شهادة "الأيزو" ISO في العراق

الواقع والطموح

زاهر الزبيدي

 

الأيزوISO هو المختصر لتسمية المنظمة الدولية للمعايير International Organization for Standardization، تأسست في 1947 ومكانها جنيف، حيث عملت وتعمل تلك المنظمة على وضع المعايير الإدارية والتجارية والصناعية العالمية التي تتحول الى قوانين مهمة على صعيد المنظمات المختلفة، تلك المعايير متفق عليها دولياً، على سبيل المثال، إذا ما تم تطبيق معايير الجودة الشاملة للتعليم العالي في العراق ؛ فهذا معناه أن أساليب التعليم في العراق تتطابق مع ما تتبعه أي جامعة عالمية نفذت واعتمدت ذات المعايير عندها تمنح لها شهادة الأيزو حسب الأنواع التي تتيسر ISO9001، ISO14001، OHSAS18001، ISO22000 وهي تمنح شهاداتها للمنظمات على إختلافها من التي تطبق معايير الجودة الشاملة في إداءها.

 قد يبدو للجميع أنه ضرب من الخيال أن تحصل مديرية المرور العامة في العراق على شهادة الإيزو لأنها طبقت كافة المعايير الدولية في إدارة الجودة الشاملة والعناية بمتطلبات شؤون المواطنين، وقد يبدو للجميع أن من المستحيل أن تحصل وزارة الصحة العراقية على إحدى شهادات الأيزو، كذلك فيما يخص مديرية التقاعد العامة أو محافظة بغداد أو المديرية العامة للطرق والجسور أو وزارة الكهرباء أو صندوق الإسكان أو البنوك العراقية أو مديريات الماء والمجاري أو أي مؤسسات حكومية تقدم خدمة عامة للشعب العراقي، وكل التعجب والخيال هذا ناتج من الواقع المرير لتلك المؤسسات لما تقدمه من خدمات يشوبها الكثير من اللغط والكثير من علامات الإستفهام فإشارات التردي واضحة وإن إختلفت نسبتها بين تلك المؤسسات.

قد نجد العديد من الإجابات لكلمة لماذا؟ ولكن من جانب آخر يجب أن نوجه سؤال مفاده لماذا لا نسعى بجد لذلك؟ وإجابات هذا التساؤل كثيرة أهما أن تطبيق مفاهيم إدارة الجودة الشاملة سيقطع وللأبد دابر المنتفعين وينهي جمهور المرتشين وفرق المنتفعين صغاراً وكبار ومنهم سراق المال العام ويقضي على البطالة المقنعة والترهل في العناوين الوظيفية التي تبدو للوهلة الأولى براقة لامعة ليظهر صدأها الكبير وعجزها الكامل في المعالجة وتوفير الرؤى الحقيقية لواقع تلك المؤسسات، وسيظهر بحق مستوى الإهدار في إمكانيات المؤسسات الخدمية من حيث الموارد المالية والزمن وستطفوا على السطح عقم الإجراءات التصحيحية والوقائية للمشاكل العالقة، وما لها من آثاراً سلبية في نفوس العاملين تلك المؤسسات التي تدار بأسلوب بيروقراطي يدفع بالموظفين بعيداً عن المشاركة الفعالة في إدارتها حيث تهدف من تلك السياسة الى إنشاء تكتلات وحلقات سرية مغلقة تمارس عمليات الفساد الكامل بتنظيم فاعل ومؤثر وسيظهر تطبيقها أيضاً الإجراءات العقيمة المتبعة، الروتين، القاتل الذي يهدف الى وضع الشروط التعجيزية أمام المواطن بهدف دفعه للإتجاه الى تقدم الرشى لشبكة مغلقة من المنتفعين للحصول حتى على تلك الحقوق التي كفلها الدستور العراقي وهناك حالات كثيرة في هذا المجال.

