الملوثات الهوائية... سموم لا تراها عيون البشر

 

شبكة النبأ: مشكلة تلوث الهواء تعتبر اليوم أحد أكثر المشاكل خطورة  في العديد من دول العالم، خصوصا مع ارتفاع نسبة الملوثات الهوائية، التي سببها التقدم  العلمي و التكنولوجي والصناعي للإنسان الذي يعتبر العنصر الرئيسي والأساسي في هذه المشكلة التي أدت إلى حدوث الكثير من المشاكل صحية وبيئية والتي أودت بحياة الكثير من الناس, وبحسب بعض التقديرات الخاصة فأن 2,4 مليون شخص يموتون سنويًا كنتيجة لبعض الأسباب التي تعزو بطريقة مباشرة إلى تلوث الهواء، ومنهم 1,5 مليون شخص يموتون بسبب الإصابة بالأمراض القلبية الرئوية والتي يسببها استنشاق الجسيمات الناعمة الملوثة للهواء هذا بالإضافة الى الأضرار والخسائر الاقتصادية الكبيرة، وفي هذا الشأن فمن شأن التعرض على المدى الطويل للتلوث بالجزيئيات أن يزيد خطر الإصابة بسرطان الرئة، حتى لو كانت الكميات أقل من الحد الاقصى المسموح به على الصعيد الأوروبي، وفق ما جاء في دراسة نشرت في مجلة "ذي لانست" الطبية. وعلى المدى الطويل، من شأن تفاقم هذا التلوث أن يستدعي دخول المرء إلى المستشفى أو يزيد من خطر الوفاة من جراء قصور في القلب، بحسب دراسة أخرى نشرت في المجلة نفسها.

وهذه الجزيئيات تصدر عن النشاطات الصناعية أو تلك التي يقوم بها الإنسان، من قبيل الزراعة، بالإضافة إلى أنظمة تدفئة المنازل وحركة سير السيارات. وهي صغيرة بما فيه الكفاية للتغلغل في الرئتين. وقد قامت مجموعة من الباحثين الأوروبيين يترأسها أوله راشو نيلسن باستعراض 17 دراسة أوروبية شملت 313 ألف شخص، فخلصت إلى أن تفاقم التلوث بالجزيئيات الدقيقة 2,5 (5 ميكروغرامات في المتر المكعب الواحد) يزيد من خطر الإصابة بسرطان في الرئة بنسبة 18 %، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 22 % مع ازدياد الجزيئيات 10 الأكبر (10 ميكروغرامات في المتر المكعب الواحد).

وقد حدد الاتحاد الأوروبي المستوى الأقصى المسموح به من هذه الجزيئيات في الهواء بأربعين ميكروغراما في المتر المكعب الواحد للجزيئيات 10، و25 ميكروغراما في المتر المكعب الواحد للجزيئيات 2,5. أما منظمة الصحة العالمية، فهي توصي من جهتها بتخفيض هذين المستويين إلى 20 ميكروغراما و10 ميكروغرامات على التوالي. لكن الباحثين لفتوا في دراستهم إلى أنهم لم يتوصلوا إلى أي حد أدنى يحول عدم تخطيه إلى انعدام خطر الإصابة بالسرطان.

وفي الأبحاث الثانية التي نشرت نتائجها مجلة "ذي لانست"، استعرض باحثون من جامعة ادنبره في اسكتلندا 35 دراسة لتقييم المخاطر المحيطة بالتعرض لهذه الجزيئيات وأربعة مواد أخرى تلوث الغلاف الجوي هي أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وثنائي أكسيد النيتروجين والأوزون. وخلص الباحثون إلى أن التعرض البسيط لهذه الملوثات يزيد من احتمال الدخول إلى المستشفى أو خطر الوفاة من جراء قصور في القلب بنسبة تتراوح بين 2 و 3 %.

ولا خلاف على أنّ تلوث الهواء وراء ملايين الوفيات سنويا عبر مختلف أنحاء الكرة الأرضية، لكن الجدل السياسي والإعلامي مازال مستمرا حول الدول الأكثر إضرارا بجودة الواء. وبناء على معطيات تضمنتها دراسة تم نشرها في وقت سابق، وضعت وكالة أبحاث الفضاء ناسا خريطة للكرة الأرضية توضح بالتدريج المناطق التي تسوء فيها نوعية الهواء بما يسبب في الوفيات. والمعطيات التي تم جمعها بين الأول من يناير/كانون الثاني 1850 إلى الأول من يناير/كانون الثاني 2000. بحسب CNN.

