بوتين والسلطة... قبضة من حديد

 

شبكة النبأ: يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول لعب جميع الأوراق الدبلوماسية بصبغة براغماتية على المستويين المحلي والدولي، وهو ما سمح له بقيادة روسيا منذ اكثر من عقد بيد من حديد، فضلا عما يمتلكه من الحنكة السياسية جسدتها طموحاتها المحلية والدولية التي تمهد الطريق لإعادة توازن القوى مع الغرب وخاصة أمريكا من خلال التطور الاقتصادي والعسكري المتصاعد في الاونة الأخيرة، وهذا ما جعله من ابرز الشخصيات تأثيرا في العالم على المستوى السياسة في  الوقت الراهن.

لكن في الوقت نفسه يواجه الرئيس الروسي بوتين جملة من التحديات والمشكلات السياسية والحقوقية سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، فقد زادت الخلافات الدولية مع روسيا وخاصة من جانب عدوها اللدود القديم الجديد -الولايات المتحدة الامريكية- بسبب القضية السورية وقضية سنودن بالاضافة الى قضايا أخرى تتعلق بحقوق الانسان، لذا يرى أغلب المحللين أن الرئيس بوتين يقود روسيا بقبضة حديدية كونه ينتهج ايدلوجية سياسية جديدة باعتماد اتجاهات عديدة في السياسة الخارجية من خلال مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، الى جانب توسيع نفوذه محليا، بصورة ناعمة تشبه الى حد بعيد سياسية القائد الاسوفيتي السابق ستالين، وهذا يوضح طموح رجل المخابرات الروسية السابق بتحقيق غاية العودة الى الامجاد السوفيتية السابقة.

إذ يعبر الكثير من الروس بأن بوتين رئيسا مثاليا، لكن في الوقت نفسه يجابه معارضة تتهمه بالفساد وتقيد الحريات وقد جسدتها حركة احتجاجية غير مسبوقة ضد الرئيس الروسي بوتين العام الماضي، فعلى الرغم من أن فترته الرئاسية "الثالثة" لم يمر على بدايتها أقل من عامين، كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن نيته الترشح لفترة رئاسية جديدة بعد نهاية فترته الحالية في عام 2018، وفي حالة فوزه بتلك الانتخابات، إذا ما أقدم على ترشيح نفسه بها فعلياً، فإن بوتين، الذي يقود روسيا منذ عام 2000، سواء في المنصب الرئاسي أو برئاسة الحكومة، قد يظل رئيساً لروسيا الاتحادية حتى عام 2024.

وأعاد تأكيد الرئيس بوتين أنه لا يستبعد الترشح للانتخابات الرئاسية في 2018، إلى الأذهان، النصيحة التي كان الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، أسداها له قبل نحو سبع سنوات، عندما دعاه إلى عدم التخلي عن السلطة.

وكان مبارك قد ذكر في حديث لإحدى الصحف الروسية، أثناء زيارته موسكو عام 2006، إنه ينصح بوتين بتعديل الدستور بما يتيح له البقاء في السلطة لفترة جديدة، بعد نهاية فترته الرئاسية الثانية في عام 2008.

وبدأ بوتين صعوده إلى قمة هرم السلطة في روسيا في أغسطس/ آب 1999، عندما اختاره، بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا الاتحادية، لتولي رئاسة الحكومة، ثم تولى منصب الرئيس بالوكالة، أواخر نفس العام، بعد استقالة يلتسين، وفي مارس/ آذار 2000، انتخب "المصارع" السابق رئيساً لروسيا الاتحادية لأول مرة، لفترة مدتها أربع سنوات، ثم أعيد انتخابه لفترة ثانية في عام 2004، حتى عام 2008.

ونظراً لأن الدستور الروسي يحظر على الرئيس الترشح لأكثر من فترتين متتاليتين، فقد جرى توافق داخل حزب "روسيا المتحدة" الحاكم، على ترشيح رئيس الحكومة، ديمتري ميدفيديف، لرئاسة البلاد، بينما يتولى بوتين رئاسة الحكومة.

وبعد أربع سنوات أمضاها ميدفيديف في المنصب الرئاسي، جرى خلالها تعديل الدستور بزيادة الفترة الرئاسية، عاد بوتين إلى رأس هرم السلطة مرة أخرى في مارس/ آذار 2012، ولكن هذه المرة لـ6 سنوات، حتى عام 2018.

