الموت لا يوجع الموتى!

زاهر الزبيدي

 

نعم، الموت لا يوجع الموتى.. الموت يوجع الأحياء.. كما قالها محمود درويش.. فقد أوجعنا ويوجعنا كثيراً أن تباد عوائل عراقية عن بكرة أبيها.. فبين الحين والآخر تطل جريمة إرهابية بشعة برأسها القذر فوق منازل أهلنا العراقيين لتذبح من تذبح منهم وتفجر الآخرين تحت أنقاض بيوتهم التي من المفترض أن تكون آمنة بعد عدة سنوات من الحرب على الإرهاب والتكفير.

ففي أحدى المصائب تلك ؛ أبيدت عائلتان من العوائل العراقية في مدينة من مدن العراق، عائلتان لشقيقين قتلا مع نسائهم وأطفالهم.. كانت العجلة محملة بالكثير من التوابيت وهي تقف عند ابواب الطب العدلي لإستلام الجثث، أو ما تبقى منها، تلك التي سحقتها يد الإرهاب.

ومع وجعنا هذا كله ونحن نرى أبناء وطننا يتعرضون لتلك الهجمة الإرهابية البشعة ومن كل الطوائف؛ ما هو الإجراء الحكومي للرد على تلك الجرائم؟ فليس من المعقول أن نترك ذويهم يعيشون آلام الفقدان والإحساس بحرمانهم من ذويهم ليتعاظم في صدورهم الحقد الأعمى على الجميع ويكبر مقتهم للحياة حتى.. نتركهم بلا قصاص عادل بعيداً عن مسميات الثأر الذي يشحن نفوس عذبها الحقد الأعمى وصبغتها ألوان الطائفية بأقبح الألوان.

ومن جانب آخر، فالعراقيون ملوا وسئموا حياتهم من مسلسل الإستهداف المبرمج هذا دون أدنى حدود من الإجراءات الوقائية من حصوله.. فليس من المعقول أن كل العقول في المؤسسات الأمنية غير قادرة على إيقافه وللأبد أو الوقوف على مسبباته بجدية بالغة ومحاولة تفكيك تلك المسببات بطريقة تتناسب وهول الصدمات التي تواجه ابريائنا والجميع يعرف إن الإستراتيجية التي نواجهها لقتل شعبنا تستند الى عنوان الإبادة الشاملة بلا أدنى شعور بالإنسانية ومواجهتها بحرفية بالغة تعني لنا الكثير اليوم، فما يحدث هو الدليل القاطع أننا وعلى الرغم كل أعمال مصالحتنا لم نصل الى المستوى الذي يطمح إليه أبناء الشعب ولم نتمكن أيضاً من التخفيف من حدة الطائفية المقيتة التي أصبحت اليوم تحاول أن تغرس لها جذور بقوة وسط أهلنا في كل مكان.

ففي الوقت الذي نحاول فيه أن نمدّ شريان صغير للسعادة الى جسد حياتنا المتخمة بالبؤس ؛ ينقض علينا خبر يقطع هذا الشريان عن موت قريب أو صديق أو إستشهاد بعض زمر الشهداء من العراقيين ممن ينتظرون الدور لملاقاة رب رحيم كريم، لنعود بعدها نحاول أن ننسج أسباب، حتى لو كانت حلم، لسعادة مقبلة وأيام مفعمة بها ولكنها ليست سوى وهم كبير.

لقد تم إنتهاك حرمة بيوت عدة على مساحة الوطن وقتلت عوائل بأكملها ذبحاً أو بكواتم الصوت والعملية مستمرة نفجع بها بين الحين والآخر.. ناهيك عن إختلاط العمليات الإرهابية بالقضايا الجرمية بدوافع القتل والسرقة ولم نعد معها قادرين على السيطرة على القتل المتبادل بين الطوائف الذي يحاول البعض تأجيجه طمعاً في حدوث خلل أمني كبير تنفذ منه مافيات إرهابية قوية للسيطرة على الوضع في العراق.. الجميع يعلمها ومصادر تمويلها.. معها نحن بحاجة الى المقاومة بأعنف الطرق القانونية محلياً ودولياً.. نحن بحاجة الى عمل سريع وقوي.. وإلا فأن التتار قادمون مجدداً الى أرض العراق.

