قواعد الإنجاز: القاعدة الثانية السعي وبذل الجهد

السيد محمود الموسوي

 

"السكون لن يحقّق هدفاً يحتاج إلى حركة وبذل الجهد"

 

التكليف الذي كتبه الله تعالى على عباده المؤمنين هو صيام شهر رمضان، وغايته الوصول إلى التقوى خلال هذه المدّة، حيث قال: (لعلكم تتقون)، ولكن لا يصل كل من يجتاح هذه المدة في الصيام إلى التقوى، لأن لكل برنامج أصول، فـ (لعل) تبيّن أنه ليس كل من يعيش شهر رمضان المبارك سيستفيد منه بالضرورة، لأن (لعل) تفيد التوقع وتختص بالممكن الذي لا وثوق بحصوله، إذاً ينبغي استنفاذ الوسع، ومعرفة الطرق المؤدّية إلى ذلك.

والرسول (ص) يقول في خطبته عن شهر رمضان: (فإن الشقي من حرم غفران الله في هذاالشهر العظيم).

ولا يمكن لمن يقف ساكناً مكتوف الأيدي أن يحقق هدفاً يحتاج إلى السعي وبذل الجهد، فالإنجاز هو نتيجة التحرّك، وأصل التحرّك له دور كبير حيث تأتي القواعد الأخرى لتصب في هذا التحرّك.. فلو أن إنساناً أخذ كل قواعد الدنيا التي تجعل الإنسان ناجحاً ومنجزاً، ولكنه كان ساكناً لا يتحرّك فلن تنفعه كل تلك القواعد بشيء. فمن يريد شيئاً لابد أن يسعى إليه كما يقول تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً)[1].

إذاً لدينا سؤال مهم

أنت تمتلك أهدافاً وطموحات ولكن ماذا فعلت تجاه تحقيقها؟؟ هل السكون سيؤدّي بك إلى نتيجة؟

 بالطبع كلا.. فإن رؤية الدين أن تعمل وتبادر، لا أن تكون في دائرة السكون والجمود، هذه معطيات الكثير من نصوص الدين وتوجيهاته في هذا المضمار، فالإمام علي يقول لنا: (لا تستحي من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه)[2]، وفي الدعاء (يامن يعطي الكثير بالقليل..)[3]، لأن الله يقدّر عمل الإنسان مهما كان صغيراً ويعطي عليه الثواب الكثير، تشجيعاً للعمل والإنتقال إلى دائرة الفاعلية، لذلك جاء الحديث عن النبي (ص): (لا تحقرن شيئاً من المعروف..)[4]، أي احترم هذا العمل، وعمل الخير هو كل عمل يؤدي إلى طاعة أو إلى فائدة الإنسان ورقيه، فإن كل أعمال الإنسان هي تحت عناية الله تعالى ورسوله الكريم (ص) وأهل بيته (ع) وصالح المؤمنين، قال عز وجل: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[5].

فإن بصائر الدين تنقلنا من عالم الجمود والسكون والعزلة إلى عالم الحركة والعمل والفاعلية، لأنها بحد ذاتها صفة مهمة، يمكن أن تنسكب فيها الأهداف الصغيرة لتتراكم، ثم الكبيرة لتتحقق.

حبة القمح وبذل الجهد

"إن العمل إذاً هو صانع الأمجاد، وما من شيء نلمسه أو نراه، أو نتذوقه، إلا وهو نتاج سلسلة طويلة من الأعمال.. فحبة قمح واحدة تأكلها أنت تسبق حصولك عليها عشرات من الأعمال، ومئات من العاملين ولو أن أحدنا تتبع رحلتها، منذ أن كانت بذرة، ومن قبل حيث كانت نبتة، ثم عندما زُرعت في الأرض، وجرى حرثها، وسقيها، وتتبع العاملين والعمليات، والآلات التي استخدمت والذين جلبوها، والذين صنعوها وكذلك، حصادها، وحملها، ونقلها، وطحنها، ومن ثم طبخها، وحملها لرأيت كيف أن مئات الأيدي قد عملت في حبة القمح هذه حتى حصلت عليها بكدّك، وأكلتها..

هذا بالإضافة إلى ما للشمس، والرياح، والسحاب، والأرض من دور كبير في أمثال هذه الأمور..

فلولا العمل لانقرض الناس من العالم ـ كما يقول الصينيون"[6].

أعذار واهية في الجمود والتكاسل

1/ أنا أنتظر الحظ والتوفيق..

