سوريا تدخل أوباما في عزلة غير مسبوقة ورئاسته على المحك

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تبددت جهود أوباما وفريقه في حشد رأي عام مؤيد لشن حرب على سوريا، على الرغم من تراجعه التدريجي عن طبيعة تلك الحرب ومحاولاته التقليل من اهميتها العسكرية والسياسية، مؤكدا على ان مشروعة الحربي لا يمثل تهديدا جديا على حكومة الاسد، بل انها ستمثل ضربة سريعة لبعض المنشآت السورية كرسالة غضب على استخدام الجيش السوري للأسلحة المحرمة تحفظ ماء وجه الدول الغربية المناهضة للأسد.

الا ان الرياح سارت بما لا يشتهيه ربان البيت الابيض جملة وتفصيلا، حتى بات يشكو عزلة غير مسبوقة ورفضا قاطعا لأي تورط عسكري امريكي في الشأن السوري، اذ كشفت الاحداث عن تخلي حلفاء أوباما عن عهودهم وتراجع الدعم السياسي داخليا وخارجيا بعد جملة من التطورات الميدانية في سوريا الى وما حولها، وبروز تهديدات خطيرة قد تعود بالضرر الفادح في حال هوجمت سوريا عسكريا.

اذا ن جهود البيت الابيض لإقناع الكونجرس الامريكي بتأييد القيام بعمل عسكري ضد سوريا لم تفشل فحسب بل زادت المعارضة صلابة، كان هذا هو التقييم مؤخرا.. ليس من جانب خصم وانما من جانب مؤيد جمهوري قديم ومتحمس لخطة الرئيس باراك أوباما لمهاجمة سوريا هو مايك روجرز رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب. وقال روجرز إن البيت الأبيض خلق "فوضى مربكة" في المسألة السورية. وأضاف "إنني متشكك شخصيا".

وفي الوقت الذي عقد الكونجرس الأمريكي جلسة بكامل أعضائه للمرة الاولى منذ عطلة أغسطس اب، بحث بعض الاعضاء الديمقراطيين الذين يعارضون توجيه ضربة عسكرية عن وسيلة لانقاذ ادارة الرئيس المنتمي لحزبهم الديمقراطي من الاثار المترتبة على التصويت "بلا" في الكونجرس.

واقترح النائب جيم ماكجفرن عن ولاية ماساتشوستس ان يسحب الرئيس طلبه قبل ان يرفضه الكونجرس قائلا في برنامج (حالة الاتحاد) بشبكة سي.إن.إن. انه لا يوجد تأييد كاف لهذا الطلب في المجلس التشريعي.

ولا توجد مؤشرات على ان أوباما قد يفكر في هذا وانما ظهرت تكهنات بشأن امكانية ان ترجيء الادارة اجراء تصويت في الكونجرس حين لم يستبعد وزير الخارجية الامريكي جون كيري وهو يتحدث في باريس عقب اجتماع مع وزراء خارجية عرب العودة الى مجلس الأمن التابع للامم المتحدة لتأمين الحصول على قرار بشأن سوريا.

ووفقا لاحصاء أجرته صحيفة واشنطن بوست ابدى ربع أعضاء مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو وأقل من 25 عضوا من مجلس النواب المكون من 435 عضوا استعدادا للموافقة على طلب أوباما في تصريحات مسجلة. والاعضاء المسجلون على انهم يعارضون طلب أوباما هم 17 عضوا بمجلس الشيوخ و111 عضوا في مجلس النواب.

ووصف زعماء الحزبين الديمقراطي والجمهوري موضوع سوريا بأنه "تصويت يرجع لضمير العضو" وليس عرضة للضغوط المعتادة للالتزام بسياسة الحزب. وعلى سبيل المثال لم توجه نانسي بيلوسي زعيمة الاقلية الديمقراطية في مجلس النواب نداء شخصيا من أجل التصويت بنعم في أي من الرسائل النصية التي بعثت بها لزملائها الديمقراطيين.

وروجرز ضمن آخرين يرون ان اوباما أخطأ بعدم البدء منذ شهور لبناء تأييد في الكونجرس ولدى الرأي العام الامريكي بشأن سوريا. وقال روجرز "ليس لديهم علاقات قوية في الكونجرس الآن - وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لهم." وأضاف "أعتقد انه من الواضح تماما انه فقد التأييد." وأضاف روجرز في تحليله لنقص تأييد الرأي العام قائلا "يوجد قائد عام متردد باديء ذي بدء .. يحاول ان يخرج على الشعب الامريكي ويقول .. سوف أفعل شيئا لكنني لن أفعل الكثير. انهم غير واثقين بشأن ما نحاول عمله بالضبط."

الى ذلك بات حديث الجميع في واشنطن عدا الرئيس باراك أوباما... فالكل يتحدث عن مستقبل رئاسته الذي قد يكون على المحك عندما يصوت الكونجرس على طلب إدارته استخدام القوة العسكرية في سوريا.

والهزيمة التي أضحت احتمالا كبيرا قد تعرقل جهود أوباما في إدارة الشؤون الخارجية والداخلية خاصة إذا ساهم زملاؤه الديمقراطيون في هذه الهزيمة.

