دار رعاية المسنين... أمل لمن فقد الأمل

سيف حسين ألأسدي

 

شبكة النبأ: في دار المسنين لا ترى غير وجوه شاحبة سلبها خريف العمر وجحود الأقربين ملامح الجمال وبريق الحياة فأصبحت ذابلة مقطبة تملؤها تجاعيد الحزن والحسرة. لا ترى غير هياكل بشرية خاوية تركها الأهل في عالم العزلة ليغتالها اليأس والإحباط   قال تعالى محذرا وناهيا ومانعا ورادعا ومهددا وموبخا الأبناء من العقوق بقوله (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرا) صدق الله العلي العظيم . وحذر بقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا ألا اياه وبالوالدين أحسانا) وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين تعتبر من أعظم الجرائم الانسانية  ومما ينقل عن الإمام علي ابن الحسين (عليهما السلام) سئل ذات مرة ما برك بوالدتك يا ابا محمد قال (عليه السلام) والله ما جلست معها على خوان واحد خشية أن أمد يدي إلى لقمة سبقتني عيناها لها فأكون قد عققتها, أين نحن اليوم من هذا الحب ولاحترام للوالدين 

فعندما تدخل دار المسنين تجد شيوخا وعجزة بان عليهم تعب السنين وإرهاق الزمن وهجرهم الأبناء والأحباء، فلجأوا إلى دار المسنين للتخلص من الإهمال الأسري وانعدام الرعاية.

 دروبا انقطع بها الرجاء وقل بها الأمل فإلى من ينظر الإباء والأمهات بعد ما كانت مسيرة الحياة لا تكتمل إلا بهم، فلماذا تخلى الأبناء عنهم بعد ما قضوا سنوات العمر من اجل مستقبل الأبناء فعندما تنظر لهم فانك ترى وجوها غابت عنها بارقة الأمل وعندما تسأل احدهم فانه يسرد لك مأساة لا تنتهي به إلا في دار المسنين وهكذا أدخلهم التاريخ النسيان بعدما كان لهم الدور الرئيسي في حياة الأبناء وبسبب الظروف التي يمر بها البلد للأسف نجد وبكثرة في الآونة الأخيرة تخلي بعض الآسر عن كبار السن وعدم الاهتمام بهم ويعد التفكك الأسري أهم أسباب الإيواء في دار المسنين.

وعند وصولي إلى دار المسنين التابع لوزارة ة العمل والشؤون الاجتماعية الواقع في كربلاء بمكان منعزل عن المدينة لإلقاء الضوء على جانب مهم ومغيب من حياة منسية ركنت في الظل لأناس ليس لديهم من يرعاهم.

مديرة الدار (احتشام مجيد الهر) تحدثت قائلة "تأسست دار رعاية المسنين في كربلاء في العام 1991، وكانت حالتها آنذاك يرثى لها، إذ كان عدد العاملين في الدار ثلاثة فقط في الوقت الذي أصبح فيه عدد العاملين, ألان يفوق ذلك العدد الضعف أيضا كان المستفيدون من الدار ستة عشر من المسنين فقط، بين رجل وامرأة، أما اليوم أصبح عدد المستفيدين من المسنين ثلاث وأربعون شخصا عشرون امرأة وثلاث وعشرون رجل, هذا كله بالإضافة إلى الخدمات الأخرى في الدار، والتي كانت بائسة جدا، فقد كانت الدار تحتوي على تلفزيون واحد في الصالة العامة، وثلاجة ومجمدة واحدة، اليوم هناك تلفزيون وثلاجة في كل غرفة ومكيف هواء ومدفأة، هذا بالإضافة إلى الخدمات الأخرى من المجاميع الصحية والحمامات، أما الكسوة التي كانت توزع فقد كانت واحدة ومن الملابس المستعملة (البالات)، لكن اليوم أصبحت الكسوة شتوية وصيفية وبواقع ثلاث مرات في الموسم، هذا بالإضافة إلى المتبرعين، والذين يقومون بعملية التوزيع بأنفسهم حتى يتسنى لهم حالة من الاطمئنان النفسي، وبهذا يدخلون نوعا من الغبطة والفرحة على نفوس هذه الشريحة من المجتمع.

