الطائفية هي تهمة الثقافة السياسية

نبيل ياسين

 

إذا كان للكاتب ستة وثلاثون ساعة كل يوم فانه لا يستطيع ان يتابع كل ما يحدث في العراق سواء على صعيد الحكومة او البرلمان او المجتمع. اذا كان لدينا ٣٣٣ نائبا وكانت هناك غرفة تصريحات يجتمع فيها مراسلو الفضائيات بدون نظام وبدون قانون وبدون حرفة وبدون مهنية، ولكن بالتأكيد بحس النميمة الإعلامية والسياسية، فإننا يجب ان نتوقع ان عملية سياسية لن يكتب لها النجاح بهذه الطريقة. فالبرلمان اسوأ من سوق هرج ولكنه ليس اسوأ من سوق الصفافير لان «الضرطة تضيع في سوق الصفافير» بينما الضرطة في البرلمان تصبح مشكلة يدفع العراقيون ثمنها.

والضرطة كلمة فصيحة تماما. وهي الريح التي تخرج من الدبر مصحوبة بصوت. وهناك عفطة عنز التي استخدمها علي بن ابي طالب في خطبته الشهيرة المعروفة بالشقشقية (وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ) وهناك عدد كبير من النواب لا يزهدون بعفطة العنز وإنما يكررونها امام الفضائيات ويساهمون بتصعيد العنف وتثبيط همم الشعب وهم أولى بان يقدموا الى المحاكم بتهم شتى، اقلها أنهم سبب العنف وسبب أزمة هدر الاموال وتورط معظمهم بصفقات غير قانونية وعدم قدرتهم على تلبية مطالب المجتمع الذي يمثلونه.

يتبادل عدد كبير من نواب البرلمان الاتهامات بالطائفية التي يصعدون تأثيرها الى الحد الذي أصبح فيه القتل طائفيا. وقد تفشت في العراق تهمة الطائفية بحيث تشير الفضائيات بحرب طائفية استعدادا لحسم نتائج الانتخابات المقبلة. ويحلو للبي بي سي العربية ان تتضمن أخبارها الهوية الطائفية للقتلى فتقول تفجير انتحاري في مأتم شيعي.. وانفجار سيارة في منطقة سنية، وهكذا ندفع جميعا ثمن تدهور الوضع في العراق.

والاتهام بالطائفية اتهام سياسي وهو اتهام موجود في أساس العقيدة السياسية لكل حزب، حتى الاحزاب الشمولية غير الدينية المسماة زورا بالأحزاب العلمانية، بينما هي نقيض العلمانية وعدوتها الاولى وقد شوهت العلمانية وجعلت منها أمرا مرفوضا خاصة فيما يتعلق بالحريات وسيادة القانون والموقف من الأديان. فالاتهام بالطائفية هو اتهام بالاختلاف. إذ يكفي ان تختلف مع سياسي حتى يتهمك بنقيضه. ونقيض الشيوعي هو الاتهام بالبعثية سابقا ونقيض البعثي هو الاتهام بالشيوعية سابقا. وهذا يعني أيضا (طائفية) لان الاحزاب مغلقة على (مؤمنيها). وإذا ناقشت (تقدميا) في السابق واختلفت معه فانه يتهمك بـ ( الرجعية). واذا اختلفت مع اشتراكي يتهمك بالرأسمالية والبرجوازية. وهكذا لابد من اتهام من النقيض.

اليوم لم تعد كلمات الأمس سارية المفعول تماما فحل محلها مفهوم (الطائفية). فإذا اختلفت مع سني اتهمك بالطائفية. واذا اختلفت مع شيعي اتهمك بالطائفية. واذا اختلفت مع بعثي اتهمك بالطائفية واذا اختلفت مع شيوعي اتهمك بالطائفية لأنها تهمة العصر الراهن حيث يدور الصراع الفكري والسياسي على أسس جديدة تخرج مفاهيمها من الثقافة السياسية والإرث السياسي للصراع.

ثقافة تهمة الآخر هي ثقافة سائدة وهي الثقافة السياسية الوحيدة في العراق. ومنذ عشر سنوات لم نستطع الاعتراف بالتعددية لان تهمة النقيض موجودة. ومنذ عشر سنوات لم نستطع ان نحقق استقرارا في العراق لان ثقافة التهمة فاعلة وتستثمر استثمارا يوميا. لذلك يقال لا ثقة بين أطراف العملية السياسية كما يشكو الجميع من المحاصصة ويحملونها مسؤولية تدهور الأوضاع بينما يصرون على المحاصصة حتى في إخفاء مسؤولية كل طرف عن هذا التدهور.

