بريطانيا تتقلص... سياسيا واقتصاديا وجغرافيا

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تواجه بريطانيا اسوء فترة تاريخية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على اكثر من صعيد، سياسيا واقتصاديا وسياديا ايضا، فالدولة العظمى التي لا تغيب عنها الشمس باتت تنحدر دوليا ومحليا يوما بعد يوم لعدة اسباب جوهرية، يقف في طليعتها انحسار نفوذها عما كان عليه بشكل كبير، وبروز قوى عالمية تتجاوز قدرات بريطانيا مجتمعة.

وغالبا ما ينعكس الضعف الذي دب في مفاصل تلك الدولة بحسب ما يراه المراقبون، في التشتت السياسي الداخلي في لندن، وما عزز ذلك من اخطاء جسيمة اقدم على ارتكابها رؤساء الحكومات المتعاقبة منذ اكثر من عقد، مما افقد الساسة البريطانيين الثقة بهؤلاء القادة وقراراتهم المعنية بالسياسات الخارجية.

حيث يواجه ديفيد كاميرون، الذي تجد بلاده نفسها خارج اللعبة بعد التحالف الاميركي الفرنسي بشان التدخل العسكري المتوقع في سوريا، مهمة صعبة تتمثل في استعادة سلطته على الصعيد الداخلي بعد هزيمته التاريخية في البرلمان.

وتوقعت العديد من الصحف تعديلا وزاريا بعد هذا الفيتو البرلماني على المشاركة في شن ضربات على سوريا والذي شكل صفعة لم يسبق ان تعرضت لها حكومة بريطانية بشان اي عمل عسكري منذ اكثر من 230 عاما.

فقد صوت 30 من نواب حزب كاميرون ضد هذا التدخل كما لم يشارك عشرة من اعضاء حكومته الائتلافية في هذا التصويت الحاسم الذي جرى مساء الخميس في مجلس العموم الذي اجتمع في جلسة طارئة.

وقال اثنان منهم هما وزيرة التنمية الدولية جوستين غرينينغ ووزير الدولة للشؤون الخارجية مارك سيموندس، محرجين، انهما لم يسمعا الجرس الذي يدعو النواب الى التصويت.

واستنادا الى الديلي تلغراف، القريبة من المحافظين، فان هذين الوزيرين قد يدفعان ثمن فعلتهما في التعديل الوزاري الذي قد يشمل اعضاء الحكومة الباقين الذين لم يقطعوا اجازتهم رغم الدعوة التي وجهها كاميرون.

واوضحت الصحيفة شان صحيفة ديلي ميرور، العمالية الاتجاه، ان جورج يونغ المكلف من البرلمانيين المحافظين مراقبة الانضباط داخل الحزب يمكن ايضا ان يكون في قائمة المستهدفين.

ومنذ يومين تستخدم الصحف اقصى العبارات في وصف اسوا هزيمة يتعرض لها كاميرون في سنوات حكمه الثلاث مثل "اذلال" و"كارثة" و"فشل غير مسبوق". وهذه الهزيمة ناجمة عن رهان محفوف بالمجازفة لرئيس وزراء يرغب في تحرك سريع من دون ان يحسب على ما يبدو مدى تردد الراي العام والكثير من البرلمانيين بمن فيهم نواب حزبه ازاء مثل هذا التحرك.

شركات النفط والسلاح

الى جانب ذلك قد يكون لقرار البرلمان البريطاني رفض المشاركة في عمل عسكري ضد سوريا تداعيات تتجاوز الآثار السياسية.. فقد يضع بمرور الوقت عوائق أمام رجال الأعمال البريطانيين الذين يسعون للفوز بعقود بمليارات الدولارات في منطقة الخليج.

وتنافس الشركات البريطانية على عدة صفقات ضخمة في المنطقة من بينها امتيازات نفطية وعقود لتوريد عشرات الطائرات المقاتلة إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر. وتدعم أغلب البلدان الخليجية الغنية المصدرة للنفط لاسيما قطر والسعودية المعارضة السورية المسلحة في حربها مع نظام الرئيس بشار الأسد معنويا وماليا وفي بعض الأحيان عسكريا.

لذلك فقد يؤدي رفض بريطانيا المشاركة في عمل عسكري إلى إضعاف موقفها في الخليج في الوقت الذي تحاول فيه الفوز بعقود تعتمد كثيرا على العلاقات السياسية الوثيقة والمصالح الاستراتيجية المشتركة.

وقال جوناثان إيال المدير لدى المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن إن البرلمان لم يأخذ ذلك الأمر في الحسبان على ما يبدو في اقتراعه المفاجئ في 29 أغسطس آب الذي كانت نتيجته رفض المشاركة في ضرب سوريا.

وأضاف أن أعضاء البرلمان كانوا مدركين للخطر الذي يشكله الاقتراع على علاقة بريطانيا "المميزة" مع الولايات المتحدة لكنهم على ما يبدو اعتبروا دورهم في الشرق الأوسط من المسلمات أو لم يقدروه حق قدره.

