مزايا منهج الشورى في البناء المجتمعي

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من أعظم المبادئ التي جاء بها الاسلام في صدر الرسالة النبوية الشريفة، هو مبدأ الشورى، حيث تمكنت الحكومة الاسلامية من تنظيم حياة المجتمع الاسلامي آنذاك، على الرغم من جذوره الضاربة في الفرقة والجهل والتعصب، والانتماء القبلي وما شابه، حيث تمكن قادة المسلمين من بناء المجتمع المتماسك القوي المستقر، من خلال تعميم مبدأ الشورى على عموم مفاصل الحياة آنذاك.

وقد كانت الشورى من بين أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، بمعنى أنها من الواجبات التي يجب أن يتمسك بها، وهكذا تحولت من مبدأ نظري الى سياق عملي، استطاع المسلمون من خلاله تنظيم حياتهم بصورة افضل، لاسيما أن الجميع كان يؤمن بأهمية هذا المنهج، فضلا عن اهمية التمسك به.

لهذا أكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في متن كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، قائلا في هذا المجال: (من المعلوم إنّ الشورى ذُكرت من بين صفات المؤمنين، فكان ظاهراً في وجوبها).

الشورى مبدأ شامل

من المزايا الاساسية التي يتحلى بها مبدأ الشورى، انه لا ينحصر في مجال معين دون غيره، ولا يختص بفئة دون اخرى، لأنه منهج حياة شامل يخص جميع مناحي الحياة، ولا يبقى حصرا على مجال معين من مجالات الحياة التي لا تحصى، كما انه منهج حياة ينبغي أن يتمسك به جميع افراد ومكونات المجتمع.

إنطلاقا من هذا التصور يقول الامام الشيرازي، حول هذا الجانب بكتابه نفسه: (إنّ الشورى مبدأ إسلامي عام لا يختصّ فقط في المجال السياسي بل حتى في الحياة الاسرية والاجتماعية).

لذلك من الخطأ أن نقتصر الاستفادة من الشورى في تنظيم الحياة السياسية فحسب، انما ينبغي الاستعانة بها، في تنظيم حياتنا على نحو شامل، يبدأ من المحيط الاصغر وتنظيم شؤونه (مؤسسة الاسرة)، صعودا الى المؤسسات الاكبر، والاكثر عدادا وتعقيدا في العلاقات الانتاجية وسواها، وهكذا نتفق على ان الشورى لا يصح اقتصارها وحصرها في الجانب السياسي، اذا اراد المعنيون توظيفها بالشكل الصحيح لخدمة المجتمع.

ولكن من حيث المظهر العام تبدو الشورى وكأنها معنية بأمرين بالدرجة الاولى، الاول تنظيم العلاقة بين الحاكم، والثاني تنظيم العلاقات المتعددة بين المسلمين انفسهم في شتى مناحي الحياة.

إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إنّ للشورى مجالان، الأول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم، والثاني: مشورة المسلمين فيما بينهم على إدارة شؤونهم، فهي دعوة الطرفين إلى الشورى، طرف الحاكم وطرف الرعية).

من هنا يظهر لنا وللمعنيين بتنظيم وتطوير البناء المجتمعي، أن الشورى مهج شامل لتنظيم الحياة، وهو مبدأ معني بشؤون الامة كافة، لذلك يقول الامام الشيرازي حل هذا الموضوع: إن (كل شيء يرتبط بشؤون الأمـة لابـدّ مـن الاستشـارة فيه سواء في أصل الجعل أو تابعه، مثل: المدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمطارات، والمعامل الكبيرة، وما أشبه ذلك، فإنّها تفتح وتعمل بمال الأمة ومقدراتها، وكذلك حال الوظائف من الرئاسة، إلى الوزارة، إلى المجلسين، إلى المحافظين، إلى مدراء النواحي وهكذا).

العلاقة بين الاكثرية والأقلية

من المزايا المهمة لمبدأ الشورى كما يرى الامام الشيرازي في متن كتابه هذا، انه ينظم العلاقة بين الاقلية والاكثرية بصورة دقيقة، حيث يتم حفظ حقوق الاقلية والاكثرية في آن واحد، ولابد من الاستشارة في الشؤون المتعدد للمجتمع، بغض النظر عن طبيعة المساحة الادارية وما شابه، إذ يقول سماجته في هذا الصدد: (إذا طبِّقت الاستشارة في كل هذه الشؤون، من القرية إلى المدينة، ومن اتحاد الطلبة إلى اكبر إدارة للشؤون الاجتماعية، تظهر الكفاءات، وتتقدم عجلة الحياة إلى الأمام بسرعة كبيرة. وبذلك تبين لنا من يستشير ومن يُـشير؟ فـالمجموع بما هو مجموع يستشيرون ويُستشارون، وإنْ كان كلٌّ فـي مورده؛ فإنّ إطلاق الاستشارة شامل لكل ذلك).

ولعل الميزة المهمة والواضحة في تطبيق مبدأ الشورى، انه يميل الى رأي الاكثرية، ويحفظ حقوق الاقلية في الوقت نفسه، فليس هناك مجاملات على حساب الحق، وليس هناك مراعاة مجانية لا ترتكز على الحق، ومبدأ الشورى كفيل بحماية حق الاقلية، لكن الاكثرية هي صاحبة الرأي المقبول دائما، ولن يسوء هذا المنهج للاقلية، خاصة عندما تجد الشورى معها حينما تصبح اكثرية، أي يحدث هنا تبادل للادوار، والتنقل من الاقلية الى الاكثرية وبالعكس، وهذا هو جوهر العمل الاستشاري الذي تنتظم في ظله جميع العلاقات المتبادلة بين الطرفين ونعني بهما الأكثرية والاقلية، لذلك لاتشعر الاقلية بالغبن طالما كانت حقوقها مصانة.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب بكتابه نفسه: (إن الأَخذ برأي الأقلية يعد جرحاً لرأي الأكثرية، وذلك ممّا لا يليق عقلاً ولا شرعاً؛ أمّا عقلاً فواضح، وأمّا شرعاً فلما نجده في مسألة أكثرية شاهد طرف من شاهد طرف آخر، كما في كتاب القضاء، فلو كان النزاع في دارٍ، أو مائة درهم أو ما أشبه ذلك، يؤخذ بالأكثرية شهوداً، فهل لا يدل ذلك على تقديم الأكثرية في الأمور المهمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ونحوها؟).

وهكذا تدخل الشورى كمنهج ذي مزايا راقية في البناء المجتمعي، لتجعل المعايير المنظمة لحياة المجتمع واضحة ومنضبطة، ومقبولة من لدن الجميع، خاصة الاقلية التي ستشعر مع مبدأ الشورى بالامان والاستقرار واطمئنان، بأن حقوقها مصانة وغير قابلة للتهديد او التجاوز او الهدر:

لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (من الواضح إنّ الأقلية غير المأخوذ برأيهم في هذه القضية لا ينزعجون بعد أن رأوا تقديم رأيهم إذا صاروا أكثرية في قضية أخرى. كما يلاحظ ذلك فـي مجالس الشورى، واتحاد الطلبة، ومجالس الوزراء، وغير ذلك في العالم الحاضر).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آب/2013 - 27/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م