إنفجارات لبنان... مشهد طائفي يختفي خلفه سلفيون

 

شبكة النبأ: بعد لحظات فقط من الانفجار الذي ضرب مسجد "التقوى"، وهو الثاني بعد دقائق من الانفجار الأول في مدينة طرابلس شمال لبنان ظهر الجمعة الماضي، تجمع عدد كبير من الاشخاص في مكان الحادث وهم يهتفون بشعارات ضد حزب الله وضد سوريا، ثم شرع عدد من المسلحين بإيقاف السيارات والتدقيق في الهويات في تحركات متسرعة وهستيرية تنبأ عن شحن طائفي مبيت، كما لو أنهم وطيلة الفترة الماضية يعيشون هاجس الانتقام دون أن يهددهم أحد، على الانفجار الرهيب والمماثل – الى حد ما- استهدف منطقة "الرويس" في الضاحية الجنوبية في بيروت، حيث معقل حزب  الله البناني.

خلق الانفجاران مشهداً مريعاً من الجثث المتفحمة داخل وخارج المسجدين، ودمار كبير في المباني القريبة واحتراق عدد كبير من السيارات والدراجات التابعة لمصلين، ومصابين في حالات خطرة، وحسب آخر إحصائية فان عدد الضحايا (42) قتيل و(500) جريح، وربما تكون الارقام تقديرية.

ربما يكون من السهل تقدير ضحايا هذا الاعتداء الإرهابي الجديد على لبنان، لكن من الصعب جداً تفكيك خيوط الجريمة والوصول الى الرأس المدبر، أو ربما الرؤوس التي تقف خلف إشعال لبنان والمنطقة بنار الطائفية. فبعد اسبوع واحد من الانفجار في الضاحية الجنوبية، الذي استهدف مركزاً تجارياً، جاء الانفجاران بسيارتين مفخختين بفاصلة دقائق، استهدف الأول مسجد "السلام" والثاني مسجد "التقوى" فيما كان المصلون، وهم من السنّة، يؤدون صلاة الجمعة.

في مقابل رد الفعل السريع الذي لاحظناه من المتجمهرين أمام مكان الحادث في طرابلس وهم يتهمون "حزب الله" فوراً، يستوقفنا موقف أمين عام هذا الحزب السيد حسن نصر الله، عقب الهجوم الذي استهدف المناطق الخاضعة له، متهماً "التكفيريين" بالوقوف خلف تخفيخ السيارة التي انفجرت في "الرويس" وأسفرت بالطبع عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح. وبالنسبة للمتابع العربي، بات معروفاً الفرق بين "السنّي" و"السلفي".. فالسنّة، طائفة مسلمة، لها آرائها ومعتقداتها الخاصة، تختلف فيها مع الشيعة في بعض أحكام الشريعة، وبعض المفاهيم والمبادئ، ولم يظهر أي اصطفاف سنّي – شيعي في برهنة زمنية طيلة التاريخ الاسلامي، في ساحة المواجهة، سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي. بينما "السلفية"، فهي تُعد تياراً واضحاً في أدلجته وتسييسه للأفكار والمبادئ التي يحملها، فهو ينطلق بالأساس من مبدأ مواجهة الخطر الشيعي، باتباع "السلف الصالح"، ليقدموا للمجتمع السنّي البديل المقبول – في تصورهم- للقدوات والنماذج التي يمكن الاقتداء بها في حياتهم، في مقابل الأئمة المعصومون عليهم السلام، الذين يتخذون الشيعة منهم قدوات، بل يعتقدون بوجوب طاعتهم والالتزام بسيرتهم.

