الأرض والاحتباس الحراري... هل بات المحذور قريبا؟

 

شبكة النبأ: ارتفاع درجة الحرارة احدى اهم واخطر الظواهر التي تهدد استمرار الحياة على الكرة الارضية كما يقول العلماء الذين اكدوا على أن حرارة الأرض في ارتفاع مستمر بسبب تأثيرات الاحتباس الحراري الذي اسهم بتفاقم هذه المشكلة ، وهذا ما أثبتته قياسات درجات الحرارة خلال السنوات الماضية. وارتفاع حرارة الأرض أمر خطير للغاية لأنه يُؤدي إلى نتائج كارثية، فاستمرار تلك الزيادة في درجة حرارة الأرض يُؤدي إلى ذوبان جبال الجليد في القطبين وبالتالي ارتفاع مستوى البحر ما ينتج عنه إغراق المناطق الساحلية، وكل ذلك يُحدث تغيرات كبيرة في مناخ الأرض تتفاوت بين الأعاصير، موجات الجفاف، الفيضانات والحرائق وغيرها من الكوارث الاخرى.

ويجمع العلماء على ضرورة العمل للحد من ارتفاع درجات الحرارة قبل فوات الأوان وذلك من خلال معالجة الأسباب المؤدية للارتفاع واتخاذ الاجراءات الرسمية في شأنها على مستوى العالم بأكمله، لأن مزيدًا من الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم يؤدي إلى ارتفاع اكبر في درجات الحرارة. وفي هذا الشأن وعلى رغم الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، تتعرض الارض في السنوات الثلاثين المقبلة لموجات من الحر لا مفر منها، بحسب ما اظهرت دراسة نشرت في مجلة "سيانتيفيك انفيرنمنتال ريسرتش ليترز". وقال الباحث ديم كومو من معهد بوتسدام للدراسات حول المناخ "حتى العام 2040، سترتفع وتيرة موجات الحر الشديد بمعزل عن درجة انبعاثات غازات الدفيئة في الجو". ومن المتوقع ان تبلغ موجات الحرارة الاستثنائية مستويات عالية توازي تلك التي ضربت اوروبا في العام 2003 والولايات المتحدة في العام 2012، لكنها ستمتد في العام 2020 على مساحات توازي 10 % من مساحة كوكب الارض. وفي العام 2040، سيكون 20 % من كوكب الارض تحت تأثير هذه الموجات.

وبعد هذا التاريخ، سيكون الامر مرتبطا بمستوى انبعاثات غازات الدفيئة في الجو. فاذا كانت الانبعاثات قليلة، فان موجات الحرارة ستعود وتتراجع. وهذا يعني ان موجات الحر ستصبح هي المناخ المعتاد في المناطق المدارية في آخر القرن الحالي، مشكلة 50 % من الصيف في اميركا الجنوبية وغرب افريقيا و20 % من اوروبا الغربية. أما في حال استمرار الارتفاع في انبعاثات غازات الدفيئة، فان 85 % من كوكب الارض سيكون عرضة لموجات حر شديد بدرجة 3 سيغما، و60 % سيكون عرضة لموجات اقسى من درجة 5 سيغما. وبحسب ديم كومو فان "هذه التغيرات المناخية يمكن ان تكون ذات اثر مدمر على المجتمع والتنوع البيئي، مسببة حالات وفيات جراء الحرارة، وحرائق الغابات، وخسائر في الانتاج الزراعي".

وفيات بسبب الحرارة

في السياق ذاته توفي أكثر من 700 شخص في انكلترا نتيجة موجة الحر الشديد التي شهدتها البلاد. ونقلت شبكة سكاي نيوز التلفزيونية البريطانية عن خبراء الصحة القول إن أقسام الإسعاف في المستشفيات البريطانية تعاملت مع سيل من المرضى جراّء موجة الحر، التي سجلت رقماً قياسياً لم تعرفه بريطانيا منذ عشرات السنين، حيث وصلت درجات الحرارة فيها إلى 32 درجة مئوية.

