الامن الغذائي... ارتفاع معدلات الجياع يثير مخاوف المجتمع الدولي

 

شبكة النبأ: يواجه العالم في الوقت الحالي مجموعة من الازمات والمشاكل ومنها نقص الغذاء والتي تعتبر وبحسب بعض الخبراء من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الراهن، خصوصا مع نمو وازدياد اعداد السكان الذي يقابله تراجع في مستويات الإنتاج وشح المياه و وضعف السياسات الحكومية غيرها من المشاكل الاخرى. وبحسب بعض التقارير الاممية فأن نحو 870 مليون شخص أو واحد من كل ثمانية, في العالم هم ضحايا لنقص الغذاء المزمن في الفترة من (2010 - 2012)، وتعيش الغالبية العظمى ممن يعانون من الجوع فى البلدان النامية أى نحو 15 % من مجموع سكانها, بينما يقيم 16 مليون شخص ممن يعانون نقص الغذاء فى بلدان الاقتصادات الصناعية. وفي هذا الشأن ناشدت الامم المتحدة المانحين تقديم اكثر من مليار دولار للمساعدة في توفير الغذاء لاحد عشر مليون شخص، يواجهون خطر الجوع في ارجاء منطقة الساحل في افريقيا، وحذرت من ان الازمة في سورية تصرف انتباه المانحين عن الوضع الانساني هناك. وقال مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إن الحرب في مالي فاقمت ازمة نقص الغذاء في المنطقة. ويعيش 175 ألف لاجئ مالي في مخيمات في بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وهو ما يضع عبئا على امدادات الغذاء الشحيحة. ونزح 353 ألف اخرين داخل مالي نفسها حيث تركوا منازلهم ومصادر العيش.

وقال روبرت بيبر، منسق الامم المتحدة الاقليمي لمنطقة الساحل إن الدول المانحة قدمت 607 ملايين دولار فقط من 1.72 مليار دولار مطلوبة هذا العام لمساعدة الناس، الذين يواجهون خطر الجوع وسوء التغذية عبر المنطقة المقفرة والتي تمتد من الشرق الى الغرب في افريقيا. وقال بيبر إن نقص التمويل يرجع بين اسباب اخرى الي الازمة المالية، التي قلصت مخصصات المساعدات في الدول المانحة. والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة واليابان وبريطانيا هم اكبر المانحين. وقال بيبر يتعرض التمويل الانساني لضغط هائل الان بسبب سوريا. حجم الاموال المطلوبة لسوريا تجاوزت التوقعات بكثير. بحسب رويترز.

وقال مسؤول بمكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إن سورية وحدها تستحوذ على اكثر من اربعة مليارات دولار من نداء انساني عالمي للامم المتحدة يبلغ 13 مليار دولار. وتقول الامم المتحدة إن الصراع في سورية أودى بحياة 100 الف شخص وأجبر 1.7 مليون اخرين على النزوح من البلاد. وقال مكتب الامم المتحدة" إن عدد الاشخاص المعرضين لخطر الجوع في منطقة الساحل في افريقيا انخفض هذا العام من 18 مليون شخص في 2012. وضربت موجة جفاف المنطقة التي تشمل تسع دول للمرة الثانية في ثلاث سنوات.

الغذاء في جونقلي

في السياق ذاته يواجه عشرات الآلاف من الأشخاص انعداماً شديداً في الأمن الغذائي بينما يختبئون في أدغال في ولاية جونقلي بجنوب السودان في أعقاب موجة أخرى من العنف تسببت في قطع المساعدات عنهم. وقال كريس نيكوا، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي بجنوب السودان، في بيان نعتقد أن هؤلاء الناس بحاجة إلى الغذاء الآن ولا يمكنهم الانتظار لفترة أطول من ذلك بعدما اختبؤوا في الأدغال لأسابيع وأضاف نحن بحاجة إلى المزيد من الإمدادات الغذائية بالبلاد والمزيد من طائرات الهليكوبتر لنقل الطعام لمن هم في أشد الحاجة إليه.

