المواجهة بين الجيش الحر والاسلاميين في سوريا

جاسم محمد

 

تحولت سوريا الى ارض استقطاب و"جهاد " الى المقاتلين العرب والاجانب وسط تصاعد الخلافات مابين الجماعات " الجهادية " والجيش الحر كما كان متوقعا، هذا الخلاف يعود الى تقاطع التنظيمات في اسلوب عملها رغم توافقها او تقاربها الايدلوجي. هذه الايدلوجية قائمة على نظرية قاعدية تهدف الى اتخاذ سوريا ارض جهاد اكثر من تغيير نظام بشار الاسد، وهذا ما يجعل الخلاف حادا مابين الجيش الحر و" الجهاديين " في سوريا.

 التقارير من الداخل السوري أكدت بان الجيش الحر بات يفقد سيطرته على تلك التنظيمات وبدأت حركته محدودة على الارض. فالتنظيمات بدأت تستقوي على الجيش السوري الحر وبدأت تستعد لمواجهة قادمة مابينها في ضوء تبني الادارة الاميركية مشروع على الارض في سوريا تم تنفيذه بشكل جاد في أعقاب انتهاء مناورات " الاسد المتأهب في الاردن " خلال شهر يونيو 2013، هذا المشروع تضمن دعم عسكري الى الجيش الحر وفصل التنظيمات "الجهادية " عن غيرها اي اعادة رسم خارطة جديدة للتنظيمات الاسلامية في سوريا ضمن عزل التنظيمات الجهادية الراديكالية. هذا المشروع بدأ تنفيذه على الارض بظهور " صحوات اسلامية " في سوريا وسبق أن حصلت على شحنات جديدة من الاسلحة.

 خبراء الدفاع يعتقدون بان الاسلحة الجديدة الى سوريا لم تتضمن اسلحة نوعية ولايمكن الاعتماد عليها في مواجهة القوات النظامية، وهي اشارة الى ان المعارضة سوف تشهد تراجعا ايضا في حمص وماقبل اجتماعات جنيف 2 الذي اصبح بحكم الغائب. أما الموقف العسكري الاميركي في سوريا فما زال غير واضحا فالولايات المتحدة تدرس استخدام القوة العسكرية، لكن ديفيد شيد نائب مدير وكالة مخابرات الدفاع الأميركية لم يؤيد اي شكل من تدخل الولايات المتحدة او حلفائها.

تغيير في الموقف الاميركي

اعلن قائد أركان الجيش الاميركي مارتن ديمبسي في 19 يوليو 2013 بانه قدم للرئيس أوباما خيارات الضربة العسكرية الى سوريا. هذا الخبر يعتبر تغيرا نوعيا نسبيا بالموقف الاميركي الذي يبتعد عن الخيار العسكري. التحليلات تشير الى ان الخيار العسكري لا يتضمن عملية عسكرية واسعة للقوات الاميركية في الوقت الحاضر، لكنها ممكن ان تقوم بتوجيه ضربات جوية بهدف تعزيز قوة المعارضة السورية المسلحة على الارض واضعاف قوات الاسد.

نشر باحثون دراسات عن الدولة التي يطمح النظام السوري الى تأسيسها إذا تراجع على الأرض، حيث قالوا إن تلك الدولة ستتخذ من محافظات الساحل ساحة لها. في وقت، أعلن قادة في طالبان الباكستانية منتصف يوليو 2013 أن الحركة أقامت معسكرات ودفعت بمئات المقاتلين الى سوريا للقتال الى جانب مقاتلي المعارضة. فالدولة العلوية المفترضة تقع غربي سوريا، وتتألف من محافظتي طرطوس واللاذقية بالكامل، ومناطق مصياف والسقيلبية ومحردة التابعة لمحافظة حماة، ومناطق كل من مركز حمص وتلكلخ والقصير والرستن في ريفها. وتمتد الدولة من حدود لواء إسكندرونة التابع لتركيا حالياً في الشمال، حتى الحدود اللبنانية في الجنوب، ويحدها من الشرق باقي محافظتي حمص وحماة، ومن الشمال الشرقي محافظة إدلب. النظام السوري وحزب الله وايران مازالوا باتجاه رسم خارطة الهلال الشيعي الذي يضم اطراف من العراق وسوريا ولبنان وايران والذي بدأت تتسم معالمه اكثر وراء استراتيجية النظام بالحفاظ على المناطق الساحلية في سوريا.

