الآثار... حضارات على مقصلة التقصير

 

شبكة النبأ: على الرغم من الجهود والاستكشافات المستمرة التي يقوم بها علماء الاثار والكثير من المنظمات المتخصصة في العديد من دول العالم في سبيل الحفاظ على الآثار والحضارة الإنسانية السابقة، لاتزال هذه الكنوز القيمة تتعرض للكثير من الاخطار وتعديات التي ادت الى تدمير هذا الإرث الحضاري، وفيما يخص عالم الاثار فقد ادرجت منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم يونسكو ستة مواقع اثرية سورية معرضة للخطر بفعل المعارك الجارية في هذا البلد على قائمة التراث العالمي المهدد، ولا سيما الاحياء القديمة في حلب التي اصيبت بأضرار جسيمة. وتضم سوريا ستة مواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي وهي دمشق القديمة وحلب القديمة وبصرى وقلعة الحصن وموقع تدمر وقرى اثرية في شمال سوريا. وقررت لجنة التراث العالمي في اليونسكو المجتمعة في دورتها السنوية وضع الاماكن الستة على لائحتها للمواقع المهددة.

وقال الناطق باسم المنظمة روني اميلان ان "القرار يهدف الى الحصول على دعم لانقاذ المواقع". كما دعمت اللجنة اقتراحا فرنسيا بإنشاء صندوق خاص للحفاظ على هذه المواقع. وكانت اليونسكو لفتت في وثائق تحضيرية لهذا الاجتماع الى ان المعلومات حول الدمار الذي لحق بهذه المواقع "جزئية" ونابعة من مصادر لا يمكن التثبت من صحتها على الدوام مثل الشبكات الاجتماعية، ومن تقرير للسلطات السورية "لا يعكس بالضرورة الوضع الفعلي على الارض".

واشارت المنظمة الى انه "بسبب قيام نزاع مسلح، فان الظروف لم تعد متوافرة لتأمين المحافظة على هذه المواقع الستة وحماية قيمتها العالمية الاستثنائية". واضافت ان "حلب بالتحديد اصيبت بأضرار جسيمة". وفي نيسان/ابريل دمرت مئذنة الجامع الاموي الاثري في هذه المدينة الكبرى الواقعة في شمال سوريا نتيجة المعارك التي دارت على مدى اشهر في محيطها. وكان الجامع الذي شيد في القرن الثامن واعيد بناؤه في القرن الثالث عشر اصيب بأضرار فادحة في خريف 2012. وفي ايلول/سبتمبر 2012 التهمت النيران اجزاء من سوق حلب الاثري بدكاكينه القديمة ذات الابواب الخشبية التي يعود بعضها الى مئات السنوات كما لحقت اضرار بقلعة حلب. وتحدثت معلومات عن حفريات تجري سرا في عدد من المواقع.

ودعت اليونسكو مرارا منذ بدء المعارك اطراف النزاع الى الحفاظ على تراث سوريا الثقافي والتاريخي ونبهت الاسرة الدولية الى مخاطر تهريب الممتلكات الثقافية والاتجار بها. فقد صرحت المديرة العام لليونسكو ايرينا بوكوفا "ادعو كل المسؤولين عن هذه الاضرار الى الكف فورا عن التدمير والبرهنة على احترام عقائد وتقاليد كل السوريين". واضافت ان "تدمير التراث الثقافي الذي لا يمكن تعويضه للشعب السوري هو خسارة لكل الانسانية"، مشيرة الى الاضرحة والمساجد والمواقع الاثرية والقطع الثقافية والتقاليد الحية.

وادرجت لجنة التراث العالمي على لائحتها للتراث العالمي المعرض للخطر موقع رينيل ايست الجزيرة الواقعة في ارخبيل سليمان التي تعد اكبر تجمع للشعب المرجانية في العالم. وهي مهددة بعمليات استغلال الغابات. لكن اللجنة شطبت من اللائحة قلعة بم الايرانية التي اصيبت باضرار جسيمة في الزلزال المدمر الذي وقع في 2003، معتبرة انها اصبحت سليمة. وستدرس اللجنة ايضا ادرج 31 موقعا طبيعيا وثقافيا جديدا على اللائحة التي تضم اصلا 962 مكانا في 157 بلدا. بحسب فرانس برس.