وقد وصل عدد الأفراد الذين لا يمكن للمساعدات الإنسانية الوصول إليهم إلى أكثر من 100,00 شخص في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت بين مجتمعات النوير والمورلي وعقب الاشتباكات التي جرت بين الحكومة وحركة المتمردين بقيادة ديفيد ياو ياو. وعلى مدى الأشهر الماضية، فر حوالي 120,000 شخص إلى الأدغال في ظل تزايد وتيرة انعدام الأمن. ويقف كل من انعدام الأمن والأمطار وعدم توافر الطرق أو مهابط الطائرات الصالحة للاستخدام عقبة أمام الوصول إلى من هم في أمس الحاجة إلى المساعدات، خاصة المواد الغذائية الثقيلة.

وقال توبي لانزر، منسق الشؤون الإنسانية بجنوب السودان، في بيان أن توصيل المعونة الغذائية يشكل تحديات لوجستية إضافية إذ أن الشاحنات غير قادرة على التنقل على الطرق المغمورة بالمياه، وليس لدينا ما يكفي من طائرات الهليكوبتر لنقل الغذاء الكافي جواً إلى المناطق التي أصبحت أشبه بالمستنقعات. وأفاد برنامج الأغذية العالمي أنه يقدم المساعدات الغذائية للنازحين في المناطق التي يمكن الوصول إليها، ولكنه بحاجة إلى 20 مليون دولار لشراء المواد الغذائية واستئجار طائرات الهليكوبتر لتوفير الغذاء لنحو 60,000 شخص. ويذكر أن المنظمات الإنسانية العاملة في جنوب السودان تواجه نقصاً في إجمالي التمويل يبلغ 472 مليون دولار.

وقد لجأت مجتمعات المورلي بالفعل إلى استراتيجيات التأقلم القصوى حيث يلجأ البعض إلى أكل الفواكه والنباتات البرية. وبعد الهجمات التي شنت للاستيلاء على الماشية، التي يُعتقد أن عددها يصل إلى عشرات الآلاف، يقوم السكان بذبح إناث الماشية للحصول على اللحوم، حتى لو كان هذا يعني أنهم لن يستطيعوا تجديد مواردهم. وقد سارت النساء اللاتي كن يختبئن في الأدغال مع الأطفال لعدة أيام أو أسابيع إلى المدن لإحضار الغذاء، ولكن قالت بعضهن أنهن سيعدن إلى المستنقعات، حيث لا يتوفر لديهن أي مأوى، أو رعاية صحية أو مياه نظيفة، لأنهن يخشين قوات الأمن أكثر مما يخشين المرض أو الجوع.

وأوضح بيان لمنظمة إنتر أكشن، وهو تحالف من المنظمات غير، مقره الولايات المتحدة، أنه "حتى قبل اندلاع النزاع المسلح، ذكرت الأمم المتحدة وشبكة الإنذار المبكر من المجاعة (FEWSNET) أن مقاطعة بيبور (بولاية جونقلي) تعاني من مستويات مزمنة من انعدام الأمن الغذائي وتوقعتا أن 39,000 شخص سيعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي مع احتمال وصول مستوياته إلى حد الطوارئ.

وهؤلاء الناس بحاجة إلى الغذاء الآن ولا يمكنهم الانتظار لفترة أطول من ذلك بعدما اختبؤوا في الأدغال لأسابيع وقد أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في عام 2012 أن "معدلات سوء التغذية قبل الحصاد كانت تقترب بالفعل من حدود الطوارئ"، وحتى مارس 2013، كان 12 بالمائة من سكان ولاية جونقلي يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد و24 بالمائة من انعدام الأمن الغذائي المتوسط.

