الأزمة الإنسانية في سوريا... الحياة بجانب الموت

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: ترسم الأزمة السورية كارثة دولية على المستويين الإنساني والأمني، بفعل تفاقم الظروف الحياتية القاسية وتصاعد العنف والجوع، فضلا عن انعدام الأمن والتعليم الذي يهدد بضياع جيل كامل، جل هذه الامور جعلت من تلك الازمة أسوأ مأساة إنسانية مشينة في التاريخ الحديث، متمثلة بأزمة النازحين واللاجئين السورين داخل وخارج وطنهم، منذ بدء النزاع في سوريا قبل نحو عامين ونصف عام.

فقد أنتجت التطورات المتتالية الخطيرة على المستوى الإنساني الكثير من الإشكاليات الحقوقية والاجتماعية عميقة الجذور، التي تغرس ببراثنها مأساة إنسانية مع كارثة حقيقة، ربما ستترك تأثيراتها آثارا كبيرة على المجالات كافة.

حيث ساهمت الحرب في سوريا بزيادة عدد الحوادث العنيفة التي الحقت الضرر بالبنية التحتية من المنازل الى العائلات والاطفال، وأثرت على التعليم بشكل حاد، فضلا عن الجوع المتفاقم الذي بات يهدد السوريين شأنه شأن العنف في الوقت الذي تتصاعد فيه تداعيات الأزمة المستمرة منذ ثلاثين شهراً في هذا البلد العربي.

فبينما ينصب الكثير من التركيز المتعلق بالصراع السوري على قضايا التكتيكات العسكرية والسلطة السياسية، لا تلقى الأزمة الإنسانية الكبيرة معالجة لائقة؛ إذ لا يزال هناك الملايين من المدنيين الأبرياء في مخيمات اللاجئين على جميع الحدود السورية وخاصة داخل البلاد، دون نظم حماية من انخفاض درجات الحرارة ونقص الغذاء وحالات الطوارئ الصحية والعنف الجنسي، وغيرها من المخاطر التي قد تعصف بهم.

فيما أشار مسؤولون أمميون إلى أن معدلات نزوح اللاجئين السوريين وصلت إلى معدلات لم يشهدها العالم منذ أعمال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، لذا يرى الكثير من المحللين الحقوقيين ان انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أصبحت هي القاعدة في سوريا اليوم، حيث تظهر معدلات القتل المرتفعة إلى أي مدى تفاقم الصراع.

في حين يرى بعض المحللين أن الاثر السلبي للازمة السورية بمجملها، مع مشكلة اللاجئين من ضمنها، لا يقصر على الصعيد المحلي بل أصحبت الدول المجاورة لسوريا تعاني تحديات جمة على مستوى الأمن والاقتصاد واستقرار بلدانها نتيجة تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفارين من العنف في سوريا إلى هذه البلدان التي تعاني نفسها تحديات أمنية واقتصادية مثل العراق ولبنان، وأن هذه أزمة إقليمية وليست في سوريا وحدها وتتطلب جهود شاملة ودائمة من المجتمع الدولي.

حياة مأسوية

تضاعف عدد اللاجئين السوريين في المنطقة خلال الاشهر الاربعة الماضية مع دخول الصراع المستمر منذ أكثر من عامين إلى مرحلة اكثر دموية، ويستقبل لبنان رغم صغر مساحة أراضيه وهشاشة الوضع السياسي به عددا كبيرا من هؤلاء اللاجئين، ويشترك لبنان في كثير من الصراعات الطائفية مع سوريا التي تشهد حربا أهلية.

وعلى خلاف دول اخرى في المنطقة يرفض لبنان انتقال اللاجئين السوريين إلى مخيمات رسمية في خطوة قد تسمح لهم بالتمسك بالمكان والحصول على المساعدات الانسانية بشكل منتظم، ويبحث السوريون عن المأوى اينما وجدوه سواء في مرآب السيارات والبنايات المهجور والخيام البدائية، وتقول مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ان عدد اللاجئين المسجلين بلغ 666 الفا في لبنان مقابل 513 الفا في الاردن و431 في تركيا واكثر من 100 الف في كل من العراق ومصر.

