البحرين... "تمرّد" على الديكتاتورية وتحطيم الصمت العالمي

 

شبكة النبأ: ربما ما يميز الانتفاضة الجماهيرية المستمرة في البحرين عما جرى في بلاد عربية أخرى، أن ما يسمى بـ "ثورات الربيع العربي" تلقت دعماً لا محدود من أطراف اقليمية ودولية، فكانت الثمرة سريعة النضج وكبيرة الحجم، بينما البحرين تلقّت تآمراً لا محدود من نفس الاطراف الاقليمية والدولية لإخمادها وإسكات صوت المعارضة المنطلق من حناجر غالبية الشعب في البحرين والمطالب بتغيير جذري، وتشكيل نظام سياسي قائم على التعددية السياسية واحترام الرأي والعقيدة، والمشاركة الجماهيرية في صنع القرار، كما حصل في مصر وتونس واليمن وليبيا الى حدٍ ما. كما لو أن "الديمقراطية" مفهوم لا يصلح لبلد مثل البحرين. ولعل هذا من جملة دوافع شباب "ائتلاف الرابع عشر من فبراير" بتنظيم تظاهرة سياسية وإعلامية جديدة لكسر حاجز الصمت الدولي والاقليمي المهيمن على البحرين، بإعلان "التمرّد" يوم الرابع عشر من آب، وهو يوم عزيز على قلوب البحرينيين جميعاً، حيث تخلصوا من الاستعمار البريطاني المباشر، وحصلوا على استقلال بلدهم عام 1970.

وبما أن "حركة تمرّد" لن تتحدد بيوم الرابع عشر من هذا الشهر، وينتهي كل شيء في اليوم التالي، إنما يُرجى أن تكون  بداية ووثبة جديدة للثورة حتى إسقاط نظام آل خليفة. فان هناك حقيقة تسعى المعارضة للحفاظ على نصاعتها ووضوحها للعالم، وهي أن "التمرّد" في البحرين ليس بالضرورة نسخة من "التمرّد" في مصر الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، إنما الصدفة وتسارع وتيرة الاحداث السياسية في البلاد العربية، وتشابه الدوافع نحو  الثورة. وإلا فان ثورة شعب البحرين تعود بالحقيقة الى عام 1923، عندما صنع شعب البحرين أول انتفاضة جماهيرية ضد الاستعمار البريطاني، ثم توالت الثورات والانتفاضات خلال عقد الستينات والسبعينات والثمانينات ثم عقد التسعينات، وحتى الانتفاضة العارمة الأخيرة عام 2011.

ومن أهم وسائل وأدوات النظام لتفريغ الانتفاضة الراهنة من محتواها، أو لنقل لسحب صاعق الانفجار، هو الترويج الى أن انتفاضة شعب البحرين هي نوع من التقليد السياسي والمكابرة وحب الظهور، فقد جاء "الربيع العربي" لينعش الآمال البحرينية بتحقيق الحلم العتيد بتغيير النظام الحاكم في المنامة وتحكيم النظام الديمقراطي، لتعيش الغالبية المضطهدة شكلاً آخر من الحياة. هذا الترويج يفنده أحد قادة "جمعية العمل الاسلامي"، بأن التخطيط للثورة سبق الرابع عشر من شباط 2011، بفترة طويلة، حيث تم الاعداد للثورة في الشهر العاشر 2010، بمعنى أن ما يجري من "جولات ثورية"، إن صحّ التعبير، في البحرين، إنما هي امتداد لتلكم الثورات والانتفاضات التي شهدتها البحرين طوال العقود  الماضية، وهو يؤكد الحقيقة المغيبة، بوجود حالة الوعي واليقظة لدى جماهير الشعب، تدفعه للمطالبة بحقوقه في الحرية والمساواة والعدالة والتوزيع العادل للثروة والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، وليس كما يصوره رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان آل خليفة في تصريحه الأخير، بأن الاحتجاجات يجب أن تنحصر في "الحالة المعيشية" فإن كانت على خير ما يرام ، فما الداعي للثورة والتظاهر والاحتجاج..؟! ومن هذا المنطلق فقد توعّد وأرعد وأزبد.. باتخاذ اجراءات قاسية ضد المتظاهرين والمحتجين، وهو في ذلك يزيد – من حيث لا يشعر- من مشاعر الغضب والكراهية لدى عامة الشعب البحريني خلال الفترة القادمة، حيث نفى أن تكون هنالك مطالب سياسية حقّة لهذا الشعب تتعلق بالحياة السياسية والاقتصادية.