تبرز بعض الأعذار التي تساعد على الكسل وتكريس الجمود والخلود إلى الراحة، ومنها أن البعض قد يرى أن هنالك من يبتسم له الحظ من أوسع الأبواب، كأن يحصل على جائزة غير متوقعة بآلاف الدنانير، فيرسم آماله على سراب لا وجود له، فلو أن كل العالم أخذ بهذه الفكرة التي تدغدغ أحلام الحالمين، فهذا يعني وجود احتمالات بالمليارات من الأعداد لكي يبتسم له الحظ، فمتى سيأتي هذا الحظ ياترى؟ وماذا لو لم يأت؟

بلا شك أننا بحاجة إلى توفيق من الله تعالى في كل أعمالنا، كما في الحديث عن الإمام علي (ع): (التوفيق عناية)[7].

ولكن التوفيق يحتاج إلى إرادة وعمل معاً، ألا نرى قول الله عز وجل: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[8]، فقد توفرت إرادة الإصلاح، ثم الدعاء بطلب التوفيق من الله تعالى، ثم التوكل عليه بالجد والعمل.

وقد يحصل البعض على خيرات وأرزاق لم يكن يتوقعها، ولكن هل أن الحصول على مبلغ من المال فجأة مثلاً، هو نهاية المطاف؟ أو أنه بداية المطاف.. نعم هو البداية لأن أي نعمة وأي خير وأي منصب وأي شيء يمكن أن تعتبره حظ، يحتاج إلى أن تحافظ عليه، والمحافظة عليه تنبع من النظر إلى تلك النعمة بنظر المسؤولية والإهتمام، وستحتاج إلى فاعلية وحركة وبذل جهد في الحفاظ عليها، بل وفي تنميتها، فالمال ينفذ بصرفه، والمنصب يذهب بالتقصير، وكل نعمة تزول عندما لا يشكرها الانسان..

هذه قاعدة مهمة، أن تشكر النعمة يعني أن تحافظ عليها، وتعطيها حقها، من الرعاية والتنمية، وإلا فإنها تتبدد، فهذه قاعدة إلهية ، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)[9] ففي الحديث (بالشكر تزيد النعم)، وأي توفيق فهو مجرد بداية لطريق يحتاج إلى الجهد، كما يشير إلى ذلك أمير المؤمنين (ع): (التوفيق أول النعمة)[10].

ابتسم له الحظ فعبست في وجهه الدنيا

لقد حصل أحد الشباب الذين لا يقدّرون قيمة العمل والجهد على ميراث كبير عندما مات أبوه، فقد كان الشاب لاهياً في ملذات الحياة دون مبالاة، وهو مطمئن بأن ثروة أبيه الذي كان يملك مصنعاً للتعليب ومؤسسة للتصدير، سوف تأتيه على طبق من ذهب، وبالفعل مرت الأيام، وإذا بالشاب يتلقى نبأ وفاة والده بالسعادة والفرح، لأن وفاة والده تعني له حصوله على ثروة كبيرة، فهذا هو الحظ قد ابتسم إليه واصبح من الأثرياء.

ولأن الشاب لم يكن متعوداً على العمل ولم يكن مقدّراً لأي جهد بذل في الحصول على تلك الثروة، فإنه بمجرد أن حصل على المال، عبست في وجهه الدنيا من كل جهة، أخذ يبدده ويسرف في الملذات، حتى أنه خسر زوجته وأبناءه لأن عائلته تحطمت جراء سلوكه، وقد أصبح مفلساً لأنه بدد المال الذي لم يعلم أنه ينقص بالإنفاق، بل وقد أودى بحياته إلى الهاوية لما أصابه من جشع المال، أودع السجن سنين طويلة، ثم تدهورت حالته الصحية، ولم يعد لحياته أي معنى.. فلم يعرف كيف ينمي المال، لأنه لم يكن يعرف كيف ذلك، ولم يعرف كيف يحافظ عليه، لأنه لم يقدّر قيمة العمل التي جاءت به.

ستكون هذه حال الكثير ممن لا يقدّر قيمة العمل وبذل الجهد، حتى لو ابتسم له الحظ يوماً.. لأنه بكل بساطة "الحظ أيضاً يحتاج إلى بذل جهد في الحفاظ عليه".

يقول الحديث الشريف: "للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرّط، ويفرّط حتى يضيّع، ويضيّع حتى يأثم"[11].

2/ لابد أن أقوم بعمل كبير متكامل وإلا فلا حاجة للعمل..

من الأعذار الواهية التي تكرّس حالة الكسل وتمنع من الفاعلية وبذل الجهد، هي أن يسيء الإنسان تقدير النجاح والانجاز، فيعتقد أن الإنجاز هو الوصول إلى الكمال التام الذي لا نقص فيه، بل قد ينظر إلى أن الكمال شرط من شروط البداية في اي مشروع أو عمل، ولا يعلم أن الكمال هو نتيجة وليس شرطاً، والفرق بين النتيجة والشرط، أن النتيجة تأتي آخر المطاف، فهي خلاصة العمل ونهايته.

