أكراد سوريا... امنيات وردية تلوثها "النصرة" بالدماء

 

شبكة النبأ: الحرب التي يخوضها نظام بشار الأسد مع الجماعات المسلحة، والتقاطع والتعارض في الرؤى والاهداف بين جماعات المعارضة السورية نفسها، ثم الدعم الكبير من لدن أنقرة و لندن وباريس و واشنطن، لأمر التغيير السياسي في سوريا، هيئ الأجواء لأكراد سوريا لأن يضفوا شيئاَ من المصداقية على أحلامهم القديمة، بالسيطرة على الأرض، وتحقيق الذات القومية، والحصول على ما يشبه الحكم الذاتي، مستفيدين من التجربة الناجحة في شمال العراق.

وهناك مؤشرات واضحة وعديدة على رغبة أكراد سوريا في تكرار سيناريو أقرانهم في العراق مع صدام، عقب هزيمته النكراء في الكويت في شباط عام 1991، حيث بلغ حداً من الضعف والهشاشة، أن وافق على عرض قدمه الزعماء الكرد في حينه، بالانسحاب عسكرياً وأمنياً وإدارياً من المحافظات الكردية الثلاث: (أربيل، السليمانية، دهوك)، ليتسنّى للاكراد تشكيل أول نواة للحكم الذاتي الحقيقي بعيداً عن عيون المخابرات والنهج القومي والديكتاتوري لدى نظام صدام.

أكراد العراق، استفادوا من أجواء الانتفاضة المسلحة التي عمّت وسط وجنوب العراق عقب هزيمة الجيش العراقي في الكويت عام 1991، وحولوا هاجس الخوف لدى صدام من انضمام الشمال مع الجنوب في مخطط متكامل للانقضاض عليه، الى خيار للسلم والاستقرار، وذلك خلال الزيارات المكوكية التي قام بها كلٌ من مسعود البارزاني وجلال الطالباني ومسؤولون آخرون لبغداد (صدام)، وبذلك ضمن الاخير راحة البال من الشمال، ليتفرغ كاملة للجنوب وقمع العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها المعارضة، لاسيما في مناطق الاهوار.

أما في سوريا، فان الورقة الرابحة، هي التطرف الديني الذي ظهر بقوة في صفوف المعارضة السورية المسلحة، في عدد من المدن السورية منها مدن ذات أغلبية كردية شمال محافظة حلب المتاخمة للحدود مع تركيا. ويبرز الاسمين حالياً: "جبهة النصرة"، و"الدولة الاسلامية في العراق والشام"، والتنظيمين لهما علاقة عضوية بتنظيم "القاعدة". وحسب مصادر كردية – سورية، فان التنظيمين قاما بعمليات عسكرية في مناطق ديرك وحلب وعفرين "لفرض دولة إسلامية"، حسب عارف جابو مسؤول العلاقات العامة في المركز الكردي للدراسات القانونية بألمانيا.

وحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فان عناصر من التنظيمين سيطروا على بلدة تل عرن، في ريف حلب بشمال البلاد واختطفوا ما يقارب (200) مواطن من أهالي البلدتين بتاريخ 31 تموز 2013. وتحدث الناشط الكردي عن حصار فرضه المدّعون بإقامة دولة إسلامية في سوريا، لمدينة عفرين شمال حلب، ولمدة شهرين، وتحديداً خلال شهري حزيران وتموز الماضيين، وقال أنهم منعوا دخول المواد الغذائية والطبية.

هنالك جرائم مريعة ارتكبها عناصر "النصرة" بحق مواطنين عزّل، الهدف منها تطويع أكراد سوريا لدعم ومساندة اهدافهم وعملياتهم العسكرية التي لا وضوح فيها. وهذا مهد الارضية لخوض أكراد سوريا لأول مرة تجربة حمل السلاح، ليس ضد القوات السورية وضد نظام بشار الأسد، إنما للدفاع عن الكيان الكردي من نوايا تسلطية وقمعية من جماعات لا تمتّ اليهم بصلة.. لذا نجد أن "جبهة النصرة" تحديداً واجهت قتالاً شرساً ومقاومة عنيدة من لدن أكراد سوريا المنظّمين تحت لواء "حزب  الاتحاد الديمقراطي"، لاسيما في مدينة عفرين الاستراتيجية شمال حلب وعلى الطريق الحدودي مع تركيا، في مسعى واضح منهم لتطهير كامل المناطق الكردية من الجماعات الارهابية والمتطرفة، كما حصل في مدينة "رأس العين" في محافظة "الحسكة" والمتاخمة للحدود مع تركيا، حيث تمكنت المليشيات التابعة لهذا الحزب الكردي من طرد عناصر "النصرة" من بلدتهم في وقت سابق من شهر تموز الماضي، بعد اقتتال ومعارك دامت حوالي ثمانية أشهر، تسبب في تهجير العديد من العوائل من المدينة.

وحسب المصادر؛ فان هذا النصر الكردي أعقبه إعلان من زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم،  إن الحزب سيؤسس مجلساً مستقلاً لادارة المناطق الكردية في سوريا حتى تنتهي الحرب". ورفعت اللجنة الكردية العليا - وهي جماعة حديثة التكوين تنضوى تحت لوائها الأحزاب الكردية في سوريا ومن بينها حزب الاتحاد - علمها على "رأس العين"، في مسعى واضح لتجربة الإدارة المحلية من هذه المدينة.

