هل روحاني قادر على تطبيق الاعتدال؟

خليل إبراهيم عبد الرحيم

 

وأخيرا انتهت حقبة حكم احمدي نجاد المثيرة للجدل وتسلم الدكتور حسن روحاني دفة السلطة التنفيذية وقيادة اهم ركن في سلطة ايران بعد المرشد الاعلى على الأقل لأربعة أعوام قادمة.

وكان روحاني قد حصل على غالبية الأصوات وانزل هزيمة فادحة الأصوليين المتشددين الذين لم يحصل مرشحهم الأساسي سعيد جليلي سوى على 11% من نسبة الأصوات وهي النسبة التي يعتقد الكثيرون من انها تمثل المكانة الواقعية للأصوليين المتشددين في إيران بين الجماهير التي اكدت من خلال اختيارها لروحاني انها تطالب بالتغيير والإصلاحات وانها صوتت لروحاني لانه رفع شعار الاعتدال وحل الأزمات السياسية والاقتصادية مؤكدا انه جاء يحمل معه مفتاح كبير أطلق عليه اسم مفتاح التدبير والأمل! وحتى انه ظل يردد في شعاراته الانتخابية من ان برامجه الأساسية هي:

- إنهاء فترة الضغط والكبت الداخلي ووضع حد لسياسة المتشددين والقضاء على ما وصفها الأجواء الأمنية الصارمة المفروضة على الشعب الإيراني داخلياً.

- التعامل بشفافية وصراحة وجدية مع الغرب بشأن الملف النووي الإيراني لوضع حد لهذا الملف المعقد والمستنزف لأموال الشعب الإيراني، وابدى معارضته الصريحة لسياسة جليلي (كبير المفاوضين مع مجموعة 5+1) لانه لم يحقق أي انجاز لإيران وانه ظل يطلق الشعارات الثورية فقط دافعاً الغرب لفرض مزيد من العقوبات الدولية على ايران، وحتى ان روحاني انتقد بشدة سياسة احمدي نجاد في هذا السياق لاسيما وان حكومة احمدي نجاد دفعت الغرب او فسحت له الطريق لإصدار 5 قرارات ضد ايران من جانب مجلس الامن بشأن الملف النووي الإيراني.

- الاعتدال لحل القضايا السياسية الداخلية والبحث عن سبل وطرق جدية لرفع الفقر والحرمان من غالبية المجتمع الإيراني وحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وإعادة عزة ومكانة الشعب الإيراني، حسب قول روحاني الذي قال في إحدى شعاراته الانتخابية مخاطباً أنصار حكومة احمدي نجاد وسائر الأصوليين المتشددين: الشعب الإيراني مل ضجر منكم، انه لا يريدكم! ارحلوا فوراً عن الساحة بالذوق او بالطرد!.

رحيل احمدي نجاد منكسر الجناح

فوز روحاني في الانتخابات لا يعد انتكاسة للأصوليين المتشددين فحسب بل هزيمة نكراء لجماعة احمدي نجاد التي قال عنها روحاني انها دمرت اقتصاد البلاد وأوصلت الأوضاع الى أسوأ حالة حتى من زمن الحرب!.

احمدي نجاد الذي ظل في آخر ايام عمر حكومته يتظاهر بخدمة الشعب وانجاز المشاريع صار مغضوب عليه من جانب المرشد الأعلى الذي رفض قبول ترشيح رفيق عمر احمدي نجاد الا وهو رحيم مشائي الذي يقال عنه انه يرجح القومية على الدين وانه ظل يعارض خفية نظام ولاية الفقيه ويسعى لإنهاء حكم رجال الدين او إرسالهم وحصرهم في مدينة قم!.

