السودان... بركان لم يخمد طويلا

 

شبكة النبأ: الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي يشهدها السودان والتي أتت على خلفية قرار الحكومة السودانية الداعي الى رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية، أصبحت اليوم محط اهتمام وترقب لدى الكثير من المراقبين والمحللين الذين أكدوا على ان السودان يشهد اليوم ثورة شعبية عارمة ربما ستكون ربيع عربي أخر ضد حكومة البشير، التي فشلت في معالجة الكثير من الملفات الاقتصادية والأمنية في هذا البلد الفقير الذي عانى من الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية التي تراكمت جراء سوء تلك السياسات، وهو ما انعكس سلبا على حياة المواطن السوداني الذي أصبح اليوم خارج نطاق السيطرة كما يقول البعض، وفيما يخص أخر التطورات على الساحة السودانية فقد اتهمت منظمات حقوقية قوات الأمن السودانية بإطلاق النار عمدا على متظاهرين كانوا يحتجون على تزايد أسعار المحروقات مشيرة الى سقوط خمسين قتيلا خلال الأيام القليلة الماضية في عدة مناطق من السودان.

وتظاهر الاف السودانيين منذ قرار صدر برفع الدعم عن اسعار الوقود، داعين الى سقوط النظام في حركة احتجاج غير مسبوقة منذ تولي اللواء عمر البشير الحكم في 1989. وافادت مصادر طبية والشرطة عن مقتل 29 شخصا معظمهم مدنيون خلال التظاهرات التي شهدتها عدة مناطق في البلاد، وفق شهود وعائلات. وافاد المركز الافريقي للدراسات حول العدالة والسلام ومنظمة العفو الدولية في بيان مشترك ان خمسين شخصا قتلوا اثر اصابتهم بالرصاص في الراس والصدر.

واضاف البيان ان مصادر محلية وناشطين تحدثوا عن حصيلة اكبر، تفوق المئة قتيل. واعربت المنظمتان عن قلقهما الشديد لمعلومات تفيد عن قيام اجهزة الاستخبارات باعتقال مئات المتظاهرين ودعت السلطات الى التاكد من انهم لن يتعرضوا الى التعذيب او سوء المعاملة. واعلنت لوسي فريمان مساعدة مدير منظمة العفو الدولية لشؤون افريقيا ان اطلاق النار بهدف القتل باستهداف الراس والصدر، انتهاك فاضح للحق في الحياة، وعلى السودان ان يكف فورا عن هذا القمع العنيف الذي تمارسه قواته الامنية. واوضحت المنظمتان ان خمسين شخصا على الاقل قتلوا وجرح مئة منذ بداية الاحتجاجات وفق مصادر قابلتها المنظمات ومن بين القتلى فتى في سن الرابعة عشر سقط في الخرطوم ويبدو ان اعمار نصف الضحايا تتراوح بين 19 و26 سنة.

ودعا عثمان حميدة المدير التنفيذي للمركز الافريقي السودان الى التحقيق حول الجوء غير المتناسب الى القوة ومزاعم حول اطلاق النار بهدف قتل المحتجين. وتحولت تظاهرات الايام الاخيرة احيانا الى اعمال نهب وتدمير لممتلكات خاصة وعامة نسبها التلفزيون الرسمي الى خارجين عن القانون. ودعت مجموعة تسمي نفسها تحالف شباب الثورة السودانية في بيان الى مواصلة الانتفاضة المجيدة حتى تحقيق المطالب الشعبية في حياة كريمة وعادلة وايضا تنحي رئيس الجمهورية ومساعديه وحل الحكومة وتكوين جبهة قومية لانتشال البلاد. بحسب فرانس برس.

من جهة أخرى أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق للتقارير الصادرة من السودان، وقالت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، مايا كوسيانيتش، في تصريحات صحفية، إن التكتل الموحد لا يملك معلومات مؤكدة حول عدد الضحايا، لكن ما نعرفه أن السلطات السودانية احتجزت العديد من الأشخاص في عدة مدن سودانية على خلفية مشاركتهم في التظاهرات.

وشددت المتحدثة على دعوة الاتحاد لكافة الأطراف السودانية إلى تجنب مزيد من التصعيد، مشيرة إلى أنه على الحكومة في الخرطوم احترام حق الشعب في التعبير والتجمع وكذلك ضمان حرية الإعلام. كما أكدت أن الاتحاد الأوروبي يرغب برؤية كافة المعتقلين في هذا البلد يتمتعون بمحاكمة عادلة، مشيرة إلى أن المؤسسات الأوروبية تراقب ما يجري وتطور مواقفها حسب تغيرات الموقف.

على صعيد متصل أعلنت السلطات السودانية تعطيل الدراسة بمدارس العاصمة وأفاد المركز السوداني للخدمات الصحفية بأن وزارة التربية بالخرطوم أعلنت عطلة بجميع مدارس الولاية. وأعلنت الشرطة السودانية أنها قامت بضبط عدد ممن شاركوا في الاحتجاجات التي وصفتها بأنها أحداث شغب متفرقة وتجمهرات غير مشروعة بغرض الإتلاف والسلب والنهب والتخريب.

واتهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم عناصر من الجبهة الثورية بالتسلل إلى الولايات للقيام بعمليات تخريب، وأعرب مسؤول في الحزب عن أمله أن ينظر الناس إلى قضية الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة من زاوية اقتصادية، وقال إن أي خلط مع الزاوية السياسية سوف يفرغ الخطاب من مضمونه، مشيرا إلى ظهور الملمح والتحريك السياسي في التظاهرات.

وصرح الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي بأن الترتيبات تمضي على قدم وساق لمرحلة ما بعد إسقاط النظام الحاكم في السودان. وأعلنت الجبهة الثورية، التي تقاتل الحكومة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، دعمها وتأيدها الكامل لـ"الثورة التي انطلقت في الخرطوم". ودعت الجبهة أفراد الشرطة والقوات النظامية إلى "عصيان أوامر النظام وعدم إطلاق الرصاص الحي وقتل إخوانهم". وحذرت الجبهة من أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه دموية النظام حال تمادى في قتل المتظاهرين".

في السياق ذاته اكد شهود عيان ان محتجين سودانيين نهبوا واحرقوا مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في منطقة امبده في مدينة ام درمان. وقال شاهد عيان كنت اقف على بعد 300 متر من مقر المؤتمر الوطني في امبده في ام درمان وشاهدت النار تشتعل في طوابقه الثلاثة كما شاهدت آخرين يحملون أثاثات من داخل المقر. وأضاف اثناء اشعال النار كانت قوة من الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. وقال شاهد عيان آخر شاهدت العشرات يشعلون النار ويكسرون الابواب والنوافذ في مقر حزب المؤتمر الوطني بامبده الجميعاب".

من جانب أخر طالب عشرات من القيادات من داخل حزب المؤتمر الحاكم في السودان الرئيس عمر البشير بتشكيل آلية لتحقيق وفاق وطني بهدف حل الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد. وطالبت القيادات بإلغاء قرار رفع الدعم عن المحروقات، الذي فجر موجة الاحتجاجات الحالية. غير أن الحكومة السودانية رفضت التراجع عن قرار إلغاء الدعم.

وأفاد ت بعض المصادر بأن قيادات سياسية إسلامية وعسكرية سابقة وجهت مذكرة مفتوحة إلى البشير تتضمن طلبا بإجراء تحقيق مستقل في حوادث قتل المتظاهرين ومحاكمة المسؤولين عنها. ونصحت المذكرة البشير "بالعمل بما جاء فيها تفاديا للفتنة التي ستصيب البلاد". ومن أبرز الموقعين على المذكرة غازي صلاح الدين، القيادي في الحزب الحاكم ومستشار سابق للرئيس السوداني، وحسن عثمان رزق، القيادي بالحزب، والعميد المتقاعد محمد إبراهيم عبد الجليل، قائد المحاولة الانقلابية التي وقعت نهاية العام الماضي ومدير جهاز الاستخبارات السابق.

وعبر أحمد بلال عثمان، وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية، عن أسفه لسقوط قتلى وجرحى في الاحتجاجات على إلغاء دعم المحروقات. وتعهد بأن تشكل الحكومة لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة للوقوف على ملابسات أعمال القتل ومحاكمة الضالعين فيها. غير أنه قال، في تصريحات أخرى لا يمكن على الإطلاق إلغاء قرار رفع الدعم، فهذا هو المخرج، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة في السودان.

وأضاف اقتصادنا لايمكن أن يحتمل مثل هذا الدعم.. يجب أن نمضي، وندرك أن هذا سيكون قاسيا بعض الشئ على الناس. واعتبر الوزير أن السلطات مطالبة بالتدخل في حالة تحول المظاهرات إلى العنف. وقال لقد هاجموا محطات الغاز وأحرقوا 21 محطة.

على صعيد متصل قالت قناة تلفزيون سكاي نيوز عربية إن السودان أغلق مكتبها وصادر أجهزة ومنع مراسلها من العمل. وأضافت القناة التي تتخذ من أبو ظبي مقراً لها، على موقعها الالكتروني ان السلطات السودانية لم تذكر سبباً لذلك. وكانت قناة العربية التلفزيونية أعلنت في وقت سابق ان السلطات السودانية قررت اغلاق مكتبها في الخرطوم احتجاجاً على طريقة تغطيتها للتظاهرات التي تجري في السودان منذ أيام. وقالت القناة ان السلطات السودانية قررت اقفال مكتب العربية في الخرطوم بعد أن كانت أعلنت قبلاً أن مدير مكتبها في العاصمة السودانية استدعي بسبب طريقة تغطية القناة للتظاهرات التي تحتج على رفع الدعم عن المحروقات في البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الاول/2013 - 24/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م