تاريخ الاتهام وثقافة الاتهام

واذا ناقشنا التاريخ وقلنا انه ما يزال يحكم حاضرنا ويقرر مصائرنا بانقسامه وتجد التهم جاهزة، ومع هذا فانا كاتب ولابد لي من تكريس حريتي في تناول التاريخ والحاضر والمستقبل رغم ثقافة الاتهام السائدة، فإذا قلت ان فضيحة الوقف السني بتعيين ستين شخصا من أقارب رئيس الوقف بحيث أصبح الوقف ( شركة عائلية) فأنت طائفي. واذا قلت ان هذا الفساد موجود مثله في الوقف الشيعي وان هناك مقاولات وهمية فأنت طائفي أيضا. واذا انتقدت الشيعة بأفكار علي فأنت طائفي، واذا انتقدت السنة بأفكار عمر فأنت طائفي، واذا انتقدت الشيوعيين بأفكار ماركس فأنت طائفي واذا انتقدت البعث بأفكاره فانت طائفي وبهذا المعنى فإننا كلنا طائفيون ودائما نحن طائفيون، لان الاختلاف في وجهات النظر موجود دائما والتهمة ايا كان نوعها جاهزة أيضا. وأسوأ ما نواجهه هو ان التهمة موجودة أساسا قبل ان نختلف وننتقد.

وهكذا تكرست ثقافة الاتهام بحيث أصبح الفرد العراقي يتهم نفسه بأنه عنيف وانه مزدوج الشخصية وانه ناكث للعهد وانه متخلف وانه لا يمكن له ان يتحرر ويمتلك إرادته ويحقق عملية تغيير وان الديمقراطية لا تصلح له وان الحرية حق لا يمكن المطالبة به وان المساواة بالقانون خرافة واننا بحاجة الى ٤٠٠ سنة لكي نتغير ولكن هذا الفرد يظل بعد عشر سنوات يقول اننا بحاجة الى ٤٠٠ سنة لكي نتغير في حين ان ذلك يعني اننا بحاجة الى ٣٩٠ سنة فقط. واذا التقيت هذا الفرد بعد خمسين سنة سيقول لك اننا بحاجة الى ٤٠٠ سنة لكي نتغير لأنه لا يحسب حسابا للزمن ولا يفكر بالتغيير وقد تم غسل أدمغة ملايين العراقيين بأنه لا أمل لهم بتحسن أموالهم وإنهم لا يستحقون اكثر من ان يسرقهم سياسيون أميون وجهلة يكرسون التخلف باستخدام الدين وباستخدام التكنولوجيا الحديثة من فضائيات وانترنيت وفيس بوك ومواقع الكترونية وموبايل.

لا احد يفكر بالحرية ولا احد يفكر بالمساواة ولا احد يفكر بالحقوق ولا احد يفكر بالقانون. تغيب كل هذه المعايير التي تقود حياتك وفكرك وفلسفتك من فكر الآخرين من السياسيين من كل الأصناف. وتغيب الدولة وقيمها فإذا تحدثت عن ضرورة الدولة لتكون هناك ضرورة للمواطنة فاتهامك بالطائفية اتهام حاضر. فالطائفية هي اتهام بالاختلاف وسبب الاتهام بالطائفية هو النقد والمطالبة. ومع ان السني مفهوم سياسي، وان الشيعي مفهوم سياسي، فان الاتهام بالطائفية سياسي بحت. واكثر من ذلك فان الاتهام لدينا هو عقيدة. الاتهام هو جزء أساسي من الثقافة السياسية السائدة. ان تاريخ العراق هو تاريخ سياسي. والصراع بين الصفويين والعثمانيين هو صراع سياسي. واذا كان إسماعيل الصفوي او نادر شاه يحتل بغداد فيقتل ثلاثين الف سني فان مراد الرابع يحتل بغداد فيقتل ثلاثين الف شيعي. من هم هؤلاء السنة ومن هم هؤلاء الشيعة..؟ أنهم أطراف الصراع السياسي للسيطرة على العراق لا اكثر. فنادر شاه أراد ان يكوّن دينا جديدا بالاتفاق مع السلطان العثماني من اجل توطيد حكمه المهدد من العثمانيين فقرر ان يتصالح مع العثمانيين فاصدر أمره التالي: (إننا قررنا وجوب رفع السَّب، وعدم تفضيل الصَّحابة بعضهم على بعض... وكلُّ مَن يُخالف ما ورد في هذه الوثيقة ويُعيد السَّب... يستحق غضب الشَّاه) اي غضب السياسي وليس غضب الإله او الرب. ومثلما بدأ السَّب بأمر حكومي، اي سياسي من الشاه إسماعيل وقف بأمر حكومي سياسي أيضاً.

