حلحلة السلام بين فلسطين وإسرائيل... دوران في حلقة مفرغة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تتسم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بالتخبط والغموض السياسي الدبلوماسي المصحوب بالتوتر المتصاعد نظرا لتناقض الأفعال والأقوال من لدن طرفي النزاع العميق الجذور والشديد التعقيد، وتخفي هذه المفاوضات أجندات وغايات كامنة متعددة المقاصد، تبدو كأنها مناورات أكثر ما يمكن وصفا بمفاوضات.

فلا تزال النتائج الملموسة مشكوك فيها نظرا العقبات المستعصية التي تعيق أي اتفاق سلام بينهما  كالحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية والاستيطان ومصير اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس، ولعبت الولايات المتحدة دورا أسياسيا في إحياء مفاوضات السلام المتعثرة منذ ثلاث سنوات عن طريق وزير الخارجية الاميركي جون كيري، لكن هناك شكوكا بشأن مدى احتمال نجاحها في نهاية الأمر،   

لذا يسعى الطرفان لاستئناف جولة أخرى من المفاوضات لكن بدت مفاوضات السلام الاسرائيلية الفلسطينية في جو مشحون بالتوتر خصوصا بعدما سقط اربع ضحايا فلسطينيين في اشتباكات أعقبت غارة على مخيم قلنديا للاجئين شمالي القدس، فضلا عن العقبات المستعصية حول الاسرى والاستيطان، إذ يرى بعض المراقبين ان القتل اليومي ومواصلة العطاءات الاستيطانية كلها رسائل اسرائيلية هدفها تدمير عملية السلام، لذا من واجب الادارة الاميركية اتخاذ خطوات جدية سريعة كي لا ينهار كل شيء، إذ ان ما جرى اليوم في مخيم قلنديا من قتل يدل تماما على النوايا الحقيقية للحكومة الاسرائيلية، كما اثارت اسرائيل غضب الفلسطينيين عبر سماحها ببناء اجمالي 2129 مسكنا في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية.

حيث الكثير من المراقبين أن الادعاءات والاكاذيب الاسرائيلية التي حاولت الربط بين اطلاق المجموعة الاخيرة من الاسرى وبين القرارات والخطط الاستيطانية والادارة الاميركية هي من تتحل المسؤولية الاولى عن وقف هذه الجرائم الاسرائيلية ومحاولات افشال العملية السياسية قبل انطلاقها وخاصة خطوات الاستيطان الاخيرة التي تتناقض تماما مع التطمينات والتاكيدات التي تلقتها القيادة الفلسطينية خلال المحادثات التمهيدية لبدء المفاوضات.

ويرى البعض انه لا يمكن الجمع بين المفاوضات واستمرار الانتهاكات الاسرائيلية خاصة الاستيطان الذي يجري على قدم وساق، وان المطلوب حاليا دور اميركي اوسع في العملية السياسية وهذا مؤشر ان اسرائيل لا تريد لاحد ان يبذل جهدا ايجابيا.

ويرى محللون آخرون أن تزايد التوتر قبل بدء الجولة القادمة من محادثات السلام بسبب الاسرى والمستوطنات يدل على عدم جدية اسرائيل في المفاوضات، وما ترمي اسرائيل اليه بالجهود الاستيطانية المكثفة هو تدمير اسس الحل الذي ينادي به المجتمع الدولي والرامي الى اقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعليه في حال استمرار الخلافات الكبيرة بين الطرفين حول جدولة مواضيع البحث والمراوغات الديناميكية قد تعيق انطلاقة حقيقية وجدية للمفاوضات أذا ما وصلت حد الانهيار، لذا فقد لا تغير هذه مفاوضات فارغة المضمون اي حال في الخريطة النهائية للسلام.

إقامة دولة فلسطينية مستقلة

من جهته قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن الهدف الأساسي لمفاوضات السلام مع إسرائيل التي استؤنفت أخيرا هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وشدد عباس خلال اجتماعه مع أمين عام منظمة التعاون الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو، في رام الله، على أن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم على حدود الرابع من حزيران/ يونيو للعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وأطلع عباس، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، أوغلو على أخر مستجدات العملية السلمية واستئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية برعاية الإدارة الأمريكية نهاية الشهر الماضي، ونقلت الوكالة عن عباس تأكيده ضرورة تفعيل الدور الإسلامي لدعم القدس وحمايتها من “مخاطر حملات التهويد التي تستهدف تغيير طابعها الفلسطيني والعربي”، وأشاد الرئيس الفلسطيني بالدور الذي لعبته منظمة التعاون الإسلامي لحشد الدعم الدولي لرفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر المقبل. بحسب فرانس برس.

