يا أبا الحسن ماذا سيكون لو كانت منقبة من مناقبك عندهم

خضير العواد

 

لقد تركت الأمة علي بن أبي طالب (ع) وتوجهت الى رجال ليس لديهم من المناقب إلا بعض المنيّقبات إذا أردوا تسميتها بهذا الاسم وما هي بالمناقب، فالأول ليس عنده إلا المصاحبة في الغار وصلاته بالمسلمين؟؟؟ كما يقولون فاستلم الخلافة وأصبح صدّيقاً، الثاني ليس عنده إلا الجرأة على الرسول (ص) كما يقول بن ابي الحديد المعتزلي فهو الذي اعترضه في كثير من المواضع كصلح الحديبية والصلاة على بن سلول وتولي علي بن ابي طالب (ع) ولاية المؤمنين وغيرها فأصبح الخليفة والفاروق.

 ولكن نقول بالنسبة للأول إن الصحبة لم تكن في يوم من الأيام فضيلة فهذا هو يوسف (ع) قد صاحب الكفار إذ يقول الله سبحانه وتعالى (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان)..(1) بالإضافة الى أن الله سبحانه وتعالى لم ينزل عليه السكينة والتأييد بالجند مع رسول الله (ص) بل كانت فقط على الرسول (ص) إذ يقول الله سبحانه وتعالى (...إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها....)...(2)، علماً لم تذكر كلمة السكينة إلا في ثلاث مواضع في القرآن الكريم، وجميعها تنزل على رسول الله (ص) والمؤمنين إلا في هذا الموضع لم تنزل إلا على رسول الله (ص)؟؟؟؟؟ إذ يقول الله سبحانه وتعالى (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها...)..(3) وقال سبحانه وتعالى (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيما)...(4)

 أما الصلاة بالمسلمين أثناء مرض النبي (ص) فكانت من تدبير عائشة ولكن عندما سأل النبي (ص) من يصلي بالناس فقيل أبو بكر : فخرج يتهادى بين اثنين، فدخل المسجد وابو بكر يصلي بالناس، فمنعه من إمامة الأمة في الصلاة وتقدم فصلى بهم وتأخر ابو بكر...(5)، فلم يوافق النبي (ص) على إمامته للمسلمين بالصلاة بل خرج والضعف أخذ منه مأخذاً حتى لا تؤخذ هذه الصلاة حجة وتترتب عليها أمور جسام، بهذه المنيّقبات وما هي بمناقب فقد جعلت الأمة بها لهم الفضل الأسمى والقدر الأعلى وسلمت لهم الخلافة والقيادة وفي بعض الأحيان جعلوا حتى الله سبحانه وتعالى يحتاج إليهم (وحاشا له من هذا) واصبحوا المعصومين من الأخطاء وبعدين عن التساؤلات لأن كل أفعالهم واقوالهم صحاح.

 هنا نتساءل لو كان عند هؤلاء الصحابة منقبة واحدة من مناقب الإمام علي (ع) فماذا سيجعلونهم وبماذا سيلقبونهم، وهو الذي لم تفارقه المناقب من ولادته الى اللحظات الأخيرة من حياته الشريفة، فهذا بيت الله الذي ولد فيه علي بن ابي طالب (ع) وجداره المفطور الى يومنا هذا أكبر شاهد على قدسية المولود عليه السلام، ولم يتجاوز العشر سنوات حتى نصبّه رسول الله (ص) في حديث الدار وصيه وخليفته حيث قال (ص) (هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم)..(6)، وحين المؤاخاة لم يتخذ الرسول (ص) أخاً إلا علياً لأنه أخيه في الدنيا والأخرة حيث قال رسول الله (ص) (أنت أخي في الدنيا والأخرة)..(7)

 وفي معركة الخندق حيث تراجف المسلمون من الخوف حين برز لهم عمرو بن عبد ود والرسول (ص) يرغب بهم بالجنان حتى يبرز له أحدهم ولكن الجميع يريد الأرض ان تنشق وتبتلعه من شدة الخوف إلا علياً خرج وقال أنا لها فقال رسول الله (ص) (برز الإيمان كله الى الكفر كله)...(8) فقتله أعظم قتلة حينها قال الرسول (ص) (لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو بن عبد ود أفضل من أعمال أمتي الى يوم القيامة)...(9)

 وحين إنهزم المسلمون في خيبر مرتين والراية عند أبو بكر تارة وأخرى عند عمر بن الخطاب والمرض قد أقعد علياً عن الجهاد ولكن النبي (ص) قال (لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)...(10) وحين أصبح الصباح نادى رسول الله (ص) علياً فأعطاه الراية وقتل مرحباً وفتح خيبر.

