أميركا تتحالف مع تنظيم وليس مع دولة

تعايش اميركا مع الاخوان

جاسم محمد

 

شهدت العلاقات المصرية الأمريكية تطوراً من خلال التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث عملت على إيجاد حوار استراتيجي، لتحقيق التفاهم بين البلدين. وقد حرصت مصر والولايات المتحدة معا على تحديد أهداف كبرى لتعاونهما وهي: السلام والاستقرار الإقليمي والتصدي للإرهاب والإصلاح الاقتصادي. وهنالك تعاون مشترك مابين الطرفين في إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط ضمن اتفاقية كامب ديفيد للسلام 1979.

ضغوطات اميركية

اتسم موقف الادارة الاميركية من أزمة الاخوان في مصر بالارتباك والتناقض احيانا في أعقاب الثورة التصحيحية في 30 يونيو 2013 وكذلك في اعقاب فض الحكومة اعتصامات الاخوان الاسلمية في 14 اوكست 2013. وكان الموقف الاميركي قد غير وصف" الانقلاب" الى ثورة.

شهدت مصر حالة من الاستقطاب منذ عزل مرسي في 3 يوليو 2013. وبذلت الحكومة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة باستقبالها المسؤولين الأمريكيين وعقدت اجتماعات معهم ومع وقيادات الاخوان. ووصل إلى القاهرة يوم 5 أوكست 2013 عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين ـ John McCain ـ وليندساي غراهام لينضما إلى مساعد وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز الذي أجرى محادثات سابقة مع الحكومة ومع الاخوان. يذكر أن غراهام حذر، قبل توجهه إلى القاهرة، الجيش المصري من ضرورة الابتعاد عن الحياة السياسية وإلا سيخاطر بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر. وزار بيرنز مساعد وزير الخارجية الاميركية القاهرة مرتين مابعد ثورة 30 يونيو 2013 وماقبل فض اعتصامات الاخوان في رابعة العدوية في 14 اوكست 2013. والتقى خلالها مع قيادات الاخوان بهدف التوصل الى حل سياسي بالتنسيق مع الاتحاد الاوربي.

لقد زادت تصريحات السناتور الاميركي جون ماكين في اعقاب فض اعتصامات الاخوان في رابعة والنهضة يوم 14 اوكست 2013 اكثر تطرفا وتعتبر تدخلا من قبل جون ماكين والولايات المتحدة في الشأن المصري. حيث حذر: [من إمكانية زيادة العنف في مصر، بشكل قد يدفع الكونجرس إلى النظر في قطع المساعدات العسكرية عن مصر. كما حذر من إمكانية وصول سفك الدماء إلى مراحل مخيفة في مصر، معربًا عن قلقه حيال تصاعد العنف في الأسابيع المقبلة ]. وصرح الى ال سي ان ان في 16 أوكست 2013 قائلا: “نحن نتذكر ما حصل في الجزائر والقمع الذي أدى إلى مقتل أكثر من 200 ألف شخص، وأنا أخشى أن الأمور تتجه إلى نموذج الجزائر من جديد.” وشكك ماكين في قدرة السلطات المصرية على إنهاء جماعة الإخوان، ليؤكد رهانه على الاخوان.

أميركا تتحالف مع تنظيم وليس مع دولة

بدأ التحرك الاميركي الأقوى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر،2001 نتيجة شعوره بالقلق من ظهور متعاطفين مع أسامة بن لادن من العرب، وظهر توجه من أن أمريكا تسعى نحو علاقة مع الإسلام المعتدل، لموازنة التيارات المتطرفة. وجرى ترتيب لقاءات بين إلاخوان وبين مسؤولين بالمخابرات الأمريكية عقدت في عواصم أوروبية، منها بروكسل. وبعد أربع سنوات من صياغة هذا التوجه، أعلنت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية:" أننا لا نمانع في وصول الإسلاميين للحكم". بعدها كشفت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، في فبراير،2011 بعد ثورة 25 يناير، عن حقيقة ما كان يجري بين أمريكا والإخوان. وقالت:" إننا سنواصل الاتصالات التي قامت في السنوات الماضية مع الإخوان.

هذه السياسة خصصت لها الكثير من الموارد الداعمة للإخوان، وانعكس ذلك على حالة غضب في الكونغرس على سياسة اوباما وتحالفه ورهانه على حكومة الاخوان في مصر وتركيا ودول اخرى باعتبارها البديل الى التنظيمات الجهادية والقاعدة.