وخلال لقائه مع أعضاء "منتدى فالداي" الحواري الدولي، بالعاصمة موسكو، وجه أحد الصحفيين سؤالاً إلى بوتين حول إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية بعد نهاية فترته الحالية، أجاب الرئيس الروسي بأنه لا يستبعد ذلك، وبعد أن أثارت إجابة بوتين حالة من الجدل لدى الأوساط السياسية في روسيا، سارع المتحدث باسم "الكرملين"، ديمتري بيسكوف، بتوضيح أن ما قاله الرئيس "لم يكن قطعياً، وإنما جاء في سياق رد على استفهام بلاغي لا أكثر".

فيما نقلت وكالة "نوفوستي" عن بيسكوف قوله إنه "رغم أن الولاية الرئاسية الجديدة لفلاديمير بوتين لم تبدأ إلا منذ فترة قصيرة، فقد طرح هذا السؤال، لسبب غير مفهوم، من بين مجموعة الأسئلة"، وتابع المتحدث الرئاسي قائلاً: "قال الرئيس فعلاً، في معرض إجابته على هذا السؤال المفاجئ وغير الملح، بأنه لا يستبعد ذلك"، دون أن ينفي أو يؤكد صراحةً ما إذا كان بوتين يعتزم فعلاً الترشح لفترة رئاسية رابعة أم لا.

بينما يرى بعض المحللين انه اذا نجحت المساعي الروسية في حل الأزمة السورية فإن بوتين والحكومة سيستغلون هذه النقطة لدعم صورتهم أمام داخليا وخارجيا وكيف أنهم أنقذوا العالم من الحرب، فيما يرى خبراء آخرون أن بوتين يتصرف تماما كما يتوقع الروس ومن منطلق احترام القوة، وأن على الفرد أن يكون عدوانيا بصورة تعرض فيها قوتك وتكسب بذلك احترام الناس، بل إن ذلك موجود في ثقافتا من باب اذا خافك الناس فإن ذلك هو احترام.

لكن برزت في الفترة الاخيرة اضطراب كبيرة في الشؤون الحقوقية، على الرغم من التقدم تصاعديا في تلك المجالات انفة الذكر خلال الفترة الأولى من حكم زعيمها الحالي بوتين،

في حين يرى محللون سياسيون بأن تزايد فرض القوة والرقابة في بلد تتركز فيه سلطات هائلة في يد رجل واحد في ظل غياب لخليفة معروف، تشير هذه العوامل بأن روسيا لا تسير بالطريق الصحيح اذا بقيت على هذا المنال خاصة على الصعيد الحقوقي.

وعلى سبيل المثال قضية الرسام الذي انتقد بوتين حيث قال رسام روسي سبق ان رسم الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري مدفيديف بملابس نسائية داخلية، انه طلب اللجوء السياسي الى فرنسا، وعرض كونستانتين التونين البالغ من العمر 45 عاما، لوحات مثيرة للجدل عرضت في سان بطرسبورغ قبل ان يصادرها عناصر من الامن، واثر المداهمة التي انتهت باقفال المعرض، غادر الرسام الاراضي الروسية متجها الى فرنسا، وروى الرسام انه رسم الرئيس ورئيس وزرائه في ايلول/سبتمبر من العام 2011، بثياب نساء، عندما كان كل منهما يشغل منصب الآخر قبل ان يعودا ويتبادلا المناصب في الانتخابات الرئاسية الاخيرة.

وبحسب ادارة المتحف فان المداهمة وما رافقها من مصادرة للوحات جرت بناء على طلب من احد نواب المنطقة، متذرعا بقانون يجرم الدعاية للتحول الجنسي امام القاصرين، وعلق الرسام قائلا "السلطات اوقفت المعرض لان اللوحات لم ترق لها..لا اعرف ما اذا كان هناك في العالم بلد ما زال متأخرا مثلنا في هذا المجال".

وفي الاطار ذاته اعتقلت شرطة موسكو المعارض الروسي الكسي نافالني بعد لقاء في اطار حملته للانتخابات البلدية المقررة في الثامن من ايلول/سبتمبر، واقتيد المرشح لانتخابات رئاسة بلدية موسكو في سيارة للشرطة مع انتهاء خطابه، وقال احد افراد فريقه الانتخابي لفرانس برس ان الشرطة لم تبرر هذا الاعتقال، وكان نافالني قد تحدث لنحو ساعة امام حشد من انصاره ضم الاف الاشخاص.

وكتبت انا فيدوتا المتحدثة باسم نافالني على موقع تويتر ان "ما بين خمسة الاف وسبعة الاف شخص" حضروا هذا اللقاء الانتخابي في حي بشمال شرق موسكو، وافاد مراسلو فرانس برس ان شبانا بالزي المدني حاولوا خلال اللقاء قطع التيار الكهربائي عن المنصة.

