تونس... فوضى السلطة وتمرد الشعب

 

شبكة النبأ: بعد مرور أكثر من عامين على توحد التونسيين للإطاحة بالرئيس المستبد الذي حكم البلاد لفترة طويلة تواجه البلاد الآن أسوأ ازمة سياسية منذ الانتفاضة التي أطلقت موجة من الاحتجاجات في أنحاء المنطقة.

حيث تموج بلاد الياسمين بالاضطرابات والانقسامات والصراعات حاليا على نحو مضطرد، بسبب تواصل التجاذب السياسي في هذه البلاد بين حركة النهضة الاسلامية ومعارضيها حول مصير الحكومة التي تقودها الحركة، واثر اغتيال نائب معارض ومقتل ثمانية عسكريين على الحدود مع الجزائر في حادثتين اججتا الازمة السياسية ورفعتا خطر التهديدات الامنية، لذا يشعر التونسيون في طرفي المواجهة التي تزداد استقطابا أنهم يقاتلون من أجل البقاء وبقلق جعل ردود الأفعال قوية على نحو خاص.

إذ تتعرض الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية المعتدلة لضغوط متزايدة بعد اغتيال المعارض العلماني محمد البراهمي، فيما تعزز موقف المعارضة الغاضبة بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي على أيدي الجيش موقفا صارما في الأيام القليلة الماضية، وترفض المعارضة الكثير من التنازلات واقتراحات تقاسم السلطة التي قدمها الائتلاف الحاكم بقيادة النهضة، إذ يخشى التونسيون العودة إلى الفوضى السياسية بعد عامين فقط من إجبار بن علي على الفرار خلال الانتفاضة التي أطلقت شرارة انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط.

لذا يرى أغلب المحللين السياسيين أن اصرار المعارضة التونسية التي قد تشكل حكومة انقاذ وطني واستمرار الاحتجاجات الشعبية ، فضلا على ما القته الاطاحة بمرسي والحكم الاسلامي في مصر  من اثار على المشهد السياسي في تونس فكما يبدو أن تكرار السيناريو المصري في بلاد الياسمين بات وشيكا.

في حين رأى محللون آخرون ان سيناريو تونس قد يختلف عن مصر كون نفوذ الاتحادات العمالية الرئيسية في تونس هو العمود الفقري لها وليس الجيش كما في مصر وهو ما يدفع الحكومة التي يقودها الإسلاميون لقبول مطالبة المعارضة لها بالاستقالة، وبعد ما حدث في مصر من عزل لرئيسها الإسلامي محمد مرسي بعد احتجاجات حاشدة مدعومة من الجيش خرجت المعارضة العلمانية في تونس مطالبة بحكومة جديدة، وانضم مواطنون عاديون ضاقوا ذرعا بتصاعد الاضطرابات والركود الاقتصادي إلى الوف من انصار المعارضة التونسية.

لكن بدا أن كل ذلك لم يدفع حزب النهضة الحاكم لتحريك ساكنا، وبعد ذلك خرجت الاتحادات العمالية التي كانت المعارضة تخطب ودها على مدى الأيام القليلة الماضية لتؤيد تشكيل حكومة كفاءات جديدة.

بينما يشير بعض المراقبين إلى ان قوات الأمن الداخلي يمكنها القيام بدور أكثر تأثيرا. وفي عهد بن علي كانت تونس دولة بوليسية تحظى فيها قوات وزارة الداخلية بنفوذ وسلطان لكنها الآن منقسمة مثلها مثل بقية الشعب.

فكما يبدو ان تلك المواقف آنفة الذكر حدت من مخاوف النهضة وزاد من استعدادها لتقبل احتمال تشكيل حكومة جديدة، بينما يرى محللون آخرون أن نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام فاقمت من حدة الأزمة ايضا، وعليه مازالت عدم الثقة تخيم على المناخ السياسي في تونس بسبب الصراع بين الإسلاميين ومعارضيهم في وقت يعتقد فيه كل طرف أن الآخر يستغل القواعد الديمقراطية للإطاحة به.