احمدي نجاد الذي لم يشارك او بالأحرى لم يسمح له بالمشاركة في مراسم القسم الرئاسي لروحاني في البرلمان الإيراني ولم يسمح له قراءة نص تنفيذ الحكم الرئاسي لروحاني من جانب المرشد الأعلى دفعه لضب حقائبه سريعاً من مبنى الرئاسة والانكفاء نحو منزله في منطقة (نارمك) الشعبية وهي المنطقة الذي ظل احمدي نجاد يدعي عنها من ان فيها أسعار الخضار والفواكه بربع سعره عن الأسواق الأخرى في طهران حيث استقبله عشرات الأشخاص فقط في (نارمك) ولم يحزن أكثر من 70 مليون ايراني على رحيله لانه وحسب ادعاء معارضيه دمر الاقتصاد وهيأ أجواء مزيد من العداء الدولي والإقليمي للنظام الإيراني وان ديون حكومته بلغت أكثر من 74 مليار دولار وافرغ الصندوق الاحتياطي واتهمها نواب في مجلس الشورى من انها اخفت او أضاعت 14 مليار دولار من عائدات البلاد عن البرلمان ولا يعرف اين ذهبت 800 مليار دولار التي حصلت عليها حكومته من عائدات هائلة في الأعوام الماضية، حسب قول وتقارير معارضي احمدي نجاد.

دعم شعبي ودولي لروحاني:

خلافاً لأي حكومة في ايران بعد الثورة فقد حصل روحاني بسبب شعاراته في مجال الاعتدال والوسطية وإنهاء حقبة التشدد والأجواء الأمنية على دعم اقليمي ودولي لا سابقة له حيث ابرق له معظم رؤساء العالم مهنئين له بالفوز وداعمين لشعاراته وشارك رؤساء ومندوبون عن 60 دولة في مراسم القسم الدستوري وهذا لم يحدث بتاتاً في أي مراسم مشابهة اقيمت في ايران في العقود الماضية حيث كانت المراسم تجري دون مشاركة ولا متابعة اساساً من جانب الرأي العام الداخلي والعالمي.

 واليوم الكل خاصة الذين صوتوا لروحاني وأوصلوه الى هذا المنصب يطالبوه بتنفيذ وعوده لان في عرف الانتخابات في الأنظمة الجمهورية الواقعية لا روحاني ولا غير روحاني لا مكانة ولا شعبية له دون إرادة أكثرية الشعب، وهذا يعني ان عليه ان يطبق شعاراته ويسعى لإنهاء حقبة التشدد وتعديل سياسة إيران بالتعامل مع الدول الأخرى من منطق تكريم الشعب الإيراني وليس فرض مزيد من العقوبات عليه، حسب قول روحاني، وبعبارة أخرى ان التكريم ورفع العقوبات لا يمكن تحقيقهما الا بتطبيق سياسة الاعتدال واحتكام العقل والمضي بالسياسة الوسطية من جانب كافة الاطراف والدول المتعاملة مع ايران في ظل حكومة روحاني، واذا فرضنا جزافاً كما يدعي زيفاً الذين يزعمون انهم انصار المرشد الأعلى من ان روحاني لا يستطيع ان يفعل أي شيء في الداخل والخارج وان ملف العلاقات الخارجية والملف النووي والملف الاقتصادي والملف الأمني و... كلها ليست من صلاحية روحاني، نتساءل نحن والرأي العام في الداخل والخارج: لماذا أساسا شارك ويشارك المواطنون في ايران في الانتخابات ولماذا يصرون على اختيار مرشحهم بأنفسهم ويؤكدون على الاعتدال والوسطية وضرورة نشر الإصلاحات وإيجاد التغيير، كل هذا لمجرد إرضاء بعض الأشخاص او المشاركة الشكلية في الانتخابات والتورط فقط في لعبة تغيير المسئولين وتبادل الأدوار؟!.

 ونتساءل ايضاً: لماذا كل هذا التأييد الدولي والإقليمي والمشاركة في مراسم القسم الدستوري وإبداء الدعم الشامل لحكومة روحاني لحل الأزمات الاقتصادية والسياسية، هل هو لمجرد الشكليات والمجاملات الدبلوماسية فقط وهل ان رؤساء ومندوبي العالم عاطلون عن العمل او فارغون للبال والفكر ليشاركوا في مثل هذه المراسم وليرفهوا عن أنفسهم في هواء طهران الساخن وبيئتها غير الصحية هذه الأيام؟!.