وجاء غضب الكونغرس على ادارة اوباما عندما اكتشفت حقيقة بان الولايات المتحدة قد تحالفت مع تنظيم وليس مع دولة. هذا الخلاف والجدل مابين الكونغرس والبيت الابيض قد يكون هو المرجح وراء اصرار ادارة اوباما محاولة ابقاء الاخوان ودعمهم.أن الاصرار الاميركي بدعمه للاخوان في مصر اثار الكثير من التساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة وحياديتها بدعم الديمقراطية، وكشفت الوجه الاخر الذي يتعارض مع حق الشعوب بتقرير المصير.

تعايش اميركا مع الاخوان

ان ايدلوجية القاعدة لم تكن بعيدة من ايدلوجية الاخوان القائمة على اقامة الخلافة الاسلامية، ولتتحول القاعدة الى منظومة لتطبيق هذا الفكر على الارض اي تحويل الفكر السلفي الذي يمتد الى جذور اخوانية الى عمل مسلح "جهادي " على الارض. فالظواهري وسيف الدين العدل وغيرهم من قيادات تنظيم القاعدة المركزي هم من الاخوان في مصر ثم التحقوا بالقاعدة. ان التعايش الذي حصل مابين الاخوان والولايات المتحدة وصعود مرسي الى الحكم لم يأتي من فراغ او وليد الساعة بل كان هنالك اتصالات مباشرة، خلال ايام حسني مبارك، هذه الاتصالات مع الاخوان تعود الى عام 2009 مابينهم وبين الخارجية الاميركية، وهي ذات الخطوات التي اتخذتها الخارجية الاميركية مع الاخوان في المغرب. ان اتفاق الاخوان مع الولايات المتحدة يعد تناقضا واضح في نظرية الاخوان.

شهدت سياسة الولايات المتحدة في اعقاب حربها على الارهاب 11 سبتمبر 2001 والحرب على افغانستان ثم غزوها العراق عام 2003 تراجعا كثيرا في سياستها الخارجية وشكلت عبئا حتى على حليفاتها ومنها الحلفاء الاوربيين التي باتت مشاركتهم في الحرب على الارهاب موضع رفض.

وبدأت الولايات المتحدة تقوم بإبدال الانظمة في المنطقة بأنظمة اسلامية وفق مقاساتها ضمن مفهوم "الإسلاميون الجدد " وهم الاخوان ليكونوا بديلا عن القاعدة. ". لذا احتضنت بل اعدت الاخوان المسلمين بديل اسلاميا جديدا في المنطقة ومدت جسور العلاقة خلال مرحلة "الثورات العربية " لتحكم قبضتها من جديد على حكومات الظل العربية وفقا لشروط واملاءات اميركية مسبقة. وهو مشروع" الاسلام المعتدل " والبديل للحركات الجهادية.

الولايات المتحدة تستخدم الاخوان بالوكالة بعد ان استخدمت تنظيم القاعدة مرتزقة تقاتل تماشيا مع سياسة الولايات المتحدة بتقليص نفقات نشر القوات، وحققت ذلك بعد تسريح المطلوبين في عام 2011 و2012 من غوانتنامو وسجونها في الدول الاخرى لإعادة تشكيل تنظيمات جديدة، واغلبهم من قيادات القاعدة والذين كانوا يتصدرون قائمة الحركات الجهادية، لقد كان هنالك انحراف في مسار تنظيم القاعدة ليصوب ضد المذاهب الاسلامية الاخرى والمسلمين. فالقاعدة تمثل الذراع العسكري والاخوان الذراع السياسي الذي يعمل على تفكيك واضعاف الانظمة العربية. اعتمد اصحاب القرار الاميركي وصانعو السياسة الاميركية على مبدأ:" جعل الحكام العرب في حالة قلق " لكن في الوقت نفسه تسعى الى ابقاء أنظمتهم ".

ردود فعل مصرية

أشار الرئيس المصري عدلي منصور في بيان صدر يوم 14 اوكست 2013 إلى أنه "تابع ما صدر عن الرئيس باراك أوباما بشأن الأوضاع في مصر". وأعرب منصور في البيان عن خشية الرئاسة المصرية من "أن تؤدى التصريحات التي لا تستند الى حقائق الأشياء، لتقوية جماعات العنف المسلح وتشجيعها في نهجها المعادي للإستقرار والتحول الديموقراطي، بما يعرقل إنجاز خارطة المستقبل والتي نصر على انجازها في موعدها، من دستور الى إنتخابات برلمانية ورئاسية.