وبين المواقع المرشحة هذه السنة جبل فوجي في اليابان ومدينة اغاديز في النيجر وفيلا مديسي وجبل اتنا في ايطاليا وصحراء ناميب في ناميبيا ومراكز صيد الحيتان في ريد باي في كندا حيث كان ينشط البحارة القادمون من الباسك في القرن السادس عشر.

الدير البيزنطي في خطر

في السياق ذاته بالقرب من ساحل غزة، وتحديدا في تل أم عامر تقع بقايا أكبر دير بيزنطي في الشرق الأوسط، وهو موقع أثري لا يجد المال اللازم لترميمه والمحافظة عليه. ويقول رينيه التر الباحث في المعهد الفرنسي لدراسات الكتاب المقدس والدراسات الاثرية "يجب انقاذ دير القديس هيلاريون، الوضع دقيق ونحن نوشك ان نفقد هذا الموقع". ويضيف عالم الاثار هذا المكلف دراسة امكانية انقاذ الموقع "لا بد من التحرك بسرعة لفعل شيء ما والا سنفقد هذا الموقع الاثري حتما".

ويقدر رينيه التر كلفة انقاذ هذا الموقع التاريخي الواقع قرب مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين في وسط قطاع غزة، بحوالى مليوني دولار، في مشروع يمتد على ثلاث سنوات، من بينها مبلغ 200 الف دولار بصفة عاجلة قبل فصل الشتاء المقبل. ويوضح ان فرنسا تبرعت بمبلغ 110 الاف يورو منذ العام 2010، كما ان منظمة اليونسكو تبرعت بمبلغ 35 الف دولار، لكن التبرعات باتت شحيحة، و"هي تتأخر رغم الوعود" التي اطلقها المانحون.

يعمد القيمون على الموقع الى اساليب بدائية لمنع المزيد من التدهور في حالة الدير، منها وضع أكياس رملية والواح خشبية. ويقول التر "هذه الاجراءات فعالة مؤقتا، لكن ان لم نتخذ الاجراءات اللازمة في غضون عام، فاننا مقبلون على ما هو أسوأ". ويعد هذا الدير البيزنطي الاكبر في الشرق الاوسط، وهو يحمل اسم راهب غزي من القرن الرابع للميلاد يدعى هيلاريون، وهو يمتد على مساحة 15 الف متر مربع، ويقع في ارض تمتد بمساحة عشرة هكتارات.

ويضم الموقع كنيسة وسردابا وغرفا ومقصفا للرهبان ونزلا وغرف حمامات لحجاج الاراضي المقدسة. في العام الماضي، ادرج دير القديس هيلاريون على القائمة المؤقتة التي تعدها منظمة اليونسكو عن المواقع الاثرية المرشحة للدخول في قائمة التراث العالمي. وفي العام 2012، ادرج في لائحة الصندوق العالمي للاثار للمواقع الاثرية المائة الاكثر تهديدا بالاندثار في العالم.

ويبدي عالم الاثار الفلسطيني فضل العطلة، العامل في الموقع، قلقه على هذا الدير الاثري، ويقول "لقد بدأ العشب يغزو أرضيات الفسيفساء". ويضيف "نحن بحاجة الى عمال يقومون بإزالة العشب، ونحتاج الى تبديل الفي كيس رمل، والواح الخشب لتمتين المدخل الذي يسلكه الزوار". ويحظى الموقع بعدد كبير من الزوار شهريا وصل في اذار/مارس الى 1880 شخصا، معظمهم من الطلاب الذين يرافقهم فضل، ويسترسل في اخبارهم عن القديس هيلاريون والرومان والمسيحيين قبل الحقبة البيزنطية، والامويين، في رحلة تربوية فريدة من نوعها قد لا تتوفر سوى في غزة.

ويقول فضل ان الهدف الاول من زيارة المواقع هو كسر الروتين اليومي في مدارس القطاع، اما الهدف الثاني فهو التعرف على الاماكن الاثرية بهدف فهم التاريخ بشكل أوضح، و"ان لا ننسى اجدادنا الذين تركوا لنا موقعا اثريا كهذا لنحافظ عليه". ودير هيلرايون ليس الموقع الاثري الوحيد في غزة الذي يتطلب العمل لانقاذه. بحسب فرانس برس.