اعلان طالبان دخول الحرب

 أن دخول طالبان الحرب في سوريا في أعقاب ظهور مشروع " الصحوات الاسلامية " وخسارة المعارضة الى مدينة القصير واحتمالات تراجعها ميدانيا في حمص، قد تكون خطوة باتجاه تعزيز المقاتلين الاسلاميين في سوريا ورد الجميل من طالبان الى المقاتلين العرب الذين سبق لهم ان قاتلوا في افغانستان بالحرب ضد السوفيت ومابعد حرب 11 سبتمبر. ويدير الإسلاميون قوة أكثر فاعلية تسيطر الآن على أغلب المناطق التي تهيمن عليها المعارضة بشمال سوريا. هذا الإعلان يزيد من تعقد الصورة في سوريا حيث تشتعل الخلافات بالفعل بين الجيش السوري الحر والإسلاميين جاء في أعقاب فشل مفاوضات الدوحة الاخير في يونيو 2013 والتي اسهمت على الغاء "أمارة طالبان " وتوقف المفاوضات مابين طالبان والولايات المتحدة.

دخول طالبان ممكن ان يكون ايضا ورقة ضغط طالبانية ضد الولايات المتحدة للدخول بصفة طرف قوي باي مفاوضات قادمة مع الولايات المتحدة، وخطوة باتجاه الاشتراك بالسلطة مابعد الانسحاب الاميركي المقرر 2014 وممكن اعتبارها استراتيجية تهدف الى ترسيخ الصلات مع القيادة المركزية لتنظيم القاعدة، كون قبول طالبان بمفوضات الدوحة تعتبر تخلي طالبان عن القاعدة.

أما ميدانيا فان مقاتلي طالبان قد يكونوا أكثر تدريبا وتمرسا نتيجة تجاربهم الطويلة في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق والقوات الاميركية وحكومة كرزاي وربما تتركز واجباتها بالتدريب أكثر من غيره. مجموعة طالبان الاكثر تشدد تأتي خطوة لمواجهة التوجه الامريكي السعودي مؤخرا بعزل التنظيمات الاكثر تشدد. وافادت بعض تصريحات طالبان بان هذه الخطوة جاءت بناء على طلب من "اخوانهم " المقاتلين في سوريا، وهي اشارة الى ان تلك التنظيمات الراديكالية اصبحت على يقين بان المعركة القادمة في سوريا ستكون أكثر شراسة اضافة الى يقين المعارضة بشعورها بالضعف وبدأت تطلب التعزيزات من طالبان.

اشتراك طالبان يرجح قيام "الجهاديين " في سوريا بتكثيف جهودهم بالاتصالات مع تنظيمات القاعدة خاصة في اليمن والعراق بالاضافة الى الظهير اللبناني الذي يعتبر البلد الاقل في تدفق "المجاهدين " لكن الموقع الاستراتيجي الى لبنان يبقى ايضا يمثل منطقة عبور للمقاتلين والاسلحة. أما جبهة العراق فهي حاضرة من خلال جبهة النصرة رغم انشقاقها ولديها تنظيمها الخاص الذي يتميز عن عشوائيات الجهاد الاخرى. وجاء اعلان طالبان باكستان بعد ساعات من انذار الجيش الحر للقاعدة بتسليم قتلة كمال حمامي عضو المجلس العسكري للجيش الحر في اللاذقية واستمرار الحملة العسكرية للنظام السوري وحزب الله على مدينة حمص وريفها وحملة النظام لحصار أحياء برزة و القابون، في ريف دمشق.

مقتل كمال حمامي قيادي في الجيش الحر

ان حادثة مقتل كمال حمامي تعكس حجم المواجهة مابين الجيش الحر والتنظيمات الجهادية والتي تضمنت توحه القيادي في الجيش الحر كمال حمامي الملقب بأبي بصير برفقة أربعة عناصر الى مقر نبع المرّ في جبل التركمان في ريف اللاذقية في منتصف يوليو 2013، أوقفه حاجز رفع عليه شعار" الدولة الاسلامية لبلاد العراق والشام ". وبعد مشادة كلامية قتل كمال حمامي برصاص الجهاديين. هذا الحادث زاد من تعميق فجوة الخلافات مابين الجيش الحر والمقاتلين الاسلاميين في سوريا، ومازال الجيش الحر يطالب بتسليم القاتل من جبهة النصرة. الجيش الحر يعتبر اغتيال الإسلاميين للقائد الميداني كمال حمامي بمثابة "إعلان حرب". وهذه الحادثة تعكس الفوضى والعشوائية التي تعيشها المعارضة المسلحة وخصومة متنامية بين الجيش السوري الحر والاسلاميين على الرغم من أن الجانبين خاضا معارك من قبل جنبا الى جنب. وتتزامن كذلك مع محاولات الجيش السوري الحر لتهدئة مخاوف من أن تقع أسلحة تقدمها الولايات المتحدة ودول ممولة في أيدي القاعدة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن اشتباكات عنيفة وقعت بين الجيش السوري الحر والدولة الإسلامية في مناطق كثيرة بسوريا على مدى الأسابيع القليلة المنصرمة مما يشير الى العداء المتزايد بين معارضي الأسد.