اذا كان حقاً ما زعم به الأصوليون المتشددون المنهزمون في الانتخابات والمطرودون من جانب أكثرية الشعب من ان روحاني لا صلاحية ولا حق له بإحداث تغييرات وتطبيق إصلاحات فستبقى الأوضاع على حالها وستتسع رقعة العقوبات وستصدر المزيد من القرارات ضد ايران من جانب مجلس الامن الدولي وستستمر التهديدات بالحروب المدمرة في بعض دول المنطقة وستتفاقم الأزمة الاقتصادية داخل ايران وسيجلس المواطنون في بيوتهم دون أي مشاركة واقعية منهم في الانتخابات، وليستمر المتشددون بسياستهم الخاطئة التي أوصلت ايران ـــ حسب قول روحاني ــــ الى حافة الهاوية وعلينا، يؤكد روحاني: ان نحفظ حقوق المواطنين كافة أي دون تقسمهم الى موالين للسلطة يحصلون على مزايا واسعة، وإلى معارضين للسلطة محرومين من أي مزايا ومتهمين بشتى الاتهامات الجوفاء.

روحاني والاختبار الصعب

مهما قيل ويقال ومهما كانت مواقف الآخرين فان روحاني يمر من الان باختبار صعب وعليه ان يجتاز هذا الاختيار او يقبل بالأمر المفروض عليه، وهذا يعني ان الشيخ روحاني مطالب من جانب أكثرية الشعب بان يحقق وعوده والا سقط من أعين الجميع وقطعاً ان فترة حكمه ستكون قصيرة قد لا تتجاوز 4 أعوام على الأكثر، ومطالب روحاني في المرحلة الأولى دوليا بحل أزمة الملف النووي وتحسين علاقات ايران مع معظم دول العالم مع الاحتفاظ بالمبادئ الأساسية لكل دولة وهي العزة والسيادة والكرامة والاستقلال خاصة وان حكومة احمدي نجاد، كما يدعي معارضوها ـــ وبسبب سياستها الخاطئة في كافة المجالات لم تبق سوى على أصدقاء لإيران في كل العالم بعدد أصابع اليد الواحدة!. ويمر روحاني ايضاً بالاختبار الصعب في حل الأزمة في سوريا والمشاركة في ايجاد حل في البحرين والمسارعة في ايجاد مخرج لازمة الملف النووي الإيراني مع الغرب خاصة وان لروحاني قول مأثور في هذا السياق يؤكد: صحيح اننا ندعم حركة ودوران أجهزة الطرد المركزي النووية ولكننا قبل ذلك يجب ان نحرك وندور وننشط حياة المواطنين في ايران ونحل معضلات معيشتهم ورزقهم اليومي!. ويستشف من كلامه من انه يعطي الأولوية لكرامة ومعيشة الإنسان في ايران حتى قبل امتلاك الطاقة النووية.

ومن هذا المنطلق، فمن أراد الخير والتوفيق لحكومة روحاني فعليه ان يتعامل معها بشكل واقعي وان لا يدس العصي في عجلة سياسته الداعية للإصلاح والتغيير في الداخل والتعامل باعتدال وحكمة مع الخارج.

قطعاً ان وجود إيران معتدلة وقوية وغير مهددة بالحروب وغير معرضة للازمات الاقتصادية هو لصالح الجميع في داخل ايران وخارجها، ومن المحبب ان يتعاضد الجميع مع حكومة روحاني للوقوف ضد التشدد اينما كان وأينما وجد، ويمكن من خلال أجواء التفاهم والحوار السلمي حل الكثير من الأزمات الراهنة في المنطقة خاصة وان بعض الدول تشهد حاليا مواجهات دموية ودمار شامل لحساب دول وإطراف إقليمية ودولية.

الذين يتوقعون من روحاني الاعتدال وحل المعضلات وانهاء حالة التشدد والتهديدات عليهم ايضاً الالتزام بالاعتدال وإنهاء التشدد لديهم والذين يتوقعون من الرئيس الإيراني الجديد تغيير السياسة السابقة عليهم ان يبادروا هم ايضاً بإنهاء العداء وتغيير مواقفهم من الشعب الإيراني والا فانه ليس هناك أي أزمة في العالم متعددة الإطراف وتشمل الكثيرين تحل عقدها من جانب واحد فقط!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/آب/2013 - 30/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م