قواعد الإنجاز: القاعدة الثامنة النتائج والآثار

السيد محمود الموسوي

 

" إن الوصول إلى النتائج ليست هي نهاية المطاف، بل هناك يبدأ واجب آخر، للحفاظ على المكتسبات، ويقوم بتنميتها"

 

هل ينتهي الأمر عند إكمال العدّة وإتمام العمل؟

كلا.. فلابد من حصد النتائج، فنرى ما هو الواجب تجاهها.

يقول تعالى بعد أن ذكر برنامج الصيام وما يحققه وكيف يتعامل معه: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، والهداية هي الوصول إلى حالة التقوى التي هي الغاية والمقصد من البرنامج الرمضاني، ويوضح أن الهداية هي الوصول لحالة التقوى ما جاء في الآية المباركة من سورة الزُّمَر: (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[1].

وتكبير الله هو معرفة شأنه في نفس الإنسان وكلّما كبر شأن الله تعالى في نفسه كلما تصاغر ما دونه، فهذه علامة من علامات الهداية، وأثر من آثارها.

فهنا تأتي خطوة أخرى بعد إتمام البرنامج، وهي مراجعة النتائج، والتي سيعرف الإنسان على ضوئها مقدار الفائدة.

فالواجب على الإنسان حينما يشعر بعروج روحه وتأثير البرنامج الرمضاني عليه، أن يقدّر الجهة التي منحته هذه النعمة، فيتوجب عليه الشكر، ألا بالشكر تزيد النعم .. فيقول عز وجل في نهاية الآية: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). كآلية لتنمية النعم وزيادتها.

يستفاد من هذا المقطع من الآيات الرمضانية، أن المقاصد والأهداف التي يحدّدها الإنسان في الدنيا، لا تزال تحتاج إلى دور إضافي بعد تحقيقها، فمن يطمح بأن يكون تاجراً كبيراً في السوق، لا ينتهي دوره عندما يحقّق الثراء، بل إنه يحتاج إلى دور آخر، عندما يكون بالفعل تاجراً، فالتاجر يحتاج إلى معرفة السوق ومعرفة حسن التعامل مع الناس ومعرفة القوانين والأحكام، كل ذلك لكي يحافظ على ما وصل إليه وينمّيه.

ماهو دورنا بعد إكمال العمل؟

نحن أمام أعمالنا التامة علينا ان نقوم بدورين أساسيين، لكي نحكم إنجازاتنا إحكاماً تامّاً:

الدور الأول: قيّم النتائج

 على من أتم عمله ووصل إلى نهايته أن يقطف ثمار جهده، بأن يحصد النتائج التي ترتبت على عمله، وهذه الخطوة لا تحتاج إلى تكلّف، فإن أغلب الأعمال تعطيك نتائجها بشكل تلقائي بعد التمام، ولكن هذا لا يكفي، فإن وعي هذه الحقيقة، والإهتمام بها، يجعلك تتعرّف على مقدار ما حصلت عليه، وما حققته، فهي بمثابة قياس المستوى والنسبة، بل فإنه سوف يتعرّف عن يقين على طبيعة النتيجة، فقد تكون سلبية، وغير مفيدة وغير مجدية، وهنا سترتب على ذلك أثراً، وهذا الأثر هو إما أن يتخلّى عن هذا العمل ولا يكرره مرة أخرى لعدم جدواه، وإما أن يواصل فيه وينميه، بل هو سيقارن مقدار الفائدة الأولى مع الفائدة التي تليها، لكي يكون ذلك بمثابة تنافس مع الذات.

 لهذه الأسباب المهمة، ينبغي أن يكون الإنسان في تقيم النتيجة وحصدها صادقاً مع نفسه، عليه أن يسأل نفسه دائماً، ماذا حققت بعد هذا الجهد المبذول، ماذا استفدت من هذا العمل؟ ألا نرى أن كثيراً من الناس يستخدمون الوسائل التكنلوجية لعدة ساعات يومياً، كشبكة الإنترنت أو التسلّي بمشاهدة الأفلام وغيرها، ثم لا يسألون أنفسهم، ماهي الفائدة التي جنيتها طوال هذه المدة في استخدامي هذا.. فيبقون على حالهم تضيع السنة تلو السنة من حياتهم، ولا يضيفون ولا يستشعرون أية فائدة. هكذا هي كل جهودنا التي نبذلها في سبيل الإنجاز.

الدور الثاني : إبدأ عملاً جديداً

 لقد حصدت النتائج، وماذا بعد؟.. هل انتهى دورك؟

 كلا.. فإن النتيجة النهائية هي محصلة، وهذه المحصلّة توجب عليك دوراً جديداً تجاهها، ففي الحقيقة أنت بدأت مرحلة جديدة في عملك، ولم تقم بالإنتهاء منه، فمن يحصل على شهادته الجامعية، فإن عليه أن يستثمر هذه الشهادة في العمل، وصاحب الثروة عليه أن يحافظ على ثروته، وعلى من أسّس مشروعاً للأيتام أن يديره إدارة فاعلة، ليساهم في رفد اليتامى في المجتمع، وهكذا كل أمر نقوم به فإن علينا أن نقوم بأداء حقه، هذا قانون عام، يقول تعالى: (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[2]، فدائماً هنالك عمل بعد العمل، وبداية بعد كل نهاية، يقول تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ)[3]، فلا معنى للفراغ في المفهوم الإسلامي.

 لقد جاء في الحديث (إن الله يبغض الصحيح الفارغ، لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة)[4]، فمادام مستطيعاً وقادراً على العمل وبه رمق العطاء، فإن عليه أن ينشغل بأمر آخر، لتتجدد العجلة ولتنتج الجهود، وهذا سر من أسرار الفاعلية وتحقيق الإنجاز.

القاعدة هي: إن الوصول إلى النتائج ليست هي نهاية المطاف، بل هناك يبدأ واجب آخر، للحفاظ على المكتسبات، ويقوم بتنميتها.

خلاصة القواعد المستفادة

الأولى: أن السكون لن يحقّق هدفاً يحتاج إلى حركة وبذل الجهد.

الثانية: كن على بيّنة بهدفك المنشود منذ البداية، لتكون كافة جهودك في خدمة الهدف.

الثالثة: الإيمان بالأهداف والوسائل عامل مهم في التمسّك بها وفي تحقيق الإنجازات.

الرابعة: ابحث عن مبررات عملك الحقيقية لتتشكّل عندك قناعة تدفعك باتجاه تحقيقه.

الخامسة: لابد أن يكون لعملك مدة مناسبة في وقت مناسب، لأداء الهدف المناسب.

السادسة: أكمل المدّة المقرّرة لعملك، فالنتائج الكاملة لا تأتي إلا عند إتمام الأعمال.

السابعة: لا يجعلك التعثّر في خطتك أن تتراجع عن العمل، بل أوجد خطة بديلة يمكنها أن تقوم بنفس العمل وتدفع بذات الاتجاه.

الثامنة: إن الوصول إلى النتائج ليست هي نهاية المطاف، بل هناك يبدأ واجب آخر، للحفاظ على المكتسبات وتنميتها.

* قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

....................................................

 [1] / سورة الزمر، آية 57

[2] / سورة الأنعام ، آية 141

[3] / سورة الشرح، آية7

[4] / ميزان الحكمة، ج3

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آب/2013 - 28/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م