إعادة بناء قدرات مكافحة الإرهاب في العراق

مايكل نايتس

 

أسفرت عملية الهروب من سجن أبو غريب في 21 تموز/يوليو عن إطلاق سراح مئات السجناء، من بينهم العديد من مقاتلي تنظيم «القاعدة في العراق» الذين سيتعذر إلقاء القبض عليهم مرة أخرى في وقت قريب. ويأتي هذا النجاح ليتوج عاماً حافلاً بالانجازات بالنسبة للجماعة السلفية الجهادية، التي عاودت الظهور بشكل ملحوظ منذ أن وصلت إلى أدنى مستوياتها في عام 2010. ورداً على ذلك، ليس هناك شك بأن مستشاري السياسة الأمريكية سوف ينصحون بقيام المزيد من التعاون الأمني مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية، التي من شأنها أن تكون مفيدة. بيد، إن حل الأزمة يتطلب رؤية أوسع بكثير من مجرد إدخال تحسينات تكتيكية على قدرة بغداد على اعتقال وقتل الإرهابيين. فقد عملت ثلاث سنوات من التناحر السياسي الداخلي السام على وضع الأساس للتعافي الجزئي لـ تنظيم «القاعدة في العراق»، والأعمال السياسية وحدها هي التي تستطيع تقويض الحركة مرة أخرى.

ولادة من جديد لـ تنظيم «القاعدة في العراق»

بحلول نهاية عام 2010، بدا تنظيم «القاعدة في العراق» عاجزاً عن الحركة، حيث بلغ متوسط محاولاته لتنفيذ هجمات إرهابية تُحدث خسائر ضخمة بين صفوف الجماهير 10 هجمات شهرياً فقط، ومعظمها كانت فاشلة (مقارنة بنحو ستين أو سبعين هجوماً شهرياً في عام 2006، مع نسبة نجاح أعلى من تلك التي حدثت عام 2010). وكان التنظيم قد فقد قيادته العليا أمام الهجمات الأمريكية، بينما كان التنسيق بين الخلايا أمراً محفوفاً بالكثير من المخاطر لدرجة أن التنظيم لم يستطع تنفيذ سوى هجوم واحد أو هجومين "كبيرين" منسقين في عدة مدن في العام الواحد. وبناءً عليه، بدأ تنظيم «القاعدة في العراق» يتفتت إلى شبكات شبه إجرامية مستقلة تركز على السرقة والابتزاز.

ولكن بحلول نهاية عام 2012، استعاد التنظيم عافيته، حيث كان يشن أكثر من أربعين هجوماً كبيراً شهرياً إلى جانب هجمات منتظمة في عدة مدن. واليوم، تقوم القبائل في المناطق النائية المتاخمة لسوريا مرة أخرى بإبرام اتفاقات عدم اعتداء مع الجماعة وتصوغ ذلك في صورة عقود محلية. فكيف حدث ذلك التعافي، وماذا نستشف منه عن احتياجات مكافحة الإرهاب للحكومة العراقية؟

من الواضح أن قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق بحلول نهاية عام 2011 كان إحدى العوامل في تعافي تنظيم «القاعدة في العراق»، لأنه أدى إلى استبعاد ترتيب بالغ الفاعلية للأصول الاستخباراتية والقوات الخاصة وفرق الهجمات الجوية. إن ذلك قد وفر للتنظيم القدرة على التنسيق مرة أخرى، الأمر الذي أدى إلى زيادة الهجمات في عدة مدن. وكان نقل سجناء تنظيم «القاعدة في العراق» من الحجز القضائي الأمريكي إلى السلطات العراقية عاملاً هاماً آخر؛ وتم لاحقاً الإفراج عن مئات من هؤلاء السجناء، مما أعاد قوة بشرية هائلة من الإرهابيين المدربين إلى العمل. كما كانت الحرب الدائرة في سوريا عاملاً محفزاً، حيث كانت بمثابة نموذج للمتمردين السنة في العراق في الوقت الذي وفرت فيه مزايا لوجستية وملاذات جديدة تمخضت عن قيام تمردَيْن سنيَيْن بالقتال إلى جانب بعضهما البعض.

