مصر وتركيا... مشاريع اخوانية اجهضت

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما هو المشروع الاخواني الذي قامت عليه تلك الجماعة؟ انه بكل بساطة  مشروع إقامة دولة الخلافة الراشدة أو الحكومة المؤمنة. كل التغيرات السياسية والثقافية في العالم العربي والاسلامي لم تستطع هدمه،  والذي تحول بمرور العقود الى شكل مقدس والى ايقونة لا يمكن اعادة تشكيلها.

في ثورات الربيع العربي، ومع كل الماسي التي سببها الاسلام السياسي للبلدان التي وجد فيها، وعبر الافكار المتطرفة التي كان ينادي بها، واعمال العنف التي وسمت الكثير من مفاصله التاريخية، الا ان امريكا واوروبا، وقعت في فخ التناقض مع  فكرة «العلمانية»، وجميع ما يتعلق يها من حمولات في السياسة على وجه الخصوص، حين القت بثقلها وراء الإسلام السياسي (والاخواني هنا تحديدا)، كبديل لنظم السبعينات الرئاسية.

ما هو مشروع تركيا كدولة، وهي التي تعتبر نفسها وريثة التقاليد العثمانية في طموحاتها واحلامها التي تريد الانبعاث من جديد؟

بعد فشل تركيا في الانضمام الى الاتحاد الاوربي، توجهت تركيا الى البحث عن دور جديد تقوم به بعد انكفائها الذي اختارته نتيجة متطلبات الشروط الاوربية، واصبح مد النفوذ التركي الى خارج الحدود هو المهيمن على مخططي السياسة الخارجية، وهو ما يصطلح بتسميته بالحديقة الخلفية، والتي تحتاج الى اعادة رسم وتنظيم.

وقد وضعت حكومة إردوغان نصب عينيها ضرورة عودة تركيا إلى الحضور الدولي وعدم الاكتفاء بدورها كجسر بين الشرق والغرب على حد قول منظرها السياسي ووزير خارجيتها أحمد داود أوغلو، الذي لا ينتمي إلى النخبة العلمانية التي حكمت لفترات طويلة بل إلى طبقة التكنوقراط الإسلاميين.

وسعى حزب العدالة والتنمية إلى جعل السياسية الخارجية التركية أكثر ديناميكية اعتماداً على النماذج الغربية والاميركية، وفتحت أبوابها مع جميع الدول وجيرانها على حد سواء، وألغت كثيراً من الحواجز والاجراءات التي تربطها بعدد من الدول وأهمها سوريا –العدو التاريخي- وذلك قبل اندلاع الثورة.

ما حدث في مصر يوم 30 حزيران القى بظلاله  على السياسات الخارجية للدول المحورية في المنطقة، وكانت حكومة إردوغان الممثلة بحزب "العدالة والتنمية" أبرز المتأثرين بهذا الحراك المصري الذي أقصى حليفه الفكري في مصر المتمثل بحزب "الحرية والعدالة" الحاكم والذراع السياسية للإخوان المسلمين.

يرى محللون غربيون أن الموقف التركي المتشدد تجاه ماحدث في مصر، نابع من خوف اردوغان من أن تنتقل العدوى إلى بلاده كما ذكرت ذلك "كرستيان ساينس مينيتور" الأميركية. إذ يتخذ حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا من الإسلام السياسي منطلقاً له وهو بذلك يجتمع مع حركات أخرى لها ذات التوجه تحكم في مصر وتونس والمغرب. ويتفق مع ذلك رؤية مسؤول رفيع في حزب "العدالة والتنمية" يرى أن الحزب التركي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين، وبالتالي فهو ينظر للانقلاب العسكري وكأنه حدث ضده، وبالتالي فإن تركيا هي الخاسرة من أحداث القاهرة، كما أن التغيير في مصر سيكون بداية لاضمحلال النفوذ التركي في الشرق الاوسط وسيخفف من شهوة تركيا المنفتحة عربيا.

 البعض الاخر يرى أن الحكومة التركية محصنة من هكذا تداعيات كبيرة بفضل المنجزات الاقتصادية الكبيرة التي حققتها خلال عقد من الزمن، ودليل ذلك تجاوز احتجاجات "جيزي" التي استطاعت القوات الامنية التركية قمّعها، بالرغم من الضغوط والانتقادات الغربية والاميركية الكبيرة على استخدام العنف ضد التظاهرات التي وصفها إردوغان من يقف ورائها ب"لوبي الربا العالمي".

وعلق محمد عبدالقادر، المتخصص في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، قائلا: إن هذه المواقف إنما تدل على رغبة تركيا وإصرارها على استمرار التوتر والاتجاه نحو التصعيد؛ لأنها ترى أن الابتعاد عن الإخوان في هذا الظرف التاريخي يعتبر خيانة، إضافة إلى أن تركيا ترى أن مشروعها فى الإقليم ينهار بسبب سقوط الإخوان في مصر؛ لذلك فهي تسعى للدفاع عنه باستماتة، فمثلا هي تسعى لاستقبال قيادات الإخوان الذين يستطيعون الهرب من مصر، ليشكلوا قاعدة انطلاق على غرار ما تفعله مع المعارضة السورية.

وقد عقد  التنظيم الدولي للإخوان المسلمين اجتماعات بتركيا لبحث تداعيات "الضربة التي تلقتها الجماعة" من التغيير الأخير بمصر، وسبل المواجهة في الفترة المقبلة، وخطط التحرك.

وناقش المجتمعون من جماعات "الإخوان المسلمين" في الدول العربية ومن أنحاء العالم خطوات محددة لمواجهة أزمة الجماعة في مصر وسبل تخفيف النتائج السلبية على التنظيم العالمي كله وجماعات الإخوان بالدول المختلفة.

