قمة مجموعة العشرين... الأزمة السورية تتصدر الاولويات وتفاقم الانقسامات

 

شبكة النبأ: خيمت الأزمة السورية على قمة مجموعة العشرين المنعقدة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية فاحجب الملفات الاقتصادية التي هي أساس جدول هذه القمة التي تجمع كبار قادة العالم، حيث تشكلت مجموعة العشرين لتكون منتدى للمناقشات الاقتصادية والمالية،  لكن الازمة السورية المتفاقمة طغت على هذا الجانب في هذه القمة، وكان من المؤمل ان تكون فرصة لاستثمارها في ايجاد حل لازمة سوريا، لكن ما حدث العكس فقد برهنت هذه القمة الاخيرة على مدى الانقسامات الدولية المصحوبة بأجندات عارية بشأن سوريا، فقد حاولت الدول المؤيدة والمناهضة لضربة عسكرية ضد سوريا حشد التأييد خلال هذه القمة العالمية.

حيث رأى الكثير من المحللين انه كان واضحا التوتر الدبلوماسي بين قادة تلك الدول خصوصا في الملف السوري، وعلى رأسهم الرئيس الروسي بوتين والرئيس الامريكي اوباما فلم يتنازل أحدهما الى الاخر كون هذا الملف يثير خلافات دبلوماسية كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، اذ ان موسكو تدعم حليفها الرئيس السوري بشار الاسد في مواجهة اي خيار عسكري أمريكي، فكلهما بقيا متشبثين بمواقفهما، في تجسيد للانقسام العمودي الذي تعانيه مجموعة العشرين ما يثير توترا دبلوماسيا متزايدا.

وبدورها انقسمت الدول الاعضاء في مجموعة العشرين الى مجموعتين في قمة اتسمت بالتوتر بين المشاركين فيها على خلفية الخلافات بشأن الضربة الغربية المحتملة على سوريا، ما طغى على النقاشات الاقتصادية التي عادة ما تطبع اجتماعات المجموعة، ومن المتوقع استمرار تداعيات هذا الكباش العالمي حول سوريا، فلم يستطيعوا تخطي خلافاتهم حيال تدخل عسكري محتمل في سوريا خصوصا في ظل التباعد بين الرئيسين الامريكي والروسي في هذه القضية الساخنة سياسيا.

في حين رأى بعض المراقبين ان المشاركين الرئيسيين في قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها سان بطرسبورغ سيبذلون قصارى جهدهم لتسريع انعقاد مؤتمر جنيف-2 لارساء السلام في سوريا، وذلك رغم الاستعدادات العسكرية الجارية بقيادة الولايات المتحدة لتوجيه ضربة لهذا البلد.

وعليه تضفي المعطيات آنفة الذكر أن المجتمع الدولي فشل بايجاد حل سياسي للنزاع السوري وتصاعد التوتر الدبلوماسي والسياسي بين الدول المؤيدة والمناهضة لضربة عسكرية ضد سوريا حيث أبدت قمة سان بطرسبورغ الروسية سعة هوة الخلاف حول سوريا بين اطراف الخصام، لتبقى هذه الازمة في حالة تفاقم مستمر، سيما وان مخاطر توجيه هذه الضربة بات وشيكا لكنه قد يؤدي لانفجار الوضع الامني في الشرق الاوسط، وربما تصبح تهديدا للسلام الشامل والامن على نطاق المنطقة او ربما اوسع من ذلك.

انقسامات حيال الملف السوري

في سياق متصل دخل قادة دول مجموعة العشرين في صلب المناقشات المتعلقة بالنزاع السوري، بشكل رسمي خلال مأدبة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية الا انهم لم يستطيعوا تخطي خلافاتهم حيال تدخل عسكري محتمل في سوريا خصوصا في ظل التباعد بين الرئيسين الامريكي والروسي في هذه القضية، وكتب رئيس الوزراء الايطالي انريكو ليتا، وهو من معارضي التدخل العسكري في سوريا، على حسابه في موقع تويتر ان العشاء “اكد الانقسامات بشأن سوريا”.