الاحتجاجات والحواجز في تونس تعبر عن انقسام أعمق في المجتمع

في سياق متصل الأعلام التونسية الحمراء التي يلوحون بها واحدة لكن الانقسام بين المحتجين من المعارضة والمتظاهرين المؤيدين للحكومة في الساحة الرئيسية في العاصمة التونسية أوسع بكثير من المسافة بين الحواجز التي وضعت هناك لتفصل بين الفريقين.

وتتردد عبارات إتهام مثل "انهم خونة.. انهم مرتزقة" في ساحة باردو حيث احتشد الآلاف عند الغروب في الأيام القليلة الماضية، ومع تزايد عدد الناس في الميدان بشكل مطرد يزداد موقف المعارضة العلمانية وأنصار الحكومة التي يقودها الإسلاميون تشددا، وتقول المعارضة التي أغضبها ثاني اغتيال لأحد زعمائها وشجعها الإطاحة بالرئيس الإسلامي في مصر بدعم من الجيش إنها لن تقبل بأقل من سقوط القيادة الانتقالية الجديدة، ويتهم أنصار حركة النهضة الحاكمة -وهي حزب إسلامي معتدل- المعارضة بالسعي لتدمير الدولة بسبب العداء للإسلاميين الذين صعدوا عبر انتخابات ديمقراطية.

وبالإضافة إلى الاضطرابات في الشوارع فإن عملية الانتقال الديمقراطي الهشة في تونس والتي تديرها الجمعية التأسيسية المؤقتة مهددة. وتقول الجمعية إنها امامها أسابيع قليلة للانتهاء من وضع أول مسودة للدستور، وهتفت رجاء حداد التي تلفحت بالعلم التونسي وسط المحتجين العلمانيين قائلة "يجب حل هذه الجمعية ودستورها لأنهم ليسوا حكومة..انهم إرهابيون"، ومضت تقول "زمنهم ولى والناس فاض بها الكيل. نحن مستعدون لأي سيناريو سواء كان احتجاجات أو حربا"، وخلافا للوضع في مصر حيث يوجد أنصار الرئيس المعزول في منطقة بينما يوجد معارضوه في مكان آخر فإن الفصيلين المتعارضين في تونس يمكن أن يكونا على مسافة أقرب، ومنذ أن بدأت المظاهرات يوم الجمعة تزايدت الأعداد من مئات قليلة إلى بضعة آلاف بل وبلغ عدد المحتجين المعارضين 20 ألفا.

والاحتجاجات سلمية إلى حد كبير حتى الآن باستثناء حالات قليلة للتراشق بين الجانبين وتدخلت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع في وقت سابق هذا الأسبوع، لكن الغضب يعتمل تحت السطح منذ يوم الخميس عندما قتل المعارض محمد البراهمي بالرصاص بعد ستة أشهر فقط من اغتيال السياسي شكري بلعيد زميل البراهمي بالرصاص أيضا. وتلقي الحكومة باللائمة على المتشددين السلفيين، وتقول المعارضة إنه بصرف النظر عمن يقف وراء الهجمات إلا أنها خطأ حركة النهضة. وتشعر أن الحزب أوجد إحساسا بالإفلات من العقاب بين الإسلاميين المتشددين، وقالت مونيكا ماركس وهي محللة تقيم في تونس إن بمقدور القادة المساعدة في تخفيف التوترات باستخدام خطاب أكثر هدوءا وخصوصا في المعارضة. وتابعت قائلة "إنهم بدلا من ذلك يتجهون إلى الهجوم بضراوة"، ورفضت أسرة البراهمي السماح للنهضة بإرسال مندوبين لحضور الجنازة، وفي الجنازة التي حضرها آلاف التونسيين قال أحمد الصادق زميل البراهمي "بعد أن دفنا البراهمي نحتاج الآن إلى دفن حكومة النهضة"، وتفجر العنف في عدة مرات سابقة منذ أن أطيح بزين العابدين بن علي.