والمناطق الداكنة أكثر من غيرها هي التي توجد فيها نسبة وفيات بسبب تلوث الهواء أكثر من غيرها. وكلما خف اللون كلما كانت النسبة أقل. أما اللون الأزرق فيشير إلى المناطق التي تحسنت فيها نوعية الهواء بكيفية واضحة بعد أن كانت حالتها سيئة. ومن الواضح أنّ آسيا هي الأسوأ ولاسيما الصين التي تكثر فيها مناجم الفحم الحجري.

أكثر حصدا للأرواح

في السياق ذاته يؤدي تلوث الجو الى وفاة عدد من الاشخاص اكبر من عدد ضحايا حوادث السير في ولاية ساو باولو الاغنى والاكثر اكتظاظا بالسكان في البرازيل على ما جاء في دراسة نشرتها منظمة غير حكومية. وفي العام 2011، قضى ما لا يقل عن 4655 شخصا جراء مشاكل مرتبطة بالتلوث في عاصمة الولاية ساو باولو التي تعد 11 مليون نسمة في حين توفي 1556 شخصا في حوادث سير على ما اكدت الدراسة التي اعدتها منظمة مؤسسة الصحة والبيئة.

في هذه المدينة الكبيرة التي تسير فيها اربعة ملايين سيارة والية كان عدد ضحايا التلوث اكبر من ضحايا سرطان الثدي (1277 حالة وفاة) واكثر بست مرات تقريبا من ضحايا الايدز (874 ) على ما أضافت الدراسة. وأوضحت ايفانجلينا فورميتاغ رئيسة المؤسسة ومقرها في ساو باولو "قلة تعرف ذلك لكن ثمة 15 الف شخص يموتون سنويا في كل ارجاء الولاية بسبب التلوث وهو رقم يزيد عن ضحايا حوادث السير البالغ عددهم 7900 قتيلا". بحسب فرانس برس.

مع 42 مليون نسمة، تشكل ساو باولو الولاية الاكثر تعدادا للسكان في البرازيل والمعدل السنوي للجزيئيات الملوثة العالقة في الجو هو 20 الى 25 مايكروغرام للمتر المكعب وهو اعلى بكثير من معدل 10 مايكروغرام الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية. ويفيد علماء ان تلوث البيئة يمكن ان يتسبب بالكثير من الامراض في الجهاز التنفسي ومشاكل في القلب والاوعية وسرطان الرئة. واجريت الدراسة بين عامي 2006 و2011 وشارك فيها عاملون في مجال الصحة وخبراء اقتصاد في جامعة ساو باولو على ما جاء في موقع المنظمة غير الحكومية الالكتروني.

التلوث في الصين

على صعيد متصل كشفت دراسة علمية حديثة أن ارتفاع معدل تلوث الهواء في مناطق شمال الصين، يؤدي إلى تقليص أعمار السكان المقيمين في تلك المناطق، بمعدل يصل إلى حوالي خمس سنوات ونصف في المتوسط. ومثلما أكدت العديد من الدراسات السابقة، فقد خلصت الدراسة، التي نُشرت نتائجها في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم، إلى أن ارتفاع الملوثات السامة في الهواء، يؤدي إلى تزايد أمراض الصدر والقلب والسرطان، الأمر الذي يسبب الوفاة المبكرة لملايين البشر. ووجدت الدراسة، التي قام بإعدادها فريق دولي من الباحثين، أن التلوث الحاد في الهواء، كلف نحو 500 مليون شخص ممن كانوا يعيشون إلى الشمال من نهر "هوي"، خلال تسعينيات القرن الماضي، ما يصل مجموعه إلى أكثر من 2.5 مليار سنة.