ويعيش حوالي مليون سوري - من بينهم هؤلاء الذين لا يطلبون اللجوء مثل العمالة المهاجرة واسرهم - الان بين سكان لبنان الذين يبلغ عددهم اربعة ملايين نسمة، وتتراجع حرارة الترحيب الذي قوبل به اللاجئون السوريون في انحاء المنطقة. وتترك تركيا رسميا حدودها مفتوحة لكنها تشدد من الاجراءات الامنية في الوقت نفسه على حدودها مع سوريا التي يبلغ طولها 900 كيلومتر حيث اقامت اسوارا من الاسلاك الشائكة لتجعل الدخول من غير البوابات الرسمية امرا صعبا. ويقول عمال اغاثة ان الاردن اغلق بعض المعابر بينه وبين سوريا هذا العام مما ادى إلى بقاء الاف اللاجئين على الحدود.

من جهة أخرى نفى مسؤول اردني وجود "جريمة منظمة" داخل مخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال المملكة وذلك بعد اسبوع من صدور تقرير للامم المتحدة يفيد ان "الجريمة المنظمة ومجموعات المعارضة تنشط في آن في المخيم وتسعى الى تحقيق اهدافها المالية والسياسية"، وشدد تقرير للمفوضية العليا لشؤون للاجئين التابعة للامم المتحدة صدر في جنيف على الوضع في المخيمات خصوصا مخيم الزعتري في الاردن الذي يستقبل اكثر من 130 الف لاجىء سوري، ما يوزاي عدد سكان مدينة كبيرة في الاردن.

وكشف التقرير "مع هذه الظروف الصعبة المصحوبة بمستوى عال من الاجرام من غير المستغرب ان نستمع الى لاجئين يعربون عن رغبتهم في الهرب"، ويعيش 60% من اللاجئين خارج المخيمات التي فتحتها المفوضية مع سلطات البلدان المعنيين ما شكل صعوبات كبيرة للسكان المحليين العاجزين عن استقبال هذا العدد الكبير من الاشخاص. وقال التقرير الذي يستند الى زيارات ميدانية ان السوريين اللاجئين خارج بلدهم يواجهون خطر تجنيد الاطفال للقتال، والعنف الجنسي والاستغلال كعمالة.

وفي ذات الاطار ربما تراجع التهديد الأمريكي بشن ضربات جوية ضد بلدهم في الوقت الحالي إلا أن السوريين الذين يصطفون لاستخراج جوازات سفر في مكتب في وسط العاصمة دمشق لا يتركون شيئا للصدفة.

ولا يزال أبناء دمشق يشعرون بقلق رغم تأجيل تحرك عسكري أمريكي ردا على هجوم بالأسلحة الكيماوية في دمشق بعد أن رحبت سوريا باقتراح روسي بوضع مخزونها من الأسلحة الكيماوية تحت إشراف دولي وتدميرها.

جوع وعنف مضطرد

في سياق متصل قالت جماعات إغاثة ونشطاء ان الجوع يمثل تهديدا متناميا للسوريين في المناطق المتأثرة بالحرب ويموت الان أطفال من سوء التغذية، وصور نشطاء سوريون جثث عدة أطفال كالهياكل العظمية قال الاطباء انهم ماتوا بسبب سوء التغذية.

ويصعب على جماعات الاغاثة الدولية تأكيد مثل هذه الحالات لانه ليس لديها سبيل يذكر للوصول الى المناطق المتأثرة بالعنف،  لكن جماعات مثل انقذوا الاطفال التي اصدرت تقريرا عن الجوع تقول ان مثل هذه الحالات تشير الى احتمال وجود أزمة.

وقال جورج جراهام المسؤول بجماعة انقذوا الاطفال "تضخم أسعار المواد الغذائية منفلت وثمة صعوبة في الحصول على الغذاء ومشكلة كبيرة في الوصول الى المحتاجين. هذه كل المقومات التي تؤدي الى ازمة امن غذائي. 

واستشهدت جماعة انقذوا الاطفال بتقارير تشير الى ان ربع الاسر السورية نمضي عليها أيام قد تصل إلى اسبوع دون ان تتمكن من شراء طعام، والغذاء متاح في أغلب الحالات لكن الاسعار تضاعفت في السنة الاخيرة والفقر يزداد.

يقول برنامج الاغذية العالمي ان نحو 4.25 مليون شخص بحاجة لمساعدة غذائية. وهو يستهدف بالمساعدات ثلاثة ملايين شخص في الشهر. لكن جراهام قال ان تقديرات جماعات اغاثة اخرى تشير الى ان ما لا يقل عن عشرة ملايين شخص يواجهون مشاكل في الحصول على الطعام، وقال "لدينا وضع لا تقدم فيه اي مساعدة على الاطلاق لملايين الاشخاص".