الوصول إلى السكان المحتاجين

وفي 14 يوليو، وعقب مفاوضات مطولة مع الدولة والجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، سُمح للجمعيات الخيرية الوصول إلى حوالي 25,000 شخص في أجزاء من الدولة. وقال فنسنت ليلاي، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بجنوب السودان، أن المنظمات الإنسانية استطاعت الوصول إلى "جزء صغير جداً فقط من مقاطعة بيبور لأسباب لوجستية وأمنية على حد سواء، وأضاف أنه مع اقتراب موسم العجاف، من المحتمل جداً أن يواجه هؤلاء الأشخاص صعوبات موضحاً أن نقل الغذاء جواً سيكون أكثر صعوبة من نقل سلع أخرى مثل رقائق البلاستيك وأقراص تنقية المياه والأدوية إذ أن الإمكانات الجوية المحدودة تعني أن الأمم المتحدة لا تستطيع سوى نقل وزن محدود للغاية على متن الطائرات. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وقال ليلاي أن بعض السكان الذين تمكنوا من الوصل إليهم قد بدت عليهم علامات المرض الشديد، في حين أشار لانزر أن بعض الأطفال ظهرت عليهم علامات الإصابة بالحصبة، وهو مرض فتاك في مثل هذه الظروف. وبعض المتضررين لا يريدون الحضور إلى المدن لطلب المساعدة. وقال جون تازنوس، رئيس فريق عمل منظمة أطباء بلا حدود في بيبور إنهم خائفون من طلب الرعاية الطبية في المدن، لذلك من الضروري التدخل في الأماكن التي يقيمون فيها حتى يتسنى لجميع المحتاجين الحصول على العلاج. والجدير بالذكر أن منظمة أطباء بلا حدود تدير منشأة الرعاية الصحية الوحيدة في قرية غومورك بعد أن تم تدمير مستشفاها في بيبور خلال اشتباكات التي وقعت في مايو.

برنامج كبير

على صعيد متصل وافقت الحكومة الهندية على برنامج كبير لتقديم المساعدة الغذائية للفقراء في هذا البلد وهو اجراء أرجئ مطولا ويأتي الاعلان عنه في اطار مسعى السلطات لتحسين صورتها في وقت يشهد فيه النمو تباطؤا، قبل عام من الانتخابات العامة. ويتوقع ان يكون هذا البرنامج الاكبر في العالم مع مساعدة غذائية ل70% من السكان اي 800 مليون نسمة. وينص على تموين شهري يقدر ب3 الى 7 كلغ من الحبوب لكل فرد وفقا لمستوى الايرادات.

وقال وزير التغذية كاي في توماس ان الحكومة وافقت بالاجماع على مرسوم الامن الغذائي موضحا ان النص سيرفع لاحقا الى رئيس الاتحاد الهندي للمصادقة عليه. ويتوقع ان يصدر الرئيس براناب مخرجي مرسوما حول قانون يتعلق بالامن الغذائي الوطني ما يعني انه سيدخل فورا حيز التنفيذ لكن يجب اولا ان يصادق عليه البرلمان بشكل نهائي. وهذا الاجراء الذي سيرفع الفاتورة السنوية للاعانات الى 20 مليار دولار بحسب مسؤولين في الحكومة، في صلب الاستراتيجية الانتخابية لحزب المؤتمر الذي يقود الائتلاف الحكومي.

ودعمت صونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر الوطني هذا البرنامج وشددت على احترام الوعود التي قطعت للناخبين خلال الاقتراع الوطني السابق في 2009 رغم القلق من الاثار على الاموال العامة واسعار السلع الغذائية. وتجرى انتخابات في الهند في النصف الاول من 2014 وتجد حكومة رئيس الوزراء منموهان سينغ نفسها في وضع دقيق بعد سلسلة فضائح فساد ووسط اجواء من التباطؤ الكبير للنمو الاقتصادي. وكان يفترض ان يصادق البرلمان على هذا القانون في شباط/فبراير لكن لم يتم درسه بسبب احتجاجات المعارضة المرتبطة بقضايا الفساد.