ويقول شهود ان عناصر كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية حماس الحاكمة في القطاع، يتمركزون في محيط موقع البلاخية الاثري قرب مرفأ انتيدون الاثري الذي يعود الى عهد الاغريق. وكذلك ينبغي الالتفات الى الكنيسة البيزنطية في جباليا، الشهيرة بلوحات الفسيفساء فيها، والتي أصيبت أطرافها بقصف اسرائيلي استهدف قطاع غزة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

اعادة بناء

من جانب اخر تباشر برلين عملية بناء جزئية لقصر ملوك بروسيا وهو تحفة من تحف الهندسة الباروكية والذي جرفت المانيا الشرقية الشيوعية اخر معالمه المتبقية بعد هزيمة الرايخ الثالث. والحجر الاساس في هذا المبنى الجديد الواقع في وسط المدينة والذي يتوقع ان تبلغ كلفته حوالى 590 مليون يورو يضعه الرئس الالماني يواكيم غاوك بعد سنوات من الجدل. فالقصر السابق لأمراء بروسيا واكب كل تقلبات تاريخ العاصمة الالمانية التي تأثر شكلها بالحرب العالمية الثانية وتقسيم المانيا الى شرقية وغربية.

والصرح الجديد الذي سيكون مركزا ثقافيا سيعيد بناء ثلاثة ارباع الواجهات الباروكية القديمة لقصر هوهينسولرن الذي تعود اقدم عناصره الى القرن الخامس عشر فيما اقسامه الرئيسية عائدة الى مطلع القرن الثامن عشر. واعادة بنائه كانت موضع جدل حاد في مطلع الالفية لانها تشمل هدم "قصر الجمهورية" الذي ضم برلمان المانيا الشرقية سابقا ومركزا ثقافيا وترفيهيا وكان لا يزال شكل جزءا من ذاكرة الكثير من مواطني المانيا الشرقية.

وكان قصر الجمهورية يلقب ب"متجر انوار اريش هونيكر (زعيم المانيا الشرقية)" بسبب الثريات الكثيرة التي كان يحويها. وكان المبنى الرسمي الاساسي في هذا النظام. والمبنى الضخم بواجهاته الزجاجية المائلة الى اللون البرتقالي والرخامية الذي انجز بناؤه في العام 1976 والذي يحوي الكثير من الاسبستوس هدم العام 2006. وعاش مواطنو المانيا الشرقية اختفاء المبنى على انه مساس اضافي بهويتهم اذ ان الحكومات الالمانية المتعاقبة بعد اعادة توحيد البلاد في الثالث من تشرين الاول/كاتوبر 1990 سعت الى محو اي اثر للنظام الشيوعي.

في العام 1999، في السنة التي انتقلت فيها الحكومة والبرلمان الالماني من بون الى برلين التي عادت عاصمة لالمانيا الوحدة في العام 1990، ايد المستشار الاجتماعي الديموقراطي غيرهارد شرودر هدم قصر الجمهورية. وقال في مقابلة مع مجلة "دي تسايت" الالمانية "انه بشع الى درجة اني افضل قصرا مكانه". وبعد سنوات على ذلك، اعطى البرلمان الالماني الضوء الاخضر النهائي لإعادة بناء قصر هوهينسولرن.

وستتكفل السلطات الفدرالية وبلدية برلين التي ترزح تحت مديونية كبيرة الجزء الاكبر من كلفة المشروع التي اثارت انتقادات خصوصا وان العاصمة الالمانية لديها مشروع اخر كبير قيد التنفيذ هو المطار الجديد الذي ارجئ افتتاحه مرات عدة بسبب مشاكل في الورشة ادت الى ارتفاع كبير في الكلفة.

فيليم فون بوديين وهو ارستقراطي الماني ناضل خلال سنوات من اجل اعادة بناء القصر أمل في جمع حوالى 80 مليون يورو لإعادة بناء القصر الذي سيدشن في العام 2019. والقصر واقع قبالة كاتدرائية برلين البروتستانية التي تنافس قبتها قبة كاتدرائية القديس بطرس في روما على جادة اونتر دن ليندن وهي بمثابة شانزيليه برلين. قد صمم الصرح الضخم المهندس المعماري الايطالي فرانكو ستيلا. بحسب فرانس برس.

