الفن والعلم.. شرطان للإدارة الناجحة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم يترك الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، شأنا من شؤون الحياة إلا وكتب فيه، وأعطى رؤيته الواضحة عنه، ووضع له الحلول بعد الدراسة والتحليل، وهذا يتضح من خلال مطالعة المؤلفات والكتب الكثيرة التي تركها لنا، كمفكر ورجل اصلاح من طراز خاص، يضع على عاتقه توصيل العلم والوعي الى جميع شرائح المجتمع، كون سماحته يهدف الوصول الى أعلى المستويات وأقلّها وعيا، كي يرتفع بشأن الجميع، سلوكا وتفكيرا، وهذه هي القيمة الكبرى التي تتمخض عن العقول المتفردة.

لقد كتب الامام الشيرازي في كل مجالات الحياة، وتناول جميع ما يهم حياة الانسان، ومنها الادارة، وهي جانب حيوي من جوانب ومجالات تقدم الانسانية الى امام، وأول شيء يؤكده الامام الشيرازي في هذا المجال، أهمية اقتران العلم والفن في الادارة، بمعنى انه لا يتحقق النجاح لأي عمل اداري صغيرا كان او كبيرا، إلا اذا رافق العملية الادارية شرطان أساسيان هما (العلم/ الفن)، ومن دون هذين الشرطين لا يتحقق النجاح الاداري.

لذلك يقول الامام الشيرازي، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: الادارة ج1): إن (الإدارة علم وفن فأيهما بدون الآخر يكون ناقصا).

 قوانين ونظريات ومبادئ

العمل الاداري لابد أن تحكمه ضوابط، ويسير وفق خطط ودراسات متخصصة، لا أن تحكمه العشوائية والمزاج والسلوك الشخصي المرتجل، لذا لا يمكن تحقيق النجاح الاداري إلا في ظل مجموعة من القوانين والنظريات والمبادئ التي يرى فيها الامام الشيرازي أساسيات لنجاح العمل الاداري، اما اذا غابت لاي سبب كان فإن مصير الادارة الفشل.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي، في كتابه هذا على أن: (العلم عبارة عن مجموعة قوانين ونظريات ومبادئ يلزم على المدير استيعابها سلفا حتى يطبق كل شيء في موضعه، مثلا يلزم أن يعرف لزوم مسك السجلات وتسجيل كل وارد وصادر، وضبط الوقت ومعرفة الحد بين المبدأ والهدف، إلى غير ذلك .ثم يأتي دور الفن وهو ما يعتمد على الموهبة الشخصية والخبرة العملية والمهارة الفردية، واستنباط طرق حل المشاكل وما إلى ذلك، ومنه يعلم أم من جعل الإدارة علما مجردا، أو فنا مجردا، لا يمكن أن يأتي له بدليل، فهو كما إذا جعلت الإدارة قوة الشخصية ذات البعد الإداري في النفس، باعتماد أن المديرين كانوا يديرون قبل ظهور علم الإدارة، فلا حاجة إلى العلم ولا إلى الفن ).

ويضرب لنا الامام الشيرازي مثالا عن اهمية معرفة العنصر الاداري بعلم الادارة مقرونا بالفن، عندما يقول سماحته في كتابه المذكور نفسه: (إن الطبيب الناجح بحاجة إلى العلم ليعرف المرض وعلائمه و الأدوية، وإلى الفن بأن يكون طريق التطبيق للعلم حتى يكون ممارسا مجربا، كذلك الإدارة ).

وهكذا لا يمكن فصل العلم عن العمل الاداري، ولا يمكن التخلي عن الفن ايضا، فكلاهما شرطان اساسيان لاتمام العمل الاداري بنجاح، إما في حالة غياب العلم والفن، فإن فشل الادارة أمر محتوم، او حتى في حالة غياب احد الشرطين، فإن الادارة غالبا ما تكون محكومة بالفشل مسبقا، وهذا الامر يعرفه ذووا الشأن بصورة لا تقبل الشك.

الادارة ممارسة وتطبيق

من المعروف أن كل مجالات الحياة بحاجة الى المران والممارسة والتطبيق، حتى يتم اتقانها، وضمان التطبيق السليم لها، كذلك الادارة، بل العمل الاداري يشترط التجربة مسبقا، ومع استمرار التدريب والمران يصبح العمل الاداري مضمون النتائج، مع هامش الاخفاق، وهامش الابداع والتميز ايضا، لذلك كل مجالات الحياة تتطلب المران.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن الحياة تعتمد على التجارب مثل اعتمادها على العلم، فكون الإنسان شجاعا يعرف فنون الحرب، لا يجعله محاربا ناجحا إلا إذا خاض حروبا وخرج منها بسلام وعرف مواضع الخطأ والصواب حتى يتجنب الأولى في المواضع المشابهة وينجح إلى الثانية فيها).

لذلك هناك فرق واضح بين من يمارس العمل الاداري، وبين من يعطي نظريات وتوصيات نظرية لا اكثر، فالاول يصلح لقيادة العمل الاداري بصورة مباشرة، أما الثاني فلا يمكنه ان يكون اكثر من مستشار نظري، يقدم النصائح بالقول لا اكثر، وربما تصيب او تخيب، إذ نقرأ في قول الامام الشيرازي بهذا الصدد: (إن الإدارة – كما تقدم – ممارسة، لا مجرد نظريات وآراء وفرضيات، فإن تبلور هذه لا تكون إلا بالممارسة أما من يملك هذه فقط بدون الممارسة فيصلح أن  يكون مستشارا من الدرجة الثانية، إذ المستشار من الدرجة الأولى هو الذي مارس وتصاعد في عمله بالتجارب).

ولا يتعلق الامر بعمل اداري معين دون سواه، الكل بحاجة الى المران، ومن بينهم مدراء المدارس اذ يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص بكتابه نفسه: (المدير الممارس بحاجة إلى صفات جسمية كالصحة والطاقة المكافئة للعمل، وصفات عقلية من العلم والقدرة على تطبيق الصغريات على الكبريات، والتمكن من البت والحكم، والتقدير المناسب إلى غير ذلك، كما يلزم أن يكون حازما).

ويؤكد سماحة الامام الشيرازي على ان العمل الاداري ليس آليا جافا خاليا من الابداع والفن، بل لابد ان يكون الابتكار حاضرا دائما، وأن تكون العقلية الادارية ليست مقولبة، او محكومة بالتقنين المسبق، إذ لابد من حضور هامش الابداع والابتكار في كل الاعمال الادارية، وطالما ان المدير هو الذي يتصدى لقيادة العمل الاداري، فإنه مطالب بإقران الادارة بالفن والعلم والابتكار.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (يجب على المدير أن يستعد لتحمل المسؤولية، وأن يكون له الولاء للعمل، فإن غير ذي الولاء لا يمكن أن يأتي بكامل الإنتاج، وأن يكون له الابتكار، إذ ليست الإدارة جموداً وجفافاً وإنساناً آلياً، بل بحاجة إلى خلاقة ذهنية تولد الابتكار في الوقت المناسب، إلى غير ذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آب/2013 - 11/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م