وتُعد الدراسة، التي شارك في إعدادها أكاديميون من كبرى الجامعات الصينية العريقة، أول محاولة من نوعها لحصر السنوات التي قد يخسرها البشر من أعمارهم، نتيجة ارتفاع معدل تلوث الهواء، استناداً إلى بيانات الهيئات والأجهزة الحكومية في الصين. وتعاني الكثير من المناطق في شمال الصين من معدلات تلوث مرتفعة، حيث يشكو السكان من العديد من المشكلات التي يتعرضون لها، نتيجة الهواء الخانق، والأغذية الفاسدة، إضافة إلى عدم صلاحية مياه الشرب.

الى جانب ذلك تراجع عدد السياح الذي يزورون بكين باكثر من 14 % في النصف الاول من السنة الحالية مقارنة بعددهم العام 2012 على ما ذكرت وسائل اعلام رسمية مع تحميل التلوث مسؤولية في هذا الامر. وانخفض العدد الاجمالي للسياح الذين زاروا بكين خلال النصف الاول من العام 2013 بنسبة 14,3 % مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي على ما اوضحت صحيفة "ديلي تشاينا" نقلا عن ارقام رسمية.

وهي المرة الاولى التي تسجل فيها العاصمة الصينية تراجعا في عدد السياح في النصف الاول من السنة منذ العام 2008 على ما جاء في تقرير الصحيفة الذي اضاف ان العدد الاجمالي للسياح في تتلك الفترة وصل الى 2,14 مليون. ونقلت الصحيفة عن لو يونغ مدير هيئة تطوير السياحة في بكين قوله ان "تلوث الجو المنتظم" ساهم في تراجع عدد الزوار فضلا عن وضع اقتصادي عالمي ضعيف. اتى التراجع رغم اعتماد سياسة جديدة في كانون الثاني/يناير الماضي تسمح لمواطني 45 دولة بالتوقف في بكين لمدة 72 ساعة من دون الحصول على تأشيرة دخول. وتسجل بكين بانتظام تلوثا كبيرا مع ارتفاع مستويات الجزئيات في الجو الى 40 مرة اكثر من المستوى المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية بعدما غطت سحابة سميكة من الغبار والضباب المدينة في كانون الثاني/يناير.

على صعيد متصل قالت وسائل اعلام حكومية ان الصين ستنفق 1.7 تريليون يوان 277 مليار دولار لمكافحة تلوث الجو خلال السنوات الخمس القادمة في تأكيد على اهتمام الحكومة الجديدة بالتعامل مع سبب رئيسي لمشاعر الاستياء الشعبي. ونقلت صحيفة تشاينا ديلي الحكومية عن وانغ جين نان نائب رئيس الاكاديمية الصينية للتخطيط البيئي قوله ان هذه الاموال ستنفق بصفة اساسية في الاقاليم التي بها تلوث زائد ومستويات عالية من قياسات التلوث. وشارك وانغ في اعداد الخطة. والجزيئات الضئيلة العالقة في الهواء التي تبلغ قياساتها 2.5 مايكرومتر أو أقل في القطر خطيرة بوجه خاص لانه يمكنها ان تستقر في الرئتين وان تسبب مشاكل للجهاز التنفسي وأمراض أخرى. بحسب رويترز.

وقالت الصحيفة ان الخطة الجديدة تستهدف بوجه خاص شمال الصين وخاصة بكين وتيانجين واقليم هيبي. ووفقا للتقرير تعتزم الحكومة خفض الانبعاثات بنسبة 25 بالمئة بحلول عام 2017 مقارنة مع مستويات 2012 في تلك المناطق. وقال تشاو هوا لين وهو مسؤول رفيع بوزارة حماية البيئة للصحيفة الضباب الدخاني الكثيف الذي غطى مناطق كبيرة من البلاد في يناير ركز الاهتمام العام على هذه القضية.

سكان وادي الموت

من جانب أخر وبعد اقفال مصنع هونيويلفي كونديه سور نوارو غرب فرنسا المسماة وادي الموت ، أصبح أكثر من 250 موظفا بعضهم مريض بسبب مادة الأسبستوس عاطلا عن العمل في هذه البقعة من سويسرا النورماندية حيث تسبب الأسبستوس بوفاة آلاف الأشخاص في مجموعة من المواقع الصناعية المهجورة اليوم. ويقول رئيس منظمة ضحايا الاسبستوس في المنطقة، فرانسوا مارتين انه المصنع الاخير من مصانع شركة فاليو فيرودو التي عمل فيها 2500 شخص في الاسبستوس في السبعينات، الذي يقفل ابوابه. لكن الأسبستوس لا يزال يقضي على حياة السكان حتى اليوم.