وسيضم القصر مجموعات مأخوذة من المتحف الاتني ومتحف الفن الاسيوي في برلين فضلا عن مجموعات علمية من جامعة هامبولت ومكتبات ومراكز ثقافة. وقد اعادت المانيا في السنوات الاخيرة بناء نصب مدمرة بشكل امين مثل فندق ادلون وهو احد رموز برلين ايضا ليكون نسخة عن الفندق الفخم الذي دمر خلال الحرب. وفي درسدن (شرق) اعيد بناء كنيسة فراونكيرشه المستديرة بالتمام على الانقاض التي خلفتها الطائرات الحليفة.

اكتشافات جديدة

على صعيد متصل عثر علماء الآثار في بيرو على مقبرة ملكية تحوي كنوزا أثرية ومومياوات لسيدات يعود تاريخها إلى ما قبل 1200 عام. ومن الممكن أن تسلط هذه المقبرة الي عثر عليها شمالي العاصمة ليما الضوءَ من جديد على إمبراطورية الواري التي كانت تحكم منطقة جبال الأنديز قبل ظهور حضارة الإنكا. ووجد داخل تلك المقبرة ما يربو على 60 هيكلا عظميا، بما فيها جثث لثلاث ملكات من شعب الواري، جرى دفنهن إلى جانب الحليّ من الذهب والفضة وألواح الخزف المطلي ببراعة.

وكان عدد من تلك الجثث مدفونا في وضعية الجلوس، وهو ما يشير إلى كونهن تابعات للعائلة المالكة، فيما يقول خبراء الآثار إن المقبرة وجدت في منطقة قلعة "إل كاستيّو دي هوارمي"، والتي تقع على بعد 280 كيلومترا تقريبا شمالي ليما. وقال ميلوز غييرز، المدير المساعد في المشروع "لأول مرة في تاريخ بيرو الأثري نجد مقبرة ملكية ترتبط بثقافة شعب الواري". وأضاف "تضمنت محتوبات تلك الغرفة الملكية 63 جثة أغلبها من السيدات، وكانت ملفوفة بأربطة جنائزية ومدفونة في الوضعية الجلوس التي تعد وضعية تقليدية لدى شعب الواري".

أما خبير الأدلة الجنائية الأثرية، فييسواف فييتسكوفسكي فيقول إن وضعية بعض الجثث الأخرى كانت تشير إلى أنها كانت قربانا بشريا. وأضاف فييتسكوفسكي "وجدنا داخل تلك المقبرة ست جثث ليست موضوعة داخل أكفانها، كما أنها كانت موضوعة في أوضاع غريبة جدا فوق الجثث الأخرى، لذا فإننا نعتقد أنها كانت مجرد قرابين."

وتابع قائلا: "تقودنا الحقيقة بأن أغلب الهياكل العظمية في تلك المقبرة هي لسيدات، إضافة إلى تلك المقتنيات الثمينة إلى تفسير أن تلك المقبرة تعود إلى طبقة النخبة المالكة، وهو ما يغير أيضا وجهة نظرنا حول وضع النساء في ثقافة شعب الواري." وأمضى علماء الآثار شهورا يعملون بسرية على الحفر داخل غرف الدفن تلك، وسط مخاوف من أن يكشف اللصوص أمرَ تلك المقبرة ويقوموا بنهبها. ويذكر أن حضارة شعب الواري شهدت ازدهارا ما بين القرنين السابع والعاشر الميلاديين، حيث قامت بغزو كل ما يعرف الآن ببيرو، وذلك قبل أن يصيبها تدهور مفاجئ غريب.

من جانب اخر اكتشف علماء الآثار مدينة عتيقة تنتمي لحضارة المايا ظلت مختفية قرونا من الزمن في منطقة الغابات المطيرة بشرق المكسيك وهو الاكتشاف الذي يضم محميات طبيعية نائية يأملون ان تطرح أدلة تفسر كيفية اندثار هذه الحضارة قبل ألف عام. وعثر الفريق العلمي بقيادة ايفان سبرايتش الاستاذ المشارك بالاكاديمية السلوفينية للعلوم والفنون على 15 هرما يصل ارتفاع احدها الى 23 مترا وملاعب للكرة وميادين رحبة ومنحونات حجرية.

