إعاقة اتخاذ إجراءات ضد سوريا تزيد من احتمال شن هجوم على إيران

دينيس روس

 

يركز المعارضون لموافقة الكونغرس على شن هجمات عسكرية ضد سوريا على مجموعة واحدة من المخاوف: الاعتقاد ببساطة أن تكلفة هذا الإجراء مرتفعة جداً وغير مؤكدة. فبالنسبة لهم سوريا غارقة في حرب أهلية، وفيها على ما يبدو عدد قليل من الأناس الطيبين وعدد كبير جداً من الأناس الأشرار. ويرون أن استخدام الأسلحة الكيماوية أمر مريع، ولكن في النهاية هذه ليست مشكلة أمريكية - إلا إذا جعلتها الولايات المتحدة، بالطبع، مشكلتها وتقرر الرد عليها عسكرياً. وإذا قامت بذلك، فهم يرون أنه بمجرد استخدام واشنطن للقوة فثمة منحدر زلِق سوف يجرها إليه حتماً، الأمر الذي سيؤدي إلى دخولها في صراع لا يمكنها الفوز فيه. وتُظهر الاستطلاعات أن الرأي العام الأمريكي يتخذ الحذر ويشعر بإحساس الإرهاق والخوف من أي تورط آخر في صراعات الشرق الأوسط، في أعقاب الحرب في العراق وأفغانستان اللتان كلفتا واشنطن الكثير من الدم والمال.

إن الحذر هو أمر مفهوم، لكنه لا يجعل تكلفة التراخي أقل بأي حال. ويبدو أن المعارضين في الكونغرس، الذين يمكن ايجادهم في كلا الحزبين، يشعرون على ما يبدو وبكل بساطة أنه إذا لم تتحرك واشنطن فلن تتكبد أي تكلفة. وقد أشار الرئيس الأمريكي أوباما ووزير الخارجية كيري إلى أنه سوف تكون هناك تكلفة كبيرة على المعايير الدولية التي تحرم استخدام أسلحة الإرهاب كالأسلحة الكيميائية. وبالتأكيد هما على حق أنه إذا ضرب بشار الأسد شعبه بالغاز ولم يكن جزاؤه سوى كلمات قاسية دون اتخاذ إجراء عقابي فسوف يستخدم هذه الأسلحة مرة أخرى. وبالتأكيد سوف تكون التكلفة في سوريا واحتمال انتشار العمليات القتالية في المنطقة مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، ربما يخلص الأوغاد من العناصر الفاعلة الأخرى إلى أنه لا يمكن استخدام الأسلحة الكيماوية فحسب بل أنه ليس هناك حوادث ولا انتهاكات ولا إبادات جماعية من شأنها أن تستدعي اتخاذ إجراء ذا معنى من قبل من يُسمون بالعالم المتحضر.

لكن بالنسبة لمعارضي الموافقة، يجري تصوير هذه الأقوال على أنها أفكار تجريدية. إن التهديدات الآنية التي تؤثر على الولايات المتحدة بشكل مباشر هي الوحيدة التي تستدعي ضربات عسكرية أمريكية. وإذا نحينا جانباً القول بأنه عندما تصبح التهديدات آنية، فمن المرجح جداً أن تستخدم الولايات المتحدة قوتها العسكرية بطريقة أكبر وتحت ظروف أسوأ؛ وهناك قول آخر يتعين النظر فيه ومفاده أنه: إذا أعاق المعارضون هذه الموافقة وإذا شعر الرئيس بدوره أنه لا يستطيع اللجوء لشن ضربات عسكرية ضد سوريا، فيكاد يكون من المؤكد أن ذلك سيضمن عدم التوصل إلى حل دبلوماسي لصراع الولايات المتحدة مع إيران حول أسلحتها النووية.

أقول هذا لسببين. الأول: إن موقف الرئيس الإيراني روحاني، الذي يستمر في إرسال إشارات بأنه يريد أن يتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج بلاده النووي، سوف يضعف بلا ريب حالما يتضح عدم قدرة الولايات المتحدة على استخدام القوة ضد سوريا. وفي تلك المرحلة، ومن المفارقات أنه سوف يكون بإمكان المتشددين في "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني الزعم بأنه لن تكون لمتابعة السير لامتلاك أسلحة نووية سوى تكلفة اقتصادية دون وجود خطر عسكري. وسوف يكون قولهم إنه: بمجرد امتلاك إيران لأسلحة نووية، فسوف تبني نفوذها في المنطقة، وتتعزز قدراتها الرادعة، والأهم من ذلك سوف ترى بقية دول العالم أن هذه العقوبات قد فشلت وأنه حان الوقت للتوصل إلى تفاهم مع إيران.