وأعلن مكتب الأرصاد الجوية رفع مستوى التحذير من موجة الحر إلى الدرجة الثالثة، في العاصمة لندن والمناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية من البلاد ومقاطعة مدلاندز الغربية. وقالت رئيسة قسم الصحة العامة في دائرة الصحة بانكلترا البروفسور فيرجينيا موراي : إن خطر الوفاة أو المرض جرّاء موجة الحر يثير قلقنا، وخاصة لمن يعانون مشاكل في التنفس لأنهم يواجهون خطراً أكبر بكثير من غيرهم بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع الحرارة الشديدة.

من جانب اخر خلّفت موجة الحرّ التي ضربت اليابان ثلاثة قتلى فيما تم نقل أكثر من 2500 شخص إلى المستشفيات. ونقلت وكالة الأنباء اليابانية (كيودو) عن وكالة إدارة الحرائق والكوارث أن 2594 شخصاً أدخلوا إلى المستشفيات بإصابات مختلفة، فارق ثلاثة منهم الحياة نتيجة موجة الحرّ التي تضرب البلاد. وكانت درجات الحرارة ارتفعت مع نهاية موسم المطر ووصلت إلى 35 درجة مئوية في معظم مناطق اليابان.

من جهة اخرى تسبب ارتفاع درجات الحرارة خلال الفترة الأخيرة في وفاة 18 شخصا بعدة مناطق في جنوب الجزائر، 7 وهي نفس الحصيلة التي سجلت العام الماضي. وذكرت صحيفة (الخبر) أن 14 شخصا أغلبهم من الشيوخ المصابين بارتفاع ضغط الدم توفوا بولاية ادرار في موجة حر شديدة تجتاح عدة مناطق من الولاية، حيث تراوحت درجة الحرارة مابين 53 و58 درجة. ونقلت الصحيفة عن مصدر طبي قوله أن أكبر حصيلة من الوفيات سجلت جنوب الولاية وتحديدا في دائرة أولف (7 وفيات) ومنطقة رقان. وذكرت الصحيفة ان الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي ساهمت في ارتفاع عدد الوفيات خاصة لدى كبار السن والمصابين بارتفاع ضغط الدم الحاد. كما سجلت أربع وفيات أخرى بولايات اليزي وتمنراست وغرداية.

على صعيد متصل سجلت مدينة شنغهاي درجات حرارة قياسية غير مسبوقة منذ 140 عاما على الاقل ما تسبب بمصرع عشرة من سكانها على الاقل، كما اعلن مسؤول طبي. وموجة الحر هذه لا تشمل العاصمة الاقتصادية للصين فحسب، لكنها تطال عددا من المقاطعات في وسط وشرق البلاد حيث حذرت السلطات من ان الحرارة قد ترتفع الى حدود 41 درجة مئوية. وفي شنغهاي، بلغت الحرارة 39,8 درجات مئوية وهي الاعلى بحسب اجهزة الارصاد الجوية.

واثارت موجة الحر هذه تهافت السكان على احواض السباحة العمومية والمكتظة اصلا في الايام العادية. ونشرت وسائل الاعلام الصينية خصوصا صورة التقطت في مقاطعة سيشوان في مركز للترفيه يطلق عليه "البحر الميت في الصين" حيث يتكدس مئات الزوار مع سترات للعوم في حوض سباحة واحد. وفي مناطق اخرى مثل مدينة باينيان (وسط)، نقل احد المطاعم طاولاته الى ضفة نهر لكي يتمكن الزبائن من تناول الغداء وارجلهم في الماء.

خطر الاندثار

الى جانب ذلك لم يسمع أحد تقريبا في الولايات المتحدة عن قرية كيفالينا في ألاسكا، فهي قرية تقع على لسان ساحلي من الرمال على حافة بحر بيرنغ، وهي قرية صغيرة جدا حتى أنها لا تظهر في خرائط ألاسكا، فضلا عن خرائط الولايات المتحدة. ولعل الأمر كذلك أيضا لأنه من المرجح أن تختفي قرية كيفالينا تحت الماء في غضون عشر سنوات، وأن تذهب إلى الأبد. وسوف تذكر، إذا كان الأمر كذلك، كموقع أول لميلاد اللاجئين في أمريكا جراء التغيرات المناخية.

