنئي مع [المرشح الذي حصل على] خيار الناس من بين المرشحين الذين دقق هو في ترشيحهم. لقد سمحت هذه الانتخابات التي زادت فيها الحرية بقيام المزيد من الجدل حول السياسات الخارجية والأمنية للبلاد - والتي كانت في السابق أمراً محظوراً. وبدا الإيرانيون يسمعون من بينهم من يتحدث عن التشدد واللامعقولية اللذين تحلا بهما المفاوِض الإيراني السابق سعيد جليلي بشأن البرنامج النووي. فجميع المرشحين الآخرين هاجموا مواقفه بشدة وبشكل صريح فيما يتعلق بالمفاوضات النووية.

وطالما أراد الغرب أن يرى نقاشاً حقيقياً داخل إيران بشأن برنامجها النووي. وأخيراً حدث هذا النقاش. ويقيناً أن العقوبات زادت من السخط بشأن تأثير البرنامج النووي، ولكنها لم تُترجَم إلى إصلاحات سياسية إيرانية حتى أُعطيت للناس الفرصة لكي يُسمِعوا أصواتهم. وما كان لذلك أن يحدث لو لم يقرر خامنئي ترك هذه الانتخابات تكتمل مثلما فعل. فكانت النتيجة منح الناس دعماً قوياً لروحاني - أكثر الأصوات اعتدالاً. والدرس هنا للغرب هو أنه كلما زادت الديمقراطية والحرية في إيران، كلما زاد الأمل في حل المعضلة النووية. وبمعنى آخر، لا يعتبر دعم الحرية في إيران الشيء الوحيد الصحيح أخلاقياً الذي علينا القيام به، بل هو أيضاً أفضل وسيلة لحمل ايران على التخلي عن طموحاتها النووية.

ولا يعتبر روحاني من المصلحين. إنه رجل من النظام، وهذا هو السبب الذي سُمح له بخوض الانتخابات في المقام الأول. ومن المؤكد أنه يريد التوصل إلى صفقة، لكن لم يكن هناك أي إشارة علنية واضحة عن الشروط التي قد توافق عليها ايران. ومع ذلك يُفترض أن لدى ايران والغرب بالفعل فكرة جيدة عما يمكن أن يترتب عليه أي اتفاق من الجانب الإيراني وهو: قبول وضع قيود على التخصيب وشحن معظم اليورانيوم المخصب - إن لم يكن جميعه - إلى خارج البلاد وزيادة الشفافية والاستجابة إلى استفسارات "وكالة الطاقة الذرية" حول الأنشطة السابقة.

بيد أن هذا هو مجرد نصف الاتفاق. والنصف الآخر منه هو ما يمنحه الغرب في المقابل - لا سيما في شكل تخفيف العقوبات. ولا زال الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، متحفظاً حول تلك المسألة. على الإيرانيين أن يقلقوا: لقد كانت الولايات المتحدة بشكل عام بطيئة في تخفيف العقوبات. وسواء في ليبيا أو ميانمار (التي يطلق عليها بورما أيضاً) أو فيتنام، فإن رفع العقوبات التي كانت قد وضعت ذات مرة قيد التنفيذ استغرق سنوات عديدة أكثر مما توقعته تلك الحكومات. ولعل من المثير للانتباه أن قيود جاكسون - فانيك التي فُرضت على الاتحاد السوفيتي في عام 1974 بسبب قيود موسكو على هجرة اليهود لم تُرفع إلا في عام 2012، بعد أكثر من 20 عاماً على فرض تلك القيود على الهجرة وغياب الحكومة السوفيتية.

وقبل إنهاء العقوبات، عادة ما تريد الولايات المتحدة - أكثر من مجرد طمأنة - بأنه سيتم تنفيذ الاتفاق. إنها تريد أدلة واضحة على أن أي اتفاق سوف يكون مستمراً، وترغب أيضاً في رؤية حدوث تقدم في المناقشات الثنائية. وفي حالة إيران، يعني هذا أن واشنطن ستريد من طهران إنهاء دعمها للإرهاب وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان. وهذا كله يعني أن أي تخفيف للعقوبات قد تعرضه الولايات المتحدة عقب بدء المناقشات النووية سيكون محدوداً جداً. كما أنه من غير الواضح إن كان الاتحاد الأوروبي سيتقدم للنجدة: إذ لا يمكن إلغاء عقوباته إلا بقرار بإجماع 28 حكومة.

ويمكن للولايات المتحدة أن تتغلب على هذه المشكلة بعرض تخفيف العقوبات عن الشعب الإيراني حتى مع الإبقاء على قيود صارمة على الحكومة الإيرانية. وبالفعل، كانت واشنطن تعمل بشكل متزامن على تشديد العقوبات على المؤسسات المرتبطة بالحكومة مع تخفيف القواعد على المواطنين، على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالمسابقات الرياضية والتبرعات للمؤسسات الخيرية في إيران ومبيعات الهواتف الجوالة والبرمجيات ذات الصلة إلى الإيرانيين. وعقب التوصل إلى اتفاق، تستطيع واشنطن أن تفعل ما هو أكثر من ذلك لإنهاء القيود التي تضغط على المواطنين الإيرانيين والشركات الخاصة الإيرانية، وربما يمكنها ذلك عن طريق تخفيف إجراءات استصدار التأشيرات والسماح بتداول السلع الاستهلاكية مع شركات خاصة موثوقة. إن أفضل الآمال لتحسين علاقات الولايات المتحدة مع إيران تنعقد على بناء علاقات أفضل مع الشعب الإيراني، وينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على ما يحتاجه أبناؤه وما يرغبون في الحصول عليه. كما أن توفير تخفيف متواضع للعقوبات على الشعب ما هو إلا خطوة صغيرة تجاه دعم الديمقراطية، لكن نصف رغيف أفضل من لا شيء.

* پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تشرين الاول/2013 - 26/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م