لكن اعتبرت مرحلة ما بعد الإطاحة ببن علي واحدة من بعض القصص القليلة الأكثر نجاحا في انتفاضة عربية أفسدتها الحرب الأهلية السورية وإطاحة الجيش المصري بالرئيس المنتخب ديمقراطيا والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وهي خطوة أدت إلى احتجاجات عنيفة، وعرضت حركة النهضة بعض التنازلات - وتقول إنها منفتحة لتشكيل حكومة جديدة. لكنها ترفض حل الجمعية التأسيسية. وبالنسبة للمعارضة فهذا ليس كافيا، تساءل محمد بلعاطي وهو عاطل عن العمل عمره 26 عاما بين المحتجين "هذا ليس تصلبا لكنه قرف. لماذا نقبل تنازلات أخرى إذا لم توقف التنازلات الأخيرة الاغتيالات؟"، وعلى مقربة كان مؤيدو النهضة غاضبين أيضا. وهتفوا قائلين "احترام الشرعية واجب"، ويتذكر العلمانيون سلسلة من الهجمات شنها سلفيون على دور للسينما والمسرح ومتاجر لبيع المشروبات الكحولية ويلقون بالمسؤولية على حركة النهضة، ويراقب الإسلاميون الذين تعرضوا للاضطهاد في عهد بن علي بانزعاج الحملة على الإسلاميين في مصر. بحسب رويترز.

وقالت منية الحاج (44 عاما) التي ترتدي غطاء رأس أبيض "كنت سجينة سياسية في عهد بن علي. تعرضت للتعذيب وأرفض أن أعود للعيش تحت القمع والإذلال"، ومضت تقول "إذا كانوا يريدون التغيير فليذهبوا إلى صناديق الاقتراع. لا نزال نقدم تنازلات لكنهم ضد وجودنا بشكل مطلق. لا نريد إراقة الدماء لكننا مستعدون للموت في سبيل العدالة"، ويكافح التونسيون للإجابة على سؤال تواجهه كثير من النظم الديمقراطية الوليدة في المنطقة: كيف يمكن للدول التي تمر بمرحلة انتقالية أن تحترم الانتخابات وتستجيب للسكان الذين يتعجلون التقدم ويخشون العودة مرة أخرى إلى القمع؟، ويقول محتجون علمانيون مثل بلعاطي إن الإجابة واضحة: "الديمقراطية لا تقتصر على الصناديق وإنما تعني الإرادة الشعبية. إرادة الشعب التونسي تغيرت. حركتنا لا تخاطر بإحداث أزمة. الأزمة موجودة بالفعل"، لكن ماركس ترى أن التونسيين يجب أن يخشوا على تقويض استقرار حكومتهم الجديدة بينما هي قريبة جدا من الانتهاء من وضع دستور جديد وبعد تحديد موعد مبدئي لانتخابات جديدة هو 17 ديسمبر كانون الأول، ومضت تقول "التونسيون ليس لديهم قائمة بانتهاكات مروعة ترتكبها الدولة.. لا يوجد مبرر كاف لإلغاء المؤسسات الانتقالية".

وانكب أعضاء الجمعية التأسيسية على دراسة عشرات المواثيق الوطنية والتقوا خبراء على مدى شهور لوضع مسودة دستور. ويقول مراقبون دوليون إنه لا توجد اعتراضات رئيسية ولا يرون علامات على تشدد إسلامي في مسودة الدستور بالرغم من انتقادات المعارضة، وربما ان بعض التونسيين يشعرون بالصدمة للفوضى التي يمكن ان تواكب الديمقراطية وطول الفترة التي قد يستغرقها بناء توافق. وهم كانوا تلقوا وعودا بدستور جديد خلال عام. وتأخرت الجمعية ثمانية أشهر عن موعدها.

