تداعيات الضربة العسكرية المحتملة لسورية وسيناريوهات المواجهة

 

شبكة النبأ: يتفق خبراء ومحللون على ان استخدام ضربة عسكرية ضد سورية ستؤثر سلبا على الشرق الأوسط وقد يدفع باتجاه الحرب نحو مزيد من التدهور، ويعقد الوضع أكثر مما هو عليه الآن، بما سيخلق مشاكل كبيرة.

وركزت جل المعلومات على تداعيات الأحداث بعد الهجمات الكيمياوية على المدنيين السوريين ورد الفعل الغربي الغاضب عليها والحشد المتوقع من أجل ضربة موجعة للنظام السوري، ويرى محللون أن التعجل في الحكم على سوريا سيكون كارثيا، بينما يرى آخرون إن مخاوف الضربة الغربية تنتشر في الشرق الأوسط، وذكرت تحليلات أخرى أن الجيش السوري قد يستخدم طيارين انتحاريين ضد الغرب.

ويلخص المسؤول السابق في البنتاغون، أنثوني كوردسمان، الوضع بقوله إنّ المسألة الحيوية ليست التكتيكات، وإنما استراتيجيات ما بعد الضربة.

ويرجح معظم الخبراء أن يستهدف الهجوم ترسانة الأسلحة، وليس مواقع تخزين الأسلحة الكيماوية، التي تعدّ الخيار الأسوأ الممكن، بما يجعل احتمال انتشار التداعيات على الجيران، وفقا للقائد السابق لكتيبة الدفاع الكيماوي في الجيش البريطاني، هاميش دي بريتون غوردون.

عشق مع القاعدة

وبإمكان الهجوم المحدود أن يكسر معنويات جيش الأسد، وأن يشجع على الفرار والانشقاقات، وفقا للباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جيفري وايت.

ويقول المسؤول السابق في البنتاغون مايكل روبن: ما سيحدث يشبه بداية عشق مع القاعدة.. ما سيحدث سيشجع المعارضة، بما فيها جبهة النصرة المتشددة.. وإذا فازت المعارضة فإنّ القاعدة هي التي ستفوز بالسلطة. بحسب سي ان ان

وتوافق مؤلفة كتاب الأسلحة والتأثير في سوريا إريكا بورغارد قائلة إنّ خلخلة نظام الأسد سيطلق أيادي المجموعات المسلحة المتشددة الجهادية والقاعدة لأن لها قدرات أفضل من الجماعات التي تساعدها واشنطن حاليا.

وأضافت سيكون من الصعب على واشنطن استهداف بنية جبهة النصرة بحملة قصف لأنها لا تنشط بأصول ذات قيادة واضحة.

ولا يرجح الكثير من الخبراء أن يلحق الهجوم  ضرارا مهما بالأسد ولكن هجوما محدودا يجلب معه مخاطر جمة نابعة من طبية محدوديته.

ويقول الباحث في معهد دراسة الحرب كريستوفر هارمر إنّ القيام بإجراء جراحي في هذه الظروف هو أسوأ من عدم القيام بشيء فمن شأن ذلك أن يبعث برسالة خاطئة للأسد مفادها أنه يتمتع بنوع من الحصانة وأنه بإمكانه أن يستمر في القيام بكل ما يرغب فيه.

كما يخشى خبراء آخرون من أنّ الأسد سيشن هجمات انتقامية يستخدم فيها أسلحة كيماوية حديثة لأنه سيكون "في موضع صراع وجود قد يدفعه إلى أكثر السيناريوهات سوءا ليرد بأعنف مما كان يعتقد الجميع.

ليس في حكم المرجح أن يقوم الأسد بمهاجمة إسرائيل فيمكن أن يحاولوا إسقاط المقاتلات الأمريكية إذا تم استخدامها ولكن احتمال استهداف صواريخ كروز سيكون صفرا تقريبا وفقا للباحث في معهد كاتو، بنجامين فريدمان الذي يقول إن كتائب الجيش السوري منشغلة بالمعارضين المسلحين كما أنه ليست لهم قوة جوية تجعلهم قادرين على الوصول على اي هدف أمريكي مهم.