 [وفضلاً عن ذلك]، كانت القرارات التي اتخذها تنظيم «القاعدة في العراق» وبغداد حتى الآن عاملاً على نفس القدر من الأهمية على الأقل في بث الحياة مرة أخرى في الجماعة. وقد أكد أبو بكر البغدادي وأبو سليمان الناصر - الزعيم والقائد العسكري الجديدان لـ تنظيم «القاعدة في العراق»، على التوالي - على القيادة العراقية لـ التنظيم وركزا دعايتهما على القضايا التي تمثل أهمية كبرى بالنسبة للسنة العراقيين: وهي تحديداً، مصير السجناء السنة، ونطاق النفوذ الإيراني على بغداد، والعقاب الجماعي للسنة من خلال عمليات مكافحة الإرهاب العشوائية وجهود حل حزب البعث غير التمييزية. لقد استهدفت هجمات تنظيم «القاعدة في العراق» بشكل متزايد المتعاونين مع الحكومة من الشيعة والسنة، على الرغم من أنه قد توخي الحذر بعدم تنفير عموم السكان السنة من خلال شن هجمات أو فرض قيود غير تمييزية على حياتهم اليومية.

وفي غضون ذلك، لعبت بغداد دوراً صب في صالح الدعاية التي قام بها تنظيم «القاعدة في العراق». فمنذ أن بدأ انسحاب الولايات المتحدة في عام 2009 وتدهور الشراكة بين القوات العراقية والأمريكية، تخلى الجيش العراقي عن النموذج الناجح المتمثل في جهود مكافحة التمرد التي تركز على السكان. فقد تم إقصاء جماعات "الصحوة" - وهي قوات شرطة شبه عسكرية من أهل السنة تم تعيينها من قبل الحكومة - بشكل تدريجي: فقد أصبحت رواتب أفرادها متقطعة، وتم تقييد حقهم في حمل الأسلحة للدفاع عن النفس، وكثيراً ما ألقي القبض على قادتهم. والآن أصبحت جماعات "الصحوة" في حالة تراجع وفرار، إذ باتوا أهدافاً سهلة للقتلة التابعين لـ تنظيم «القاعدة في العراق» ويسعون بشكل متزايد إلى إبرام اتفاقات مع الإرهابيين.

كما تخلت قوات الأمن العراقية عن العديد من المبادئ الأساسية الأخرى لعمليات مكافحة التمرد القائمة على السكان. فالقوات تعيش حالياً بعيداً عن مجتمعاتها المحلية؛ وبسبب التغيب المتزايد لأفرادها بصورة جزئية، فقد انسحبوا من الشبكة الكثيفة التي تضم مواقع قتالية في الأحياء إلى قواعد أكبر يسهل تزويدها بالرجال ودعمها لوجستياً. وفي العديد من المواقع، تبنوا نفس وجهة النظر غير التمييزية تجاه السكان المحليين التي تبنتها قوات التحالف في عام 2003، لكن مع اختلاف هام: لم تستطع قوات التحالف في بادئ الأمر التمييز بين المتمردين والمدنيين بسبب جهل حقيقي، بينما كانت الوحدات العراقية (بأخذها زمام المبادرة من السياسيين الوطنيين المتناحرين) تقوم غالباً بتجميعهم مع بعضهم البعض بصورة متعمدة بسبب التعصب الطائفي وعدم الرغبة في الالتزام بالعمل الصعب لمكافحة أعمال التمرد القائمة على السكان. ونتيجة لذلك، أصبحت أحياء سنية كاملة في غرب بغداد مناطق معزولة لسنوات حتى الآن، وعرضة لحصار اقتصادي ولمداهمات دورية وفقاً لنزوات القادة العسكريين المحليين. ويحاول الجيش الآن القيام بعمليات تطهير واسعة النطاق - ويذكرنا ذلك مرة أخرى بجهود التحالف في الفترة 2003-2004، عندما كانت النتائج متواضعة أو حتى عكسية على نحو مماثل.

إعادة تفعيل أعمال مكافحة الإرهاب في العراق

يمثل إصلاح قوات مكافحة الإرهاب العراقية أولوية قصوى، ولا شك أن بعضاً من هذا العمل يجري القيام به من خلال قنوات سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (فضلاً عن التعاون الجلي مع وزارة الدفاع). بإمكان واشنطن أن تساعد أيضاً على تقليل الضغط على وحدة مكافحة الإرهاب الرئيسية في البلاد - "قوات العمليات الخاصة العراقية" - البالغ قوامها 4,100 شخص والمعروفة بقوتها.