"الجهاديون "

ويقصد بالجهاديين الذين تتم الإشارة اليهم مجموع المسلحين الوافدين من البلدان العربية والإسلامية مع تركيز خاص على المقبلين من أفغانستان والعراق ولبنان والجزائر وليبيا واليمن وهي البلدان التي شهدت في العقد الماضي حضورا لتنظيم القاعدة وتنظيمات تماثله في تبني الخط الأيديولوجي والعسكري مثل "دولة العراق الاسلامية " الجيش الإسلامي في العراق وفتح الإسلام في لبنان.

المجموعات الجهادية في سوريا هي خليط، فمجموعاتٌ الخارج تتألف من خليط عربي إسلامي بهدف اقامة إمارة اسلامية وبات الجيش السوري الحر يعيش هواجس من هذه المجموعات لتتحول أرض الشام الى مركز استقطاب للجهاديين القادمين من الخارج.

ان فلسفة التيارات التي تتبنى فكر وايدلوجية القاعدة والجهاد تريد استغلال الفوضى وإيجاد موطئ قدم، مع الاشارة الى أنه ليس جميع المقاتلين الأجانب المشاركين في الصراع هم جهاديون والكثير منهم لم تكن تجربتهم الاولى بل سبق لهم ان قاتلوا في ساحات جهادية اخرى.

لكن رغم ذلك فان الجهاديون لا يمثلون الثورة السورية وليسوا القوة الأساسية الفاعلة فيها وليس لهم دور قيادي في التخطيط للعمليات العسكرية. والجهاديون لن يشاركون في تقرير مصير سوريا ومستقبلها ولن يكونوا في أي حال شركاء في السلطة مع المعارضة والمعارضين بل انهم شركاء في الحرب ضد النظام.

المرحلة الحالية سوف تشهد مواجهات حادة على الارض مابين الجيش الحر والاسلاميين في سوريا رغم سعي الجيش الحر بعدم تعميق شق الخلافات مع المقاتلين العرب والاجانب من اجل توحيد صفوفهم ضد نظام الاسد مع ظهور تنظيمات جديدة. ان الصراع قد يستمر وان طول امد الحرب يرجح ان يسيطر عليها المقاتلون الاسلاميون، الذين يهدفون الى البقاء في سوريا واقامة خلافتهم وهذا يعني ان الصراع والقتال والمواجهة سوف تستمر في سوريا مهما كان مصير النظام.

لقد تحولت المعارضة في سوريا التي اندلعت عام 2011 الى حرب مسلحة تشترك بها أطراف اقليمية ودولية وتكون أرض استقطاب للجهاديين والمجموعات الاسلامية الراديكالية الاخرى، تتشابك بها التنظيمات المسلحة رغم تقاربها الايدلوجي.

أن استمرار الحرب المفتوحة في سوريا الى هذه الدرجة من العنف والدموية مقابل مئات الالاف من الابرياء من الشعب السوري الذي تجاوز المائة ألف يرجح احتمال، بأن الاطراف الدولية تدفع باتجاه اطالة الصراع من اجل الاقتتال مابين الاطراف واضعافها والتخلص من الاسلاميين بدلا من عودتهم الى دولهم.

..........................................

المصادر

1 ـ تقرير اغتيال الإسلاميين للقائد الميداني كمال حمامي بمثابة "إعلان حرب" 12 يوليو 2013

2 ـ تقرير المخابرات الأميركية تتوقع في نهاية الحرب الطويلة انحسار الاسد الى جيب ساحلي وبقاء المناطق الاخرى محل صراع 20 يوليو 2013

3 ـ دوتش فيلة 13 يونيو 2013"صحوات اسلامية " في سوريا

4 ـ طالبان الباكستانية تدخل رسميا الحرب في سوريا، ميدل ايست اون لاين 18 يوليو 2013

5 ـ تقرير كيف تم اغتيال محمد كمال حمامي/المرصد السوري 13 يوليو 2013

6 ـ The US is considering the use of military force in Syria 18 July 2013 The Daily Telegraph

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/تموز/2013 - 15/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م