ومنذ الافتتاح الرسمي للقمة، اقترح الرئيس بوتين ادراج النزاع في سوريا على جدول اعمال الذي يخصص عادة للمسائل الاقتصادية، لكنه بات يهيمن عليه اليوم التوتر الدبلوماسي خصوصا في الملف السوري، وبحسب مصدر دبلوماسي فرنسي، فإن القادة الذين تحدثوا خلال مأدبة العشاء قاموا بذلك مداورة لعرض وجهات نظر بلدانهم، “اذ ان الهدف يكمن في تبادل وجهات النظر بين كبار قادة العالم وليس التوصل الى اتفاق”. وكان اوباما الذي اجرى لقاء ثنائيا مع الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، اخر الواصلين الى مأدبة العشاء اذ لم يشارك في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان “قمة مجموعة العشرين هذه يهيمن عليها ما يجري على المستوى الدولي، وبالتالي الازمة السورية”، والتقى هولاند رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المؤيد لتوجيه ضربات قاسية للنظام السوري بهدف اطاحته. وعززت تركيا قواتها على الحدود مع سوريا تحسبا، لكن على الرغم من الابتسامات امام المصورين، يواجه مؤيدو التدخل العسكري رفض الصين وكذلك روسيا حليفة سوريا، واعلن الناطق باسم الوفد الصيني كين غانغ ان “الوضع الحالي يظهر ان الحل السياسي هو الطريق الوحيد” الممكن لحل الازمة، واضاف ان “الصين تعارض استخدام اسلحة كيميائية من اي جهة كان” وان “نتائج تحقيق” الامم المتحدة حول استخدام هذه الاسلحة الكيميائية “ستشكل الاساس للخطوة المقبلة” حول هذا الملف، ومع تصاعد لهجة التهديد والوعيد، عبرت ثلاث سفن حربية روسية مضيق البوسفور التركي متجهة الى شرقي المتوسط مقابل السواحل السورية.

وتصدرت سفينة الحرب الالكترونية اس اس في-201 “بريازوفيي” المجموعة التي شملت كذلك سفينتي الانزال “مينسك” و”نوفوتشيركاسك”، في عبور المضيق الذي يقسم مدينة اسطنبول التركية الكبرى، بحسب مصور فرانس برس. وفي نيويورك، اتهمت سفيرة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة سامنتا باو روسيا بانها تاخذ مجلس الامن “رهينة” في قضية الهجوم الكيميائي الذي اتهمت واشنطن النظام السوري بتنفيذه في ريف دمشق، وتحافظ روسيا على وجود عسكري متواصل من خلال عدد من السفن الحربية في شرق المتوسط منذ اندلاع الازمة السورية، ويتصاعد التوتر مع اقتراب موعد التاسع من ايلول/ سبتمبر، موعد استئناف جلسات الكونغرس الامريكي المدعو لاتخاذ قرار بشأن التدخل العسكري في سوريا.

ومن بطرسبورغ واصل اوباما اتصالاته مع النواب لاقناعهم بتاييد موقفه. وفي سياق متصل، قرر الرئيس الاميركي الغاء زيارة كانت مقررة الى كاليفورنيا (غرب) للدفاع عن قرار في الكونغرس بشأن استخدام القوة في سوريا، وفق ما اعلن البيت الابيض ، كذلك، يتوجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف والتباحث حول “كافة جوانب الوضع في سوريا”، كما اعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان، واضاف البيان ان روسيا “لا تزال مقتنعة بان من الضروري وضع حد لاعمال العنف ومعاناة المدنيين في سوريا في اسرع وقت (…) من دون محاولات للتدخل العسكري الخارجي بالالتفاف على مجلس الامن الدولي”. بحسب فرانس برس.

وفي هذا السياق، تسعى الامم المتحدة والفاتيكان للدفع باتجاه وقف الة الحرب، واعلنت الامم المتحدة بصورة مفاجئة وصول مبعوثها الخاص الى سوريا الاخضر الابراهيمي الى سان بطرسبورغ لمساعدة الامين العام بان كي مون في الدفع باتجاه عقد المؤتمر الدولي حول سوريا المعروف باسم “جنيف 2″، وقال بان كي مون في بيان ان “الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتفادي حمام الدم”، ويشارك الابراهيمي في غداء عمل مع وزراء خارجية مجموعة العشرين، وتتحرك الكنيسة الكاثوليكية من جانبها بطريقة غير مسبوقة منذ حملتها لوقف الحرب في العراق في 2003، ووجه البابا فرنسيس رسالة الى بوتين بصفته رئيس مجموعة العشرين، تحدث فيها عن التباينات الاقتصادية والاجتماعية العالمية ودان “المجازر عديمة الجدوى” في الشرق الاوسط، ووجه نداء يعارض فيه أي حل عسكري، وقال البابا في رسالته “الى القادة الموجودين، الى كل واحد منهم، اوجه نداء من اعماق القلب حتى يساعدوا على ايجاد طرق لتجاوز المواقف الخلافية ويتخلوا عن الاستمرار غير المجدي في حل عسكري”.

