مستقبل النظام الانتخابي في مصر

عادل العدوي

 

يمضي التحول السياسي في مصر على قدم وساق وبسرعة حيث تحتل مناقشة مسودة الدستور صدارة الأحداث في الوقت الحالي. ومن بين البنود الرئيسية على قائمة النقاش تحديد ما إذا كان الميثاق الجديد سيغير النظام الانتخابي، والكيفية التي سيتم بموجبها ذلك. وسوف تُطرح المسودة النهائية لاستفتاء عام في تشرين الثاني/نوفمبر بعد انتهاء اللجنة الدستورية المكونة من خمسين عضواً من عملها، يعقبها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. ويفضل قادة حركة "تمرد"، المحرك الدافع وراء الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، نظام الترشح الفردي. بيد أن الفصائل الأضعف والأصغر حجماً - ولا سيما تلك التي يتكون منها ائتلاف "جبهة الإنقاذ الوطني" - تفضل نظام القوائم الحزبية، الذي سوف يعزز من حظوظها الانتخابية. ومن المهم متابعة نتائج هذا النقاش، حيث إن ذلك الأمر سيشكل مسار السياسة المصرية في المستقبل المنظور.

النظام الانتخابي في عهد مبارك

كان البرلمان المصري على مدار تاريخه يتكون من مجلسين: الهيئة التشريعية الأدنى الممثلة في "مجلس الشعب" والغرفة الاستشارية العليا الممثلة في "مجلس الشورى". وقد كان "مجلس الشورى" رمزياً وبدون صلاحيات إلى حد كبير، وقد تم استبعاده من مسودة الدستور الجديدة.

وكان النظام الانتخابي المتبع أساساً في عهد مبارك هو النظام الفردي؛ إذ كان الناخبون يختارون فائزين اثنين عن كل دائرة انتخابية؛ وقد نص القانون على أن يكون أحد الفائزين على الأقل من العمال أو الفلاحين، وكان معظم المرشحين ضمن هذه الفئة ينتمون إلى نقابات عمالية. وكان يجري في الغالب التلاعب بعملية اختيار المرشحين من العمال والفلاحين الذين سيتم السماح لهم بالترشح، حيث كانت الهيئة الإدارية الانتخابية التابعة للحكومة المركزية تحظى بالقول الفصل في هذا الصدد. وبالفعل، قام "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم بتفصيل النظام لمصلحته، وذلك بصفة أساسية عن طريق التحايل في تقسيم الدوائر الانتخابية واستخدام الانتماءات القبلية والوسائل المالية من أجل احتكار السلطة. على سبيل المثال، تم تقسيم المناطق الريفية الأقل كثافة بالسكان إلى دوائر انتخابية أصغر، مما منحها المزيد من المقاعد في البرلمان مقارنة بالدوائر الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية والتي تركزت فيها معظم دوائر المعارضة الليبرالية.

وفي ظل هذا النظام، كانت جماعة «الإخوان» المتحدي الحقيقي الوحيد لـ "الحزب الوطني الديمقراطي"، حيث سمحت لها شبكتها الشعبية المنظمة جيداً والممولة بصورة جيدة بترشيح أعضائها كمستقلين وتحقيق الفوز.

إن النقاشات حول النظام الانتخابي ليست جديدة. ففي عام 1983، على سبيل المثال، حاول البرلمان تنفيذ نظام القوائم الحزبية. بيد قضت "المحكمة الدستورية العليا" بأن القانون غير دستوري لأنه أعاق المرشحين المستقلين من خوض الانتخابات.

النظام الانتخابي بعد ثورة 2011

عقب الإطاحة بمبارك، حظيت مناقشة النظام الانتخابي بالكثير من الاهتمام من قبل العديد من القوى السياسية، حيث كان من المؤكد أنه ستكون للتغييرات التي ستطرأ على قانون الانتخابات بالغ الأثر على مستقبلها. وفي 20 تموز/يوليو 2011، اقترح "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الذي أدار المرحلة الانتقالية اتباع نظام مختلط يتم فيه التنافس على نصف أعضاء "مجلس الشعب" من خلال نظام المرشحين الفرديين، والنصف الآخر من خلال القوائم الحزبية. وكان من المقرر أن يظل الإطار الأساسي للنظام الانتخابي على ما هو عليه، بما في ذلك حصص العمال والفلاحين؛ وكان العامل الوحيد في تغيير قواعد اللعبة هو حل "الحزب الوطني الديمقراطي"، الأمر الذي كان يعني عدم وجود منافسين حقيقيين لـ «الإخوان المسلمين».