ويقول مسؤولو الامم المتحدة انهم يسعون جاهدين لايجاد سبل لدخول مناطق القتال، وقالت لور شدراوي المتحدثة باسم برنامج الاغذية العالمي في بيروت ان عمال الاغاثة لجأوا الى اسقاط الاغذية من الجو على بعض المناطق.

وفي تطور متصل قال برنامج الاغذية العالمي انه سيخرج مئات الاف من اللاجئين السوريين من برنامجه للمساعدات الغذائية في لبنان لملاقاته صعوبة في مواكبة وتيرة زيادة اعداد اللاجئين، وتدفق اكثر من 750 الف لاجئ على لبنان منذ بداية الصراع. ويسجل نحو 15 الف سوري انفسهم لدى الامم المتحدة في لبنان كلاجئين كل اسبوع مما دفع وكالات الاغاثة الى الاسراع لتدبير المال لمساعدتهم.

وقالت لين ميلر مديرة برنامج الاغذية العالمي في لبنان ان نحو 30 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان لن يحصلوا بعد الان على قسائم الغذاء من البرنامج حيث يحاول البرنامج تخصيص الموارد الشحيحة لمن هم في أشد الحاجة للمساعدة، وقالت ان القرار اتخذ بعد تقييم حدد ان هؤلاء اللاجئين يمكنهم تلبية حاجتهم من خلال سبل أخرى وانهم لا يحتاجون مساعدة غذائية من برنامج الاغذية العالمي.

ومن المرجح ان يمثل هذا القرار ضربة لكثير من اللاجئين الذين يلاقون صعوبة في تدبير شؤون حياتهم في لبنان حيث لا وجود لمخيمات رسمية توفر لهم شبكة أمان كما هو الحال في الاردن وتركيا، ويحصل اللاجئون السوريون بموجب النظام الحالي على قسائم طعام قيمتها 27 دولارا من برنامج الاغذية العالمي كل اسبوع سيتبدلون الغذاء بها من المتاجر، وتقول الامم المتحدة انها لم تحصل الا على 27 في المئة فقط من المساعدات الدولية التي طلبتها من المانحين الدوليين العام الماضي لمساعدة اللاجئين السوريين في أنحاء الشرق الاوسط.

كما قال برنامج الأغذية العالمي إن العائلات في سوريا تلجأ على نحو متزايد إلى تسول الطعام بسبب النقص والأسعار المرتفعة التي فرضتها الحرب، حتى بات تسول الطعام منتشرا بشكل مضطرد في سوريا التي تعصف بها الحرب المدمرة.

جيل كامل قد يحرم التعليم

من جهتها حذرت منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير بعنوان "الحياة المحطمة"، من ان جيلا كاملا من الاطفال السوريين قد يحرم التعليم، مشيرة الى مخاطر تتهدد الاطفال والنساء اللاجئين في الاردن بينها الزواج المبكر والتجنيد لصالح مجموعات مسلحة في النزاع المستمر منذ اكثر من سنتين واودى بحياة اكثر من 93 الف شخص حسب الامم المتحدة.

وقالت المنظمة ان "جيلا كاملا من الاطفال السوريين، اناث وذكور، مهددين بفقدان التعليم"، في الوقت نفسه قالت منظمة (انقذوا الأطفال) الخيرية إن أكثر من خمس مدارس سوريا دمرت أو باتت غير صالحة للاستخدام في الصراع المستمر منذ أكثر من عامين وهو ما يهدد تعليم 2.5 مليون طفل، ويتضمن التقرير بحثا جديدا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) يظهر أن 48.5 مليون طفل يعيشون في مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم خارج المدرسة وأن أكثر من نصفهم في سن المدرسة الابتدائية.

وقالت منظمة (انقذوا الاطفال) إن ما يقدر بنحو 3900 مدرسة دمرت أو باتت غير صالحة للاستخدام في سوريا بحلول يناير كانون الثاني 2013، وقالت المنظمة "لكن تقديرات احدث في ابريل تظهر زيادة سريعة جدا في هذا العدد إذ اصبح 22 بالمئة من 22 الف مدرسة في البلاد غير صالحة للاستخدام"، وأضافت "تعرض تأثيرات النزاع تعليم 2.5 مليون طفل في سن المدرسة للخطر".

كما أفادت معلومات وبيانات الأمم المتحدة ان ثُلث المنازل في سوريا وآلاف المدارس دمرت خلال الصراع مما أجبر نحو 4.25 مليون شخص على التخلي عن منازلهم ومليوني طفل على التخلف عن الدراسة.