وهاجمت احزاب المعارضة الحكومة لفرضها هذا البرنامج بموجب مرسوم معتبرة انه لم يكن هناك مباحثات كافية تتعلق بالاثر على الاسعار والمزارعين الذين سيضطرون لزيادة انتاجهم. ورأت مسؤولة في الحزب الشيوعي بريندا كارات ان النص يتضمن عيوبا كثيرة وان مباحثات حقيقية في البرلمان ضرورية. وارتفعت اسعار المواد الغذائية في الهند في السنوات السبع الماضية ما فاقم مشاكل بلد لا يزال يسعى لتأمين الغذاء اللازم لسكانه الذين يقدر عددهم ب1,2 مليار نسمة رغم نهضته الاقتصادية المتينة منذ حوالى عشرين سنة.

وكانت دراسة نشرت العام الماضي وصف رئيس الوزراء نتائجها بالعار الوطني، اظهرت ان 42% من الاطفال دون الخامسة من العمر يعانون من سوء التغذية وان 58% منهم يواجهون تأخرا في النمو نتيجة سوء التغذية.

لكن هذه الدراسة اظهرت ان هؤلاء الاطفال يعانون اقل من الجوع منه من سوء التغذية بسبب جهل السكان المتعلق بصحة الاطفال وحاجاتهم الغذائية. ويرى منتقدو برنامج المساعدة الغذائية ان الهند لا يمكنها انفاق الملايين على الاعانات في وقت تسجل فيه اضعف نمو اقتصادي خلال 10 سنوات. وفي 2012-2013 سجل اجمالي الناتج الداخلي تقدما ب5% في حين ترى الحكومة انه يجب بلوغ عتبة ال10% لمكافحة الفقر بفعالية. بحسب فرانس برس.

ويحصل السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر اليوم على منتجات مدعومة عبر اكبر نظام توزيع عام في العالم. لكن في الهند برامج المساعدة غير فعالة ويشوبها الفساد. واظهرت دراسة اجرتها لجنة التخطيط في 2005 ان حوالى 58% من الحبوب التي تشتريها الحكومة لا تصل ابدا الى الافراد الذين يفترض ان يستفيدوا منها.

هل يجوع العرب

من جانب اخر سعت الدول العربية منذ بضعة عقود إلى تحقيق الأمن الغذائي اعتماداً على مصادرها الذاتية، في ظل محدودية الأراضي الزراعية وندرة المياه. ولم تسفر جهودها حتى الآن عن إنتاج سلع غذائية كافية لمقابلة الطلب، فظل اعتمادها كبيراً على الواردات الغذائية.

ولقد خضعت الزراعة في الدول العربية لسياسات وممارسات وإجراءات لم تأخذ في الحسبان أن الموارد الطبيعية، كالأراضي الزراعية والمياه، هي ذات قدرة بيولوجية محدودة على تجديد خدماتها سنوياً واستيعاب النفايات الناجمة عن الاستهلاك. وقاد عدم إدراك إقامة التوازن المطلوب إلى إرساء بصمة ثقيلة على الموارد الزراعية الطبيعية، تمثلت في تدهور البيئة بأشكال مختلفة، كتصحر الأراضي الزراعية وانجراف التربة والغدق والتملح واستنزاف المياه الجوفية وتدهور نوعيتها في عدد من الدول العربية.

