كيف استعاد تنظيم القاعدة في العراق سطوته؟

علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: لا تزال أعمال العنف والإرهاب تخلّف آثاراً خطيرة وتشكل مصدر قلق كبير في العراق، حيث قتل أكثر من  4,137 مدنياً وإصابة 9,865 آخرين منذ مطلع عام 2013. وتشير احصاءات معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا على ان العراق احتل المراتب الأخيرة أمنياً خلال عام 2012، وإنه جاء في المرتبة 159 بقائمة مؤشر السلم العالمي التي تنتهي بالتسلسل 162، متقدماً على سوريا والصومال وأفغانستان.

يذكر ان القوات العراقية البالغة قوامها مليون عنصر أمن أنفق عليها أكثر من 25 مليار دولار، أما المبالغ الإجمالية التي صرفت على التسلح فقد بلغت نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي. في وقت يرى مراقبون انها غير قادرة على حفظ الأمن.

تتشابك الأحدث وتختلف التفسيرات بخصوص أعمال العنف والإرهاب بالنقد والتحليل وبدأ تنظيم القاعدة يثير القلق في مختلف مدن العراق وأثبت انه قادر على شن هجمات مختلفة. وان تصريحات المسؤوليين العراقيين وتوقعاتهم كانت خاطئة تجاه تنظيم القاعدة والقضاء عليه.

أن الأجهزة الأمنية لم تكن دقيقة عندما قالت إن التنظيمات الإرهابية تعيش مرحلة "صحوة الموت" ولم يكن قادة العراق على صواب عندما قالوا في وقت سابق ان العراق لم ولن يتأثر بما يجري في سوريا.

رص الصفوف

تنظيم القاعدة لا يزال يعمل على رص صفوفه عبر تحالفات جديدة، فان أجهزة الأمن تعثر باستمرار على وثائق ومعسكرات وأكداس للسلاح تابعة للتنظيمات الإرهابية. الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها تقف خجولة من إبداء رأيها أو مساعدتها فقد تركت الباب مفتوحا امام التدخلات الدولية في العراق ويشهد العراق رعب ودما خطير.

إننا حين نحذر من هجمات القاعدة  فهناك أسباب حقيقية، وإن مطالبتنا باتخاذ الأجهزة الأمنية إجراءات أمنية على مستوى عال فهو امر ضروري. لكن الحكومة العراقية عمدت إلى اتخاذ تدابير أمنية مكثفة تحمي من خلالها بعض المواقع المهمة التابعة لها فقط.

وبرغم الحد من قدرة التنظيم خلال عام 2010 على تنفيذ هجمات كبيرة، حيث بلغت العمليات الإرهابية 10 هجمات فقط خلال الشهر الواحد، بينما كان عدد الهجمات خلال العام 2006 بلغ نحو سبعين هجوماً شهرياً. وان التنظيم فقد قيادته المتمثلة بـ أبو مصعب الزرقاوي وبدأ التنظيم يتشظى ويعمل على هيئة عصابات تستفز وتسرق. ولكن بحلول نهاية عام 2012، بدء التنظيم يستعيد عافيته، حيث كان يشن أكثر من أربعين هجوماً كبيراً شهرياً بشكل منتظم.

ويعتمد التنظيم بمهامه على المعلومات التي يحتاجها من اجل إعداد هيكلته وتنظيمه، فقد شن حملة اغتيالات وعمليات إرهابية منسقة ضد مؤسسات الدولة والمدنيين وقادة الصحوات والعشائر الذين تعاونوا مع الحكومة.

وساهمت وزارة الدفاع والداخلية في تدهور الشراكة بين بعض قادة العشائر عبر برامج الصحوات وهو البرنامج الذي لم تدعمه الحكومة العراقية بشكل كافي فقد تخلى الجيش عن التمرد في المناطق التي تتواجد فيها قوات الصحوة والتي تعتبر الحلقة الأضعف في التصدي لتنظيم القاعدة، إذ بات أفراد الصحوات هدفا سهلا للقاعدة والتي تسعى بدورها  عقد اتفاقات مع الصحوات.

واليوم تقوم بعض العشائر في المناطق الحدودية القريبة من سوريا بإجراء تحالفات مع جماعات إرهابية.

الأمر الذي يكشف عن أن التنظيم يمتلك بنية تحتية ضخمة لم تكتشفها أجهزة الأمن. حيث يقوم بعمليات إرهابية في مختلف محافظات العراق مثل البصرة وبابل والديوانية وذي قار وهي مناطق تعتبر آمنة الى حد كبير من أجل إظهار قدرة التنظيم.