وعلى صعيد متصل وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يقضي بتشديد الامن في منتجع سوتشي المطل على البحر الاسود أثناء دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في عام 2014 ويفرض قيودا على حرية التنقل والتجمع وهو ما وصفه منتقدون بأنه يمثل انتهاكا لحقوق الانسان.

ورهن بوتين سمعته بتأمين ونجاح أول دورة العاب اولمبية منذ عصر الاتحاد السوفيتي وأمر سلطات إنفاذ القانون بمنع أي هجمات يشنها إسلاميون متشددون يتمركزون في شمال القوقاز.

ويبدأ سريان المرسوم الذي نشر في الصحيفة الرسمية روسيسكايا جازيتا من السابع من يناير كانون الثاني أي قبل شهر من مراسم افتتاح دورة الالعاب وينتهي يوم 21 مارس اذار بعد شهر من انتهاء الدورة الاولمبية، وقال نشطاء لحقوق الانسان ان القيود شديدة الصرامة.

وقال بافيل تشيكوف وهو محام لحقوق الانسان ورئيس مجموعة المساعدات القانونية (أجورا) ان منع السيارات من خارج سوتشي يقيد حرية الروس في التنقل وحظر معظم التجمعات ينتهك حقهم الدستوري في حرية التجمع.

من جهة أخرى رات المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان ان محاكمة المدير السابق لمجموعة يوكوس النفطية الروسية والمعارض للكرملين ميخائيل خودوركوفسكي وشريكه بلاتون ليبيديف "غير عادلة"، واعتبر قضاة ستراسبورغ ان الاتهامات الموجهة الى خودوركوفسكي وليبيديف "تستند الى قواعد متينة" لكن محاكمتهما "لم تكن عادلة" و"ايداعهما السجن في مؤسسات نائية غير مبرر".

واشاروا في حكم طويل ومعقد الى عدد من الانتهاكات التي ارتكبتها روسيا للمعاهدة الاوروبية لحقوق الانسان، وفي طليعتها انتهاك "الحق في محاكمة عادلة" و"الاساءة الى السرية التي تحيط بالعلاقات بين المحامي وموكله وباجراءات الهيئة القضائية لجمع الادلة والتدقيق فيها".

غير انهم لم يطعنوا عملا بالبند ذاته من المعاهدة بحياد القاضي الذي تولى محاكمة خودوركوفسكي وليبيديف خلال العام 2005 ولا في "المهلة والتسهيلات الممنوحة لتحضير دفاعهما".

في سياق متصل أعلنت المغنية في فرقة بوسي رايوت الروسية ناديا تولوكونيكوفا، المعتقلة بسبب أغنية معارضة للرئيس فلاديمير بوتين، والتي دخلت في إضراب عن الطعام، أن السلطات حرمتها من الماء في زنزانتها، وذلك في رسالة نشرت، وجاء في هذه الرسالة التي نقلها زوجها بيتور فرزيلوف أن "زوجته البالغة من العمر 23 عاماً أخبرته أن مسؤولين اثنين في معسكر الأشغال المسجونة فيه دخلا إلى زنزانتها الانفرادية وصادرا كل قوارير المياه"، وروت ناديا أن ضابطاً يدعى فاديم نيكولافيتش "أمسك بيدي وضغط على كتفي بشكل مؤلم، ومنعني من أي حركة، فيما كانت إحدى الموقوفات تخرج كل زجاجات المياه".

وأضافت: "لا يمكن لأي إنسان مُضرب عن الطعام أن يصمد من دون مياه"، ونفت سلطات السجن الروسية ذلك، وذكرت أنها بدلت مياه الشرب الباردة بمياه ساخنة بناء على توصيات الأطباء، وكانت فرقة بوسي رايوت أدت أغنية تنتقد بوتين في كاتدرائية في موسكو، قبل أن تتدخل قوات الأمن وتعتقل المغنيات وتوقف العرض.

فيما يرى المحللون السياسيون بان ما تقوم به حكومة بوتين من اعتقالات واتهامات وتشيد العقوبات ما هي الا رسالة موجهة الى خصومه لاثبات ان السلطة مستعدة لتضييق الخناق عليهم بشدة وحزم اكبر من اي وقت مضى، خصوصا بعدما الاتهامات الجديدة ضد المعارضة الروسية بمحاولة حياكة ثورة ضد النظام الروسي،فقد قامت السلطات الشيوعية الروسية بشديد الرقابة وقمع المعارضة بشكل غير مسبوق في الاونة الأخيرة، وعليه فان المعطيات انفة الذكر تشير الى بأن قيادة روسيا الحالية تنتهج أيدلوجية حقوقية مضطربة قد تمهد الطريق لانتكاسة جديدة تكلف الروس خسائر كبيرة مستقبلا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الاول/2013 - 24/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م