واطلق العلماء على المدينة المكتشفة اسم تشاكتون اي "الصخور الحمراء" وقال سبرايتش إن المدينة ربما كانت اقل من حيث الكثافة السكانية عن مدينة تيكال المنتمية لحضارة المايا في جواتيمالا وانها كانت تستوعب نحو ثلاثة آلاف شخص. وعضد معهد المكسيك الوطني لعلوم التاريخ والسلالات ما توصلت اليه البعثة الاثرية وهي المهمة التي تمولها الجمعية الوطنية الجغرافية وشركتان اوروبيتان. بحسب رويترز.

واضاف سبرايتش ان مساحة المدينة تصل الى 54 فدانا وتقع على مسافة 120 كيلومترا غربي مدينة تشيتومال بالمكسيك وقال ان المدينة تغطيها الاحراش. وكان شعب المايا يتميز بالفنون وفن العمارة والفنون التشكيلية والخزف والنحت وحقق تقدما كبيرًا في علم الفلك والرياضيات وطور تقويمًا سنويًا. وبلغت حضارة المايا أقصى مراحل تطورها الكبرى في منتصف القرن الثالث الميلادي واستمرات حوالي 600 عام واكثر.

الاثار الصينية

في السياق ذاته ضمدت أسرة ملياردير وجامع تحف فرنسي جرحا تاريخيا نازفا عندما اعادت منحوتتين برونزيتين على شكل رأسي حيوانين كانتا ضمن الآثار التي نهبتها القوات الفرنسية والبريطانية من قصر صيني منذ أكثر من قرن ونصف القرن. والمنحوتتان اللتان تمثلان رأسي ارنب وفأر ضمن رؤوس مماثلة لاثني عشر حيوانا ترمز إلى الابراج الصينية نهبت من القصر الصيفي القديم في بكين في عام 1860 بمعرفة القوات البريطانية والفرنسية اثناء حرب الافيون الثانية.

وعزز قيمة المنحوتتين الغموض الذي اكتنف مكان الرأسين والجهود المضنية التي بذلتها السلطات الصينية من اجل استعادتهما. وقال فرانسوا هنري بينو الرئيس التنفيذي لمجموعة كيرينج للبيع بالتجزئة في حفل في المتحف الوطني الصيني بجوار ميدان تيانانمين "إعادة هاتين المعجزتين إلى الصين تعكس التزام عائلتي بالحفاظ على التراث الوطني والابداع الفني."

وازاح فرانسوا بينو والد فرانسوا هنري ونائب رئيس الوزراء الصيني ليو ياندونج الحرير الاحمر الذي يغلف النحتين الصغيرين ليراهما الصحفيون. وكانت رؤوس الحيوانات جزءا من نافورة في القصر الصيفي القديم في بكين والمعروف باسم يوانمينغوان بالصينية. واليوم تحول القصر إلى متنزه كبير وتركت اطلال المباني التي هدمت على حالها لتصبح تذكرة بما تعرضت له الصين من عمليات نهب على ايدي البريطانيين والفرنسيين والقوى الاجنبية الاخرى. وحتى الان عثر على سبعة من هذه الرؤوس وتوجد بقيتها الان في متاحف في بكين. واشترت عائلة بينو الرأسين من جامع تحف اشتراهما في مزاد بقيمة 14.9 مليون يورو (18.3 مليون دولار) لكل منهما وفق ما ذكرته صحيفة الشعب اليومية الصينية.

الى جانب ذلك يتفقد يانغ يونغو وهو يعرج من فرط نقل حجارة الاجر والتراب، جزءا من سور الصين العظيم اعاد بناءه وحوله الى موقع سياحي وهو يواجه خطر ان تستعيده الدولة منه. ويقول هذا المواطن الصيني البالغ 52 عاما وهو ينزه عينيه التعبتين على السور الضخم "في البداية الناس لم يفهموا لماذا انطلق في هذا المشروع. كانوا يقولون اني مجنون". والجزء من الجدار الذي قام "بتخصيصه" يعود الى عهد سلالة مينغ (1368-1644). ولم يكن يبقى منه الكثير عندما قرر يان في العام 2000 البدء بترميمه من خلال اعتماد تقنيات قديمة في البناء.