بدوره، أكد البروفيسور أوغلو دعم منظمة التعاون الإسلامي للموقف الفلسطيني الساعي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، واعتبر أوغلو، أن زيارته إلى الأراضي الفلسطينية تهدف إلى تأكيد دعم الدول الإسلامية لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحماية مقدساته، ووصل أوغلو إلى رام الله في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام قادما من الأردن، يتفقد خلالها عدة مدن في الضفة الغربية، وعلى هامش الزيارة، قلد عباس أوغلو وسام نجمة القدس “تقديرا لدوره في العمل من أجل القدس الشريف ونصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.

مفاوضات عقيمة

في سياق متصل ذكر راديو إسرائيل أن جولة من المباحثات عقدت في القدس بين فريقي المفاوضات الإسرائيلي والفلسطيني ومن المقرر أن تجرى جلسة أخرى بين الجانبين، ويذكر أن الفلسطينيين ألغوا جولة من المفاوضات منذ ما يقرب من أسبوع بعد أن أطلق جنود إسرائيليون النار على ثلاثة فلسطينيين فأردوهم شهداء في اشتباكات أعقبت غارة على مخيم قلنديا للاجئين شمالي القدس. واستشهد فلسطيني رابع افي مستشفى في نابلس متأثرا بجروح أصيب بها خلال غارة في الـ20 من آب/ أغسطس الماضي في مخيم جنين للاجئين. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وقال ممثل فلسطيني في المفاوضات للإذاعة الإسرائيلية إنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاقات حتى الآن خلال المفاوضات. واستؤنفت محادثات السلام المباشرة بين الجانبين في أواخر تموز/ يوليو الماضي بعد حالة من الجمود استمرت ثلاث سنوات. وتهدف المحادثات إلى التوصل إلى اتفاق سلام في غضون تسعة أشهر، فضلا عن قيام دولة فلسطينية مستقلة.

في وقت لاحق الغيت جلسة مفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني كان من المقرر عقدها في اريحا بعد مقتل ثلاثة فلسطينيين برصاص الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية، بحسب ما اعلن مسؤول فلسطيني، وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "تم الغاء الاجتماع الذي كان مقررا عقده في اريحا الساعة الواحدة ظهرا بسبب الجريمة الاسرائيلية التي ارتكبت في قلنديا ومواصلة العطاءات الاستيطانية"، ولم يحدد المسؤول موعدا جديدا للجلسة القادمة.

واعلنت بلدية القدس الاسرائيلية عن موافقة لجنة المالية على ميزانية تبلغ 17,3 مليون دولار لاعمال البنية التحتية في موقع مستوطنة رامات شلومو في القدس الشرقية المحتلة، وقتل ثلاثة فلسطينيين واصيب عشرون اخرون بجروح الاثنين بنيران الجيش الاسرائيلي في مخيم قلنديا قرب القدس، بحسب ما افادت مصادر امنية وطبية فلسطينية، وقالت المصادر لوكالة فرانس برس ان "الجيش الاسرائيلي اقتحم مخيم قلنديا صباح اليوم (الاثنين) واطلق الرصاص الحي على المواطنين اثناء توجههم الى المدراس والعمل ما ادى الى مقتل المواطن روبين فارس (30 عاما) ويونس جمال جحجوح (22 سنة) واصابة اكثر من عشرين اخرين"، واشارت المصادر الى ان شابا ثالثا هو جهاد اصلان (20 عاما) توفي في مستشفى في مدينة رام الله متأثرا باصابته في الراس. بحسب فرانس برس.

وقالت المتحدثة باسم الشرطة الاسرائيلية لوبا سمري لوكالة فرانس برس ان شرطة حرس الحدود استخدمت "وسائل مكافحة الشغب" لوقف نحو 1500 شخص ولكنها لم تؤكد مقتل اي شخص او استخدام الذخيرة الحية، واضافت "وفقا للفحص الاولي، في الساعات المبكرة من الصباح ذهبت فرقة من حرس الحدود الى مخيم قلنديا لاعتقال مطلوب امني وبعد اعتقاله قامت مجموعة من مئات الاشخاص بالقاء زجاجات حارقة وحجارة مما عرض حياة افراد القوة للخطر والذين استجابوا باستخدام وسائل مكافحة الشغب".

وبحسب سمري "لسنا على علم بسقوط اي قتلى في الجانب الاخر" موضحة ان ثلاثة افراد من حرس الحدود اصيبوا بجروح جراء قذفهم بالحجارة، واشارت متحدثة باسم الجيش الاسرائيلي ان قوات الجيش لم تشارك في عملية الاعتقال ولكن تم ارسالها هناك لمساعدة حرس الحدود، وقالت المتحدثة لوكالة فرانس برس "تم استدعاء وحدة من الجيش لمساعدتهم واضطروا لاستخدام الذخيرة الحية لحماية انفسهم ووفقا للتقارير الاولية، قتل اثنان واصيب اخرون"، وكانت مصادر فلسطينية اعلنت في السابق عن امكانية عقد جلسة مفاوضات في مدينة اريحا في الضفة الغربية، ولم يصدر اي تأكيد من الجانبين حول ذلك.