 ويوم الغدير قد نصب فيه رسول الله (ص) علياً ولياً لكل مؤمن ومؤمنة حيث قال (ص)(فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه أللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأعن من أعانه وأبغض من أبغضه)....(11) وقد بايع المسلمون قاطبة علياً(ع) على الولاية ومن ضمنهم أبو بكر وعمر حيث مقولته المشهورة أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة يا أبا الحسن (ع)، وقد قرن الله سبحانه وتعالى ولاية علي (ع) بولايته سبحانه وتعالى حيث قال (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)..(12) ولم يعطي الزكاة حين الركوع إلا علي بن ابي طالب (ع) كما ذكره أغلب أهل السير والحديث(13)

 أما الآيات التي نزلت بحقه فهي من كرائم القرآن حيث قال رسول الله (ص) (إن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام وربع فرائض وأحكام، وإن الله أنزل في علي كرائم القرآن)..(14) أما رسول الله (ص) فقد خصه بمناقب لم يشرك معه أحداً من المسلمين : حيث قال رسول الله (ص) (خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد)...(15)، وقال (ص) (إن الملائكة صلت عليّ وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشر)..(16) وقال (ص) (إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله عز وجل جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب)..(17) وقال (ص) (أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب)..(18)، وقال (ص)(أنا مدينة العلم وعلي بابها)..(19) وقال (ص) (أنا مدينة الحكمة وعلي بابها)..(20) وقال (ص) (علي خير البشر ومن أبى فقد كفر)..(21) وقال (ص) (النظر الى أخي علي بن أبي طالب عبادة وذكره عبادة)..(22) وقال (ص) (لا يحبك إلا مؤمن ولايبغضك إلا منافق)..(23)....

وغيرها كثير لا يمكن عدها وحصها من المناقب والصفات التي إمتاز بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حيث يقول حبر الأمة عبد الله بن عباس (رض)(والذي نفس ابن عباس بيده لو كان بحار الدنيا مداداً والأشجار أقلاماً وأهلها كتاباً فكتبوا عن علي بن أبي طالب (ع) من يوم خلق الله عز وجل الدنيا الى أن يفنيها ما بلغوا معشار ما أتاه الله تبارك وتعالى) (24).

فإذا كان الأخرون عندهم بعض المنيّقبات فلم تسعهم الأرض من فرحتهم بها وأتباعهم يذكرونها صباحاً ومساءاً وجعلوهم من المنزلة والعظمة بحيث لم يصل إليها إنسان إلا رسول الله (ص) وفي بعض الأحيان تتعدى حتى منزلة رسول الله (ص)، هذه بعض المنيّقبات وإذا كان عندهم مثل هذه المناقب التي تمتلكها يا سيدي يا أمير المؤمنين فأين سيضعهم أتباعهم وماذا سيقولون عنهم وأين تكون منزلتهم وكيف يقتدون بهم.

 فيا لتعاسة الأمة وسوء حظها وجهالتها عندما تركت من أراده الله ورسوله (ص) أن يكون ولياً وإماماً وخليفةً لهذه الأمة مع كثرة الأدلة والمناقب، فسلامٌ عليك يا أبا الحسن يوم ولدت في الكعبة ويوم استشهدت في بيت الله ويوم تبعث حيا.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/khadairalawad.htm

............................................

(1) سورة يوسف أية 41(2) سورة التوبة أية 40(3) سورة التوبة أية 26(4) سورة الفتح أية 4(5) المبسوط للسرخسي ج2ص25، اللباب ج1ص112، الهداية للمرغبناني ج1ص84، المدونة الكبرى ج1ص58، المنتقى للباجي ج1ص196، المغني ج2ص196، الشرح الكبير ج2ص155، المحلى ج5ص51، المجموع ج4ص248و250، الوجيز ج1ص62، فتح العزيز ج4ص540- السراج الوهاج ص86- مغني المحتاج ج1ص284(6) تفسير الخازن ج2ص272، كفاية الطالب باب 51(7) كفاية الطالب باب 100 ص379(8) كنز الفوائد أبو فتح الكراجكي ص137، شرح نهج البلاغة بن أبي الحديد المعتزلي ج13ص261(9) المستدرك ج3ص32، السيرة الحلبية ج2ص349، كنز العمال ج6ص158(10) صحيح البخاري البخاري ج4ص20(11) أسد الغابة أبن الأثيرج5ص205،تاريخ البغدادي، أبن النجار البغدادي ج3ص10(12) سورة المائدة أية 55(13) مجمع الزوائد للهيثمي ج7ص17،المعجم الأوسط الطبراني ج6ص218 (14) شوااهد التنزيل، الحاكم الحسكاني ج1ص42،43 –علي في القرآن،السيد صادق الشيرازي ج1ص9 (15) فضائل الصحابة ج2ص563 طبعة السعودية(16) كنز العمال ج11 ص616(17) كفاية الطالب باب 100ص379(18) المناقب للخوارزمي ص40(19) المناقب للخوارزمي ص40، كنز العمال ج11ص614(20) المناقب لأبن المغازلي ص119(21) كفاية الطالب باب 62ص246(22) تذكرة الخواص ص2(23) تذكرة الحفاظ ج1ص10(24) درر بحار الأنوار ج3ص349، الإمام علي (ع) أحمد الرحماني الهمداني ص111(24).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/تموز/2013 - 20/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م