ويانغ متحدر من عائلة ريفية من اقليم غانسو وهو لطالما عاش في جيايوغوان المدينة الحدودية في شمال غرب الصين. وهي منطقة فيها مساحات صحراوية شاسعة تعصف فيها الرياح الرملية.

ويروي "في العام 1999 دعت السلطات المحلية السكان الى ترميم السور العظيم بانفسهم. ورغبت في ان انطلق في هذا المشروع". ومشروعه الضخم يمتد على 790 مترا وهو محاذ في بدايته لسهوب صخرية قبل ان يأخذ مسارا جبليا. وتتضمن المشروع قلعة صغيرة و ابراج مراقبة وجدرانا عالية فيها كوات.

ويوضح يانغ يونغفو الذي يشهد وجهه المسمر على عمله الشاق في الشمس انه استثمر اكثر من خمسة ملايين يوان (630 الف يورو) من امواله الخاصة ومن خلال الاستدانة من اصدقائه.

ويؤكد "كان الناس يشككون بالمشروع لانهم كانوا يعتبرون ان على الحكومة ان ترمم السور. لكن يمكن ان يفسر ذلك على انه تصرف وطني". وقد ابرم اتفاقا مع السلطات المحلية وحول الجزء من الجدار الذي رممه الى موقع سياحي مع مدخل وموقف سيارات ومجموعة من الاشجار وبحيرة صغيرة. اما بطاقة الدخول فتكلف 25 يوان (3 يورو).

وتتولى زوجة يانغ الصندوق وهي تجلس وراء طاولة صغيرة في الهواء الطلق. وتقول تاو هويبينغ "اليوم اتى نحو ثلاثين شخصا". ويقول بعض الزوار انهم لا يعرفون ان الموقع "خاص". اما اخرون مثل غوو وهو احد الجيران فقد اصطحب اصدقاء له يزورنه لالتقاط صور "هذا الجزء من السور مرمم بطريق جيدة جدا". وهذا يثير غبطة تاو الفخورة بعمل زوجها "الضخم. الناس يلقبونه بالامبراطور يانغ".

الا ان الامور ليست سهلة للزوجين. فبعد سنوات من التراخي باتت الصين الان حريصة جدا على نصبها التاريخية. فمنذ قانون صادر في العام 2006 وحدها السلطات ينبغي ان تدير التراث الوطني. فيجد يانغ نفسه تاليا في وضغ غير قانوني مؤكدا ان ديونه تبلغ حوالى مليون يوان (125 الف يورو). ويقول الرجل الخمسيني "لقد ذرفت الكثير من دموع الحزن" مؤكدا رغم ذلك انه "غير نادم. لم اتلق اي دعم من الحكومة واتهموني حتى باني بنيت سورا مزيفا. وهذا يغضبني كثيرا".

وسور الصين العظيم ليس متواصلا بل هو مجموع اجزاء بنيت في مراحل مختلفة منذ القرن الثالث قبل الميلاد. ويقدر طوله الاجمالي بحوالى تسعة الاف كيلومتر لا بل 21 الفا اذا ما اخذت في الاعتبار الاجزاء التي اختفت. وتعرض اشهر معالم الصين لأضرار وتجاوزات كثيرة وقد اخترقته طرقات ومصانع وخطوط سكك حديد. وقد سرقت منه حجارة وتراب ولا سيما خلال الثورة الثقافية الماوية (1966-1979). بحسب فرانس برس.

اما جيايوغوان فكانت بالنسبة للصينيين موقعا حضاريا متقدما تتحكم بالطريق الوحيد نحو صحارى اسيا الوسطى. وقد بنى الاباطرة فيها حصنا مدرجا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وسلطات المدينة تعي المعضلة التي يطرحها يانغ. فقد تمت الموافقة على مشروعه "في مرحلة خاصة بعض الشيء عندما كانت الحكومة لا تملك الكثير من المال للترميم" على ما يقول يي يونغ مدير الدائرة البلدية لحماية التراث الثقافي. وجيايوغوان تحضر لمشروع كبير للحفاظ على السور. ويؤكد يي "في حال ادرج الجزء الذي رممه يان في هذا التخطيط الجديد فاننا نفكر بشرائه. لم يبت بالامر بعد".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تموز/2013 - 18/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م