الطائفية انقسام سياسي

فهل الطائفية دين ام سياسة؟ وطائفية اليوم هل هي دين ام سياسة؟ انها صراع سياسي ولذلك تتصاعد مع تصاعد كل خلاف سياسي وتخفت حين تتحقق حقوق المواطنة ويعيش الإنسان متساويا تحت حكم القانون. فما نحن بحاجة إليه هو الوعي. فقد غاب الوعي وغاب المواطنون عن وعيهم لأنهم أصبحوا تحت تأثير أفيون عجيب هو فقدان الإرادة. فالديمقراطية إرادة، والمجتمع المدني ارادة، وسلطة الرأي العام ارادة، والحصول على حقوق المواطنة ارادة وتغيير الطبقة السياسية والإتيان بطبقة أفضل منها ارادة، واحترام سيادة البلاد ارادة وتطبيق الدستور ارادة وحفظ حياة العراقيين من الإرهاب الطائفي والديني والقومي والسياسي والتصفيات المافيوية ارادة. وسيادة القانون ارادة وحماية مصالح البلاد ارادة. وهذه الارادة ليست بيد السياسيين وإنما بيد المواطنين ان كل ما يقوم به السياسيون الماهرون بلعبة الفساد هو تغييب هذه الارادة ومع الأسف يلعب العنف والإرهاب دورا أكيدا في تغييب دور الارادة الشعبية.

الشفافية في امن الدولة والمجتمع:

لا سر امني في العراق

واذا كان امن الدول امرا سريا، وأكثرها سرية، فان لجنة الدفاع والامن البرلمانية ونواب آخرين سرعان ما يعلنون عن الإجراءات الامنية التي ستتخذ. فذاك النائب يقول اشترينا اثنتي عشرة طائرة هليوكوبتر، وهذا النائب يقول سنقوم بعمل هويات لكشف السيارات المشبوهة، فما هو مفهوم الأمن في العراق؟ هو كشف ما هو سري للقضاء على الارهاب امام الارهاب نفسه لكي يتجنب ذلك او يشارك في تلك الإجراءات ثم يصرخ مسؤول الحكومة : هناك اختراقات أمنية.

الشفافية معدومة في كل شيء الا في الأمن، فليس هناك سر. السرقات والعقود والمقاولات الوهمية والتعيينات الخاصة كلها بدون شفافية وهي سر من اسرار الدولة. أما الأمن فهو مكشوف وليس سرا ويستطيع اي نائب ان يصرح ماذا اتخذ من إجراءات سرية. وبما ان لدينا اكثر من ٣٠٠ نائب ولدينا اكثر من ٥٨ فضائية ولدينا صحفيون مرتشون من النواب والوزراء فان الكاميرات حاضرة في بلد لا يعمل فيه احد سوى التصريحات التلفزيونية. فالنائب لا يتقاضى راتبا لكي يشرع ويعمل ويتابع وإنما لكي يصرح. وبما ان تصريحاته استفزازية دائما ومجموعة اتهامات وتصعيد للنزاعات فهو بحاجة الى حماية وموكب سيارات على الدولة المفترضة ان توفر مصروفاتها من الميزانية لحماية النائب الذي يكشف عن اسرار امن الدولة.

بعد هذا هل هناك من عجائب في العراق غير برج بابل؟ نعم، فبرج بابل تهدم وانقرض ولم يعد أعجوبة الزمان الحاضر لان لدينا ما لا يقل عن الف برج بابل من وزراء ونواب وسفراء ومدراء ومستشارين جمعوا عجائب الدنيا السبع في أعجوبة واحدة.