والأكثر من ذلك أنّه إذا نجحت تلك القوات في إصابة هدف أمريكي فإنّ من شأن أن يغيّر من الأجواء النفسية داخل الرأي العام الذي سيتحول إلى المطالبة بضلوع أمريكي أقوى وأعمق، وفقا لفريدمان الذي أضاف أنّه سيكون من السهل على سوريا أن تستهدف إسرائيل ولكن ردّ الأخيرة ستكون له تداعيات كارثية على الجيش السوري.

ووفقا الخبراء فإنّ الكابوس الأسوأ هو أن يلجأ الأسد إلى شنّ هجمات كيماوية على إسرائيل وجيرانها فقد فعلها مع شعبه فكيف لا يفعلها مع الأتراك والأردنيين واللبنانيين؟

هناك أيضا احتمال آخر وهو أن يهاجم حزب الله إسرائيل مثلما قام بذلك عام 2006 ردا على هجوم إسرائيلي على سوريا نفسها، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى مزيد التدخل، لكن ينبغي أيضا الأخذ بعين الاعتبار قسوة الرد الإسرائيلي على لبنان عام 2006.

ومن المرجح أن تندلع مظاهرات ومسيرات وأعمال عنف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ووفقا للباحث فيراس أبي علي فإنّه من المرجح أن يستهدف حزب الله السنة في لبنان، ومن المرجح أيضا أن تكون سوريا أعدت مجموعات لنشر العنف في الأردن باستهداف المحلات التجارية والفنادق ومقرات الحكومة.

وأضاف سيكون من المرجح أكثر أن تشنّ هجمات بتحريض ودعم من إيران ضدّ أهداف غربية من الهند إلى تايلاند والبرازيل.

على الصعيد الأمريكي، ستكون حرب أوباما التي سيودع بها الرئاسة التي تنتهي ولايته عليها في 2016. ووفقا للخبراء، ستكون الحقيقة غير واضحة وستشتكي سوريا الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وستكون بداية الرئيس المقبل في البيت الأبيض صعبة.

والأهم هو أنه من المحتمل أن تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لمزيد من التورط من خلال إنشاء منطقة حظر طيران وتوفير تدريب وتسليح أكبر للمتمردين، وهو ما سيجعل من العملية مكلفة أغلى من عملية حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011، كما أنها ستتضمن مخاطر أكبر.

غير أن ذلك، وفقا للخبراء، لا يمكن أن يجعل من التراجع حلا لأنّ عدم القيام بشيء سيعني أنّ جميع مصالح الولايات المتحدة باتت في خطر.

على الأقل، سيكون هناك جهد إغاثة دولي ومزيد دعم الفصائل الأكثر اعتدالا في المعارضة السورية وربما سيفتح الطريق أمام الدعوة لمنطقة حظر طيران وأيضا استخدام سلاح الجو بما يسمح بحماية المتمردين ومنحهم القدرة على التحرك إذا أثبتوا فعلا أنّ لديهم قيادة معتدلة يمكنها أن تسيطر على تدفق الأسلحة والدعم وفقا لكوردسمان.

لكن روبن يقول إنّه لا يوجد سيناريو واحد بإمكانه أن يوقف العنف ويحسن من الوضع فزمن الطب الوقائي انتهى منذ سنتين. وعندما يحقق طرف نصرا نهائيا، سيكون على الولايات المتحدة أن تتوصل لاستراتيجية تعالج بواسطتها حزمة المشاكل الجديدة التي سيجلبها ذلك النصر. دعونا نسمي ما نعيشه الآن المرحلة الأولى من الحرب الأهلية السورية. سنرى لاحقا المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة. إنهما قادمتان.