ويعيش نحو 400 شخص من السكان الأصليين حاليا في قرية كيفالينا في مجموعة من الكبائن ذات الطابق الواحد، وتعتمد حياتهم على صيد الحيوانات وصيد الأسماك. وقد حماهم البحر لعدد لا يحصى من الأجيال، لكن التراجع الكبير للجليد في القطب الشمالي في العقدين الماضيين أدى إلى تآكل السواحل، ولم تعد الطبقة السميكة من الجليد تحمي سواحلهم الآن من القوة المدمرة لعواصف الشتاء والخريف.

وقام فيلق للمهندسين بالجيش الأمريكي ببناء حاجز دفاعي بطول الساحل في عام 2008، لكنه لم يكن أبدا أكثر من مجرد إجراء للحيلولة دون اتساع الفجوة. وأجبرت عاصفة شرسة قبل عامين السكان على الإخلاء الطارئ لأماكنهم، والآن يتوقع المهندسون أن قرية كيفالينا لن تكون صالحة للسكن بحلول عام 2025.

ولا تعد قصة كيفالينا قصة فريدة من نوعها، حيث تظهر تسجيلات درجات الحرارة أن منطقة القطب الشمالي في ألاسكا تزداد حرارتها بسرعة تعادل ضعف سرعة باقي الولايات المتحدة. وقد أدى تراجع الجليد، وارتفاع مستوى سطح البحر ببطء، وتآكل السواحل بشكل متزايد إلى وجود ثلاثة من مستوطنات الاسكيمو التي تواجه خطر الدمار الوشيك. وتزداد المشكلة بارتفاع تكاليف مواجهتها، حيث تعتقد الولايات المتحدة أنها قد تتكلف ما يقرب من 400 مليون دولار لإعادة توطين سكان قرية كيفالينا في أماكن أكثر ارتفاعا. فبناء طريق، ومنازل، ومدرسة ليس رخيصا في مثل هذا المكان الذي يصعب الوصول إليه، كمل لا توجد إشارة إلى أن الأموال ستأتي إليهم قريبا من خلال الأموال العامة.

وتقول رئيسة مجلس المدينة كولين سوان إن قبائل السكان الأصليين تدفع الثمن من أجل مشكلة لم تسهم في صنعها. وأضافت "إذا كنا سنبقى هنا في السنوات العشر القادمة، فإما ان ننتظر الفيضان ونموت، أو نبتعد ونذهب إلى أي مكان آخر. فقد فرضت الولايات المتحدة هذا النمط الغربي من الحياة علينا، وقدمت لنا أعباء جديدة، والآن يتوقعون منا أن نجمع أغراضنا وننقلها بأنفسنا، أي نوع من الحكومات التي تفعل ذلك؟"

ولا توجد طرق في شمال كيفالينا، وتوجد فقط الرقعة الشاسعة من السهل الجليدي للقطب الشمالي في الاسكا.

يعتبر المنزلق الشمالي لألسكا اكبر حقول النفط الامريكية وفي أقصى الشمال من أطراف الأراضي الأمريكية تقع بلدة بارو، وهي أقرب بكثير للقطب الشمالي منها إلى واشنطن، وهي خط المواجهة للتغيرات المناخية في الولايات المتحدة.

وينحدر سكان بارو في الغالب من قبيلة الإنوبيات، وهي من شعب الاسكيمو، والتي تعيش على صيد الحوت القطبي والفقمة، لكن العام الجاري بالنسبة لهم كان عاما يعج بالمشاكل. فقد بدأ الجليد البحري في الذوبان والتفكك ثم عاد ليتجمد مرة أخرى، لكن طبقة الجليد كانت رفيعة وغير مستقرة، ولم يعد الصيادون قادرون على السير بقواربهم، وبالتالي دُمر موسم الصيد لديهم. وللمرة الأولي منذ عقود لم يتم اصطياد حوت قطبي واحد في بلدة بارو، ويقول أحد الرجال من ذوي الخبرة الكبيرة في صيد الحيتان، ويدعى هيرمان أسوك، إن كثافة الجليد كانت تصل إلى ثلاثة أمتار في فصل الشتاء، لكن كثافته الآن تزيد قليلا عن متر واحد.