هل قلبي يفيض غما؟ نعم بالتأكيد، ومن حقي ان يفيض قلبي غما من انهيار العراق وأحوال المجتمع وقتل الناس وانقلاب السياسة الى مهنة لا أخلاق ولا التزامات لها يمارسها الأميون والجهلة وذوو التاريخ المجهول والتاريخ المعلوم بالانتهازية والصلف والتقلب والتبعية والسرقات من كل نوع من سرقة الاموال الى سرقة مواقع الآخرين.

السياسة مهنة. وهي مهنة بأخلاق والتزامات.. وفي النظام الديمقراطي هناك دستور هو وثيقة الشرف الوطنية الملزمة للجميع وكل وثيقة شرف أخرى بين السياسيين هي انتهاك للدستور والتفاف على ارادة الشعب واحتكار للحكم وإقصاء للشعب ونفي لحقوق المواطنة وتعويضها بمصالح السياسيين. واذا كان احد يراني أعمى لا أرى الانجازات التي تحققت والتي تتحقق كل يوم فاني أقول ان الفرد العراقي أصبح مثل كالكامش التي تفتتح الملحمة باسمه:

هو الذي رأى كل شيء

فغني بذكره يا بلادي)

Recycling

واذا كان كل بلد ديمقراطي قادر على إنتاج أجيال جديدة، فان العراق يشهد عملية إعادة تدوير Recycling هي الأضخم في تاريخه لإعادة تدوير السياسيين والإعلاميين والكتاب والشعراء والوزراء والسفراء والمدراء. واذا كان السياسيون الذين مروا على العراق هم الأزمة بعينها فأنهم يعودون خاصة اذا خرجوا من مناصبهم، ليتحولوا الى فلاسفة ومفكرين ومنظّرين يتحدثون عن حلول للازمة وهم سبب الازمة حين كانوا وزراء سابقين ومسؤولين كبارا فشلوا في ادارة مسؤولياتهم لكنهم حين يخرجون من مناصبهم يبدأون بتقديم الحلول ويعرضون أنفسهم «حلالين للمشاكل» ومثلما كفلت صناعة التدوير إبقاء السياسيين وعدم خروجهم من المشهد السياسي ومحاولتهم للعودة لادوار لم يكونوا يتوقعونها جاءت بمحض الصدفة، فان صناعة التدوير كفلت أيضا إعادة إنتاج الكتاب والصحفيين الذين خدموا صدام حسين وابنه عدي صدام وهم يقودون عراقنا الجديد ويحكمون سيطرتهم على القرار السياسي والقرار الثقافي والقرار الاعلامي وعلى قرار التخبط بالتخطيط الأمي والجاهل، كما كفلت عودة عدد كبير من مجرمي النظام السابق بشكل قوي يستطيعون من خلاله توجيه الاتهامات للشعب بأنه غير وطني وغير متعلم وانه مجموعة من الغوغاء والرعاع وكلاب تنبح. وهذا أول برلمان في العالم يسب الشعب ويتهمه بالتخلف إذ ان عادة البرلمانات في العالم هي الدفاع عن مصالح المواطنين الذين انتخبوهم.

كل شيء يمكن رؤيته في العراق الا الحساب. فقد سقط الحساب. واذا عدنا الى بداية المقال فان مثلا عراقيا شهيرا يعبر عن واقع الحال. يقول المثل ( ضرط وزانها وضاع الحساب). هل هناك بلاد في العالم، سواء كانت دكتاتورية او ديمقراطية لا يوجد فيها قانون للعقال والحساب؟ لدينا عشرات الهيئات التي نسميها مستقلة ولكنها منحازة ومسيسة والغرض من تسييسها هو إسقاط العقاب والحساب.

لا يمكن إنكار نظرية الركود الاجتماعي في الشرق كما لا يمكن إنكار مراحل الركود الاقتصادي التي تمر بها الاقتصاديات الوطنية او القومية او العالمية. وقد تعامل الوردي مع هذه النظرية دون ان يذكرها. إذ يؤكد على قوة القناعات الثقافية والدينية والعشائرية وعدم قدرتها على التغير. ولقد لعبت الخرافة السياسية دورا اكبر من الخرافة الدينية في ترسيخ هذه القناعات. فالموضوع الأساسي في اي مجتمع هو موضوع العدالة والاستبداد. ولقد عاش الفرد العربي والعراقي خاصة تحت قبة الخرافة السياسية التي ربطت الدين بالاستبداد كما ربطت العشيرة بالدين وهكذا اختلطت الخرافة السياسية بخرافة الفكرة الدينية عن الاستبداد. واذا أخذنا شيئا من التاريخ الخاص بالعراق فان فتح العراق أنتج تضاربا في (موقع) العراقي من الإسلام إذ اعتبر فتح العراق فتحا لمجتمع غير مسلم تغلب عليه المجوسية. وقد واجهت عمر بن الخطاب هذه المشكلة. قال البلاذري في (فتوح البلدان) :( حدثنا عمرو الناقد، قال حدثنا ابن وهب المصري، قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه، قال : كان للمهاجرين مجلس في المسجد فكان عمر يجلس فيه ويحدثهم عما ينتهي إليه من أمر الأفاق، فقال يوما ما ادري كيف اصنع بالمجوس فوثب عبد الرحمن بن عوف، فقال اشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.)