وتحدد الورقة عدة سيناريوهات للتعامل مع الوضع، وبعد تقديم تصور لأسباب فشل حكم الإخوان بمصر بعد عام، تشير الورقة إلى موقف القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي وإن لم تقبل تمامًا بالتغيير في مصر إلا أنه لا يمكن للإخوان الاعتماد على دعمها.

وتحدد الوثيقة الدول التي يمكن الاعتماد على مساعداتها مثل تركيا وقطر، بالإضافة إلى الاستعانة ببعض الدعاة من دول الخليج ممن لهم أتباع كثر بين الشباب ويدعمون موقف الإخوان.

وتضمنت الوثيقة تحليلاً للمشهد السياسي ورؤية الجماعة لأسباب الأزمة وانعكاساتها على مستقبل الجماعة. واعتبرت الوثيقة أن أبرز أسباب الأزمة وفشل حكم الإخوان المسلمين في مصر هو تفكك التيارات الإسلامية واتساع الفجوة بين الجماعة والأحزاب السلفية بخاصة بعد وصول الإخوان إلى سدة الحكم.

وتضيف الورقة إلى الأسباب الهجوم الإعلامي المتواصل على الجماعة والأزمات الاجتماعية المفتعلة، وعدم القيام بمشروعات ذات مردود سريع على حياة المواطنين في تفاقم الوضع، إضافة إلى استغلال الجيش لمطالب المعارضة للعودة إلى السلطة.

وأوردت الوثيقة عدد من المخاطر المحتملة على مستقبل الجماعة داخل مصر وخارجها بعد التطورات الأخيرة، منها تزايد مشاعر الاضطهاد لدى قادة الجماعة والاضطرار إلى العودة إلى ظاهرة العمل السري، وصعوبة السيطرة على ردود التيار المؤيد والمتمسك بشرعية الرئيس السابق محمد مرسي بخاصة بين شباب الإخوان.

كذلك، مخاوف من حدوث انشقاقات داخل الجماعة بخروج بعض شباب الإخوان على قيادة الجماعة بحجة أنها تسببت في صدام مع الجيش والقوى السياسية الأخرى.

أما فيما يتعلق بالمخاوف حول مستقبل الجماعة خارج مصر فقد اعتبرت الوثيقة أن ما حدث سيعزز موقف التيار المتشدد المعارض للإخوان المسلمين في الدول الأخرى، كما سينعكس سلبًا على فروع الجماعة في كل دول العالم.

ووضعت الوثيقة عدد من السيناريوهات والمقترحات للتعامل مع الموقف ترجح منها الصمود والدفاع عن الشرعية بالنفس الطويل ورفض المساس بشرعية الرئيس المنتخب مهما بلغت الضغوط والعمل على إحداث صدع في الجيش.    

وهناك سيناريو آخر يقضي باللجوء إلى عسكرة الصراع وهو ما وصفته الوثيقة بالخيار الكارثي حيث أنه سيقود إلى تدمير البلاد على غرار ما يحدث في سوريا.

وقدمت الوثيقة عددًا من الاقتراحات لإنجاح سيناريو المقاومة بالنفس الطويل عبر "تكثيف الحملات الإعلامية وتوعية الشعب بحقيقة ما حدث، والملاحقة القانونية لرموز الجيش".

كما نصت الوثيقة على وضع استراتيجية لإحداث انقسامات داخل المؤسسة العسكرية، إضافة إلى "التركيز على مواقف الأحزاب والشخصيات الوطنية التي تعتبر ما حدث انقلابا عسكريا".

وكذلك "إبراز مواقف المؤسسات الدولية التي اعتبرت ما حدث انقلابًا عسكريًا، والتركيز على مطالبة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي بوقف المساعدات للجيش المصري"، وتشير الوثيقة تحديدًا هنا إلى جهود السناتور جون ماكين.

إضافة إلى "نشر ملفات الفساد المتاحة عن كل من شارك في الانقلاب، والعصيان المدني واستمرار الاعتصامات ومحاصرة مؤسسات الدولة السيادية".

وكان الموقف التركي  تجاه هذا المؤتمر مدفوعاً بثلاثة اعتبارات هي:

1. الخوف من اقتداء الجيش التركي بالجيش المصري للانضمام لصفوف جماهير الشعب المعارضة للحكم العثماني الموسوم بالسمة الإسلامية.

2. القلق والإحباط التركي من إخفاق تجربة الإخوان في مصر واحتمال انتقال عدواها لتركيا خاصة بعد تظاهرات منطقة «تقسيم» وبروز موجة من النقد الشديد لسياسات أردوغان ومطالبته بالاستقالة.

3. طموح أردوغان للسلطة وسعيه لتغيير الدستور لإعطاء صلاحيات للرئيس وأن يترشح رئيساً للدولة على غرار نموذج فلاديمير بوتين في روسيا.

هناك عدد من المخاوف من هذا الموقف التركي والخلافات الناجمة عنه وخصوصا مع دول الخليج، حيث يخشى

 أن يؤدي ذلك إلى التأثير على ملفات مهمة يمكن أن يؤدي ضعف التنسيق البيني فيها إلى تراجع كبير، وأبرز تلك الملفات الملف السوري.

ويرى الدكتور عبدالله الشمري الباحث في الشؤون التركية أن الاختلاف على الموقف في مصر سيخيم على مستقبل علاقات تركيا مع دول الخليج.

ويضيف الشمري أن دول الخليج في البداية تفهمت الموقف التركي لكن استمرار تركيا في النقد اليومي جعلها في موقف المحرض وبلا شك فالعلاقات المستقبلية ستكون غير واعدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/آب/2013 - 17/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م