هل هي نهاية للأزمة؟

پاتريك كلاوسون

 

لقد أوشكت لحظة الصدق. إذ تشير جميع المؤشرات القادمة من طهران - حتى من المرشد الأعلى علي خامنئي - إلى أن إيران تكثف جهودها في محاولة جديدة للتوصل إلى حل لمشكلة برنامجها النووي. وإذا تعذّر القيام بذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة، فسوف يصعب رؤية فرصة أخرى تكون فيها الفرص جيدة بهذا القدر مرة أخرى.

ومع ذلك فإن التشكك حول قدرة الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني على إنجاز اتفاق له ما يبرره بكل تأكيد. فالرؤساء الإيرانيون يمتلكون صلاحيات أقل بكثير - وخاصة في الشؤون الخارجية و الأمن - من تلك التي يمتلكها المرشد الأعلى خامنئي. ومما لا شك فيه كذلك أن تصريحات خامنئي العلانية الأخيرة لا يزال يكتنفها الريبة والشك والعداء تجاه الغرب. بيد يبدو وكأن خامنئي يريد أن يبعث بمؤشرات حول رغبته في إيجاد نهاية للأزمة النووية. ففي اجتماع له مع كبار قادة "الحرس الثوري" في 17 أيلول/سبتمبر، خاطبهم حول موضوع "الليونة" بقوله: "حتى المصارع الفني بإمكانه أن يبدي الليونة أحياناً، إلا انه لا ينسى من هو خصمه وما هو هدفه الأساسي".

وبالفعل، كان المرشد الأعلى دون مستوى النقد اللاذع الذي يتسم به عندما يتعلق الأمر بسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. ففي خطاب آخر له في 11 أيلول/سبتمبر كان مجاملاً بصراحة حيث قال: "إذا كان [الزعماء الأمريكيين] جادين في نظرتهم الأخيرة، فهذا يعني أنهم تراجعوا عن الإجراءات المتهورة والخاطئة التي اتخذوها خلال الأسابيع القليلة الماضية."

وفي الوقت نفسه، منذ توليه منصبه شن روحاني حملة علاقات عامة هجومية موجهة إلى الغرب والإصلاحيين في بلاده. وجاء آخر وابل من الهجوم في مقابلة له مع شبكة "إن بي سي نيوز" قال فيها إنه يتمتع بكامل الصلاحيات لإبرام اتفاق نووي مع الغرب. وقد تبادل أيضاً رسائل في الآونة الأخيرة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأشرف على الإفراج عن 11 سجيناً سياسياً، وحذر "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني بشكل حذر من التورط في الساحة السياسية. وعندما يسافر إلى مدينة نيويورك في الأسبوع الأخير من أيلول/سبتمبر لحضور افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوف تكون لدى روحاني احتمالية تحويل هذا الذوبان في العلاقات إلى فرصة دبلوماسية حقيقية.

وإذا كان التاريخي السياسي الحديث لإيران لا يزال سارياً، فإن أمام روحاني فرصة فريدة للحصول على تخفيف للعقوبات. فقد تمكن الرؤساء الإيرانيين الثلاثة الأخيرين الذي تولوا المسؤولية قبله من التأثير على السياسة في عامهم الأول قبل أن تتلاشى صلاحياتهم. فقد جاء كل منهم إلى السلطة وهو يحمل أجندة قوية. فقد كان هدف علي أكبر هاشمي رفسنجاني هو تحرير الاقتصاد، بينما كان هدف محمد خاتمي هو الانفتاح الثقافي، فيما سوّق محمود أحمدي نجاد لرسالة شعبوية. وقد نجح الثلاثة جميعاً في تحقيق تقدم في بداية فترات ولايتهم - رغم أنهم جميعاً واجهوا مقاومة قوية من قبل المرشد الأعلى مع استمرار فترة ولايتهم، الأمر الذي أدى إلى عكس سياساتهم.

وربما يكون روحاني في وضعية أفضل من سابقيه لكي يترك تأثيراً حقيقياً. فهو يحظى بدعم شريحة واسعة من الطيف السياسي الإيراني - من المتشددين إلى الإصلاحيين - ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الدروس التي استفادها كل معسكر من المستجدات في مختلف أنحاء المنطقة. ويدرك المتشددون أن "سياسة المقاومة" التي نادي بها الفريق السابق لم تفلح جيداً. فلم تجلب المقاومة سوى المزيد من العقوبات على إيران، وقادت الرئيس السوري بشار الأسد إلى حافة الكارثة، كما أدت إلى خسارة «حزب الله» للتأييد الشعبي الواسع الذي كان يتمتع به ذات مرة في جميع أنحاء المنطقة. ويرى هؤلاء المتشددون أن استراتيجية روحاني هي بمثابة النهج الجديد الذي يصب نحو نفس الأهداف، وأنهم على استعداد لتجربتها.

أما بالنسبة للإصلاحيين في إيران، فهم ينظرون إلى القاهرة ويرون ما حدث للرئيس المصري المخلوع محمد مرسى ويفسرون ذلك باعتباره درساً يحث على توخي الحذر تجاه ما كان يمكن أن يحدث في إيران لو نجحوا في الهيمنة على الأوضاع في عام 2009. وبعبارة أخرى، لو قامت مواجهة حادة مع النظام القديم وقوات الأمن التي يسيطر عليها، لكان ذلك قد أحدث وبسرعة انقلاباً بحكم الواقع.

