أمريكا وتنظيم القاعدة.. بين دعمه في سوريا وتجاهله في العراق

 

شبكة النبأ: مشهد استباحة طريق دولي عام بين العراق وسوريا من قبل عناصر مسلحة من "القاعدة"، وفي وضح النهار، وإيقاف ثلاث شاحنات سورية، وقتل السائقين بدم بارد، ربما يكون صالحاً للإثارة على الانترنت، لأن الشريط المرفوع في "يوتيوب" أعدّه فنياً، التنظيم الإرهابي، فهو يتباهى بنشره الى العالم.

لكنه مدعاة لمزيد من الأسى والألم على هذا العراق، الذي بات هكذا أمنه واستقراره.. المجرم الذي أطلق النار على السائقين الأبرياء يوجه كلامه للكاميرا، مخاطباً رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بالإسم، بأن جماعته قادرة على استباحة الطريق الدولي في وضح النهار، وقادرة ايضاً على فعل ما تشاء، ومتى ما تشاء ، بمعنى القضية، أشبه بعرض عضلات وإثبات وجود لا أكثر، لكن على حساب دماء الأبرياء.

في آخر زيارة لوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الى واشنطن، وعقده جلسة مطولة في مبنى الخارجية الامريكية بحضور وزير الخارجية جون كيري، أوصل رسالة العراق الى المعنيين في واشنطن بأنها الوحيدة التي تعرف نقاط الضعف التي يجب أن تضرب في "القاعدة"، وهي المرة الاولى التي يعترف فيها المالكي بشكل غير مباشر، ومن خلال كتلته النيابية، ثم على لسان وزير الخارجية، عن عدم قدرة العراق على إنهاء أمر القاعدة في العراق. ولو أن فريق المالكي يريد بذلك تذكير الامريكيين بالاتفاقية الأمنية – الإستراتيجية الموقعة بين البلدين، تلزم واشنطن بتقديم المساعدة للعراق في حالة تعرضه الى خطر خارجي، لذا جاء طلب زيباري من الأمريكيين تزويد العراق بمعدات عسكرية تمكنه من السيطرة على المناطق الحدودية مع سوريا، وهو ما لم تتفاعل معه واشنطن، لاسيما تزويد العراق بمروحيات قتالية متطورة من طراز "اباتشي" القادرة على إصابة أهداف دقيقة في الظلام.

طبعاً؛ هذا لا يخلي مسؤولية الحكومة العراقية وما تمتلكه من إمكانات عسكرية وأمنية، من تأمين الطرق الدولية، بل كل شبر من تراب العراق، وهذه ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها مجرمون من القاعدة وغيرهم عمليات القتل على الهوية على الطريق بين سوريا والعراق، فقد استشهد عراقيون وسوريون على هذا الطريق خلال السنوات الماضية، دون أن تعلن السلطات الأمنية قدرتها على إحباط عملية واحدة من هذا القبيل.

المراقبون والمتابعون، يجدون في مواجهة تنظيم "القاعدة" ذو الامتداد الأخطبوطي في البلاد الإسلامية، نوعاً من التحدي المثير للأنظمة الحاكمة في المنطقة، مثل العراق وأفغانستان ولبنان وسوريا واليمن وحتى بلاد المغرب العربي، وأي ضربة موجعة له، تُعد بمنزلة الامتياز الكبير الذي يعتد به في الساحة السياسية، فقد بدأ هذا التنظيم بالأساس معركته ضد الولايات المتحدة، لكن بات من شبه المؤكد، أن وجوه مثل "بن لادن"، في افغانستان، و "الزرقاوي" في العراق، هي بالحقيقة صنيعة المخابرات الامريكية، وإذن؛ فان قنص وتدميرها، لن يتم إلا بعلم مسبق من الدوائر العسكرية والمخابراتية الامريكية.

وما يعزز هذا الاعتقاد، حرص الامريكيين على الإبقاء على الاثنين فترة لا بأس بها على قيد الحياة، لحين الحاجة لتصفيتهم، وإلا كان بالامكان اختطافهما وأسرهما، كما حصل مع قادة و رموز مثيرة للجدل، تطاردهم العدالة الدولية، كما حصل مع الزعيم الصربي "ميلوسوفيتش" أو مع زعيم حزب العمال الكردستاني "عبد الله اوجلان". أو الارهابي الفنزويلي "كارلوس"، هؤلاء، تم اعتقالهم ومثولهم أمام القضاء، بينما اسامه بن لادن يُقتل في ظروف غاية بالغموض والالتباس، بل حتى لم تعرض جثته أمام العالم، وهو الذي شكته امريكا لمسلمي العالم، واتخذته قميص الفتنة الذي من خلال أوجدت نظامي حكم على الطريقة الغربية، في بلدين اسلاميين: افغانستان والعراق. كذلك الحال بالنسبة للزرقاوي، الذي كان يصول ويجول، تحت أنظار المراقبين من عناصر المخابرات الامريكية، بين البساتين والاحراش والمستنقعات والبراري، وكان آخر ظهور له، وهو يحمل بندقية امريكية الصنع من نوع خاص، ربما تباهى بها الاخير أمام الامريكيين بانه يقاتلهم بأفضل سلاح لديهم، وكان في الشريط المصور يطلق الرصاص بسرور وخيلاء، ولم تمض أيام على نشر الشريط، إلا وانتشر خبر مقتله بقصف جوي لطائرات امريكية رصدته في إحدى المنازل في محافظة ديالى.

وبذلك؛ تكون افغانستان والعراق معاً، الخاسرين في المعركة ضد تنظيم القاعدة، عندما قطف زهرة النصر الامريكيون، بعد أن أينعت ونضجت بدماء مئات بل آلاف الابرياء المدنيين من كلا الشعبين المسلمين. هذا المشهد تريده امريكا ان يتكرر في سوريا ايضاً. فتنظيم "القاعدة" يقاتل تحت اسم "جبهة النصرة"، لإيهام الرأي العام الامريكي والاوساط السياسية والاعلامية، بعدم وجود هذا التنظيم في سوريا، وليكون رجال السياسة والمخابرات والجيش في واشنطن في حرية تامة لدعم هذا التنظيم وتنظيمات مسلحة اخرى ضد حكومة بشار الأسد باشكال مختلفة. وقد سمع زيباري في واشنطن أصوات الرفض من الكونغرس، بأن "الباتشي" والمعدات العسكرية المتطورة، ربما تستخدم لصالح القوات السورية في ضرب وتدمير مواقع المعارضة، ومنها جبهة النصرة و "الجيش السوري الحر".

إذن؛ ليفهم العراقيون جيداً، ومعهم شعوب المنطقة، أن لا حظ لهم في النصر على الإرهاب الدولي والأخطبوطي باسم "القاعدة" إلا بمساعدة امريكية مباشرة، هذا إن وافقت على إشراكهم في النصر الكبير والحصول على الامن والاستقرار في البلاد التي تعيش أمريكا اساساً على حالة اللااستقرار فيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/آب/2013 - 19/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م