هذا بالإضافة إلى راتب المقيم في الدار الذي كان ثلاثون ألف دينار أما اليوم فقد أصبح ستون ألف دينار, وإضافة "يكون القبول عبر لجنة مشكلة في الدار. والسن حالة أساسية ومن أولويات الدار، فللنساء يكون العمر خمسة وخمسين عاما، أما الرجال فيكون العمر ستين عاما، وهي ضوابط لا يمكن التلاعب بها، ذلك لان الأعمار لو صارت دون المقرر ستحدث مشاكل نحن في غنى عنها، وبالإضافة لضوابط العمر، هناك ضوابط أخرى، ولكنها ليست ضرورية، مثال ذلك السكن، فنحن لا نلتزم بسكنة كربلاء فقط، فالدار يقوم بإيواء أي كائن، ذلك إن عملنا هو إنساني بحت، وأي حالة إنسانية ستكون في صميم عملنا.

أسباب

وتابعت قائلة: هناك حالات كثيرة ممن قام بإيداع أبويه دار المسنين، وهي نسبة كبيرة جدا قياسا بإيواء المشردين او المعوزين، وللأسف تردنا حالات كثيرة من هذا، وهذا كله بسبب المشاكل العائلية التي تؤدي في نهاية المطاف بإيداع الأبوين دار المسنين، وهي حالات مثيرة للعاطفة ومحزنة جدا، ولا تنسجم مع واقعنا الإسلامي أو العربي، وبالتالي هي ليست بأخلاقنا، فهذا ليس مصير الآباء، وخصوصاً الأمهات، وهناك حالات أكثر غرابة فبعد ان يضع الأبناء أبويهم في دار المسنين، يقومون باستنزافهم عبر سحب كل ممتلكاتهم وتجريدهم عنها، فعلى هنالك الكثير مما نراه هنا في الدار محزن, ومثير للشفقة, أيضا أحب ان أضيف مسألة مهمة وهي العزوف عن الزواج بالنسبة للرجل أو المرأة، إذ يعد هذا العنصر عاملا أساسا في مسألة دخول دار المسنين، حيث يجد الإنسان نفسه في نهاية المطاف بلا عائلة أو أي شخص يعتني به، وأضافت المديرة " حيث تعتمد الدار بشكل كامل على الدعم الوزاري، بالإضافة إلى دعم العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية فقد أولت عنايتها للدار، وهذا ينعكس أيضا على الحكومة المحلية، فالجميع ولله الحمد متعاونون معنا، ويذكرونا ويمدون لنا بكل ما نحتاجه، وهنا نذكر بالخصوص وزارة الصحة ودائرة كربلاء، فعملها يعد إسنادا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ذلك إن دائرة الصحة في كربلاء مشكورة قد هيأت لنا كل متطلباتنا، خصوصا وان المقيمين في الدار من كبار السن، لذا كلهم بحاجة إلى استشارات ومراجعات طبية، وأدوية، لذا وفرت لنا دائرة الصحة كل ما يتعلق بهذا الشأن , وأضافت من الجانب الترفيهي توجد جولات ترفيهية للنزلاء وخاصة لعتبات المقدسة وقامت بإرسال مجموعه من النزلاء إلى بيت الله الحرام وكان عددهم (6) فالحكومة المحلية وواعدتنا بإرسالهم إلى إيران لكن إلى ألان لم نرى أي تنفيذ لهذا الوعد الذي قطعة على نفسه السيد المحافظ .

ومن المشاكل الموجودة عندنا بل أهمها هي مشكلة  مساحة المكان أولا. فهي لاتسع لاكثر من  خمسين شخص فالدار ليست تابعه لوزارتنا إنما تابعه لوزارة الأوقاف لكن سمحوا لنا باستخدامها فالدار في كربلاء يجب أن تكون اكبر دار في العراق لان أكثر المسنين يفضلون كربلاء لوجود العتبات المقدسة فيها .

 وبعد الدار عن المدينة ثانيا فمكان الدار بعيد جدا لاتصل إليه السيارات لوعورة الشارع وانعدام الأماكن الترفيهية من حوله.