تداعيات الضربة في الإعلام الغربي

صحيفة ديلي تلغراف من جهتها كتبت في مطلع تقريرها أن التعجل في الحكم على سوريا سيكون كارثيا وخطأ مميتا. وقالت إن بريطانيا وأميركا تبدي ازدراء لدروس الماضي في إلحاحها من أجل اتخاذ إجراء.

وعادت الصحيفة بذاكرة التاريخ قبل أكثر من عشر سنوات عندما صوت البرلمان البريطاني لخوض حرب العراق عام 2003 عندما أقنع الخطاب الحماسي لتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ثلة من البرلمانيين المتشككين وقتها بقضية القيام بعمل عسكري ضد العراق وحدث ما حدث وما زالت عواقب الغزو ماثلة إلى الآن.

وقالت الصحيفة إن التشابهات مع تصويت مجلس العموم اليوم تتكرر حيث يفكر رئيس الوزراء الحالي ديفد كاميرون في مهاجمة سوريا جارة العراق القريبة التي يحكمها أيضا حزب بعثي، وفي محور القضية هناك ادعاءات بوجود أسلحة دمار شامل. ومرة أخرى تجد بريطانيا نفسها في تحالف مع الولايات المتحدة ودون تفويض من الأمم المتحدة. وما زال كثير من نفس الأصوات تشجع على التحرك ضد سوريا أمثال توني بلير وألستير كامبل، وكثير من نفس الأصوات المعارضة ما زالت على معارضتها، مثل هانز بليكس، كبير مفتشي الأسلحة الأمميين.

وترى الصحيفة أن تعجل بريطانيا وأميركا في الحكم يبدو سابقا لأوانه، خاصة بالنظر إلى سجل وكالات الاستخبارات الغربية في تقديم أدلة مضللة ومزيفة مبررا للحرب قبل 2003. وهذه المرة يقال إنهم مقتنعون بالدليل لكن هذا أيضا يمكن أن يثبت زيفه بدرجة خطيرة.

وتساءلت الصحيفة موجهة كلامها لكاميرون: لماذ الآن؟ واستطردت بأنه كان هناك العديد من الفظاعات أسوأ بكثير ارتكبت عبر الشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية وآخرها على سبيل المثال قتل الجيش المصري لأكثر من ألف متظاهر، أغلبيتهم من المدنيين العزل، منذ انقلابه على السلطة المنتخبة. ومع ذلك لم يكن هناك إدانة غاضبة. وأضافت أنه باستمرار الغرب في تزويده الجيش المصري بالأسلحة فإنه بذلك يغض الطرف بصمت عن سياسة القتل الجماعي تلك.

وفي سياق متصل ذكرت نفس الصحيفة أن مخاوف ضربة غربية محتملة ضد النظام السوري تردد صداها أمس عبر الشرق الأوسط، حيث فر نحو 6000 سوري إلى لبنان خلال 24 ساعة فقط، وتزاحم الإسرائيليون للحصول على أقنعة الغاز في حال إقدام دمشق على الثأر منهم، كما أمرت الحكومة الإسرائيلية باستدعاء محدود لوحدات الاحتياط لتعزيز استعدادات الدفاع المدني وتشغيل وحدات الدفاع الجوي القريبة من الحدود.

طيارون انتحاريون

أما غارديان فقد ذكرت أن القوات الجوية السورية تدرس استخدام طيارين انتحاريين ضد هجمات القوات الغربية، حسب زعم ضابط في الجيش أجرت الصحيفة مقابلة معه. وقال الضابط إن 13 طيارا وقعوا على تعهد هذا الأسبوع قالوا فيه إنهم سيشكلون طاقما من الشهداء الانتحاريين لدحر الطائرات الحربية الأميركية.