وقالت ماركس "العملية جديدة عليهم لم يروا قط عن قرب كيف تعمل الديمقراطية... مشاهدة العملية شيء مزعج لهم ومتعب للسياسيين الذين يمارسونها أيضا"، ومنذ الانتفاضة نال التونسيون سمعة طيبة منذ الانتفاضة لتراجعهم عن شفا الاضطرابات. وقد يفعلون ذلك مرة أخرى. وبالرغم من أن المتظاهرين من الجانبين يرددون شعارات غاضبة إلا أنهم يمرون أمام المعسكر الآخر غير خائفين من الهجوم، وفي المعارضة يوجد بعض المتدينين من ذوي اللحى الطويلة ونساء محجبات يرددون هتافات معهم. وفي مخيم حركة النهضة هناك بعض السافرات اللاتي يضعن العلم التونسي على أكتافهن العارية، وقالت هاجر وهي طالبة عمرها 27 عاما بينما كانت تراقب مخيم احتجاج حركة النهضة من خلف الحاجز وهي تضحك "نعم.. نحن في أزمة، "لا أحب هؤلاء الناس وأريد أن أسحق حكومتهم. لكننا جميعا تونسيون. وسنتوحد مرة أخرى".

النقابات وليس الجيش قد تكون الحليف الحاسم للمعارضة التونسية

على الصعيد نفسه قال حزب النهضة -وهو حزب إسلامي معتدل- إنه على استعداد لبحث هذا الأمر، في مصر حدد النفوذ العسكري مصير حكومة الإسلاميين لكن في تونس قد يتضح أن نفوذ الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضم 600 ألف عضو هو عامل الحسم. فإضراب يوم واحد يمكن ان يكلف البلاد مئات الملايين من الدولارات، وقال الناشط السياسي المعارض سفيان الشورابي "الاتحاد العام التونسي للشغل قوة قادرة على التأثير على الشارع ويمكنه الإطاحة بالحكومة"، وأضاف أن الاتحاد العام التونسي للشغل يمكنه تغيير ترتيب الأوراق السياسية بسبب قوته العددية ووزنه السياسي والاقتصادي ويمكنه القيام بالدور الذي لا يستطيع الجيش القيام به وكان الاتحاد الذي يمثل العاملين في مختلف مجالات الاقتصاد في القطاعين العام والخاص لاعبا مهما على الساحة السياسية منذ ان بدأ احتجاجات في الاقاليم في عام 2011 وساهم ذلك في إجبار زين العابدين بن علي -الرئيس وقتها- على ترك السلطة في خطوة أشعلت شرارة الانتفاضات في المنطقة.

وقدر الاقتصاديون تكلفة إضراب ليوم واحد دعا إليه الاتحاد احتجاجا على اغتيال المعارض اليساري محمد البراهمي بنحو 422 مليون دولار، وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي لصحيفة الصباح التونسية إن الإضراب دفع سوق الاسهم للهبوط ونزل بقيمة الدينار التونسي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار واليورو، ومثل هذا التأثير يمنح الاتحاد نفوذا قويا للقيام بدور في بلد يعاني ركودا اقتصاديا وارتفاعا في معدلات البطالة وهي مشكلات تزيد من الاستياء من الحكومة، والاتحاد كيان عمالي يساري قريب فكريا بالفعل من المعارضة العلمانية في مصر التي قوي موقفها منذ تدخل الجيش المصري أثناء مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة وأعلن عزل مرسي.

كان البراهمي ثاني معارض تونسي يقتل هذا العام وتلقى المسؤولية في قتله على نشطاء إسلاميين. وبعد مقتله زاد التأييد لموقف المعارضة، وقد يكون الجيش التونسي لعب دورا في الإطاحة بابن علي برفضه إطلاق النار على المتظاهرين لكنه يظل ضعيفا سياسيا على عكس الجيش المصري الذي ساعد المتظاهرين على الإطاحة بحسني مبارك عام 2011، فجيش تونس ليس أمامه خيوط تذكر يمكنه جذبها كما انه على عكس الجيش المصري لا يتمتع بمزايا اقتصادية يسعى لحمايتها. بحسب رويترز.

وقال مصدر مقرب من المؤسسة العسكرية "الجيش التونسي محايد ولن يتدخل... ليس له تقاليد في لعب دور سياسي"، وينفي أغلب قادة المعارضة في أحاديثهم العلنية أنهم يريدون تدخلا عسكريا لكن انصارهم لا يخفون رغبتهم في تكرار "السيناريو المصري".

