قواعد الإنجاز: القاعدة الخامسة التوقيت.. التناسب

السيد محمود الموسوي

 

" لابد أن يكون لعملك مدة مناسبة في وقت مناسب، لأداء الهدف المناسب"

 

برنامج الصوم، محدّد بوقت معيّن، وبعدد للأيام، هي شهر واحد تكون في رمضان وهو من الشهور العربية، حيث يقول عز وجل: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) نفهم منها أن هناك تحديداً لعدد الأيام التي ينبغي أن يؤدّى فيها العمل، ويقول عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ)، ونفهم هنا أن هناك توقيتاً لتلك الأيام من السنة وذلك هو شهر رمضان.

فالحالة المثلى أن يتم هذا الواجب في هذا العدد من الأيام في هذا الشهر الذي جعل الله له فضائل خاصة وروحية متميزة، بأن أنزل فيه القرآن الكريم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ)، ففيه الأجواء التي تكون هدى للناس، ولكن أي أناس أولئك، أولئك هم المتّقون حيث يقول تعالى عن القرآن: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)[1]، وحيث أن التقوى هي الغاية من هذا البرنامج فشهر رمضان أنزل فيه الكتاب الذي هو هدى للمتقين، لتتناسب الأجواء مع المقصد والهدف.

وجعل فيه أيضاً ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[2]، لأن فيها مميّزات (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، حيث أن هناك تناسباً مع المقصد وهو الوصول إلى بناء الشخصية المتقية، و التقوى تحتاج إلى أجواء تستقبل فيها الدعاء وتقبل فيها الأعمال بأضعافها، وهكذا..

فقد جاء عن الرسول الأعظم (ص) في خطبته في استقبال شهر رمضان، أنه قال: (أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عنكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم)[3].

فقد جعل الله تعالى في شهر رمضان كل ما يتناسب ومقاصده، فأبواب الجنان مفتوحة وأبواب النيران مغلقة، بمعنى أن قبول الأعمال بأضعافها، كما في تلاوة القرآن الكريم، فتلاوة آية واحدة في شهر رمضان كان له أجر من ختم القرآن في سائر الشهور.

إذاً هنالك مميزات لوقت شهر رمضان المبارك، تتناسب مع الغاية المرجوّة، وهو أفضل وقت لكي يرجع فيه العبد إلى ربه.. وهكذا في سائر الأعمال فلابد أن تتناسب الأوقات مع المقاصد.

هنا نستفيد قاعدة من قواعد الإنجاز، وهي ضرورة أن يتحقق أمران لتحقيق الإنجاز:

الأول: تعيين البيئة الحاضنة

 لكل شيء يراد له أن ينمو لابد أن يوضع في بيئته الصالحة لنموه، فالطفل ينمو في بطن أمه وتتوفر له كافة الاحتياجات الأساسية، والبذرة لا تنبت وتترعرع إلا إذا حصلت على أرض طيبة صالحة، فإن اختيار البيئة الحاضنة لأي عمل يراد أنجازه أمر مهم للغاية، فهل يمكن أن تنبت شجرة مثمرة في أرض سبخة؟!، وهل يعقل أن يلاقي النجاح من يقوم بافتتاح محل مثلجات جديد في فصل الشتاء، والثلوج تتساقط؟!

 فلا بد من اختيار البيئة المناسبة، والوقت المناسب لحصول أي انجاز، أو إيجاد تلك البيئة إن لم تكن موجودة، كمقدمة أساسية للإنجاز، فإن الصلاة المفروضة على الإنسان، الأفضل أن يؤديها الإنسان في المسجد، لأنه محل العبادة المهيأ، وإن أقام المصلي صلاته في بيته، فيستحب له أن يخصص مكاناً مناسباً للصلاة، وهنالك العديد من الشرائط والمستحبات التي ينبغي أن يراعيها المصلي، لكي تكون صلاته في بيئة تتناسب وحالة الخشوع، والخشوع هو الغاية التي يسعى لتحصيلها المصلي في صلاته، (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)[4]، فيستحب له أن يتطيّب وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يبتعد عن الضوضاء، ويكره له أن يصلي أمام صور أو باب مفتوح أو في الطرقات ومشابه ذلك من الأشياء التي تسلب الخشوع.