وتعمل "قوات العمليات الخاصة العراقية" حالياً تحت قيادة "جهاز مكافحة الإرهاب" (CTS)، وهو عبارة عن وكالة ليس لها أي أساس قانوني لأن البرلمان عجز بشكل متكرر عن تمرير مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي عُرض للمرة الأولى عام 2007. وقد ترك ذلك "قوات العمليات الخاصة العراقية" في حالة فراغ قانوني ومالي، فهي ليست جزءً من تسلسل القيادة في وزارة الدفاع كما أنها ليست مخصصة إلى وكالة معتمدة وممولة من قبل البرلمان. وفي عام 2010، تلقت القوات تمويلاً بقيمة 170 مليون دولار فقط، مقارنة بتكلفتها التشغيلية السنوية البالغة نحو 350 مليون دولار. كما أنها واجهت صعوبات حادة في الحصول على أفراد بدائل من وزارة الدفاع. ففي عام 2009، تم توفير 67 في المائة  فقط من أفراد "قوات العمليات الخاصة العراقية" المخصصين لهذا المستوى التنظيمي، بل إن هذا الرقم هو اليوم أدنى من ذلك، الأمر الذي يزيد من إجهاد الوكالة.

ولذلك، فإن إحدى أهم المتطلبات قصيرة الأجل والأكثر إلحاحاً هي أن تتم إعادة هيكلة "قوات العمليات الخاصة العراقية" ضمن قوات الأمن العراقية من خلال دعم تمرير قانون مكافحة الإرهاب ووضع "جهاز مكافحة الإرهاب" تحت الرقابة البرلمانية باعتباره وزارة جديدة. وتقوم فصائل المعارضة العراقية بانتظام بتكوين أغلبيات ساحقة في البرلمان، وينبغي أن يتوافق قانون مكافحة الإرهاب مع رغبتهم في تطبيع عمليات القيادة والتحكم في القوات الخاصة وحل مشكلة تنظيم «القاعدة في العراق». ووفقاً لذلك، يجب على واشنطن أن تستخدم مساعيها الحميدة لتشجيع قيام محاولة جديدة لتمرير هذا التشريع.

لكن حتى في حالة عودة "قوات العمليات الخاصة العراقية" إلى وضعها الطبيعي، لا يستطيع العراق أن يشق طريقه خروجاً من الأزمة الأمنية الراهنة. فبيئة التجنيد لـ تنظيم «القاعدة في العراق» أصبحت مواتية جداً في الوقت الراهن بحيث لا تستطيع بغداد الاعتماد فقط على العمليات الخشنة لمكافحة الإرهاب، وهو ما قد تجربه لو سمحت لها واشنطن بذلك. فتحقيق مصالحة وطنية أوسع نطاقاً وإصلاح عملية حل حزب البعث والعودة إلى أساليب مكافحة التمرد القائمة على السكان وتعزيز سلطات الحكومة البرلمانية والمحلية يمكن أن توجه جميعها صفعات قوية لـ تنظيم «القاعدة في العراق». ورغم أن واشنطن تستطيع المساعدة من خلال تقديم المزيد من التعليم العسكري المهني حول الجوانب الفنية لعمليات مكافحة التمرد القائمة على السكان، إلا أن الاستراتيجية الأوسع نطاقاً تتطلب قرارات سياسية عراقية تقوض من وضع المتطرفين من خلال التوصل إلى تسويات.

هناك مؤشرات على أن اثنين من أكبر السياسيين العراقيين - رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي ورئيس البرلمان السني أسامة النجيفي - يدركان الحاجة إلى الابتعاد عن حافة الهاوية الطائفية، حتى وإن كان ذلك فقط من أجل ضمان مستقبلهما السياسي. إذا أرادت واشنطن إضعاف تنظيم «القاعدة في العراق»، ينبغي عليها أن تركز على تعزيز استراتيجية مصالحة وطنية متكاملة، يمكن تنفيذها قبل وأثناء وبعد الانتخابات الحيوية في العراق عام 2014. وفي غضون ذلك، ومع نمو تنظيم «القاعدة في العراق»، من المحتمل أن يتجاوز التنظيم مرحلة الترحيب به بين مجتمعات السنة مرة أخرى. ويجب أن تستعد استراتيجية مكافحة الإرهاب العراقية التي تدعمها الولايات المتحدة لاستغلال تلك اللحظة عندما تحين.

* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن

http://www.washingtoninstitute.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آب/2013 - 27/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م