وكان نشطاء شبان قد قلدوا حملة تمرد المصرية بتوزيع استمارات تطالب الحكومة بالاستقالة. وتقول حركتهم التي أطلق عليها أيضا اسم (تمرد) انها جمعت أكثر من 200 ألف توقيع، لكن حزب النهضة الذي انتخب بنسبة 42 بالمئة من الأصوات في أكتوبر تشرين الأول عام 2011 مازال قوة يعتد بها، ولا يتضح من المواجهات في الشوارع ما إذا كان بامكان المعارضة إجبار النهضة على قبول مطالبها بحل لا الحكومة فقط بل ولجنة صياغة الدستور المقرر أن تستكمل وضع مسودة دستور جديد للبلاد خلال بضعة أسابيع.

وقال المحلل التونسي يوسف الوسلاتي "وزارة الداخلية تعاني انقساما. بعض الأقسام فيها في أيدي النهضة وأخرى تابعة للنظام السابق"، وأضاف "لا أعتقد أن لوزارة الداخلية أي دور محدد ولا الجيش أيضا. اقصى ما يمكن أن يفعلاه عدم قمع المظاهرات"، ومع ذلك تقول مصادر قريبة من المعارضة إن القادة الذين يحاولون تشكيل "حكومة انقاذ" موازية يقترحون اسماء عسكرية مثل رشيد عمار القائد السابق للجيش ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي.

لكن الكيان المرجح ان تستفيد منه المعارضة بدرجة أكبر هو الاتحاد العام التونسي للشغل. والتاريخ يثبت أن النقابات العمالية قوة مؤثرة ولعب الاتحاد العام للشغل دورا بارزا في مقاومة الاحتلال الفرنسي قبل إعلان الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، وقال سامي الطاهري مساعد الأمين العام للاتحاد للصحفيين يوم الإثنين "نحن منظمة وطنية دورها انقاذ البلاد"، ولمح الاتحاد إلى انه قد يدرس تنظيم المزيد من الاضرابات إذا لم يتحسن الوضع السياسي لكنه يحاول في الوقت ذاته ان يصنع لنفسه دورا أكثر قدرة على توحيد الصف، وقد رفض دعوات المعارضة لحل المجلس التأسيسي إدراكا فيما يبدو لقلق البعض من ان يكون لذلك اثر سلبي وأن يطيل أمد مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، وقال الشورابي "الاتحاد يمكن أن يساهم في إيجاد مخرج توافقي بين المعارضة والحكومة يكفل استمرارية الدولة ويحقق في نفس الوقت مطالب الغاضبين."

حركة النهضة التونسية متسمكة بالعريض رئيسا للوزراء

من جهته قال زعيم حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس ان الحركة متمسكة بعلي العريض رئيسا للوزراء رافضا مطالب المعارضة بتعيين شخصية مستقلة في المنصب في خطوة قد تطيل الازمة السياسية التي تهز تونس منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي، وقال راشد الغنوشي للصحفيين عقب لقاء مع الرئيس المنصف المرزوقي "نحن منفتحون على وفاقات جديدة.. ومتمسكون بعلي العريض رئيسا للحكومة"، وقد قالت حركة النهضة التي تقود الحكومة انها منفتحة على حكومة وحدة وطنية للمساعدة في الخروج من الازمة، وتطالب المعارضة العلمانية بحكومة انقاذ وطني يكون رئيس الوزراء فيها شخصية مستقلة.

واستقال وزير التعليم وهدد وزراء آخرون بالاستقالة. كما هدد حزب التكتل وهو حزب علماني بالانسحاب من الائتلاف الحاكم إذا لم تشكل حكومة وحدة وطنية، وأبدى أنصار النهضة مرونة في الجدل بشأن الحكومة لكنهم يعارضون بشدة مطلب المعارضة الثاني بحل المجلس التأسيسي، وقال الغنوشي لاذاعة موزاييك المحلية إن المجلس التأسيسي خط أحمر داعيا الأعضاء المنسحبين للعودة إلى عملهم وإكمال الدستور.