تلك الهزيمة ستضر بالرئيس الأمريكي في فترة حرجة لا يواجه فيها سوريا فحسب بل أيضا الأنشطة النووية لإيران وكوريا الشمالية وجولة أخرى من المعارك مع الجمهوريين بخصوص القضايا المالية ومشروع قانون بشأن الهجرة فضلا عن معركة قد تكون شاقة لترشيح الرئيس الجديد لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي).

وقال ديفيد روثكوبف المسؤول السابق بإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والذي يرأس الآن شركة جارتن روثكوبف العالمية للخدمات الاستشارية إن تصويت الكونجرس بالرفض سيكون "كارثيا" لأوباما. وأضاف روثكوبف "ذلك سيؤكد الصورة المعروفة عنه باعتباره بطة عرجاء... سيبدو عليه الوهن ومن المستبعد أن يحقق الكثير أثناء الفترة المتبقية من ولايته."

وقال جورج إدواردز خبير الشؤون الرئاسية بجامعة إيه آند إم في تكساس "أعتقد أن التصويت بالرفض سيمثل صفعة قوية للرئيس... يبدو أنه سيكبل يديه."

وسيقع ضرر أكبر على أوباما إذا صوت كثير من الديمقراطيين - أعضاء حزبه - برفض طلبه وهو ما يبدو مرجحا في الوقت الراهن.

ويعلم رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر بصورة خاصة عواقب تضاؤل أنصار أي زعيم. فخلال مواجهة الهاوية المالية في ديسمبر كانون الأول أحبط زملاؤه الجمهوريون في المجلس اقتراحا كان يعتقد أنه قد يساعد على حل الخلاف بخصوص زيادة الضرائب والخفض التلقائي الكبير للإنفاق. وبعد ذلك تراجع بينر في المواجهات مع أوباما لأسباب منها أنه لم يعد قادرا على التحدث باسم حزبه في مجلس النواب.

ومن المقرر أن يواجه أوباما تحديا صعبا في أكتوبر تشرين الأول عندما يجابه مطالب من الجمهوريين بخفض الإنفاق مقابل زيادة حد الإقراض للبلاد أو سقف الدين.

ويواجه الرئيس الأمريكي معركة أخرى محتملة إذا رشح لاري سامرز -الذي تردد أنه مرشحه المفضل حاليا - لخلافة بن برنانكي في مجلس الاحتياطي الاتحادي بعد انتهاء فترة ولايته في 31 يناير كانون الثاني. وقال البيت الأبيض إن من المتوقع الإعلان عن خليفة برنانكي في الخريف.

ولعل ما يتعرض للخطر على الصعيد المحلي في التصويت على ضرب سوريا هو "رأس المال السياسي" للرئيس أو ذلك النفوذ الذي يكتسبه الرؤساء مع كل انتصار أو يفقدونه مع كل هزيمة خاصة إذا كانوا جزءا من القضية.

ورأس المال السياسي شيء لا يمكن قياسه والتأثير الواقع على القضايا الداخلية محل تكهنات. ولكن الأكثر وضوحا هو تأثير الهزيمة على أوباما على الساحة الدولية بعيدا عن سوريا.

وقال مسؤول أمريكي إن التصويت على ضرب سوريا بالنسبة لأوباما وفريقه الخاص بالأمن القومي يمثل في الحقيقة رغبة في التحقق أكثر مما إذا كان بإمكانهم التعويل على الكونجرس في حال تأججت المواجهة النووية مع إيران إلى حد يستلزم التحرك أو اذا ما صعدت كوريا الشمالية من استفزازاتها إلى مستويات جديدة.

ولا شك أن الجمهوريين سيستغلون الهزيمة لصالحهم. فمن بين الانتقادات الرئيسية التي يوجهها الجمهوريون لأوباما أنه زعيم ضعيف وإسهام المشرعين الديمقراطيين في التصويت بالرفض سيعزز رؤية الجمهوريين في الوقت الذي تستعد فيه الإدارة لخوض المعارك المالية في الخريف.

وبينما سعت الإدارة إلى فصل القضية عن شخص أوباما تظل المخاطر التي تحدق برئاسته محل اعتبار لدى كثير من الديمقراطيين في الكونجرس وهم يفكرون في قرارهم بشأن التصويت.

وفي مسعى لتدارك ما وقع به باراك اوباما قال لمواطنيه الذين اعيتهم الحرب إنه ينبغي لبلاده توجيه ضربة عسكرية محدودة لمنع سوريا من شن هجمات بالأسلحة الكيماوية في المستقبل مضيفا انه لا يريد ان يخوض حربا طويلة ومكلفة اخرى.

وقال اوباما في كلمته الاسبوعية على الراديو والانترنت في اشارة الى سوريا "لن تكون العراق او افغانستان اخرى" ليطرح مبكرا الحجج التي سيسوقها لشن هجوم على سوريا في كلمة تذاع على شاشات التلفزيون.

وأظهر استطلاع اجرته رويترز/ابسوس ان 56 بالمئة من الامريكيين يعتقدون ان الولايات المتحدة ينبغي الا تتدخل بينما يساند 19 بالمئة فقط العمل العسكري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/أيلول/2013 - 4/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م