كذلك فإن العمل بنظام إدارة الجودة الشاملة يتدخل في تحليل وترتيب الأنظمة المساندة كالإدارة المالية والمشتريات والعقود والأمن والسلامة وكل تلك الجوانب المهمة من عمل المؤسسات تحاول دائماً أن تبقي نفسها بعيداً عن النظام الوثائقي المرتب المتكامل ليسهل دخول المفسدين في أروقتها والإستفادة بما يمكن الإستفادة من مواردها المالية... كل ذلك لايرضى الكثير من إدارات المؤسسات الحكومية لذلك فإن الخوض في تجربة الجودة الشاملة مع تلك المؤسسات قد تقترب نتائجها من الفشل الذريع إلا إذا تم القضاء على نماذج الإدارات الفاسدة أينما وجدت.

إن العمل بنظام الجودة الشاملة أصبح اليوم، بنظر المنظمات العالمية المعتبرة ؛ "هدفاً لكل المؤسسات الطموحة التي تترفع بنظرها عن مواقع أقدامها وتنظر الى المستقبل المشرف بمنظور العصر وديناميكية الاقتصاد العالمي الحديث وتركز على مفهوم البقاء والاستمرار والتطوير من خلال استشراف آفاق المستقبل" وهذا ما لايسر الكثير من العقليات المنغلقة التي لا تستبصر المستقبل برؤية عميقة كما يحدث الآن في العالم حينما تبدع المؤسسات في إيجاد خدمات جديدة تقدمها للمستفيدين ولا تبقي نفسها على وتيرة تقليدية واحدة، فضعف العصف الفكري وتوليد الرؤى والأفكار وقلة الإبتكارات لدى الكثير من القمم الإدارية للمؤسسات الخدمية أثر بشكل كلي على عمل منظماتهم وأبقاهم دائرين في ناعور التخلف الدائم والتقليدية العقيمة، كذلك فإن هؤلاء لم يتوانوا مطلقاً في إبعاد ذوي الكفاءة والخبرة والقابلية على الإبتكار والإبداع الدائم عن تلك المؤسسات لكونهم اعتبروا أهم عناصر التهديد لمناصبهم، لذلك استمرت تلك المؤسسات في واقع الخمول الكبير في كافة مفاصلها مما تسبب في ضعف إداءها الحكومي مقابل الموازنات المالية المخصصة لهم.

إن الحصول على شهادة الأيزو في إدارة الجودة الشاملة ليست ترفاً للمؤسسات، الخدمية والإنتاجية، التي تحاول الحصول عليها أو حالة إقتصادية تبغي منها الحصول على منافع وقتية ؛ بل هي سلسلة إجراءات وتدريب مكثف ومتابعة وتدقيق مستمر تسعى لها سعياً جاداً ومجهداً في ذات الوقت على أمل تمكنها من إرضاء شريحة المواطنين التي تخدمها أو تحسين منتجاتها وقد يوازي هذا العمل كل الأعمال لتلك المؤسسات، منذ المباشرة بدق ركائزها وحتى إستقرار عملها، انه عمل مضن يبدأ من التدريب على مبادئ الجودة الشاملة مروراً بتنظيم وتوثيق كل الأنظمة والإجراءات والأقسام وتوحيدها بموجب المعايير العالمية ووضع المصفوفات التي تعالج مشاكل منظومة المؤسسة ووضع الإجراءات الإضافية المتكاملة لتصحيح مسارها..

وبإختصار: أنها عملية التغيير الجذرية الكبرى في إدارة المؤسسات على إختلافها بإتجاه المستقبل الحقيقي للواقع المؤسسي في العراق إذا ارتأت الحكومة أن تفرض على مؤسساتها كافة العمل بجدية للحصول على شهادة الأيزو في إدارة الجودة الشاملة لما لذلك من أهمية بالغة في يفرضها علينا واقع مؤسساتنا الخدمية في الوقت الحاضر.

هناك خطوات كبيرة وكثيرة اليوم من قبل بعض المؤسسات والوزارات في الحكومة العراقية تدعو للتفاؤل بإمكانية أن تتبعها خطوات كبيرة خلاقة تنقذ مؤسساتنا من واقعها المؤلم على طريق خدمة مجتمع يستحق منا كل التقدير.. حفظ الله العراق.

[email protected]

http://mail.annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/أيلول/2013 - 26/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م