لا شك ان هناك عوامل أخرى تقف خلف ما يجري من عنف فقد كشفت برقيات أمريكية سرية تعود الى العام 2009 تتحدث عن علاقة العراق بجيرانه، وعدَّت السعودية بأنها  التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا للعراق، وعزت السبب الى المال السعودي والمواقف المعادية للشيعة وهواجس تعزيز نفوذ إيران الإقليمي عبر الحكومة العراقية الشيعية، وبينت أن السعودية كانت "ترعى التحريض الطائفي وتسمح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل الشيعة.

ونشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية، الخبر، حيث تقول إن "السعودية وليس إيران تشكل التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا بالنسبة الى الساسة العراقيين الذين يحاولون تشكيل حكومة مستقرة ومستقلة، وعزا السبب الى  المال السعودي والمواقف المعادية للشيعة والهواجس بأن العراق بقيادة شيعية يعزز نفوذ إيران الإقليمي.

وتقول احدى البرقيات أن البعض وليس الكل يعتقد أن السعودية تسعى الى تعزيز النفوذ السني وإضعاف السيطرة الشيعية والترويج لحكومة ضعيفة ومنقسمة، وتتابع ان الجهود البرلمانية في المقابل مدفوعة بتصميم واضح تنصب على قيام حكومة ضعيفة بقيادة شيعية منفصلة عن جاراتها العرب وخارج الهيكلية الأمنية الأميركية ومعتمدة استراتيجيا على إيران وليس للولايات المتحدة مصلحة في أي من الخيارين.

استراتيجية مستقبلية

في ضوء استمرار تنظيم القاعدة في عملياته الإرهابية، يحتاج القادة السياسيون والأمنيون الى إعادة التفكير في بناء إستراتيجية ضد التنظيم. وهذا يساعد على سير عملية حفظ الأمن بطريقة سلسة توسع تواجد قوات الأمن العراقية مستقبلا لتخضع جميع مناطق العراق تحت السيطرة والتخلص من نفوذ التنظيم.

وينبغي على واشنطن مساعدة العراق عبر استراتيجية تضع القوة الناعمة معيار للتطبيق مع تطبيق ممارسات لمكافحة الإرهاب.

ورغم أن مهام مكافحة الإرهاب تُعد أمر مهماً إلا أنها غير كافية. والمطلوب هو نهج واقعي يركز على الحكم الرشيد والتنمية المستدامة والاعمار وكل هذا يعتبر مكملا لحملة مكافحة الإرهاب.

وينبغي على الحكومة العراقي أن تراجع برامجها الإدارية والأمنية وإعطاء اولويات للمناطق الخطرة وصلاحيات أكبر من القوة للجهات المعنية للاهتمام بشؤون تلك المحافظات.

وينبغي على القوات الأمنية أن تقيم شراكة فيما بينها، وإقامة علاقة مع العشائر لتعزيز قوتهما كجزء من استراتيجية مستمرة لمنع عودة القاعدة.

يبدو ان مهمة القضاء على تنظيم القاعدة لم تقتصر على جهود العراق فقط،  مما ينبغي على الحكومة العراقية أن تقيم شراكة مع الدول ذات المصلحة ومع المؤسسات الدولية الأخرى الحقوقية والاقتصادية والصحية. فإن مشاركة الجهات ذات المصلحة أمر يعزز النجاح.

ولا شك ان دعم المواطنين وتمكينهم أمنيا وسياسيا في اتخاذ قرارات من أجل حماية انفسهم يعتبر عاملا مهما ضد عودة تنظيم القاعدة. وبالتالي سيتوفر الأمن بشكل أكبر وخصوصاً عندما يشعر المواطنين انهم جزء من هذا الوطن وان حمايته تقع على عاتقهم.

ومن الضرورات المهمة أن تتم إعادة هيكلة جهاز مكافحة الإرهاب على ان يخضع لقانون يتم دعمه داخل البرلمان ويخضع للسلطة الرقابية. ويجب على الولايات المتحدة ان تعمل على مساعدة العراقيين بتحسين قدرات هذا الجهاز الي يعد قوامه نحو 4100 شخص، وتبلغ تكلفته التشغيلية السنوية نحو 350 مليون دولار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آب/2013 - 9/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م