كما أن روحاني استغل الدعم الذي يحظى به بشكل جيد. ورغم أن انتخابه كان بنفس المفاجأة التي حملها فوز الرئيسيين السابقين له مباشرة، إلا أنه نجح خلال فترة وجيزة في تجميع فريق رائع من التكنوقراط الذين يشاطروه الرأي ويتمتعون بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية - ومعظمهم مقبولين من قبل المتشددين. كما أن أسلوبه في الحكم يقوم على الابتسامة وليس الزمجرة، مما يضعف النقاد الذين اعتادوا على الخطاب الشعبوي السابق المبالغ فيه.

ولا يثير الرئيس الإيراني الجديد معارك لا حاجة إليها مثلما كان يفعل أحمدي نجاد، سواء كان ذلك مع الأجانب بشأن المحرقة أو الشباب الإيرانيين فيما يتعلق بموقع التواصل الاجتماعي تويتر. إن قيام روحاني بإرسال تهنئة بمناسبة عيد رأس السنة اليهودية الجديدة من حساب شبه رسمي على موقع تويتر لا يعكس سوى اسلوبه - وقد تمت صياغة تلك التهنئة لتنال إعجاب الأجانب، إلا أنه صاغها كذلك بمصطلحات دينية لم تمنح المتشددين المتحمسين لانتقاده سوى القليل مما يقولونه. إن كتاب روحاني "الأمن القومي والدبلوماسية النووية" - الذي أوضح فيه أن الاتفاقات التي تم التفاوض حولها مع القوى الأوروبية في عامي 2003 و 2004 حافظت على خيارات إيران فيما أحبطت الضغوط الدولية - ربما يكون نسخة أولية لاستراتيجيته الحالية.

وسوف تكون خطوة ذكية من جانب خامنئي - في الواقع تفوق ذكاءً سلوكه المعتاد - أن يبعث روحاني لمعرفة نوع الاتفاق النووي الذي يمكن أن يحصل عليه من الولايات المتحدة. ومن وجهة نظر خامنئي، فإن ذلك السيناريو سوف يحقق الفوز للجميع: فإذا استطاع رئيسه إنجاز اتفاق جيد يحفظ الخيارات النووية لإيران، فإن ذلك أمراً لا بأس به. وإذا تعذّر التوصل إلى اتفاق، فسوف تكون إيران قد كسبت أشهراً عديدة يمكن أن يتقدم خلالها برنامجها النووي.

هذا ويصعب معرفة الطريقة التي أثرت بها المستجدات الأخيرة حول سوريا على تفكير خامنئي. ومن الممكن أن يكون قد أسقط من حساباته بالفعل احتمالية توجيه ضربة أمريكية على إيران، وفي تلك الحالة فإن التردد الأمريكي الواضح في استخدام القوة ضد سوريا ربما لا يمثل أية مفاجأة له. ومن ناحية أخرى، كان قد أصر منذ فترة طويلة على أن الأزمة النووية ما هي إلا ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة لتحقيق هدفها الحقيقي وهو تغيير النظام في إيران، وبالمثل كان قد قال بأن المخاوف الإنسانية التي أعرب عنها الغرب بشأن سوريا هي ليست سوى مجرد غطاء لهدفها الحقيقي المتمثل في إزاحة الأسد عن سدة الحكم. وربما يعيد خامنئي حساباته في ظل الرغبة الواضحة من جانب إدارة الرئيس باراك أوباما في التركيز بشكل حصري جداً على السيطرة على أسلحة الدمار الشامل لدرجة أنها كانت مستعدة للتضحية بالمعارضة السورية وتجاهل مخاوف حقوق الإنسان إلى حد كبير.

وفي خطابه في 17 أيلول/سبتمبر أشار خامنئي إلى فقرة في كتاب كان قد ترجمه قبل 40 عاماً حول معاهدة الإمام الشيعي الثاني الحسن مع مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان - وهي معاهدة تشبه المعاهدات التي تعهد خامنئي ذات مرة بأنه لا يمكن مطلقاً إجبار إيران للقبول بها مرة أخرى. وكانت تلك المعاهدة قد أُبرمت تحت ضغط وإكراه كبيرين. وقد وافق الحسن عليها عندما واجه قوات تفوقه عدة وعتاداً في ميدان المعركة. وكانت نتائجها مختلطة في أحسن الأحوال: فقد تم حفظ السلالة ( كان الحسن حفيد النبي محمد)، ولكن الحسن تنازل عن الإمامة على المجتمع الإسلامي لمعاوية وبعد عدة سنوات كان من المؤكد أنه قد تم تسميمه بأوامر معاوية. ولكن في خطابه في 17 أيلول/سبتمبر، عرض خامنئي وجهة نظر أكثر تفاؤلاً من اتفاق السلام في القرن السابع: "أنا أتفق مع ما أطلقت عليه منذ سنوات بـ ' الليونة البطولية '، لأن هذه الحركة تكون جيدة جداً وضرورية في بعض الأحيان، طالما نتمسك بمبادئنا الرئيسية".

وفي ظل هذا الاحترام الجديد لمعاهدة الحسن، فإن خامنئي كان يبعث بمؤشرات بأن شخصاً آخر مثل الحسن - ألا وهو حسن روحاني - قد يكون بنفس الدرجة من المرونة في مواجهة قوى تفوقه حتى لو كانت النتائج مختلطة.

* پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org/

......................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/أيلول/2013 - 17/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م