وتختلف الدول الاوروبية الرئيسية في مواقفها من الازمة، في حين تؤيد فرنسا وحدها من بينها التدخل العسكري، من جانبه أعلن وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله في العاصمة الليتوانية فيلنيوس أن بلاده وقعت على بيان خاص بالصراع السوري كانت عشر دول من مجموعة دول العشرين وقعته خلال قمة المجموعة التي عقدت في مدينة سان بطرسبورج الروسية، وقالت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي التقت فرنسوا هولاند بصورة غير متوقعة على هامش القمة “هذه الحرب يجب ان تنتهي وهذا لن يحدث الا من خلال العمل السياسي”، طالما ان “المانيا لن تشارك في هذا العمل العسكري باي حال”، وعلم ان لقاء بين المسؤولين الاوروبيين المشاركين في القمة من فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا سيعقد للتنسيق بشأن مواقفهم حول سوريا قبل عشاء العمل. ولكن لم يتضح ان كان اللقاء قد عقد.

محادثات اوباما وبوتين

على الصعيد نفسه عقد الرئيسان الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين لقاء ثنائيا بحثا خلاله في الازمة السورية في سان بطرسبورغ، الا انهما بقيا متشبثين بمواقفهما، في تجسيد للانقسام العمودي الذي تعانيه مجموعة العشرين ما يثير توترا دبلوماسيا متزايدا، وطالبت احدى عشرة دولة على رأسها الولايات المتحدة في بيان بـ"رد دولي قوي" على دمشق التي يتحمل نظامها "بوضوح" المسؤولية عن استخدام اسلحة كيميائية ضد المدنيين.

واوباما الذي اكد ان على العالم "الا يبقى متفرجا"، جاء الى عقر دار فلاديمير بوتين التي تمثل بلاده ابرز داعمي بشار الاسد، لحشد اكبر دعم لمشروع الضربة على سوريا. ولم يتم التطرق بشكل واضح الى هذا الخيار العسكري في النداء الا ان الموقعين اكدوا ان "العالم لا يمكنه الانتظار الى ما لا نهاية"، وباتت الدول غير الموقعة على هذا النداء بحكم الامر الواقع حليفة لموسكو في تموضعها الحالي، وهي التي تشكل العقبة الرئيسية لاي مشروع ضد نظام الاسد في مجلس الامن وتؤكد عدم اقتناعها بمسؤولية الاسد عن الهجوم الكيميائي، وعقد اوباما وبوتين لقاء ثنائيا غداة عشاء عمل لمجموعة العشرين كرس التباعد بين هذين المعسكرين. وكانت محادثاتهما التي استمرت زهاء نصف ساعة "بناءة"، وفق تأكيد الرجلين خلال مؤتمرين صحافيين منفصلين. الا ان كلا منهما "بقي على مواقفه" بحسب بوتين، وصرح اوباما "لقد قلت: +اسمع، لا اتوقع ان اتوصل الى اتفاق بشأن مسألة الاسلحة الكيميائية"، مضيفا "على الرغم من انه بعد نشر تقرير مفتشي الامم المتحدة (بشأن الهجوم الكيميائي في ريف دمشق في 21 اب/اغسطس)، سيكون من الصعب على بوتين البقاء على موقفه"، وتاتي هذه اللقاءات والدعوات في ظل تصريحات تصعيدية متبادلة بين الجانبين. بحسب فرانس برس.

وفي هذا الاطار، صرح مساعد مستشار الامن القومي للبيت الابيض بن رودس خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ "اعتقد ان الروس ليس لديهم ما يضيفونه الى النقاش في الولايات المتحدة" بشأن النزاع في سوريا، وتقدم روسيا دعما ثابتا للرئيس السوري بشار الاسد وتعارض اي تدخل عسكري اميركي. وقد وعدت باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن الدولي وتلوح بمخاطر تصعيد عسكري في المنطقة، كما حذر الروس من ان ضرب مواقع الاسلحة الكيميائية السورية سيكون له تداعيات بيئية خطيرة. كذلك اعلنوا عن تعزيز اضافي لانتشارهم العسكري مع ارسال سفينة جديدة قبالة السواحل السورية لمواجهة السفن الاميركية.

وفي المواقف الدولية ايضا، اعلن الرئيس المكسيكي انريكي بينيا نيتو في ختام قمة مجموعة العشرين ان المكسيك لن تدعم سوى اجراءات يتبناها مجلس الامن الدولي لوضع حد للعنف في سوريا، مع خطاب الى الامة مرتقب لاوباما سيحاول خلاله اقناع اعضاء الكونغرس بضرورة السماح له بضرب النظام السوري، وهي مهمة "صعبة" على ما اقر اوباما بنفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/أيلول/2013 - 3/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م