لو لاحظنا مسيرة "السلفية – التكفيرية" خلال السنوات الماضية، وتحديداً بعد الاطاحة بنظام صدام على يد القوات الامريكية والمتحالفة معها عام 2003، نجد أنهم بدأوا الخطوة الاولى في طريق مواجهتهم العنيفة والدموية للشيعة، ليس في العراق، إنما في عموم المنطقة، فقد صوروا انفسهم على أنهم حماة المجتمع السنّي، أمام المجتمع الشيعي الذي استقدم "الاحتلال الامريكي" للاطاحة بنظام حكم صدام، والانتقام من السنة المؤيدين لذلك النظام..! وعندما كثر  اللغط على العمليات الارهابية الدموية التي استهدفت الابرياء في الشوارع والاسواق حتى تاريخ 2006، و استهجن الاعلام العربي من عبارة "الانتحاري شهيد والعراقي المقتول شهيد"، التي خرجت دون إرادة من الناطقين بلسان الجماعات الارهابية في القنوات الفضائية. جاءت الاعتداء المفاجئ على مرقد الامامين العسكريين في سامراء في هذه السنة، لتكون الفرصة مؤاتية لإشعال نار حرب طائفية كانت مرفوضة سلفاً من الصف الشيعي، ولتجهيز المبررات بممارسة  المزيد من القتل والتفجير والتشريد، بحجة رد الفعل، وهذا ما حصل خلال فترة طويلة في المناطق التي يسكنها خليط من الشيعة والسنة، وقد دفع الآلاف من الأبرياء ثمناً باهظاً في دمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم ومستقبلهم لقاء هذه اللعبة القذرة.

بعد التجربة العراقية حاولت السلفية – التكفيرية، تكرار التجربة في سوريا، وكانت موعودة بدعم هائل إقليمي ودولي، ومعطيات سياسية في المنطقة تشير الى سرعة انتهاء العملية الانقلابية في سوريا، والاطاحة بنظام بشار الأسد، والسيطرة على الحكم كما تحقق لهم ذلك في مصر (مُرسي)، وفي أتون المعارك بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية، كان هؤلاء يبحثون عن فرصة في أي بيت وشارع وقرية، للفتك بالأطفال والنساء والرجال العزّل من الشيعة، تحت مبرر الانتقام من القتلى الذين يسقطون على يد القوات السورية.

هذا السيناريو يبدو انه يتكرر في لبنان، التي يصفها البعض على أنها العمق الاستراتيجي على الأرض للجماعات السلفية – التكفيرية، وهناك اعتقاد جازم لدى المراقبين والمتابعين للشأن السوري واللبناني، أن الهزائم التي مُني به التيار السلفي في سوريا من خسارته المدوية لعديد المواقع الإستراتيجية، أبرزها "القصير"، وهي على مسلسل الهزيمة في أرياف اللاذقية وحلب ودمشق، جعل منها موجوداً أشبه بالدودة القذرة التي تضر أكثر مما تنفع، وليس لها تلك الصورة البراقة أمام المجتمع السنّي، لاسيما بعد الجرائم المريعة التي ارتكبها عناصر لجماعات مسلحة عديدة تتبع هذا التيار، ضد أطفال وأبرياء في سوريا. فاذا استمر الوضع على هذه الشاكلة، فان التيار السلفي في لبنان سيكون في خطر ماحق، من هنا يفسّر البعض اختفاء الرمز السلفي الكبير، "أحمد الأسير" منذ فترة طويلة في لبنان.

واذا لاحظنا حجم الخسائر والضحايا التي تسقط جراء هذا السيناريو الدموي، نجد أن الضرر الأكبر يلحق بالمجتمع السنّي اكثر من نظيره الشيعي، لسبب بسيط، وهو ان الرأي العام العالمي، وهو على قدر كبير من الوعي والدراية، يقرأ الواقع ومعطياته وافرازاته، فكل شيء بات واضحاً من خلال وسائل الاعلام والاتصال السريع، ولا يمكن تزييف الحقائق، وقلب المظلوم ظالماً وبالعكس، حتى مع الشحن الطائفي في بعض وسائل الاعلام، وإعطاء بعض المبررات لهذا الطرف أو ذاك، من خلال الإثارات الطائفية وإثارة غبار صفحات التاريخ الاسلامي. لكن بالمحصلة فان الذبح والنسف والقتل بالجملة والتشريد والمشاهد المريعة لا يمكن احتوائها بما يقابلها، إلا بمثلها، وهو ما لم ولن يحصل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/آب/2013 - 18/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م