وفي ظل هذه الظروف، سوف تنزوي العقوبات. فما عسى روحاني أن يقول؟ أن المخاطرة كبيرة جداً؟ أن التكاليف الاقتصادية يمكن أن تهدد استقرار النظام؟ قد يكون لهذه الأقوال اليوم بعض الأثر على آية الله علي خامنئي، وتحديداً لأن هناك أيضاً تهديد بأن جميع خيارات الولايات المتحدة مطروحة على الطاولة وأن الرئيس الأمريكي قد قال بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية. فإذا مُنع من استخدام القوة ضد سوريا، فسوف يتضح أن جميع الخيارات ليست مطروحة على الطاولة وأنه بغض النظر عما تقوله واشنطن فإنها مستعدة لقبول إيران مع أسلحة نووية.

ومع ذلك، نجد إسرائيل غير مستعدة لقبول مثل هذا الاحتمال، وهذا هو السبب الثاني وهو أنه إذا لم تتم الموافقة على شن ضربات ضد سوريا فسوف يؤدي ذلك على الأرجح إلى استخدام القوة ضد إيران. وفي الواقع، سوف تشعر إسرائيل بأنه ليس هناك ما يدعو إلى الانتظار ولا سبب يسوغ إعطاء الدبلوماسية أي فرصة ولا دافع للاعتقاد بأن الولايات المتحدة سوف تولي اهتماماً بهذه المشكلة. ويرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن امتلاك إيران لأسلحة نووية يمثل تهديداً وجودياً، ووفقاً لوجهة نظره يتعين عليه ألا يسمح بحدوث محرقة ثانية للشعب اليهودي. وطالما يرى أن الرئيس أوباما مصمم على التعامل مع التهديد الإيراني، فإنه يستطيع أن يمنح الولايات المتحدة مبرراً للتأجيل. وسوف ينتهي ذلك عما قريب إذا حصل المعارضون على ما يبغونه بشأن سوريا.

ومما يدعو للسخرية أنه إذا نجح هؤلاء المعارضون فقد يمنعون صراعاً كان الرئيس أوباما قد عزم على أن يجعله محدوداً، ولديه الوسائل للقيام بذلك. وفي النهاية فإنه حتى بعد استخدام إسرائيل للقوة [سابقاً] لفرض خطها الأحمر ومنع قيام سوريا بنقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله» في لبنان، فإن الأسد وإيران و «حزب الله» قد بقوا حذرين وتجنبوا الرد. فلم يكن لديهم سوى النذر اليسير من الاهتمام بإثارة هجمات من إسرائيل التي من شأنها إضعاف القوات السورية وجعلها في مرمى نيران المعارضة.

أما بالنسبة لجميع الكلام المتشدد حول ما يمكن حدوثه في حال ضرب الولايات المتحدة أهدافاً في سوريا، فإن مصلحة سوريا وإيران في التصعيد مع الولايات المتحدة هي أيضاً محدودة. هل يمكن قول الشيء نفسه إذا شعرت إسرائيل بأنه ليس لديها أي خيار سوى شن هجوم على البنية التحتية النووية الإيرانية؟ ربما يسعى الإيرانيون لجعل ذلك الصراع محدوداً؛ وربما لا. ربما لا تستلزم ضربة إسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني بالضرورة مشاركة الولايات المتحدة، ولكن ربما تستلزم مشاركتها - وربما ينبغي ذلك.

إن لم يكن هناك شيء آخر، فقد حان الوقت لأن نسأل معارضي الموافقة على شن هجمات في سوريا فيما إذا كانوا يشعرون بالارتياح من موقف، من المرجح كثيراً أن يستبعد أي حل دبلوماسي بشأن البرنامج النووي الإيراني. فحتى من وجهة نظرهم، قد لا تظهر تكلفة التراخي عندئذ منخفضة جداً.

* دينيس روس هو مستشار لسياسة الشرق الأدنى في معهد واشنطن، وكان أحد كبار مستشاري الرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط بين 2009-2011 .

http://www.washingtoninstitute.org/

.....................................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/أيلول/2013 - 7/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م