باكستان بين التنمية والتلوث

 

شبكة النبأ: قال محمد وهو يشير إلى مجموعة من جواميس الماء ترطب أجسادها في قناة ليست بعيدة عن مدينة لاهور في شرق باكستان: "أنا لا أسمح لها بشرب هذه المياه،" موضحاً أن "هذه المياه من المدينة وكل قمامتها تصب فيها".

وهذه القناة هي واحدة من 11 ممراً مائياً رئيسياً تحمل النفايات الصناعية ومياه الصرف الصحي من لاهور إلى نهر رافي. وتتدفق النفايات من 16,000 مصنع و10 ملايين نسمة يشكلون سكان المدينة إلى النهر مباشرة، وهي ليست معالجة على الإطلاق وغير مشروعة تماماً.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الباكستاني يفقد 4.9 مليار دولار سنوياً - 3.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي - بسبب الخسائر الإنتاجية وتكاليف العلاج من الأمراض المنقولة عن طريق المياه.

ووفقاً لدراسات أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والصندوق العالمي للطبيعة، يعاني ما يقرب من 40 بالمائة من جميع المرضى في المستشفيات الباكستانية من الأمراض المنقولة عن طريق المياه بسبب مياه الشرب غير المأمونة.

والجدير بالذكر أن أمراض التيفوئيد والزحار والكوليرا والتهاب الكبد تقتل أكثر من 250,000 طفل باكستاني سنوياً.

"عندما تكون هناك مياه مجاري غير معالجة، فإنها تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية،" كما أوضحت لبنى بخاري، وهي مديرة في مجلس باكستان لبحوث الموارد المائية (PCRWR)، وهي الهيئة الحكومية التي تراقب سلامة إمدادات المياه في البلاد.

ويسمح الرشح من ثقوب الأنابيب الموجودة تحت الأرض بدخول الملوثات إلى المياه الجوفية. وتواجه مدن مثل لاهور بالفعل نقصاً حاداً في المياه، لذلك يجب على المقيمين الذين يسعون للحصول على المياه الصالحة للشرب حفر آبار أكثر عمقاً، مما يؤدي إلى تخفيض منسوب المياه الجوفية ويساعد على تركيز الملوثات.  

في عام 2007، أصدر مجلس باكستان لبحوث الموارد المائية دراسة لمدة خمس سنوات عن إمدادات المياه في 23 مدينة رئيسية في باكستان.

ورصدت الدراسة 16 نوعاً من إمدادات المياه في لاهور - بما في ذلك مياه الصنبور والمياه الجوفية في الآبار الأنبوبية والمياه السطحية - ووجدت أن كافة مصادر المياه في المدينة بها مستويات غير آمنة من الزرنيخ، وأكثر من نصفها به مستويات غير آمنة من الفلوريد والملوثات الجرثومية.

وأكدت بخاري أن "الكوليرا والزحار والتهاب الكبد تنتشر بسبب الملوثات الجرثومية".

قوانين بيئية صارمة - على الورق

ونهر رافي هو تذكير صارخ على صعوبة إنفاذ قوانين حماية البيئة في باكستان. ويفرض القانون على المصانع التي تلقي مخلفاتها في النهر معالجتها أولاً، ومن المفترض أن تتولى وكالة لاهور للمياه والصرف الصحي (WASA)، التي تدير مياه الصرف الصحي في المدينة، معالجة مياه الصرف الصحي قبل أن تصب في النهر. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

ولكن الضغوط السياسية لإعطاء الأولوية للتنمية الصناعية، وعدم قدرة وكالات إنفاذ القانون على معاقبة المسؤولين عن التلوث تعني أنه حتى في وجود ما يعتبر على الورق بعض أكثر قوانين البيئة في العالم النامي صرامة، يعاني الناس في المدن الباكستانية من أجل الحصول على الماء والهواء اللذان يلبيان الحد الأدنى من متطلبات السلامة.

وقد تم إنشاء إدارة حماية البيئة الباكستانية (EPD) بموجب قانون صادر عام 1997، وهي تعمل الآن في كل ولاية بشكل مستقل. ويجب الحصول على موافقة إدارة حماية البيئة على كافة المشاريع الإنمائية المخطط لتنفيذها للتأكد من خلوها من أي آثار سلبية على البيئة.

ولكن في الممارسة العملية، نادراً ما يواجه المخالفون أي تبعات قانونية.  ولا تزال آلاف الدعاوى المرفوعة ضد الملوثين الصناعيين في ولاية البنجاب - التي تجاوز عمر بعضها عقداً من الزمن - معلقة في المحاكم البيئية الخاصة.

وقد أنشأت المحكمة العليا في العام الماضي "القاعات الخضراء" المخصصة لتسريع جلسات الاستماع، ولكنها لم تنظر سوى بـ 15 بالمائة من القضايا، ولم يدفع سوى 20 بالمائة فقط من المدانين بانتهاك القانون غرامات فعلية.  

نقص الأموال

وإحدى المشاكل القائمة هي أن وكالات الأشغال العامة لا تملك الميزانيات اللازمة لتنفيذ التحسين المطلوب في البنية التحتية لتلبية معايير الحكومة نفسها.

رفع اختار اوان، وهو محام متخصص في شؤون البيئة، دعوى ضد حكومة البنجاب بسبب تلوث نهر رافي في عام 2005. وبعد عامين من بدء القضية، وافقت وكالة لاهور للمياه والصرف الصحي على تطوير محطة معالجة مياه الصرف الصحي، ولكن حتى بعد مضي ست سنوات، لم يبدأ البناء بعد.