وبعد أسبوع من اندلاع الازمة بلغت المشاروات السياسية ذروتها حيث التقى رئيس الوزراء بحسين العباسي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي طرح عليه مبادرة الاتحاد للخروج من الازمة، وتنص مبادرة الاتحاد على حل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وتحديد موعد للانتهاء من كتابة الدستور، وقال خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية عقب المقابلة للصحفيين ان المقابلة انتهت بنبرة ايجابية وان الطرفين متفقان على ان المجلس التأسيسي يجب ان يستمر في عمله الى 23 اكتوبر تشرين الاول المقبل، كما التقى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي مع راشد الغنوشي زعيم النهضة ومية الجريبي الامينة العامة للحزب الجمهوري وممثل عن حركة تيار المحبة التي يرأسها الهاشمي الحامدي، وأطلق الحامدي حملة تحت شعار "بالانتخاب لا بالانقلاب" في اشارة الى رفضه لمحاولات حل المجلس التأسيسي ودعمه لشرعية الانتخابات.

وقال الحامدي "هذه الحملة ستساهم في اجهاض اي مخطط انقلابي في تونس وفي اقناع بعض الساسة المغامرين بانه لا سبيل لحكم تونس بعد الثورة الا بالتفويض الشعبي القانوني عبر صناديق الاقتراع"، ورغم ذلك يصعد الطرفان المواجهة بالدعوة إلى احتجاجات حاشدة في مطلع الأسبوع، واعتبرت تونس في السابق نموذجا للانتقال السياسي بين دول الربيع العربي المضطربة لكنها مهددة الآن بالانزلاق إلى الاضطراب السياسي. بحسب رويترز.

وقتل متشددون ثمانية جنود قبل نحو يومين في كمين قرب الحدود الجزائرية وانفجرت عبوتان ناسفتان بدائيتان في العاصمة تونس وهي المرة الأولى التي تشهد فيها العاصمة مثل هذه الهجمات رغم عدم وقوع إصابات، وبدأ النواب المستقيلون من المجلس التأسيسي اعتصاما خارج مقره ينضم إليهم في الليل آلاف المحتجين.

وتنضم أعداد كبيرة أيضا إلى احتجاج مؤيد للحكومة على الجانب الآخر من الميدان ولكنه أصغر من احتجاجات المعارضة، وانضم كثير من التونسيين إلى احتجاجات المعارضة بعد شعورهم بخيبة الأمل إزاء استمرار الضعف الاقتصادي وتزايد المشكلات الأمنية في البلاد، ويشعر آخرون بالغضب لتأخر الدستور ثمانية اشهر حتى الآن عن موعده بعدما وعدت الحكومة بالانتهاء منه خلال عام من تشكيل المجلس التأسيسي، ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل حل المجلس التأسيسي صراحة واقترح بدلا من ذلك آلية لتسريع الجدول الزمني لإنجاز الدستور وقانون جديد للانتخابات.

ازمة سياسية وامنية في تونس التي تواجه خطر الارهاب

الى ذلك قصف الجيش التونسي بقذائف الهاون أماكن في جبل الشعانبي بولاية القصرين (وسط غرب) على الحدود مع الجزائر، يشتبه بان "ارهابيين" قتلوا ثمانية عسكريين تونسيين يتحصنون فيها على ما افاد مراسل فرانس برس نقلا عن مصادر امنية، واندلع حريقان كبيران في الجبل بسبب القصف وفق المصدر نفسه، وترتبط تونس بحدود برية مشتركة مع الجزائر تمتد حوالى 1000 كلم، وتسلل "ارهابيون" عبر هذه الحدود مرارا الى تونس.

وقد قتلت مجموعة مسلحة في كمين ثمانية عسكريين تونسيين واستولت على اسلحتهم ولباسهم العسكري ومؤونتهم الغذائية بعدما ذبحت خمسة منهم بحسب ما نقل التلفزيون الرسمي عن مصدر قضائي، ودعت وزارة الدفاع التونسيين إلى "اليقظة"، وقالت في بيان ان "أمن تونس مسؤولية مشتركة يتقاسمها الجميع كل من موقعه وهو ما يدعونا الى ملازمة اليقظة والابتعاد عن حملات التشكيك والمزايدات والعمل على استثمار معاني الوطنية الصادقة ووضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار لانجاح الانتقال الديموقراطي ودعم مناعة تونس وعزتها وإعلاء شانها بين الأمم".