فإذا كان الكمال هو نتيجة تأتي في نهاية المطاف، أي أنها بعد العمل وبذل الجهد، فهذا يعني اننا نسعى إلى تحقيقها، فالبداية هي خطوة في الطريق، وإرادة تلك النتيجة تعطينا حافزاً للمضي قدماً من أجل تحقيق الكمال، فهي مسيرة التكامل، وحياة الإنسان كلها عبارة عن مسيرة من أجل التكامل، كل جزء يكمل الجزء الآخر، حتى نصل إلى الغاية..

سُئل أحد المؤلفين الكبار الذي صدر له العديد من الكتب النافعة في مجالات شتى، لماذا لم نر لأخيك مؤلفات مثلك؟

وقد كان له أخ بمثل ثقافته ووعيه، ولكن لم يكن له إلا نسبة ضئيلة من الكتب، فقال صاحب التأليفات الكثيرة: إن أخي ينظر إلى الكمال، وأنا أنظر إلى التكامل.

الأجزاء الصغيرة مع بعضها تكوّن جزءاً كبيراً، وهكذا هو التراكم في العمل، شيئاً فشيئاً يتكامل العمل، فإنك لن تستطيع أن تقرأ موسوعة كاملة دفعة واحدة، ستحتاج إلى التدرّج وتتالي الخطوات، وهكذا كل عمل يحتاج إلى تراكم في الجهد ليعطي نتيجة في نهاية المطاف، كما أن البدء في العمل واجتراح البداية بحد ذاته يعطي الإنسان تجربة، حتى لو اعتبرها متعثرة وفاشلة، فهي درس تعطيه معرفة للخطوات التي تليها، ف (في التجارب عمل مستفاد) كما يقول الإمام علي (ع).

إذاً عندما تحدد هدفك فإنك بحاجة للحركة باتجاه ذلك الهدف.

عندما انطلقت نيتهم نحو الحركة

أصحاب مؤسسة خيرية كانوا يعملون في شقة صغيرة ضيقة بالنسبة لعملهم الكبير، وهي مستأجرة بمبلغ كبير، الأمر الذي يعيقهم عن أداء بعض الأعمال، كانت لديهم نية بل كل من في المؤسسة يؤمن إيماناً قاطعاً بأن هذا المكان لا يصلح لمزاولة عملهم في المؤسسة، ويؤمنون بأنهم يحتاجون فعلاً إلى مكان واسع، لينطلقوا لتحقيق أهدافهم، إلا أنهم طوال أربع سنوات لم يحرّكوا ساكناً.

بعد الأربع سنوات، قرروا أن يشتروا بيتاً حتى لو كان ذلك بالقرض، حتى أنهم لم يعرفوا من أين يمكن أن يقترضوا مبلغاً كبيراً لشراء بيت، إلا أن قرارهم بالحركة وبذل الجهد من أجل تحقيق ذلك الهدف، جعلهم يبحثون عن بيت مناسب ليطرحوا على مالكه بيعه، وفعلاً، حصلوا على بيت في مكان مناسب، تقدموا لزيارة المالك، وفي مجلسهم معه.. طرحوا عليه نيته في شراء البيت ليكون مؤسسة خيرية، واعدهم الرجل أن يردّ عليهم في اليوم التالي، أخذت التوقعات تتجاذبهم، فظنوا أنه نوع من الاعتذار، وعدم الموافقة، ولكنهم فوجئوا بالمالك يتصل بهم، ليخبرهم عن نيته بالتبرع بالبيت لصالح عملهم الخيري، فاجأهم الخبر، وأسرعوا في تجهيز البيت ليكون مؤسسة خيرية تشع بعملها لكافة الناس.

وقد حصلوا ثمرة جهدهم الذي بارك الله فيه، فإن الحركة تجلب التوفيق والبركة.

إذاً فالقاعدة الثانية هي: أن السكون لن يحقّق هدفاً يحتاج إلى حركة وبذل الجهد.

* قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

............................................................

 [1] / سورة الإسراء، آية 19

[2] / بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج92،ص 173

[3] / من أدعية شهر رجب، عن الإمام الصادق (ع)، بحار الأنوار، ج95، ص391

[4] / بحار الأنوار، ج73، ص356

[5] / سورة التوبة، آية 105

[6] / مفاتيح النجاح، سلسلة تعلم كيف تنجح، ص108 ـ السيد هادي المدرّسي.

[7] / ميزان الحكمة ، الريشهري، ج4

[8] / سورة هود، آية 88

[9] / سورة إبراهيم، آية 7

[10] / ميزان الحكمة، الريشهري، ج4

[11] / واجه عوامل السقوط، ص 30، السيد هادي المدرسي، عن قرب الإسناد ص22

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تموز/2013 - 21/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م