للقادة الغربيين أجندة أكبر كثيرا مما نتصور

ترجمة: علي الأسدي

بقلم: Robert Fisk

 

نشر الكاتب والصحفي البريطاني المرموق روبرت فيسك مقالا في ملحق صحيفة الاندبندينت اللندنية يوم 30 أب – أوغسطس الجاري تحت عنوانين في آن واحد. الأول وهو الذي أوردته أعلاه، والثاني تحته مباشرة وعنوانه " الحقيقة.. هي ايران المعنية.... لا سوريا " جاء فيه:

قبل بدء الحرب الأكثر جنونية في التاريخ الحديث، وأقصد بالطبع الهجوم المنوي القيام به على سوريا الذي علينا الآن جميعا القبول به والذي يتوقع أن تقصف خلاله دمشق أقدم المدن التي عرفتها الحضارة الانسانية بصواريخ كروز في هجوم ليس له أي علاقة بسوريا مطلقا.

انهم ينوون إيذاء ايران، ويحاولون قصف الجمهورية الاسلامية التي انتخبت أخيرا رئيسا جديدا لها يحاول تغيير السياسة التي سار عليها سلفه محمد أحمدي نجاد، وحيث من المحتمل أن تكون أكثر استقرارا. ايران هي عدو اسرائيل، ومن الطبيعي أن تكون كذلك عدوا للولايات المتحدة. لهذا فان الصواريخ التي سيتم اطلاقها موجهة للبلد العربي الوحيد الحليف لايران.

ليس هناك ما يسر حول النظام في دمشق، ولا يجب اعتبار هذا المقال تبرئة للنظام مما يدور حول استخدامه الغازات السامة. لي من العمر ما يمكنني القول أن العراق عندما كان حليفا للولايات المتحدة قد استخدم الغازات السامة ضد الأكراد في حلبجة عام 1988.

لكننا لم نهاجم بغداد حينها، وفي الحقيقة فقد كان على ذلك الهجوم ان ينتظر حتى عام 2003 عندما لم يكن في حوزة صدام أي سلاح كيماوي أو أي سلاح دمار شامل نرمي لاستئصاله.

وأتذكر ايضا كيف ان السي آي أي اتهمت ايران بمسئوليتها عن قصف مدينة حلبجة بالغازات السامة عام 1988، وهم بادعائهم الكاذب ذاك قد ركزوا على عدو أمريكا الذي كان صدام يحاربه نيابة عنا. لقد مات بتلك الغازات آلاف الناس وليس المئات. لكن بتغير الزمن تتغير المكاييل.

وافترض ان من الحكمة التذكير أنه عندما قتلت اسرائيل 17000 ألفا من الرجال والنساء والأطفال اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان عام 1982 أثناء غزوها لذلك البلد انتقاما لمقتل سفيرها في لندن الذي اتهمت منظمة التحرير الفلسطينية بالمسئولية عن مقتله لم يحاسبها أحد.

 أما واقع الحال فان أبي نضال المنشق عن منظمة التحرير والحليف المقرب من صدام حينها كان المسئول الحقيقي عن عملية الاغتيال وليس منظمة التحرير الفلسطينية. وحينها ورغم ضخامة عدد الضحايا الذين سقطوا بنيران الإسرائيليين طالبت الولايات المتحدة الطرفين بالتحلي بضبط النفس.

وقبل عدة شهور من ذلك الغزو الاسرائيلي للبنان قام حافظ الأسد والد بشار الأسد بارسال شقيقه الى حماه لقمع التظاهرات التي قام بها الآخوان المسلمون في المدينة مخلفا آلاف الضحايا من المواطنين السوريين. وايضا لا أحد من قادة الغرب رفع صوته لإدانة حمامات الدم التي جرت هناك.

على كل حال يوجد هذه الأيام حولنا اخوانا مسلمون آخرون، وعندما أقصي رئيس دولة منتخبا ديمقراطيا عن منصبه لم يكلف أوباما نفسه ليقول شيئا بخصوصه.