وأكدت الوزارة ان "المؤسسة العسكرية منذ انبعاثها ظلت ولا تزال مؤسسة جمهورية في جوهرها ومبادئها وعقيدتها وملتزمة بالحياد التام بعيدة عن التجاذبات السياسية وعلى نفس المسافة من كل الاحزاب السياسية. وقد مثل ذلك عاملا اساسيا في نجاحها في القيام بمهامها وفي ترسيخ مفهوم الدولة ومتطلبات المحافظة على استمراريتها رغم الاحداث التي عاشتها".

وشكرت الوزارة للتونسيين ما ابدوه من "مظاهر التضامن مع الجيش الوطني من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية ومكونات المجتمع المدني اثر استشهاد ثمانية عسكريين في كمين نصبته مجموعة ارهابية بجبل الشعانبي"، واجج مقتل العسكريين الثمانية ازمة سياسية اندلعت اثر اغتيال النائب المعارض بالبرلمان محمد البراهمي (58 عاما) الذي قتل بالرصاص في 25 تموز/يوليو الحالي امام منزله في العاصمة تونس، ومنذ اغتيال البراهمي تطالب المعارضة العلمانية باستقالة الحكومة التي يراسها علي العريض القيادي في حركة النهضة، وبحل المجلس التاسيسي (البرلمان) وتشكيل حكومة "انقاذ وطني" تضم "مستقلين" لا يترشحون للاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وتخرج كل ليلة في مناطق عدة بالبلاد تظاهرات ضد الحكومة وأخرى مؤيدة لها، ورفضت الحكومة وحركة النهضة مطالب المعارضة واقترحت "توسيع" الحكومة، وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تصريح لاذاعة "شمس إف إم" الخاصة "نحن مع الحوار والوحدة الوطنية والتوافق واعتبار المجلس الوطني التاسيسي خطا احمر باعتباره اصل الشرعية"، وليل الثلاثاء- الاربعاء انفجرت في مدينة المحمدية، 20 كلم جنوب العاصمة تونس، عبوة ناسفة محلية الصنع كانت تستهدف سيارة حرس (درك) دورية امنية بدون ان تسفر عن ضحايا او اضرار، وقال محمد الجوهري رئيس منطقة (مديرية) الحرس الوطني في المحمدية لاذاعة "شمس اف ام" الخاصة "انفجرت عبوة ناسفة تقليدية الصنع كانت تستهدف دورية للحرس الوطني على الطريق الرئيسية رقم 3 التي تربط بين (ولايتي) تونس وزغوان (شمال) على مستوى محطة الحافلات بالمحمدية"، واضاف ان "هذه الطريق معروفة بدوريات الحرس الوطني التي تعمل 24 ساعة على 24 ومستعملة كثيرا من دوريات الحرس، والجناة الذين فجروا العبوة يعرفون ذلك". بحسب فرانس برس.

وأوضح ان العبوة الناسفة زرعت قرب شجرة تبعد مترا ونصف متر عن الطريق وان الجناة الذين كانوا على بعد 70 مترا من الشجرة فجروا العبوة عن بعد لحظة مرور السيارة ولكن "لم تسجل خسائر بشرية او مادية" لانهم زرعوا العبوة "بطريقة خاطئة"، وهي المرة الثانية تنفجر فيها عبوة ناسفة في منطقة قريبة من العاصمة منذ اغتيال النائب المعارض بالبرلمان محمد البراهمي، ففي 27 تموز/يوليو فجر مجهولون عبوة ناسفة وضعوها تحت سيارة للحرس الوطني كانت متوقفة امام مركز الحرس البحري في مدينة حلق الوادي (شمال العاصمة) ما اسفر عن إلحاق اضرار بالسيارة التي لم يكن داخلها ركاب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آب/2013 - 27/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م