تشكل الأراضي الزراعية أحد الأنواع الستة من الأراضي المنتجة بيولوجياً، المعتمدة في دراسة البصمة البيئية في الدول العربية التي تضمنها التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لعام 2012. وقد اتضح، استناداً إلى بيانات التقرير، أن البلدان العربية تستهلك منذ عام 1961 من موارد الأراضي الزراعية أكثر بكثير مما تستطيع قدرتها البيولوجية توفيره. وهناك تباينات كبيرة بين هذه البلدان في القدرات البيولوجية لأراضيها الزراعية وفي بصماتها البيئية، إلا أنها جميعاً تعاني من فارق كبير بين القدرة البيولوجية والبصمة البيئية وفق قياسها بمساحة إنتاجية هكتار عالمي للفرد. وقد اتسعت الفجوة بين القدرة البيولوجية الزراعية والبصمة الزراعية في الدول العربية من 0,14 هكتار عالمي للفرد عام 1961 إلى 0,26 هكتار عالمي للفرد عام 2008. وشهدت دول مجلس التعاون الخليجي فرقاً كبيراً بمقدار 0,70 هكتار عالمي للفرد عام 2008، بالمقارنة مع استقرار التوازن تقريباً بين القدرة البيولوجية (0,57 هكتار عالمي للفرد) والبصمة الزراعية (0,59 هكتار عالمي للفرد) في العالم ككل.

وتتطلب المحافظة على الخدمات التي توفرها الموارد الطبيعية حرص المستخدمين على ترشيد استخدام الأراضي والمياه بكميات مدروسة لا تتجاوز حدود التجديد الطبيعي أو القدرة على استيعاب النفايات، أي أن لا تتجاوز البصمة البيئية لبلد ما قدرة الموارد البيولوجية الطبيعية على توفير الموارد المطلوبة. ونظراً للعجز المتفاقم في قدرة الموارد الزراعية، في ظل الاستهلاك المتزايد للموارد الطبيعية ونمو السكان، يعاني قطاع الزراعة في المنطقة العربية حالياً من تفاقم ندرة المياه والتأثيرات المحتملة لتغير المناخ. كما أن متابعة تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي الغذائي بالسياسات والممارسات الزراعية المعتادة نفسها، من دون اعتبار للقيم البيئية، من شأنه تعريض قطاع الزراعة لمزيد من التدهور وعدم الاستدامة.

لذا لا بد للدول العربية من أن تنتهج استراتيجيات زراعية مرتكزة إلى سياسات وممارسات كفيلة باستعادة التوازن بين الطلب على الموارد الزراعية وقدرتها البيولوجية، والمحافظة على ذلك التوازن. وفي إطار هذا النهج، ثمة خيارات عدة متاحة لتحسين الاكتفاء الذاتي من الغذاء. ومن هذه الخيارات تحسين مستوى إنتاجية المحاصيل، ورفع كفاءة الري وإنتاجية المياه، وزيادة الموارد المائية غير التقليدية كمعالجة مياه الصرف الصحي بمستويات مناسبة للزراعة، وحصاد الأمطار، وتطوير الزراعة المطرية، وتعزيز التعاون العربي على أساس الميزة النسبية في الموارد الزراعية، واعتماد مفهوم المياه الافتراضية، فضلاً عن التعاون العربي مع بلدان وأقاليم في العالم النامي تحظى بوفرة من الموارد الزراعية.

وتعتبر الدول العربية من أفقر دول العالم بالمياه الطبيعية المتجددة، بشكل مطلق أو بنصيب الفرد منها، إذ أنها لم تـتـجاوز 840 متراً مكعباً للفرد عام 2011، بالمقـارنة مع المـعدل العالمي وهو 7000 متر مكعب للفرد. وتسـتهلك الزراعة نحو 85 في المئة من إجمالي استـخدامات المياه في المنطقة العربية، وبكفاءة متدنية لا تتجاوز 40 في المئة. كما أن إنتاجية المحاصيل الزراعية، كالحبوب مثلاً بمقدار 1812 كيلوغراماً في الهكتار، تمثل نحو نصف المعدل العالمي الذي بلغ 3568 كـيلوغرامـاً في الهكتـار عام 2010.