 وعندي مجرد عتب على المسئولين هو قلة أو انعدام زياراتهم للمسنين لان المسن يفرح ويبتهج عندما يرى المسئول أو أي شخص يأتي لزيارته لأنهم فقدوا الحنان من ذويهم فالزيارة لهم تشعرهم بالراحة والطمأنينة.

أهات

احمد عطية (80) عاما تونسي الجنسية غير متزوج قدم إلى العراق عام 1978 أتيت للعمل في العراق في الأسواق المركزية وبقيت فيه وحصلت على الجنسية العراقية وعملت لفترة طويلة حتى في أيام الاستراحة كنت اعمل وأخذت الدنيا كل عمري وريحانة شبابي فأنا في هذه الدنيا وحدي مقطوع من شجرة فأنا كنت الوحيد الذي أعطاه الله لأبي الذي توفي قبل أن اخرج للدنيا وعند خروجي للدنيا توفيت والدتي وأنا في الشهر السادس , فأنا أحب القراءة حاليا وليس لي صديق سوى الكتاب وعندي مكتبه تحتوي على عدد من الكتب الدينية والاجتماعية وغيرها , رأيت أهات وألم كبير جدا لأن من يتربى بدون أم هي بحد ذاتها الم كبير فكيف بمن عاش عمره يتيم من كل الأحبة!

وأضاف عطية إني لم أتزوج بسبب عقدة نفسيه عشتها في مرحلة الشباب لا أريد الخوض بها وأنا هنا في الدار منذ تقاعدي وخروجي من الخدمة فرأيت الدار هو ملجأي الأخير بعد انتهاء عمري.

أبو شيماء من مواليد بغداد عام (1935) أبو لثلاث أولاد وثلاث بنات, ومن أولاده اثنان منهم ضباط شرطة والثالث مهندس وبنت معلمة ما إن بدأ الكلام حتى أخذت الدمعة تنزل من عينه ولم يستطع ان يسيطر عليها , قال كنت اعمل موظفا وبالتحديد سائق ناقلة وبعد الدوام اعمل سائق تكسي كنت قد أفنيت كل عمري في خدمتهم حتى وصلوا إلى ما هم عليه , لكن أولادي كانوا يخجلون مني فأكثر من مرة كانوا ينعتوني بالجاهل والسائق فكنت أقول لهم العمل شرف فكان الكبير يرد عليه ويقول (خجلتنه ) لكن زوجتي هي التي جعلت أولادي يتمردون ولا يسمعون كلامي فحدثت مشاكل بيني وبين ألأم وانفصلنا وقام أولادي بطردي من البيت لأن البيت كان مسجل باسم أمهم ومنذ ذلك الوقت وأنا لم أذق طعم الراحة حتى إن أخي الوحيد طردني عندما قررت أن الجأ إليه ولا اعرف السبب وفي العام 2006 قررت ان اخرج على التقاعد ولم أرى أمامي سوى دار المسنين الذي أصبح ملاذي الوحيد وأتمنى في أخر حياتي أن أرى أولادي فأني إذا رأيتهم لا اعرفهم ولا يعرفوني .

نضرة الدين

ويضيف الشيخ سعيد ألحسناوي (رجل دين) يعتبر الإسلام من أعظم الديانات التي اهتمت بالبناء ألأسري لما له من أهميه كبيرة وقد كرم ديننا الحنيف الوالدين وأعطاهم مكانتهم القيمة وقد وردت في ذلك العديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة فالأم لها حق على الولد والأب له حق على الولد فحق ألأم إن تعلم إنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا , لكن مع ألأسف كثير من الأولاد سرعان ما ينسون هذا كله ويندفعون ويستمعون إلى كلام الشيطان الرجيم وعن الرسول (ص) قال: لا ينبغي للرجل أن يخرج إلى الجهاد وله أب وأم إلا بأذنهما ,لأن برهما واجب وكان الرسول (ص) حق الوالد أن تطيعه معاش , وأما حق الوالدة فأنه مهما عمل الإنسان لا يوفيها أبدا.

وأضاف قائلا: إن ما نشهده اليوم من عقوق للوالدين هو سببه الدلال الزائد وعدم التربية الصحيحة الذي يجب أن يربى عليها من حب واحترام وطاعة لله سبحانه وتعالى لأن من يطيع الله لا يعق والديه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/أيلول/2013 - 19/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م