بيد أن النظام الذي اقترحه "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" واجه الكثير من الانتقادات من مختلف الانتماءات السياسية وحفز دعوات لمقاطعة الانتخابات، التي كان من المقرر أن تبدأ في وقت لاحق من ذلك العام. على سبيل المثال، حذر زعيم "حزب الوفد" السيد البدوي، "سنقاطع [الانتخابات] إذا لم يستجيبوا لمطالبنا بصورة إيجابية." وفي النهاية، تم التوصل إلى تسوية يتم بموجبها الترشح على ثلث مقاعد البرلمان من خلال النظام الفردي وثلثين من خلال القوائم الحزبية. وفي ظل هذا النظام، استخدمت ثلاث وثمانين دائرة انتخابية النظام الفردي، بما يشكل 166 مقعداً برلمانياً. بالإضافة إلى ذلك، سُمح لأعضاء الأحزاب بالتنافس على تلك المقاعد الفردية المخصصة لذلك طالما خاضوا الانتخابات كمستقلين.

ومع ذلك، قامت "المحكمة الدستورية العليا" بحل البرلمان الجديد في حزيران/يونيو 2012 واعتبرت تشكيله غير قانوني. وأوضح رئيس المحكمة العليا في ذلك الحين، فاروق سلطان، القرار بقوله: "إن الحكم...يتضمن حل «مجلس الشعب» كلية لأن القانون الذي أجريت بمقتضاه الانتخابات كان متعارضاً مع أحكام الدستور". وكان مرشحو «الإخوان» قد فازوا بالعديد من الانتصارات الانتخابية التي تم إلغاؤها.

النقاش الحالي

في الشهر الماضي، أوضح علي عوض، المستشار الدستوري للرئيس المؤقت عدلى منصور بأن اللجنة الفنية الأولية المؤلفة من عشرة أعضاء والتي عُهدت إليها مهمة تعديل الميثاق تلقت العديد من الطلبات لتطبيق نظام المرشحين الفرديين. كما أشار إلى أن النظام الانتخابي سيكون إحدى المواضيع الرئيسية التي ستناقَش من قبل اللجنة المكونة من خمسين عضواً والمكلفة بوضع اللمسات الأخيرة على عمل اللجنة الفنية قبل إجراء الاستفتاء.

وحتى الآن، اعترضت العديد من الأحزاب السياسية الصغيرة والضعيفة على النظام المقترح، حيث طالبت بترتيب قوائم حزبية من أجل زيادة فرص فوزها بمقاعد في البرلمان. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أرسل أربع وعشرين حزباً سياسياً ومنظمات غير حكومية بياناً إلى اللجنة المكونة من خمسين عضواً طالبوا فيه بتغيير المادة 191 من مشروع الدستور الذي يحدد النظام الانتخابي.

وبالمثل، انتقد محمد أبو الغار، رئيس "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، نظام المرشحين الفرديين، وطلب إجراء تغييرات. وقد رفضه بشدة أيضاً "حزب الوفد" الذي ينتمي إليه البدوي، والذي يشكل جزءاً من "جبهة الإنقاذ الوطني"، إلى درجة أن بعض أعضاء الحزب هددوا بمقاطعة الانتخابات.

وفي المقابل، تدعم حركة "تمرد" نظام المرشحين الفرديين بقوة، خوفاً من أن يمنح نظام القائمة الحزبية فرصة لـ جماعة «الإخوان» لكسب مقاعد من خلال الانضمام إلى قوائم الأحزاب الأخرى. وقد أوصى أيضاً أحد مؤسسي الحركة، محمود بدر، ترك النظام الانتخابي خارج مشروع الدستور والسماح للرئيس المؤقت بتقرير الكيفية التي ستجرى بموجبها الانتخابات المقبلة، مع قيام البرلمان الجديد في وقت لاحق بتعديل القانون وفقاً للحاجة. كما يدعم فاعل رئيسي آخر، "التيار الحر" - وهو حركة سياسية وسطية قوية - النظام المقترح.

وفي الواقع من المرجح أن تستفيد القوى السياسية التي تحظى بتمويل جيد وتتمتع بدعم شعبي، من النظام الفردي. وسوف يجري على الأرجح تهميش الأحزاب المؤسسة مؤخراً في ظل هذا الترتيب الجديد، لأن قدراتها التنظيمية لا تزال محدودة. بيد أن هذا السيناريو قد يرغم الفصائل الصغيرة على الاندماج، ومن ثم يعمل على تدعيم الأطياف السياسية المتناثرة في مصر.

الخاتمة

تميل المؤسسة السياسية في مصر بقوة نحو تطبيق النظام الانتخابي الفردي، ويرجح أن يتم خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في ظل هذا الترتيب الجديد. أما بالنسبة للفصائل التي تعارضه، فيمكن للمفاوضات التي تجري خلف الكواليس أن تقنعها بقبول هذه الحقيقة. وإذا لم توافق على هذا النظام، فسوف ينتهي الأمر بمشاركتها في الحياة السياسية المصرية من على الهامش.

* عادل العدوي هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org/ar

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/أيلول/2013 - 14/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م