كافة أعمالنا المستقبلية في مجال التنمية تتوقف على حصول الناس على مياه نظيفة.

وفي العام الماضي، اضطرت وزارة تغير المناخ، التي ترسم السياسات البيئية على الصعيد الوطني، إلى إغلاق نظامها لرصد جودة الهواء في المناطق الحضرية بعد نفاد الأموال.

وتقوم شبكة محطات الرصد، التي أنشئت في عام 2006، بجمع بيانات لحظية عن مستويات تلوث الهواء في 6 مدن، من بينها لاهور وكراتشي وإسلام آباد.

وفي عام 2009، عندما كانت محطات الرصد لا تزال قيد الاستخدام، لوحظ أن تركيز الجسيمات الدقيقة في هواء لاهور أعلى ثلاث مرات من المستوى الآمن الذي يبلغ 35 ميكروغراماً في المتر المكعب.

وكانت أفران الصلب وقمائن الطوب وكسارات الحجارة والرخام وعوادم المركبات هي مصادر التلوث الرئيسية. وينبغي من الناحية الفنية تنظيم كافة هذه المصادر بموجب قوانين البيئية الباكستانية.

وفي غياب خط أساس لجودة الهواء في المدن الباكستانية، لن تستطيع الوكالات البيئية حتى البدء في تقييم تأثير إنشاء مصنع جديد على منطقة ما، على سبيل المثال.

وشكا نسيم الرحمن شاه، نائب مدير قسم الموافقات البيئية في إدارة حماية البيئة بولاية البنجاب، من أن إدارة حماية البيئة بولاية البنجاب، التي تعد الأكثر نشاطاً في باكستان، تعاني أيضاً من نقص شديد في الموظفين. وأضاف أن "هناك حاجة لبناء القدرات ونحن بحاجة إلى مزيد من الموظفين، لكن هذا لا يعني أننا لا نبذل قصارى جهدنا".

التنمية هي الأولوية؟

ولعل أكبر عقبة تعوق تطبيق القوانين البيئية في باكستان هي الثقافة، أو إدراك أنه لا بد أن يكون للتنمية الأولوية على المدى القصير، وليس حماية البيئة.  

وقال أحمد رفاعي علم، وهو محام وناشط بيئي رفع دعوى ضد لإجبار حكومة البنجاب على تنظيف نهر رافي: "نحن الآن في الموقف نفسه الذي واجهته أوروبا [أثناء الثورة الصناعية]. وكافة أعمالنا المستقبلية في مجال التنمية تتوقف على حصول الناس على مياه نظيفة".

وكانت الدعوى التي رفعها علم لتنظيف نهر رافي هي أول دعوى تنظر بها المحكمة العليا بشكل مباشر، بعد وقت قصير من تأسيس "القاعات الخضراء" هناك. واختار علم تجاوز إدارة حماية البيئة تماماً، وتقديم التماس إلى أعلى محكمة في البلاد.  وأضاف أن "الكثير من الناس يعتقدون أن هذا [التلوث] هو ثمن التنمية".

وبدلاً من محاولة إجبار حكومة البنجاب على التصرف، قال علم أنه طلب من القاضي الذي نظر قضيته إنشاء هيئة جديدة لكي تعمل على التوصل إلى حل متوازن للأزمة.

لجنة نهر رافي

وقد تم تأسيس لجنة نهر رافي في العام الماضي للجمع بين خبراء في القانون والبيئية والصناعة والسياسة، ووكالات الأشغال العامة. "أردنا قرارات مبنية على أساس توافق الآراء ونظام قانوني واجب النفاذ،" كما أوضح علم.

في البداية، حددت اللجنة مصادر تلوث النهر. توجد آلاف من المشاريع الصناعية على طول نهر رافي شمال وجنوب مدينة لاهور. وأشار علم إلى أن "معظمها من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم؛ أصغر من أن تقيم محطة لمعالجة مياه الصرف في الموقع... واغلاقها جميعاً سيمثل مشكلة كبيرة. الآلاف من هذه الصناعات، وعشرات الآلاف من الوظائف على المحك".

وخاطبت اللجنة حوالي 30 مصنعاً كبيراً يمكنها تركيب مرافق العلاج، وطلبت منها أن تكون من حماة المياه وتضرب مثلاً لغيرها من المشاريع الكبيرة في المستقبل. وأضاف علم: "إننا نريدهم أن يصبحوا أبطالاً في نظر بقية الصناعات".

وأينما تصل مياه الصرف إلى النهر في المستقبل، ستسعى اللجنة إلى الحد من النفايات. وفي المناطق السكنية الجديدة - التي تأوي المواطنين الأكثر ثراءً في لاهور في أغلب الأحيان- تطلب اللجنة تركيب خزانات الصرف الصحي في المنازل، للتعامل مع بعض مياه الصرف الصحي الخام في الموقع.

وقد وافقت وكالة لاهور للمياه والصرف الصحي مؤخراً على بناء منشأة معالجة بيولوجية تجريبية على النهر بالقرب من المدينة. وسيقوم موقع المعالجة البيولوجية المخطط لتنفيذه بتمرير المياه الملوثة عبر عدة مراحل من الأراضي الرطبة الطبيعية الصغيرة، ثم يعيد المياه النظيفة إلى النهر مرة أخرى.

إنها خطوة صغيرة - ستقوم المحطة بمعالجة جزء بسيط من تدفق النهر فقط - ولكن في حال نجاحها، سيكون من شأنها توفير حل مستدام ورخيص يمكن توسيع نطاقه ليغطي النهر بأكمله.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/أيلول/2013 - 7/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م