وهكذا فإن رفع كفاءة الري وتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية يمثلان أهم الخيارات المتاحة لزيادة إنتاج السلع الغذائية. فإذا ما أخذنا في الاعتبار أن المنطقة العربية تستخدم نحو 218 بليون متر مكعب من المياه للزراعة، فإن رفع كفاءة الري من 40 في المئة إلى 70 في المئة من شأنه توفير نحو 65 بليون متر مكعب من المياه تكفي لإنتاج ما يزيد على 40 مليون طن من الحبوب. كما أن تحسين الإنتاجية إلى مستوى المعدل العالمي يمكن أن يضاعف إنتاج الحبوب ليصل إلى نحو 100 مليون طن. ولذا فإن من شأن تحسين كفاءة الري والإنتاجية معاً تغطية فجوة الحبوب المتوقعة في المنطقة العربية عام 2030. ولكن ما السبيل إلى ذلك؟

والزراعة عملية معقدة، ولا يمكن تحسين كفاءة الري وإنتاجية المحاصيل من دون إجراء البحوث والتجارب اللازمة، ومن دون مزارع يتمتع بالمعرفة الزراعية وتطبيقاتها. وقد بينت تجارب البحوث الزراعية أن التقنيات الزراعية المناسبة تظل قاصرة عن تحقيق الهدف المنشود ما لم تتوافر المعرفة اللازمة لاستخدامها بكفاءة. ومعرفة المزارع بكميات المدخلات الزراعية وأنواعها لا تقل أهمية عن معرفته استخدام تقنيات الري بكفاءة. ولا تقتصر خيارات الأمن الغذائي الذاتي في المنطقة العربية على تحسين كفاءة الري والإنتاجية، بل هنالك خيارات أخرى تتعلق بزيادة الموارد المائية للزراعة، كمعالجة مياه الصرف الصحي بمستويات مناسبة. فاستخدام هذا المصدر المائي لا يزال متدنياً في المنطقة العربية.

وتكمن أهميته في أنه يحقق هدفين معاً، يتمثل أحدهما في المحافظة على البيئة، والآخر في زيادة الموارد المائية المتوافرة للري. وتعتبر الكويت في مقدمة الدول العربية من حيث استغلالها لمياه الصرف الصحي، من خلال إنشاء محطة الصليبية عام 2004، ومعالجة نحو 425 ألف متر مكعب يومياً بمستويات عالية من التقنية. ولا يمكن إغفال حصاد المياه ودوره في زيادة الموارد المائية وتحسين الإنتاجية من خلال الري التكميلي، خصوصاً في فترات الجفاف.

وهنالك المياه الافتراضية التي تعتمد عليها الدول العربية حالياً لسد الفجوة الغذائية، من خلال استيراد السلع التي يتم إنتاجها بموارد مائية خارجية. وهذا الخيار تكتنفه بعض المخاطر وفقاً لما يتعرض له من سياسات إمدادات الغذاء في الدول المصدرة، إلا أنه يظل خياراً قائماً إذا ما توافرت له الظروف الخارجية من دون قيود أو حظر على التـصدير، وقد مارسته بعض الدول أثناء أزمة الغذاء العـالمية فـي السـنوات الأخيرة. وتعتبر المياه الافتراضية خياراً مناسباً للبلدان التي تعاني من شح المياه، إذ يتيح لها فرصة تعزيز الأمن الغذائي باستيراد المنتجات الكثيفة الاستهلاك للمياه، بدلاً من استخدام موارد المياه المحلية لإنتاج سلع غذائية منخفضة القيمة.

وعلى رغم المخاوف في شأن سياسات التجارة الدولية بالمنتجات الزراعية وأبعادها على التطور الزراعي في البلدان المستوردة للأغذية، فإن فوائد المياه الافتراضية لا تقتصر على أنها تعزز آفاق التعاون بين الدول العربية ذاتها على أساس المزايا النسبية في الموارد الزراعية، ولكنها أيضاً تزود واضعي السياسات بأداة لإدارة الموارد المائية مع أخذ الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الحسبان. وفضلاً عن ذلك، يمكن التوسع بخيار المياه الافتراضية ليشمل التعاون بين الدول العربية التي تملك موارد مالية للاستثمار والدول النامية الأخرى التي تحظى بتوافر الموارد الزراعية، وذلك على أساس تبادل المصالح وضمان استدامة التعاون.