تقويض المفاوضات

من جهتها اتهمت القيادة الفلسطينية الحكومة الاسرائيلية "بتقويض المفاوضات" مسبقا عبر المضي في الاستيطان، وقال بيان رسمي صدر بعد اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في مقر الرئاسة في رام الله برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "القرارات الاستيطانية غير المسبوقة التي اعلنت عنها حكومة الاحتلال بمثابة الدليل القاطع مرة اخرى ان خيار اسرائيل الاول والاخير هو التوسع والتهويد وسلب الارض الفلسطينية"، واشارت القيادة الى ان "حكومة الاحتلال تقرر سلفا تقويض كل الفرص امام المفاوضات مما يدعو القيادة الفلسطينية الى اخذ هذا الامر كاساس في تقييم الموقف الاسرائيلي وعملية التفاوض برمتها". بحسب فرانس برس.

ورفضت اللجنة التنفيذية "الادعاءات والاكاذيب الاسرائيلية التي حاولت الربط بين اطلاق المجموعة الاخيرة من الاسرى وبين القرارات والخطط الاستيطانية" محملة "الادارة الاميركية مسؤولية اولى عن وقف هذه الجرائم الاسرائيلية ومحاولات افشال العملية السياسية قبل انطلاقها وخاصة خطوات الاستيطان الاخيرة التي تتناقض تماما مع التطمينات والتاكيدات التي تلقتها القيادة الفلسطينية خلال المحادثات التمهيدية لبدء المفاوضات"، وحذرت القيادة الفلسطينية من انها "لن تقبل على الاطلاق ان تصبح المفاوضات ستارا سياسيا لتطبيق اوسع مشروع استيطاني يجعل تلك المفاوضات فارغة المضمون".

موقف موسكو

الى ذلك دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقاء في موسكو مع المفاوض الفلسطيني صائب عريقات، اسرائيل والفلسطينيين الى متابعة مفاوضات السلام التي استؤنفت بعد توقف استمر ثلاث سنوات، وقال لافروف في بداية اللقاء مع عريقات "نتفهم انكم لستم إلا في بداية الطريق. نريد ان تندرج المفاوضات التي استؤنفت لتوها في اطار الفترة الزمنية المحددة وان تؤدي الى نتيجة نـأمل جميعا ان تكون تسوية نهائية (...) حتى تظهر دولة فلسطينية تعيش في سلام مع اسرائيل". بحسب فرانس برس.

وقال وزير الخارجية الروسي "نظرا لفترة التوقف الطويلة في المفاوضات، نعلق اهمية كبيرة على تعزيز الثقة بين البلدين"، واضاف "نرحب بقرار اسرائيل الافراج عن مجموعة اولى من السجناء الفلسطينيين ونرحب بضبط النفس لدى الجانب الفلسطيني في المحافل الدولية".

لا يمكن التوصل الى اتفاق نهائي

فيما اعتبر حوالى 80% من الاسرائيليين اليهود انه من غير الممكن التوصل الى اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين وذلك بحسب استطلاع للرأي نشر بعد يومين على استئناف المفاوضات، وردا على سؤال "هل سنتمكن هذه المرة برأيكم من التوصل الى اتفاق نهائي يضع حدا للنزاع؟"، اجاب 79,9% بالنفي مقابل 6,2% قالوا انه من الممكن التوصل الى اتفاق فيما لم يعط 14,1% رأيا. بحسب فرانس برس.

من جانب اخر، ابدى 77,5% معارضتهم للافراج عن اسرى فلسطينيين مقابل 14,2% ايدوا ذلك، وقد افرجت اسرائيل عن دفعة اولى من 26 اسيرا فلسطينيا محكومين بعقوبات سجن قاسية، كبادرة حسن نية قبل استئناف المفاوضات، وقال غالبية الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع (62,9%) انهم كانوا ليفضلوا ان تقرر الحكومة الاسرائيلية تجميد اعمال البناء في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية بدلا من الافراج عن المعتقلين الفلسطينيين، واعلن وزير الاسكان الاسرائيلي اوري ارييل عن خطة بناء "الاف" الوحدات السكنية الاضافية في المستوطنات الاسرائيلية في السنة المقبلة، ونشرت نتائج الاستطلاع الذي اجراه معهد هاغال حداش في صحيفة اسرائيل هايوم المجانية (يمين). واجري على عينة تمثيلية من غالبية يهودية مستثنيا عرب اسرائيل الذين يشكلون 20% من سكان اسرائيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/أيلول/2013 - 28/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م