وقد تطرق رئيس الوزراء الذي يتشبث بهذا المنصب منذ اكثر من اربعين عاماً، في تصريحاته الاخيرة الى "المجلس الوطني" وتوصياته بحظر التظاهر والمسيرات الجماهيرية، وأنه "يشكل إرادة شعب البحرين". في حين الحقيقة، هي وجود "مجلس" نصفه منتخب والنصف الآخر معين من قبل الملك، وهذا المجلس يرفع ما يعرف في البحرين بـ "الرغبات" وليس التوصيات والتشريعات الى الحكومة لتنفيذها، ويكون الخيار للأخيرة اذا ما ارادت الالتزام بتلك الرغبات أم لا..! واذا حصل خلال بين الفئتين في هذا المجلس، فان رئيس المجلس الذي هو الآخر من المعينين، يغلّب القرار لصالح الجهة  المعينة من قبل الملك. علماً أن نظام الحكم في البحرين سعى لتلميع صورته عام 2001 بإعلان الدولة مملكة، وليس إمارة، وإقامة نظام ملكي دستوري، تكون الحاكمية للمجلس، وتكون للملك صلاحيات تشريفية، كما يفترض ذلك. بيد أن الواقع على الأرض ينفي ذلك، ويبين أن كل شيء يعود الى الملك، حتى الحديث الذي يروجه البعض من أنه غير قادر على تنحية "عمّه" من رئاسة الحكومة، أو انه خيار سعودي – امريكي وغير ذلك، ما هي إلا مغالطات يراد منها ذر  الرماد في العيون وتغييب الحقائق. إن رجال آل خليفة، سواء الرئيس العتيق منهم والمتشبث بالسلطة، أو الامير الشاب  أو غيره من اركان الحكم، أو الملك نفسه، هو في قارب واحد، ولا يتصور أحد منهم قابلية العيش لوحده من دون الآخرين.

من هنا؛ بات مطلب التغيير الشامل والجذري في البحرين، عاماً لدى معظم شرائح المجتمع، وهي خطوة متقدمة نحو الامام، بعد ان كانت ثمة أصوات في بداية انتفاضة عام 2011، تطالب بالإصلاح السياسي داخل الحكومة، بتغيير رئيس الوزراء وتفعيل بنود الدستور، وإعطاء بعض الصلاحيات الى المجلس المنتخب لسنّ القوانين، مع بقاء العائلة الخليفية على قمة هرم السلطة. وما زاد في نار الغضب الجماهيري خلال الفترة الماضية، رغم محاولات التهدئة والتسكين الداخلية والخارجية، محاولات التنصّل من قبل النظام الحاكم وشخص الملك، من كل المسؤوليات عن كل الدماء التي أريقت في شوارع البحرين والانتهاكات البشعة للأعراض والكرامات في أقبية السجون، وإظهار الامر على أنه خلاف اجتماعي – طائفي لا علاقة له بالنظام السياسي ولا بالحكومة ولا بالملك، وإن كانت فهي تتعلق بمشاكل بين وزارات الداخلية أو العمل او غيرها، مع الغالبية من الشعب المطالبين بفرص العمل او بعض الحقوق وحل المشاكل الأمنية وغير ذلك.

وهذه ميزة أخرى لشعب البحرين، تضاف الى ريادته في المعارضة السياسية بين البلدان العربية. فالثورة في البحرين لم تنتصر إلا وقد عرف العالم بأن المطالبة بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية، هي مطالبة عامة، غير مختصة بالشيعة، وقد أثبتت المسيرات والتظاهرات خلال الفترة الماضية هذه الحقيقة بخروج العديد من الاخوان السنّة الى الشارع للإعلان عن رفضهم لسياسات النظام وإدانته على فشله في تحقيق مطالب الشعب. وإذن؛ لن تكون هنالك صدامات بين مؤيد من هذا الجانب ومعارض لذاك، فالثورة شاملة ضد نظام حكم قلما يجد من يدافع عنه، عندما تحين ساعة الديمقراطية والحرية، بحيث يجد الجميع انهم رابحون.

والميزة الأهم والمضيئة في حركة شعب البحرين، أنه يعارض نظام قبلي مدعوم سعودياً وغربياً بشدة صارمة، وهو لا يحمل سوى علم بلده وقبضات اليدين، فلا سلاح من هذا البلد ولا دعم مالي من ذاك، كما نشهده في الصراع الدامي والرهيب في سوريا، وقبلها ما حصل في ليبيا، وايضاً ما يحصل الآن في مصر، حيث ان الدعم، بل والتدخل الخارجي ترك ظلالاً سيئة على مجمل حركة الرفض والمعارضة في هذه البلاد، رغم ما يقال عن حقانية هذه الثورة أو تلك. فلا وجود لإرادة جماهيرية صادقة وحقيقية، مما يمكن القول معه إن تجربة الثورة في البحرين من أنصع التجارب الثورية الواعدة في البلاد العربية، لذا نجد السدود والحدود أمام مسيرة تقدمها، لأن ليس هناك من يفاوض ويهادن ويساوم على إرادة الشعب البحريني، وإن وجد، فإن الشعب نفسه سيلفظه خارج الساحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/آب/2013 - 6/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م