وفي ظل محدودية قدرة كل من الدول العربية على تحقيق أمنها الذاتي الغذائي منفردة، فإن التباين في الموارد الزراعية يجعل التكامل بينها خياراً استراتيجياً للأمن الغذائي في المنطقة. وقد أدركت هذه الدول أهمية مثل هذا الخيار، إذ يمثل البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي خطوة مهمة نحو تعميق التعاون العربي في مجال الغذاء.

وباعتبار أن قضية الأمن الغذائي تحيط بها جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية، فليس هناك حل واحد جاهز يمكن تطبيقه بوجه عام، بل أمام البلدان العربية خيارات يمكن تنفيذها بحسب أولوياتها، في ضوء جدواها الفنية والاقتصادية وتأثيراتها الاجتماعية والبيئية وفي إطار من السياسات الصحيحة وأفضل الممارسات الزراعية.

ويتطلب تنفيذ الدول العربية لهذه الخيارات حشد الموارد لتمويل الاستثمارات اللازمة. وسواء كان ذلك من مصادر محلية أو مساعدات تنموية رسمية أو من القطاع الخاص أو مزيجاً من تلك المصادر، فمن الضروري التأكد من أن الاستثمارات مبنية على دراسات جدوى جيدة الإعداد، لا تقتصر على جوانب الإنتاج وحدها بل تشمل التسهيلات الأخرى في سلسلة القيمة المضافة، مثل النقل والتخزين والتسويق والتوزيع، للمحافظة على كمية السلع الغذائية المنتجة ونوعيتها وتفادياً للخسائر الناجمة عن مرحلة ما بعد الحصاد.

وعلى رغم افتقار المنطقة العربية للموارد المائية التي لا غنى عنها لإنتاج الغذاء، إلا أن تعزيز الأمن الغذائي العربي استناداً إلى الموارد الزراعية المتاحة في المنطقة يتطلب في المقام الأول استغلال تلك الموارد في إطار استراتيجية قائمة على التوازن المطلوب بين القدرة البيولوجية والبصمة الزراعية لتلك الموارد، من أجل ضمان الاستدامة الزراعية.

ولكي يتحقق هذا الهدف، لا بد من اتباع سياسات وممارسات وإجراءات زراعية في إطار من القوانين والأنظمة التي تعزز كفاءة استخدام الموارد ورفع إنتاجيتها. وذلك من خلال دعم برامج البحوث الزراعية لاستكشاف أنجع الوسائل في تحقيق الأهداف المنشودة، وتعميم تطبيق نتائجها من قبل المزارعين على أسس من المعرفة التي تؤدي إلى الاستغلال الأمثل للموارد الزراعية والمحافظة على قدرتها على التجديد واستيعاب النفايات.

ونتيجة للمخاوف في شأن قدرة الأرض البيولوجية الآخذة في النضوب والناجمة عن أنماط التنمية الحالية، برزت آراء تؤيد نموذجاً بديلاً عرضه المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في تقريره السنوي لعام 2011 حول الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير. ووفقاً للتقرير، يعطي الاقتصاد الأخضر قيمة لرأس المال الطبيعي، مما يسمح بأخذ الآثار الخارجية للأنشطة البشرية في الاعتبار في عملية اتخاذ القرارات، على أمل تحقيق التنمية الاقتصادية من دون تخطي الحدود الإيكولوجية للأنظمة البيئية أو التأثير سلباً في الأوضاع الاقتصادية، بغية تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويجدر التنويه بأن السعي لتحقيق الأمن الغذائي لا بد من أن يقترن بالعمل على تحقيق أمن التغذية، من خلال تكثيف التوعية في شأن كمية ونوعية الغذاء اللازم للمحافظة على البقاء والصحة العامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/أيلول/2013 - 7/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م