وأضاف الضابط الذي يخدم في وحدة للدفاع الجوي السوري قرب العاصمة إذا أطلقت القوات الأميركية والبريطانية صاروخا واحدا فسنطلق ثلاثة أو أربعة صواريخ، وإذا أغارت طائراتهم الحربية على سمائنا فسيواجهون جحيما. وإذا عجزنا عن إسقاط طائراتهم بالمدفعية فإن لدينا طيارين مستعدين لمهاجمة هذه الطائرات بطائراتهم ونسفها في الجو.

وزعم الضابط قائلا "لدينا أكثر من 8000 شهيد انتحاري داخل الجيش السوري مستعدين لتنفيذ عمليات استشهادية في أي وقت لوقف الأميركيين والبريطانيين، وأنا نفسي مستعد لتفجير نفسي في أي حاملة طائرات أميركية لمنعها من مهاجمة سوريا وشعبها.

شرطي عالمي

وفي تعليق بنفس الصحيفة كتب هانز بليكس، كبير المفتشين الأممين السابقين في العراق، أنه حتى وإن كان الأسد قد استخدم الأسلحة الكيمياوية فليس لدى الغرب تفويض بالتصرف كشرطي عالمي. وقال بليكس إن الأمر بضربات جوية ضد سوريا بدون مساندة مجلس الأمن سيكون أوباما قد فعل نفس ما فعله سلفه بوش في العراق عام 2003.

وأشار بليكس إلى حقيقة أن مجلس الأمن الأممي ليس شرطيا عالميا موثوقا، وقد يكون بطيئا في اتخاذ إجراء أو مشلولا بسبب الاختلاف بين الدول الأعضاء، ولكن هل نريد أيضا أن تكون أميركا أو حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو تحالفات الدول ذات الإرادة هي الشرطي العالمي؟

ووصف بليكس أوباما بأنه، مثل بوش وبلير، يبدو مستعدا لتجاهل المجلس والأمر بضربات ضد سوريا بدعم سياسي من بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأخرى فقط. وقال إن معاقبة حكومة الأسد على استخدام الأسلحة الكيمياوية سيكون بمثابة عمل الشرطة العالمية المعينة ذاتيا، وهذا أمر ينطوي على حماقة شديدة.

ويرى بليكس أن هناك انطباعا بأن التطورات السياسية والعسكرية الحالية المتسارعة تنبع جزئيا من الضغط الذي بذله الجانب المعارض للحث على تدخل عسكري أميركي، بمحاولة إلزام أوباما بتحذيره السابق للأسد بأن استخدام الأسلحة الكيمياوية سيغير حساباته وكذلك لكي تتفادي إدارة أوباما الانتقاد لكونها مترددة وسلبية والظهور كنمر من ورق أمام دول مثل إيران التي تم تحذيرها بأن أميركا لن تسمح لها بامتلاك أسلحة نووية.

مجلس العموم

ومن جانبها كتبت إندبندنت في تعليقها أن مناقشة مجلس العموم البريطاني حول سوريا خلقت صداعا لكل الأحزاب الرئيسية الثلاثة. وقالت إن ديفد كاميرون وإد ميليباند ونيك كليغ يواجهون نفس المأزق وهم يتصارعون مع الرغبة في عمل شيء ما بعد الهجمات الكيمياوية الأسبوع الماضي، بينما يطمئنون الشعب بأنهم لن يفعلوا ما فعله بلير.

وقالت الصحيفة إن الزعماء الثلاثة متفقون على أن سوريا مختلفة لكنهم يعرفون أن أي تدخل محكوم عليه بأن يُنظر إليه من خلال منظر قرار توني بلير الكارثي بالانضمام إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ويعرفون أيضا أن المصوتين، عموما نتيجة لحرب العراق، سيتشككون عندما يعد الساسة بأن أي عمل في سوريا سيكون محدودا ومتناسبا وقانونيا ولن يجر بريطانيا إلى مستنقع آخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/أيلول/2013 - 25/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م