الثاني: تحديد المدة الكافية

 لا يكفي أن تكون البيئة مناسبة لإنجاز العمل، بل لابد أن ينجز العمل في تلك البيئة ضمن مدة تتناسب وأدائه، وفي نفس الوقت ليس من الصحيح أن لا تحدد مدة زمنية لأعمالنا، لكي لا يحصل التراخي في العمل، وهذا يضر بالإنجاز.

 (وما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل)[5] كما يقول الإمام علي (ع)، فعندما يعطي الإنسان نفسه زمناً مفتوحاً ولا يحسب حساباً لأن كل شيء له وقت وأجل، فإنه سوف يسيء العمل، على مستوى فعل الإنسان في الدنيا بخصوص الطاعات، وكذلك في أي عمل يريد انجازه.

 وتحديد الوقت والمدة الكافية يعني تحديد طرفي الوقت والمحافظة عليهما معاً، وقت البداية للمشروع ووقت النهاية، لأن البداية هي التي سوف تحدد نوع النهاية وزمنها، كما يقول الإمام الصادق (ع): (مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه)[6].

 وهنالك علاقة وطيدة بين البيئة وبين المدة الكافية، فتحديد المدة يعتمد على نوع البيئة، فإن الدراسة في الهجرة تختلف عن الدراسة في الوطن، فمن يكون متفرغاً للدراسة في الغربة ستكون مدة دراسته أقل ممن يقطن موطنه، حيث سيكون ملزماً بعدة التزامات اجتماعية وغيرها.. لذلك فإن عبارة (تعلم اللغة الانجليزية في سبعة أيام) لن تكون متناسبة مع الجميع، لأن ظروفهم وبيئتهم التي سوف يدرسون فيها تلك اللغة مختلفة.

 فهذا يدعونا إلى أن نحدد المدة الكافية وفقاً للبيئة الحاضنة، وهذا ما يعمله العاملون على مجموعة كبيرة من معاهد تحفيظ القرآن الكريم، فمن الشروط التي أدرجوها للتحفيظ اعتماداً على برنامج خاص بتقنيات الحفظ، وضعوا تحديداً للمدة، بينوها في ورقة الإنتساب لتلك المراكز، وهي (الطفل الذي ينتمي للمركز كلياً يحفظ القرآن كاملاً في سنة واحدة فقط)، و(الرجل المتزوج الذي ينتسب للمركز يحفظ القرآن كاملاً في أربع سنوات) أو أكثر.

 وبغض النظر عن هذا الاختلاف، فإن الفكرة الأساسية هي أننا ينبغي أن نحدد لأهدافنا أوقاتاً كافية وبيئة مناسبة.

يقال أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل

قد يأتي البعض بهذه المقولة ليؤسس إلى أن الأهم في الأشياء أن تتحقق ولا يهم بأن تحصل اليوم أو غد، فأن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل، وهذه القاعدة بحد ذاتها صحيحة، إلا أنها قاعدة للظروف الطارئة، فمع مقارنة القلة بالحرمان، نقول بأن القليل أفضل، ولكن لا يعني أن القليل هو ما نسعى إليه، وهكذا فإننا لا ينبغي أن نسعى للحفاظ فقط على الوصول دون أن يكون ذلك الوصول في الوقت المناسب، وإلا فإننا لن نصل إلى موعد في وقته، وهنالك بعض الأعمال عندما لا تتحقق في موعدها فإن خسائراً ستقع، هكذا حال سوق الأسهم مثلاً، فلابد أن يبادر الإنسان بالشراء أو البيع في الوقت المناسب تحديداً.

فلا ينبغي أن نؤسس حياتنا على الطوارئ، ولا تستخدم القواعد الطارئة إلا في الأوقات التي تحتاج إلى ذلك، فـ (ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه) كما قال الإمام الصادق (ع).

والقاعدة هي: لابد أن يكون لعملك مدة مناسبة في وقت مناسب، لأداء الهدف المناسب.

* قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

.......................................................

 [1] / سورة البقرة، آية 2

[2] / سورة القدر، آية 3

[3] / وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 10 - ص 314

[4] / سورة البقرة، آية 45

[5] / بحار الأنوار، ج79، ص173.

[6] / بحار الأنوار، ج68، ص393

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/آب/2013 - 25/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م