وكان العراق قد استخدم الغازات السامة في حربه ضد ايران، وكنت أنا قد رأيت شخصيا ضحايا تلك الغازات، وعندما زار وفد من العسكريين الأمريكيين لبعض مواقع القتال التي قصفت بالغاز السام من قبل صدام لم يتفوهوا بكلمة واحدة عن الموضوع بعد عودتهم لواشنطن.

لقد قدر عدد ضحايا تلك الغازات بالآلاف بين 1980 – 1988. وأذكر أنني عندما كنت عائدا ليلا الى طهران بقطار عسكري شاهدت على متنه عددا كبيرا من الجرحى الايرانيين من ضحايا الغازات السامة في طريقهم الى المستشفيات لتلقي العلاج. كانت رائحة الغاز المنبعثة من ملابس الجرحى في كل مكان، اضطررت بسببها للخروج من غرفتي الى الممر لأفتح النافذة تحاشيا للاختناق بالغاز.

لقد رافقت عددا من الجنود الايرانيين المصابين بآثار الغازات اثناء نقلهم بالطائرات الى الدول الغربية لتلقي العلاج. لقد كانت اصاباتهم فظيعة صعبة الوصف، حيث كانوا يعانون من جروح فوق جروح، ومع أنها كانت أدلة على استخدام نظام صدام الغازات السامة ضدهم، لكن الغرب قد تجاهلها تماما. كان عدد المصابين والجروح التي كانوا يعانون منها اكثر وأفظع بكثير مما يجري الحديث عنه في ضواحي دمشق.

ماذا نفعل الآن بحق السماء..؟؟

آلافا وآلافا من السوريين قتلوا خلال السنتين الماضيتين، وفجأة اليوم نبدي استنكارنا لموت عدة مئات من السوريين، بينما كان علينا أن نتخذ موقفا عام 2011 و2012. لكن لماذا الآن فقط..؟؟

أزعم أنني أعرف السبب. انه بسبب النجاح الذي حققه بشار الأسد في محاربته للمقاتلين الذين ندعمهم سرا بالسلاح. فبفضل مساعدة ايران وحزب الله اللبناني تم تحرير مدينة القصير وربما كانوا في طريقهم لمطاردتهم شمالا.

ايران تدعم بقوة حكومة الأسد حيث انتصار الأسد انتصارا لايران، وانتصار ايران لا يمكن تجاهله من الغرب. وما دمنا نتحدث عن الحرب فلابد من التساؤل عما يجري في المحادثات الفلسطينية الاسرائيلية التي دفع اليها جون كيري.

فبينما نبدي صدمتنا لاستخدام بشار الأسد للغازات السامة فان أراضي الفلسطينيين تلتهم. فسياسة الليكود الاسرائيلية في التفاوض من أجل السلام مستمرة الى الحين الذي لن يبقى شيئا من فلسطين للفلسطينيين. ولهذا السبب فان الملك عبدالله الثاني ملك الأردن في غاية القلق والاحباط، ففلسطين ستكون في الأردن لا في فلسطين.

لكن اذا كان لنا أن نصدق التفاهات القادمة من واشنطن ولندن وباريس وبقية " العالم المتمدن "، فانه مجرد وقت قبل الثأر بالسيف المباغت من أبناء دمشق. ولعل أكثر المواقف خزيا وفظاعة في التاريخ وأشدها إيلاما ومعاناة التي يمكن للمنطقة مواجهتها هي مشاهدة القادة العرب وهم يصفقون لهذا الدمار. والحقيقة التي ينبغي ادراكها هي أننا نقوم بمهاجمة المسلمين الشيعة وحلفائهم وليصفق المسلمون السنة وهذا ما يصنع الحرب الأهلية.

* مقال روبرت فيكس – الاندبيندنت اللندنية 30 \ 8 \ 2013

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/alialasidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/أيلول/2013 - 1/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م