التسامح بأنفسنا ولأنفسنا

جعفر عبد الكريم صالح

 

مفهوم التسامح من المفاهيم التي أثارت العديد من الجدل في أوساط المفكرين وعلماء الاجتماع، إلا أن المفهوم قد تناوله أيضاً علماء اللغة حيث اعتبروه مرادفاً للتساهل. يقول الفيروز آبادي في «القاموس المحيط»: المساهلة كالمسامحة، تسامحوا: تساهلوا وأبدى ليونة في الطلب.

 وهكذا فإن التساهل والتسامح واللين والرفق، يشير في الواقع إلى أسلوب معين للتعامل في اللغة أي يعني التساهل، أما التعريف العلمي فهو يقصد به قبول الاختلاف، والإقرار بالتعدد (العرقي، السياسي، الديني، المذهبي، الحضاري...)، أي احترام رأي الآخر والاعتراف بحقوقه.

 وهي من أهم القيم الإنسانية والتي حثنا عليها ديننا الإسلامي فقد حثنا على ألا نحمل بداخلنا أي غضب تجاه الآخرين وأن نغفر لأخطائهم، ونصفح عن زلاتهم وأن تكون لنا قلوب خالية من الحقد والغضب، وألا نسعى لإيذاء أحد ونحسن الظن بكل من حولنا. وهو ما من شأنه أن يساعد على الهدوء الروحاني والاتساق الذاتي، فالإنسان عندما يتسامح فهو في ذلك يحقق مشيئة الله في خلقه فنحن نتسامح مع من هم حولنا من والدين وأقربين، وهو الأمر الذي يساعدنا على سلوك طريق الصلاح والهداية، ومحبة الناس في الدنيا، فالتسامح صفة يجب أن نتحلى بها من أجل أنفسنا ومن أجل من حولنا.

والقاعدة الأساسية في التسامح هي الإيمان بأن كل بني آدم خطاء، فمن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر، فالخطأ أمر وارد عند جميع البشر، ودورنا أن نؤمن بذلك ونتعاطى مع هذه الأخطاء بالشكل الذي يجنبنا سلبياتها ويحافظ على علاقاتنا السوية مع مرتكبيها عندما يعترفون بخطأ مقصدهم وحسن نياتهم الأمر الذي يساعدنا على تقليل المشاكل الإنسانية التي قد نتعرض لها في المستقبل وأكد هذا المعنى المولى تبارك وتعالي في كتابه الكريم عندما قال: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (النور: 22).

 وعدم التسامح مع الآخرين قد يؤدي بالإنسان إلى أن يقطع رحمه وينعزل عن أصدقائه ويحمل الغضب بداخله فيقضي حياته ساعياً للانتقام والتشفي في من أخطأ في حقه، لذلك يعتبر التسامح أحد أهم محفزات السعادة الإنسانية ومن مظاهر هذا التسامح ليس فقط نسيان خطأ الآخر والترفع عنه بل إن العزيز الكريم قد أمرنا ألا نكتفي بذلك فقط فدعانا أن نرد السيئة بالحسنة لقوله تعالى: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (فصلت: 34).

أما المستوى الأكثر رقياً في التسامح بل هو أصعب أنواع التسامح في رأيي فهو التسامح مع الذات فعندما نتسامح مع أنفسنا فإننا بذلك نكون من المتطهرين الذين يستطيعون التغلب على خطاياهم وسيئاتهم التي فعلوها بالتطلع إلى سلوك إنساني يترفع عن هذه الصغائر ويتعفف عن تكرارها والوقوع مرة أخرى في براثنها وهو الأمر الذي يعود بالخير على صاحبه. لقول الرسول (ص) «ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّ».

وعلى مستوى المجتمع فإن التسامح يعني الإقرار بقيمة المساواة بين أفراده بغض النظر عن اختلاف أديانهم وألوانهم وثقافاتهم وإعطاء كل ذي حق حقه بالإضافة لاحترام الرأي الآخر، أي السماح للأفراد بإبداء آرائهم وأفكارهم واحترامها والتحاور حولها محاولين بذلك إيجاد قاعدة يستطيع المجتمع التلاقي حولها، وذلك بما لا يخل بقيم المجتمع الأساسية من عدل ومساواة، فالجميع أمام القانون سواء وهو المبدأ الذي يساعد على التعايش والسلم الاجتماعي. فعندما تكون نفوس الأفراد مطمئنة هادئة سيرد ذلك على المجتمع بزيادة القدرة على الإنتاج والمعرفة والعلم، على عكس ما سيكون عليه المجتمع عندما يغيب التسامح فيه فيصبح مجتمعاً متعصباً تسوده روح الكراهية والحقد والانغلاق على النفس ما قد يدفع المجتمعات الموحدة إلى أن تخوض حروباً داخلية دفاعاً عن مصلحة هنا أو قيمة هناك.

وأخيراً فإن التسامح هو قيمة إنسانية أساسية في حياتنا يجب أن نتحلى بها ونعلي من شأنها، فالتساهل والتنازل والاحترام من صفات المسلمين، وعندما تنتشر هذه الصفة في مجتمعنا يرقى ويتطور ويصبح خير مثال لباقي الأمم. فهلا تسامحنا من أجل أنفسنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/آب/2013 - 29/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م