أين تذهب اليوم؟

كانت الصحف في الزمن الغابر تحتوي على باب دائما ما يوضع في الصفحة ما قبل الأخيرة عنوانه "أين تذهب اليوم" تستعرض لك فيه الأماكن التي من الممكن أن تذهب لها اليوم منذ الصباح وحتى المساء.. متاحف ومعارض ومسارح ومدن ألعاب ومتنزهات وقاعات موسيقية تعزف السمفونيات العالمية وأخرى للفنون الشعبية ودور سينما.. كل تلك الأماكن تفتح أبوابها لتقديم أمسيات حلوة أو نهارات الجميلة يرتادها العراقيون مصطحبين معهم عوائلهم وضيوفهم المحليين ومن دول الجوار ممن كانت زيارة بغداد بالنسبة لهم حلم جميل يراودهم دائماً.

واليوم.. الزمن الصعب الذي يعيشه العراقيون لم نجد فيه فسحات من الوقت لإرتياد تلك الماكن بعدما منعتنا العمليات الإرهابية النهارية والليلية من أن نذهب مع عوائلنا لتلك المناطق وبعدما اضحى ضيوفنا من خارج العراق يأتون للقاءنا فقط وليس لهم طموح أو أمنية في أن يزوروا تلك المناطق بعدما تعرض أمن البلد ومناطقه السياحية للتهديد المستمر من قبل المجاميع الإرهابية التي تستهدف حتى مناطق لهو الأطفال بموتها المحتوم ومن جانب آخر فلا جديد اليوم على مستوى الترفيه يتناسب وما حظيت به بعد شعوب العالم والبلدان المجاورة من تقنيات وتنوع فيها.

لقد تبدلت الأيام كثيراً ولم يعد لها طعم وجدول يومنا مزحم جداً بعدما إنقضّت عليه السيطرات الأمنية والزحامات المروية لتقتله، إضافة لمصاعب الحياة ومشقتها في الحصول على إيرادات تتناسب مع متطلبات الحياة اليومية المتزايدة بشكل سريع وللوقوف بوجه التضخم الكبير في الوطن، وحتى تلك الزيارات التي نصل بها أرحامنا أصبحت أحدى أهم مشاكلنا ونحن نرقب شوارعنا الموبوءة بالموت والخوف من المجهول، حتى لأصبح المكوث في بيوتنا هو جل غاياتنا لإكتساب الهدوء من الشوارع الموبوءة بالضجيج.

جدول يومنا لهذا المساء أغلبه لحضور المآتم ومراسم العزاء لبعض الأحبة ممن فقدوا حياتهم وتركوا في قلوبنا حسرة على فقدانهم.. أو لزيارة مريض يرقد بعناية الله في أحد مستشفياتنا أو للمشاركة في حفل زفاف يحيطه الخوف من كل مكان من أن ينقض إنتحاري ليقتل أصحاب الزفاف وحتى العروسين.. فنحن حتى في مراسم زفافنا وعزاءنا مهددون في أن يمعن الإرهابيون في قتلنا.

مشاكلنا كلها لم تكن وليدة اللحظة فنحن مأزومون منذ عقود طويلة من الزمن.. ثورات وإنقلابات وحروب وقتال.. ولكن تأثيراتها متفاوتة أصعبها ما نواجهه اليوم ونحن نمر بمخاض عسير جداً على امل ولادة مستقبل الحرية والأمن الجميل.. فأين ستذهب أنت اليوم.. حفظك الله.

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/أيلول/2013 - 4/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م