وجاء في تقرير لتشالوكا بياني خبير الامم المتحدة المستقل بشأن حقوق النازحين داخل بلادهم ان ما يقرب من 200 الف آخرين يعيشون في مخيمات بدون مياه نظيفة أو كهرباء أو صرف صحي، وقال التقرير ان 1.2 مليون منزل دمر منذ بدأ الحرب في سوريا، وذكر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ان اكثر من 3000 مدرسة تعرضت إما لأضرار جسيمة أو دمرت وان ما يقرب من الف مدرسة اخرى تستخدم لايواء النازحين.

ويقول الصندوق التابع للأمم المتحدة ان مليوني طفل توقفوا عن الدراسة وان اربعة ملايين طفل في المجمل تضرروا من جراء الصراع منهم مليون اصبحوا لاجئين، وقالت المتحدثة باسم يونيسيف ماريكسي ميركادو "يقول الاباء ان ابناءهم يتعرضون لكوابيس متكررة وهم يتصرفون بشكل طائش وعدواني وغالبا ما تعبر رسوماتهم عن صور غاضبة أو عنيفة أو مليئة بإراقة الدماء والانفجارات أو الدمار.

وقالت ليلى زروقي الممثلة الخاصة للامم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح في تقرير لمجلس حقوق الانسان التابع للمنظمة الدولية إن الكثير من الاطفال خاصة الفتيات لا يذهبون إلى المدرسة بسبب انعدام الامن والخوف من التعرض لهجمات.

وقالت في التقرير "ان الجماعات المسلحة تدخلت علاوة على ذلك في المناهج الدراسية"، وقالت زروقي إن تقارير اخرى تتحدث عن تلقين الاطفال لأفكار معينة أو تجنيدهم للاستخدام في الصراع.

في حين ودعا التقرير إلى إنفاق المزيد من المساعدات الإنسانية على التعليم وقال إن قطاع التعليم السوري طلب 45 مليون دولار في يناير كانون الثاني من خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا لكن لم يتلق سوى 9 ملايين دولار بحلول يونيو حزيران، وظلت مستويات تمويل التعليم في وكالات الطوارئ الإنسانية "منخفضة بصورة كبيرة.

وحث التقرير قادة العالم على حماية التعليم من خلال زيادة التمويل وتجريم الهجمات على التعليم وحظر استخدام المدارس من قبل الجماعات المسلحة والعمل مع المدارس والمنظمات من اجل اتخاذ تدابير للحفاظ على المدارس كمراكز للتعلم لاسيما في أوقات النزاع.

ويمكن القول أن الصراع السوري بات يجسد حالة تدهور الوضع الإنساني بصورة مأسوية تمهد لكارثة حقيقية، إذ تشير بعض التقارير الرسمية وغير الرسمية الى أن الصراع الجاري في سوريا أدى إلى دخول ملايين السوريين دائرة الفقر، فيما تراجع مؤشر التنمية البشرية في البلاد 35 عاما إلى الوراء، كما تعرض تعليم 2.5 مليون طفل للخطر، وكذلك يواجه نحو اربعة ملايين طفل سوري مخاطر الامراض، فضلا عن توقعات تدهور وضع الغذاء في سوريا مستقبلا.

وعليه فان عدم توقف طرفي النزاع في سوريا عن القتال وفشل المجتمع الدولي بايجاد حل سياسي لهذه الفوضى المضطردة والمتفاقمة على الأصعدة كافة، يبقى مستقبل سوريا تحت مسجل الخطر حتى على المدى البعيد.

حيث يرى الكثير من الحقوقين ان العالم يجازف بتغاضيه عن الكارثة الانسانية السورية، واذا استمر تدهور الوضع بهذه الوتيرة، سيزداد عدد اللاجئين ويمكن ان تصل بعض البلدان المجاورة الى نقطة اللاعودة، سيما وان مخاطر انفجار الوضع في الشرق الاوسط تزداد يوميا فاصبح تهديدا للسلام الشامل والامن، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من المنظمات الدولية الحقوقية المعنية بحقوق الانسان في تقديم العون لهم، لا تزال الأزمة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم وربما تستمر لسنوات عديدة مقبلة.

لذا تطرح المعطيات آنفة الذكر سؤالا هاما هو: هل يستطيع المجتمع الدولي او المنظمات الحقوقية المعنية او دول الجوار حل مشكلة اللاجئين السوريين أو حتى الحد منها على الاقل في ظل تصاعد أرقام صاعقة لهؤلاء اللاجئين؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/أيلول/2013 - 21/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م