وكانت شركة هونيويل الاميركية العملاقة التي تتوقع ارتفاع ارباحها سنة 2013 قد اعلنت منذ العام 2011 اقفال المصنع. ومن بين موظفي المصنع السابقين، وجد نحو خمسين موظفا فقط عملا جديدا. ويقول الموظف السابق برونو دوران المريض من جراء تعرضه للاسبستوس ان اصحاب العمل يترددون في توظيف أشخاص كانوا يعملون في هونيويل لأنهم يخشون أن يمرضوا. ويعيش والد برونو منذ سنتين بفضل اجهزة التنفس الاصطناعية بسبب اصابته بنوعين من السرطان، علما أنه كان موظفا سابقا لدى شركة فاليو.

وفي كونديه، كما في سائر المناطق الفرنسية، توقف العمل بالأسبستوس منذ حظره سنة 1997. لكن كل العائلات تصاب بأمراض لا تظهر أعراضها إلا بعد سنوات. وقد واجه مسؤولون عدة عن هذا الموقع الصناعي تهما تتعلق بالقتل غير العمد عندما كانوا لا يزالون ينتمون الى فاليو فيرودو. لكن هونيويل التي تملك الموقع منذ 1999 بقيت بمنأى عن الملاحقة القانونية.

غير ان احد النواب اليساريين وعدة نواب اشتراكيين ويمينيين طلبوا، عبثا من الحكومة الاعتراف بتعرض الموظفين للاسبستوس بعد سنة 1997 لأن المصنع لم يخضع للتنظيف بالفعل، على حد قولهم. ومن شأن الاعتراف بتعرض الموظفين للاسبستوس حتى اليوم أن يسمح لهم جميعا بتقريب موعد تقاعدهم سنوات عدة، علما ان ثلثهم وصل الى الموقع بعد العام 1996. وقد اعلن رسميا عن مرض 17 موظفا وصل بعضهم الى الموقع بعد هذا التاريخ.

وفي وادي الموت الذي انتقل من حياكة القطن الى صناعة الاسبستوس في نهاية القرن التاسع عشر، توفي نحو 5 الاف شخص من جراء هذه المادة المقاومة للنار والاحتكاك التي اعترف البرلمان الاوروبي سنة 1978 بأنها مسببة للسرطان. وفي غضون 15 سنة، شفى 1500 شخص غليلهم بفضل ادانة رؤسائهم بارتكاب خطأ لا يغتفر في هذا الوادي البالغة مساحته 25 كيلومترا.

لكن المسألة لا تنتهي هنا، اذ انه من الضروري تنظيف المواقع، علما ان حوالى نصف المصانع العشرة تقريبا التي كانت شركة "فاليو فيرودو" تملكها في الوادي، مهجور اليوم وملوث بالاسبتسوس. وقد وعدت هونيويل التي تنفي ان تكون قد عرضت الموظفين للاسبتسوس بصيانة الموقع قبل العام 2015. ويوضح احد النواب ان اقفال المصنع يكلف الشركة 100 مليون يورو، من بينها 12 الى 15 مليون يورو لعملية التنظيف. بحسب فرانس برس.

وعلى مسافة قريبة من كونديه، وافقت فاليو على ازالة الاسبستوس من موقع اقفل سنة 1957 ولا يزال حتى اليوم يبعث هذه المادة نحو المنازل المجاورة عند هبوب رياح عاتية. وبغية تنظيف الموقع، تعتزم هونيويل والنواب المحليون إنشاء مؤسسات متخصصة في ازالة الاسبستوس. لكن هذه المبادرة التي لا تزال في بداياتها لا تقنع احد الموظفين الذي يشير الى ان دراسة اجراها المعهد الوطني للابحاث العلمية سنة 2011 طرحت علامات استفهام حول سلامة العاملين في هذا القطاع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تشرين الاول/2013 - 25/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م