فيزا إلى الجنة

محمد خليل كيطان

 

الاختيار جزء من الحرية، ولكنه غير متاح في كثير من الاحيان، فقد يختار المرء ملابسه أو شريك حياته أو رقم سيارته اذا كان زوجيا أم فرديا، ولكنه لا يستطيع أن يختار أمه وأبيه ووطنه، وقد يفرض عليه الظرف العيش في وطن لا تربطه به أية صلات، ويُجبر ايضا على إمتهان عمل أو مهنة يكرهها وغير مقتنع بها بتاتاً.

والانسان بطبعه ميال الى حب الجمال والمتعة، واللهو والطبيعة الخلابة، والراحة والسلام ولذيذ الطعام والشراب.. وجميعنا عندما نشاهد شيئاً جميلاً أو أمرأة فاتنة نفغر افواهنا، ونقول " الله".

 والحق ان معظم الناس يمقتون مهنهم، ولكنهم يمارسونها من مضض، اما الذين يتشدقون ويقولون نحن نحب العمل والكد والجري وراء لقمة العيش، قد يكونون يكذبون الى حد ما، لأنهم لا يرغبون بالعمل لذاته بوصفه نوع من العبودية اصلا، غير انهم قطعا يجدون متعة أخرى تدعوهم لعشق عملهم وتشبع شيئا من حاجاتهم، مثل المال أو الشهرة أو السلطة أو سد الجوع أو ارضاء الاهواء والغرائز والرغبات.. وقد يكون الامر متعلقا بالوجوه الحسنة لزميلات العمل الغنجات، أو السفر والابتعاد عن أجواء الملل، والرتابة والهرب من مسلسل التفجيرات البغدادية المتتابعة للسيارات المفخخة، التي اخذت تكرر في الاسبوع مرتين أو ثلاث مسجلة نجاحات عزرائلية ملفتة، من دون ان ينجح احد في مجابهتها أو تحمل مسؤوليتها في الاقل.

 اما اذا كنت من اصحاب الجوازات الحمر، كموظف كبير في وزارة الخارجية مثلا أو وزير أو وكيل وزارة أو حتى ولو عضو برلمان، فمؤكد انك ستحب عملك بشغف لانه يوفر لك المال والشهرة والسلطة والزوجة الرابعة، ويقصّر عليك طريق الحصول على فيزا لكثير من البلدان العربية والاوربية وغير الاوربية، ما عدا الولايات المتحدة الامريكية فان فيزتها لا تفرق كثيرا بين وزير وفقير، وهي لا تختلف عن فيزا الدخول الى الجنة مثلما وصفها احد الاصدقاء الذي حاول عبثا الوصول الى امريكا لزيارة اخيه العراقي سابقا والامريكي حاليا.

ويبدو ان غضب صديقي تجاه الامريكان، الذين رفضوا ادخاله لبلدهم أنساه أن فيزا الدخول الى الجنة عندنا في العراق لا تحتاج سوى أن تتواجد في المكان والزمان الصح، بالنسبة للارهابيين النشطين، والمكان والزمان الخطأ، بالنسبة لاهلك المساكين.

وفي العموم يتعب الكثيرون أسراً وافراداً في تحقيق حلم الوصول الى أمريكا، وتفتح السفارة الامريكية ببغداد ابوابها أمام العراقيين منذ السابعة صباحا، ويقاسي الاشخاص في الوصول اليها داخل المنطقة الخضراء بعد تفتيشات باشكال والوان مختلفة، وتستغرق العملية بمجملها النهار بطوله.

وحالما تبدأ المقابلة تنهال عليك الاسئلة الذكية والغبية كالمطر.. ويطول جلوسك أمام المسؤول الامني الذي يحاول بمختلف الطرق والوسائل إكتشاف داوخلك، والغوص في اعماقك، ثم يوقع بك اخيرا بسؤال مفاجئ يكتشف من خلاله انك تبيت النية للالتصاق في احدى الولايات الامريكية.. ولن تعود الى العراق ابدا، فيضطر الى اخبارك بلطف شديد انك "مرفوض".

أن حال صديقي هذا وإنزعاجه لا يكاد أن يقارن ابداً بما يقاسيه ويواجهه الكثير من الاسر العراقية، التي تنتظر في بعض البلدان التي يطلق عليها "محطات الهجرة" كتركيا مثلا، سعيا للحصول على موافقة مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة لتوطينهم في أمريكا أو كندا أو استراليا أو حتى في احد القطبين المنجمدين الجنوبي والشمالي.

أنهم يواجهون مأساة كبيرة، لا سيما وان اغلبهم باعوا حالهم ومالهم في العراق، وهم يقطنون في قرى بعيدة عن اسطنبول، في مسعى للاقتصاد بمصاريف السكن والطعام، وعادة ما يتعرضون للابتزاز ويقعون في فخاخ المهربين والنصابين.

أما الطامة الكبرى التي تقع على رؤوسهم تتمثل بعد انتظار وقلق وحرق اعصاب يأتيهم القرار بالرفض، ما يضطر السلطات الى طردهم من تركيا واجبارهم للعودة الى العراق، وكل ذلك بسبب خطأ بسيط يأتي من عدم تطابق في الاجابات عن الاسئلة خلال سلسلة المقابلات الكثيرة التي تجريها اللجان في اوقات متباعدة ما يجعل اجاباتهم غير مقنعة وتبريرات هروبهم من جحيم العراق والحصول على فيزا الى الجنة غير مقبولة اطلاقاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/أيلول/2013 - 5/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م