وكان العراقيون يعانون من ازدواجية المواطنة ان صح القول، فقد نشأ خلاف في : هل لأهل السواد عهد ام لا؟ يواصل البلاذري الخوض في هذه المعضلة (حدثني الحسين بن الأسود، قال حدثنا يحي بن آدم، قال :حدثنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال: ليس لأهل السواد عهد وإنما نزلوا على الحكم. حدثنا الحسين، قال حدثنا يحيى بن ادم، قال حدثني الزبيدي عن محمد بن قيس الاسدي عن الشعبي انه سئل عن أهل السواد الهم عهد، فقال: لم يكن لهم عهد فلما رضى منهم بالخراج صار لهم عهد.

ويحيى بن ادم هذا مختص بالخراج وله كتاب مهم جنبا الى جنب مع الكتاب الشهير (كتاب الخراج) الذي ألفه قاضي القضاة في زمن الرشيد أبو يوسف. وهذا يعني ان سكان العراق ظلوا غير مسلمين لان الخراج لا يؤخذ من المسلم وانما يؤخذ من المسلم العشر. فمن هو الفرد العراقي أصلا الذي سكن بلاد الرافدين واضطر الى ان (يتعاهد) مع المسلمين حفظا لحياته؟.

لكن رواية أخرى تنفي العهد عن أهل السواد. ( حدثنا الحسين عن يحيى بن ادم عن شريك عن جابر عن عامر انه قال: ليس لأهل السواد عهد. ( نفس المصدر ٢٦٦). قد لا تبدو هذه المعضلة كبيرة في الوقت الحاضر ولكنها تشير الى تعدد في شخصية الفرد العراقي الذي اختلط فيه المسلم العربي والمسلم الفارسي والمجوسي الفارسي والمسيحي العراقي واليهودي العراقي وأصبح الفرد العراقي يؤدي ما عليه من ضرائب بسبب قوميته او دينه مثل الخراج عن الأرض والجزية عن الرأس وهو ما يمكن ان يساهم في التمييز العنصري والديني الذي شهده المجتمع العراقي الى وقت متأخر. فهل قدرنا ان نعيد التاريخ ولا نغير من وعينا؟

وفي باب الشروط التي اشترطت على أهل الذمة (من غير المسلمين) في العراق نجد ان هناك شروطا قاسية من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية تحملها العراقيون. أوردها ابن زنجويه في كتاب الاموال (حدثنا حميد حدثنا ابن ابي اوس حدثني مالك بن انس عن نافع عن اسلم مولى عمر، قال: ضرب عمر الجزية على أهل الورق أربعين درهما وعلى اهل الذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام).

فهل مازلنا نحن العراقيين اهل ذمة بنظر السياسيين العراقيين يفرضون علينا الجزية وضيافتهم مدى العمر؟

أخيرا، اذا أحصينا عدد الناقمين على العملية السياسية اليوم بما فيها الحكومة والبرلمان سنجد اننا بحاجة الى تغيير اتجاه الارادة العامة في الانتخابات المقبلة. هذا التغيير بحاجة الى عاملين: الثقة بالنفس والقدرة على التغيير.

فهل نتغير لنغير هذا الواقع المتدهور؟ ولا نكرر إشعارنا التي نرددها وهي مكتوبة منذ مئات او عشرات السنين وما تزال تنطبق على الواقع. لا نقول مع الرصافي:

علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف والسبب هو غياب الثقافة من السياسة العراقية. ومع هذا مازلنا نصر على القول ان مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ. ماذا يقرأ السياسيون في العراق؟ أنهم يقرأون لنا الفنجان.

http://www.mowatennews.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تشرين الاول/2013 - 26/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م