مجلس الأمن يناقش الأزمة المصرية

بدأ مجلس الأمن الدولي يوم 15 أوكست 2013 مشاورات مغلقة حول الأزمة في مصر بناء على طلب من فرنسا وبريطانيا وأستراليا. هذا الاجتماع جاء ضمن جهود بعض الاطراف الدولية والاقليمية ابرزها الولايات المتحدة وتركيا بتدويل الازمة في مصر من اجل ايجاد ضغوطا على العسكر. التقديرات تشير الى ان الولايات المتحدة هي من دعت الى عقد هذا الاجتماع دون طرح نفسها في الواجهة، اي ان ادارة اوباما سعت الى تدويل الازمة ضمن دعمها للاخوان بعد ان فشلت بالتلويح بإيقاف المساعدات الاميركية والغاء مناورات النجم الساطع مع الجيش المصري.

ان التصريحات الاميركية وزيارات مسؤوليها يعكس اصرار الولايات المتحدة بحشر نفسها في الشأن الداخلي المصري. اما تصريحا ت السناتور الاميركي ماكين خلال زيارته الى مصر وما بعد فض اعتصامات ميدان رابعة العدوية والنهضة تعتبر تدخل واضح في الشأن الداخلي وربما هي الاعنف. ماكين ذلك السناتور الجمهوري المتطرف الذي خسر ترشيحه امام اوباما، وتمثلت مواقفه المتطرفة بزيارته الى المعارضة السورية في الداخل والتي تعتبر انتهاكا صريح الى الاعراف الدولية والعلاقات الدبلوماسية. هذا الاصرار الاميركي اثار الكثير من التساؤلات حول الشعارات الاميركية بدعم الحرية والديمقراطية.

أن توجيه الانتقادات الى الحكومة الانتقالية في مصر عكست ازدواجية المعايير الاميركية. من الجدير بالذكر الى ان استراتيجية الولايات المتحدة في "محاربة الارهاب " تدفع بإرسال قواتها الاف الاميال للدفاع عن امنها القومي، على سبيل المثال مثل غزو العراق وافغانستان. ليبقى الامن القومي الاميركي هاجسا رغم امبراطورية الوكالات الاستخبارية.

ازدواجية واشنطن

جاءت تفجيرات ماراثون بوسطن التي وقعت يوم 15 ابريل 2013، لتعيد إلى الأذهان تفجيرات 11سبتمبر 2001. ووصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما التفجيرين اللذين استهدفا ماراثون بوسطن بأنهما عمل إرهابي. وكانت نتائج تحقيقات الشرطة تفيد أن شقيقين، أحدهما يدعى "جوهر والاخر تامرلان، الاخير قتلته قوات "الكومندوز "بعد ملاحقته دون ان تعطيه فرصة للاستسلام. الحادثة تعتبر من عمل الهواة والقنبلة صنعها الاخوان في المطبخ وكانت محدودة جدا، لكن الولايات المتحدة اعطتها أهمية وتغطية اعلامية كبيرة وراجعت خططها في حربها على الارهاب. أن واشنطن تطبق معايير مختلفة في مصر وتستكثر على الامن المصري في مواجهة ارهاب وعنف الاخوان الذي حول مصر الى ساحة حرائق باستهدافها المقرات الحكومية والمراكز المدنية.

لقد تحولت المنابر الدولية ومنها الامم المتحدة ومفوضية الاتحاد الاوربي في بروكسل وحقوق الانسان في جنيف جميعها منابر ابتزاز القوى الكبرى لشعوب المنطقة. ان الإدارة الأمريكية لا ترى الا جماعة الإخوان وكان بداية ذلك من خلال دعمها دستور الاخوان في عام 2012. الحكومة المصرية استنفذت كافة الخيارات السياسية والحوار ولم يبقى لديها خيار الا المواجهة. ويبدو ان الاخوان قد أعدوا هذه التحضيرات منذ عزل المخلوع في 30 يونيو 2013. الإخوان يراهنون على مطاولة الازمة والمواجهة واستنزاف الجيش وهي ذات الاستراتيجية القاعدية في مواجهة الخصوم مع تدويل الازمة من خلال حلفائهم. واشنطن تتبع استراتيجية ادارة الازمة وتدويلها من الخلف لتترك اطراف اوربية واقليمية في الواجهة ضمن اسلوبها بإيجاد ضغوطات على الحكومة وانقاذ الاخوان او على الاقل الاحتفاظ بقيادات الاخوان من الخط الاول وان كانوا خارج السلطة. وهذا يعني ان مصر سوف تواجه ضغوطات دولية اميركية اوربية اكثر خلال الايام القادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آب/2013 - 14/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م