المثقف الشاهد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما هي مواصفات المثقف الشاهد على عصره، والفاعل في عصره ايضا، هل هو المثقف المتقاعس المتكاسل، أو ذلك الذي يلهث وراء مصالحه ومنافعه التي تدل على ضيق أفق المثقف وقصر نظرته للواقع والمستقبل ايضا؟.

من المؤكد أن المثقف الشاهد، هو المثقف الذي يتفانى في عمله ونشاطه وافعاله من اجل ان يؤدي الدور المطلوب منه على افضل وجه، ودور المثقف يختلف عن غيره من عامة الناس، كونه تنويري ريادية يتقدم الصفوف في التجديد والتغيير وتحريك الحياة نحو الامام دائما، من خلال الفكر وتثوير الواقع الراهن، واستنهاض قدرا الناس كافة من ذوي الهمم البسيطة، والرؤى العادية، ان المثقف هو المحفز لادنى الطاقات، ويصفه المعنيون بانه المحفز الاول للقدرات الشعبية، ودفعها نحو التغيير الافضل دائما.

لا شك أن واقعنا ينطوي على نماذج مثقفة مؤلة للقيام بالدور الصحيح للمثقف، ومنهم على سبيل المثال، المثقف (الراحل)، الذي غادر عالمنا الى العالم الآخر قبل عشرة ايام، وهو الكاتب (رسول الحجامي)، هذا الانسان الذي اتسم بالنشاط الكبير قياسا لظروفه الصحية المتدهورة، فضلا عن اوضاعه المادية وضيق ذات اليد التي يعاني منها مفكرنا الراحل، ومعظم المثقفين، بسبب اهمال المعنيين للمثقف!.

إن الكاتب الراحل رسول الحجامي كان مقعدا على نحو شبه كامل (مصاب الشلل)، لكنه بفعله ونشاطه وفكره وانتاجه الغزيز، يعادل الكثير من المثقفين الذين لا يعانون من عاهة او من حالة الشلل أو سواها، فهؤلاء الاصحاء لا يمكنهم انتاج ربع ما قدمه الراحل الحجامي، فضلا عن نشاطه المميز في مجل تفعيل الفكر، وزجه في مساحات التغيير الواسعة، فقد كتب الراحل الحجامي الكثير من الدراسات والبحوث والكتب في مجالات فكرية وانسانية واخلاقية مهمة، كما نلاحظ ذلك في مقالات ودراساته وبحوثه التي اهتمت كثيرا بنشر مادئ السلام ونبذ الطائفية واستثمار سلامة الفكر الانساني من اجل التقريب بين بني الانسان.

ولعلنا نتفق جميعا على الرسالة الانسانية للمثقف، ودوره في التقريب بين الفرقاء في الفكر وسواه، فضلا عن اهمية ما يقدمه المثقف من نشاطات متنوعة تخدم التقارب الانساني بين المكونات المختلفة للمجتمع الواحد، او التقريب بين المجتمعات وتقليص الفجوة بين الثقافات، وتجسير الفجوات الفاصلة بين الشعوب، والجماعات من اجل خلق حالة نموذجية من التعايش، ولا شكا ان هذا يقع في لب نشاط المثقف، ةلايمكن ان يتحجج المثقفون بحجج تقلل من دورهم الانساني المبدئي، ومثلما كان الحجامي المقعد، نشيطا فاعلا منتجا، مؤديا الى رسالته على الوجه الافضل، مطلوب من المثقفين على نحو عام، ان يغادروا خانة الكسل والغمول واللامبالاة، وينتقلوا الى الفعل المثال امام الجميع، كما فعل الراحل رسول الحجامي، الذي لم يألُ جهدا في تقديم عصاره افكاره ورؤاه في دراسات وبحوث ومؤلفات كلها تؤكد أنه مثقف شاهد على العصر، فضلا عن كونه يتسم بالفاعلية والانتاج المتواصل.

لذلك ونحن نستذكر الكاتب الراحل رسول الحجامي في هذه الكلمة، فإننا في الحقيقة لا ننسى ظروفه القاسية وهو يواجه عاهة تشل حركته، وتؤثر على نفسيته وافكاره، ولكنه بارادته القوية استطاع ان يتجاوز هذه المعضلة، وينتج فكريا، ما لم يستطع انتاجه بعض المثقفين الاصحاء، لماذا؟ لانه وعى دوره الثقافي المتميز، فضلا عن شعوره الانساني ومزاياه التي جعلته فعلا مثقفا شاهدا فاعلا منتجا متقدما على مثقفين آخرين لا يعانون من عاهة في الجسد، لكنهم يعانون من امراض تتعلق بطبيعة تعامل مع حالة الايثار والاستحواذ واللهاث وراء المكاسب، الامر الذي يحد من قدرة المثقف على ان يكون النموذج الفاعل للمجتمع، كما هو الحال مع المثقف الراحل (رسول الحجامي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/أيلول/2013 - 3/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م