ويضيف: "علينا أن نتكيف مع ما هو قادم إذا أردنا أن نستمر في الطعام وفي البقاء بعيدا عن البحر، لكن عدم وجود حوت هذا العام يعني أنه سيكون هناك شتاء طويل وبارد." وتعرف مدينة بارو بأنها "مدينة العلوم" في المنطقة القطبية الشمالية. حيث تستقبل في الصيف عشرات العلماء من دول العالم الذين يرصدون انكماش الجليد القطبي الشمالي، وسرعة ذوبان الطبقة المتجمدة في منطقة التاندرا. وقال أسوك إنه انضم إلى فريق من العلماء لدراسة عينات من الجليد أمام سواحل بارو بونيت. ركبنا سيارات فوق سطح الجليد البحري، لم نكن بمفردنا، وقال لي مرشدي المحلي براور فرانتز "ستكون برفقة حراس مسلحين للدببة القطبية".

وأضاف "طبقة الجليد رفيعة للغاية على نحو لا يمكّن الدببة القطبية من اصطياد فريساتها لذا تضطر إلى الهبوط على سطح اليابسة بحثا عن الطعام. ولا ينبغي أن تكون بمفردك أثناء مواجهة دب جائع." ويتعلق دور ألاسكا في قصة المناخ بالأسباب والتأثير. ففي الوقت الذي تحتر فيه الاراضي القطبية الشمالية لأمريكا، تواصل ألاسكا بالنهوض بدور فعال كمصدر للوقود الحفري المعتمد على الكربون الذي يعتبره الكثير من العلماء بمثابة المحرك الرئيسي لتغير المناخ.

ويعتبر المنزلق الشمالي لألسكا اكبر حقول النفط الامريكية ، كما يمثل خط أنابيب (ترانس ألاسكا) عاملا رئيسيا لأمن الطاقة في أمريكا. وتقول رئيسة مجلس المدينة كولين سوان إن قبائل السكان الأصليين تدفع الثمن من أجل مشكلة لم تسهم في صنعها ومع تراجع الأنتاح في الحقول الحالية، يبرز ضغط هائل على الاستفادة من احتياطيات ألاسكا غير المستغلة. ولقد أطلقت شركة (شل) خطة طموحة تقضي ببدء عمليات حفر بحرية في القطب الشمالي على الرغم من اعتراضات شديدة من جانب مجموعات الحفاظ على البيئة. وبرزت حالة من القلق الشديد عندما بدأت أعمال حفر قبالة سواحل ألاسكا، غير أن العمليات توقفت حاليا، لكن المزايا هائلة جدا مقارنة بتجاهلها.

وتعتقد كيت موريارتي، المدير التنفيذي لاتحاد ألاسكا للنفط والغاز، ان المنطقة تحتوي على 50 مليار برميل نفط غير مستغل حتى الان. وقالت "الواقع يقول إن المنطقة القطبية الشمالية بصدد تطور، والسؤال من نرغب أن يتصدر هذه العملية؟ أقول إننا نرغب في ان تكون الولايات المتحدة، لأن الواقع يقول غن الطلب العالمي على النفط والغاز لن يتراجع."

ولقد سجلت عائدات قطاع النفط زيادة جاوزت نسبتها 90 في المئة من ميزانية الولاية التي تعتمد في وجودها بشكل رئيسي على النفط. وتعني ايرادات النفط عدم فرض ضريبة على الدخول غلى جانب منحة سنوية لمواطني الاسكا. وعندما يتعلق الأمر بالموازنة بين الضغوط المتعارضة، مثل التغير السريع في المناخ من ناحية، والطلب على زيادة اقتصاد الولاية المدفوع بالكربون من ناحية، فمن دون شك تعرف الأولويات أي طريق تسلك.

وخلال جيل ربما يكون المحيط القطبي الشمالي خال من الجليد خلال الصيف، حيث أصبح معدل الاحترار في أقصى الشمال غير متلائم مع أي منطقة أخرى على كوكب الارض. ومن حيث استغلال الموارد وعمليات الشحن وتوطين الانسان من المرجح أن تصبح ألاسكا منطقة أكثر جاذبية، حيث يصف العلماء ذلك برد فعل إيجابي، أما بالنسبة لمواطني ألاسكا على جبهة تغير المناخ، قد لايبدو الأمر ايجابيا على الإطلاق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آب/2013 - 12/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م