وقالت السفارة البريطانية في الرياض في بيان "لا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد بأن قرار البرلمان البريطاني بشأن سوريا سيؤثر على علاقتنا التجارية والاستثمارية مع السعودية."

غير انه في أحاديث خاصة عبر مسؤولون بريطانيون عن قلقهم من فتور العلاقة الدافئة بين بريطانيا والخليج حتى قبل اتخاذ ذلك القرار بشأن سوريا.

وقال بعض المحللين إن غضب حكام الخليج من الدعم الغربي لانتفاضات الربيع العربي عام 2011 وتقارير الإعلام البريطاني التي اعتبرت داعمة لجماعة الإخوان المسلمين هما من أسباب الاستبعاد المؤقت لشركة النفط البريطانية الكبرى بي.بي العام الماضي من المنافسة على عقود تشغيل حقول نفطية كبرى في أبوظبي في العقود القليلة المقبلة.

وسمحت الإمارات لبي.بي بالمشاركة مجددا بعد أن زار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أبوظبي في نوفمبر تشرين الثاني 2012 للترويج لشركات الطاقة والأسلحة البريطانية.

كاميرون "المتهور" يدفع ثمنا سياسيا

فيما اظهرت استطلاعات نشرت نتائجها ان فشل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في كسب دعم برلماني لتحرك عسكري ضد سوريا اضر به سياسيا اذ يراه اغلب البريطانيين "متهورا" في حين تراجع الدعم لحزبه.

واظهر استطلاع كومرز/آي.تي.في ان 59 في المئة ممن سئلوا يعتقدون انه كان متهورا في ترتيب إجراء التصويت على التحرك العسكري دون ان يعرف ان كان اعضاء البرلمان يدعمونه.

واظهر استطلاع اخر ان حزب العمال المعارض زاد تقدمه على حزب المحافظين الحاكم الذي ينتمي له كاميرون الى عشر نقاط من اربع نقاط مئوية بعد الهزيمة البرلمانية مما يمثل انتكاسة لآماله في اعادة انتخابه عام 2015.

وقالت مؤسسة يوجوف التي نظمت الاستطلاع الثاني يوم الإثنين ان "فارق النقاط العشرة اكبر مما رأيناه مؤخرا مما يشير الى بعض الاثر على الاقل من التصويت بشأن سوريا."

ورفض مجلس العموم البريطاني خطط كاميرون بشأن سوريا بأغلبية 285 صوتا مقابل 272 صوتا ليلحق به هزيمة مفاجئة رغم انه قدم بالفعل تنازلات كبيرة محاولا الفوز بالموافقة.

اسكتلندا والاستقلال

من جانب آخر تواجه بريطانيا تحدي انفصال استكتلندا عنها، وكان رئيس الوزراء الاسكتلندي اليكس سالموند اعلن في اذار/مارس المنصرم ان الاسكتلنديين سيصوتون في 18 ايلول/سبتمبر 2014 في استفتاء على الاستقلال عن المملكة المتحدة.

والسؤال المطروح على الناخبين في المنطقة البريطانية التي تتمتع بحكم ذاتي ويبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، سيكون "هل ينبغي ان تكون اسكتلندا دولة مسقلة؟".

وكانت الاحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا - حزب المحافظين وحزب الديموقراطيين الاحرار وحزب العمال - اعلنت رفضها استقلال اسكتلندا. وبحسب اخر الاستطلاعات، فان ثلث الاسكتلنديين يؤيدون الاستقلال بعد اكثر من 300 سنة من الانضمام للتاج البريطاني.

وكان سالموند رفض تحذيرات لندن بشأن المخاطر الاقتصادية التي ستواجهها اسكتلندا في حال استقلالها، مؤكدا لوكالة فرانس برس ان الاقليم يجذب المستثمرين اكثر فاكثر ولن يلقى صعوبة في تحقيق الازدهار خارج المملكة المتحدة.

ويعتبر خبراء ان هذا الاقتصاد يعتمد كثيرا على موارد المحروقات التي هي في طريق النضوب ويحذرون من ان الدولة التي قد تنشأ ستواجه دينا عاما مرتفعا.

وقد حذر وزير المالية البريطاني جورج اوزبورن مؤخرا ان على اسكتلندا في حال استقلالها ان تتخلى عن جزء كبير من سيادتها في المجال الاقتصادي ان ارادت الاحتفاظ بالجنيه في اطار وحدة نقدية. واعتبر ايضا ان التشكيك في مستقبل اسكتلندا يتسبب بهروب المستثمرين.

وقد سجل اجمالي الناتج المحلي في اسكتلندا في الربع الاخير من العام 2012 نموا بنسبة 0,5% فيما تراجع الاقتصاد البريطاني باكمله بنسبة 0,3%.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/أيلول/2013 - 12/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م