وما يزيد نقمة الناس، سواءً الكرد منهم أو العرب الساكنين شمال سوريا، على التنظيمات الارهابية المتطرفة، نهجهم الدموي واستسهالهم إراقة الدماء بالجملة، فقد تحدثت إمرأة عربية من "رأس العين" أنها فقدت تسعة من افراد اسرتها، عندما اعدمهم عناصر "النصرة" لعدم استجابتهم لتقديم الدعم والمساعدة لهم. وهذا تحديداً ما يجعل أكراد سوريا متعجلين لاستباق الاحداث وتحذير الاطراف الاقليمية من خطورة هذه الجماعات الارهابية وافعالها الدموية وفكرها التكفيري، وخطره على المنطقة برمتها.

وفي  الآونة الاخيرة نشر عناصر "النصرة" على موقع "يوتيوب" شريطاً مسجلاً لعملية حرق ثلاث سوريين بعد سكب البنزين عليهم، في مشهد مريع، وهم يكبرون فوق رؤوسهم انتقاماً لعدم تعاونهم معهم. وحسب المصادر فان المعارك ما زالت جارية وبضراوة بين المليشيات الكردية وعناصر "النصرة"، التي تجد انها في موقف حرج للغاية إذا تم طردها من المناطق الكردية برمتها.

من هنا نسمع أصوات واضحة من أكراد سوريا بتشكيل نموذج جديد وخاص بهم في المناطق ذات الاغلبية الكردية في الشمال، متعكزين في ذلك على "الديمقراطية"، وبتشجيع واضح من أكراد العراق الذين باتوا على مسافة قريبة جداً من إعلان دولة مستقلة عن العراق. وجاءت زيارة رئيس حكومة اقليم كردستان العراق، نجيرفان بارزاني إلى تركيا مؤخراً، لتسويق فكرة الإدارة المحلية الكردية المحاذية للحدود التركية، ويعتقد معظم المراقبين، إن رسالة بارزاني هي طمأنة الاتراك من عدم وجود نوايا انفصالية لدى اكراد سوريا، ورغبتهم في استنساخ التجربة الديمقراطية التركية، وهو الخطاب الذي يتصور الاكراد انه كافٍ لاقناع وإرضاء الاتراك بأن تكون هناك إدارة محلية كردية، بعيداً عن الهيمنة السورية.

لكن مع كل هذه المعطيات؛ تبقى أمام اكراد سوريا استحقاقات كبيرة قبل تحقيق حلمهم بتكرار تجربة أكراد العراق. أولها وأهمها التخلّي عن خنادق المعارضة السورية المسلحة، وتحديد موقفها النهائي إزاء الوضع السياسي في البلاد. وهذا ما ينتظره بشدة نظام الحكم في دمشق، فهو يريد على الأقل تحييد موقف الاكراد من الصراع الدائر، في خطوة اولى نحو التخلّي الكامل عن العارضة، لاسيما اذا عرفنا أن الشمال السوري والمناطق ذات الاغلبية الكردية هي بالحقيقة تعني معظم خطوط الامداد والطرق الرئيسية بين المعارضة المسلحة والعالم الخارجي، حيث تصلهم من تركيا كل ما يحتاجونه من السلاح والعتاد والسلع الضرورية. بمعنى إن خروج الاكراد من دائرة المعارضة، يشكل نصراً جديداً لبشار الأسد، لاسيما أنه يعد نفسه حالياً "سيّد الميدان" بعد سلسلة من الانتصارات التي حققها ضد الجماعات المسلحة واستعادتها مدن وبلدات عديدة في محافظتي حمص وحماة.

أما بالنسبة للأتراك، فان ابرز هاجس لديهم، هو إذكاء الروح القومية في المنطقة، اذا نجحت بالفعل التجربة الثانية للأكراد في إدارة شؤونهم بأنفسهم. فمعظم المراقبين يرون في الاتفاق بين الحكومة التركية وبين حزب العمال الكردستاني لوقف اطلاق النار، لافتة سياسية كبيرة أمام من يعتقد بضعف انقرة وهشاشة وضعها في مناطق شرق الأناضول، حيث خاضت معارضة شرسة طيلة الثلاثين عاماً الماضية، حصدت الآلاف من القتلى من الجانبين. فالنجاح العراقي ثم السوري، في تحقيق الحكم الذاتي، يدفع أكراد تركيا الى تجاهل أي اتفاق مع انقرة، من اجل تحقيق هذا الحلم.

وحسب مصادر كردية، فان انقرة تشترط على الاتحاد الديمقراطي وسائر الجماعات الكردية، البقاء على صفوف المعارضة السورية لدمشق، وهذا المطلب يبدو اساسياً لانقرة التي تراهن كثيراً على دعم المعارضة السورية، وقد وضعت نفسها في خط اللا رجعة مع دمشق، وقد حشّدت كل قواها العسكرية والسياسية واللوجستية، لذا فان تشكيل حكم ذاتي بعيد عن جبهة المعارضة السورية، بمعنى حصول دمشق على امتياز كبير بوجود منطقة عازلة بينها وبين المخاطر القادمة من تركيا. وحسب المصادر نفسها، فان الزيارة الاخيرة لزعيم حزب الاتحاد صالح مسلم الى اسطنبول بدعوة خاصة من المخابرات التركية، تأتي في هذا السياق، وحسب مصادر تركية فان الاجتماع بالمسؤول الكردي انتهى بإيصال رسالة قاطعة من تركيا بعدم الموافقة على تشكيل حكم ذاتي لاكراد سوريا.

ويبدو واضحاً إن الجرائم المريعة التي ترتكبها عناصر "النصرة" في سوريا، ليس ذو أهمية بالنسبة للاتراك لبعدهم عن المشكلة، إنما الذي يدفع الثمن هو السكان المحليون الاكراد، الذين تجاوزوا الى حدّ ما، مرحلة الحكم البعثي، ليواجهوا الحكم الطائفي والتكفيري الدموي، وهو ما تسكت عليه الحكومة التركية المدعية كثيراً بالديمقراطية والتطور والتقدم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آب/2013 - 4/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م